شعار قسم ميدان

فورين أفيرز: لماذا تسارع أوروبا في تسليح البحرية المصرية؟

ميدان - حاملة طائرات

ستة عقود مضت على قيام الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس، إلا أن صدى رسالته ما زال يتردد "إنّ لمصر أهمية كبرى من الناحية الجيوسياسية، وهي تعي هذه الأهمية، فمن خلال قناة السويس، تقع البلاد كحلقة وصل بين أفريقيا وآسيا وأوروبا".
 

ومنذ عام 1859 عندما بدأ المصريون حفر قناة السويس تحت إشراف فرنسي، والقناة تعقّد العلاقات بين القاهرة وبقية دول العالم، وعندما قام جمال عبد الناصر بتأميم الممر المائي عام 1956، انضمت فرنسا إلى قوات المملكة المتحدة لاستعادتها، وكردّ أغرق عبد الناصر 40 سفينة في القناة، موصدا أبوابها أمام كافة السفن.
 

بعد توقيع مصر وإسرائيل اتفاقية كامب ديفيد عام 1978، أضحت قناة السويس أشدّ الممرات البحرية أمنا حول العالم، وتدير وحدها ما نسبته 7.5% من إجمالي تجارة المحيطات في العالم

وبعد تأميم قناة السويس أصبحت فرنسا الحليف الأجنبي الرئيسي لإسرائيل، وأخذ هذا التحالف أشكال مختلفة بداية من بيع طائرات مقاتلة من طراز "فوجا ماجيستر" لإسرائيل بالإضافة إلى مساعدتها في البرنامج النووي لمفاعل ديمونا، وبينما وفرت باريس الرعاية لتل أبيب بوصفها حليفا، دعمت القاهرة الثورة المناهضة للاستعمار في الجزائر، وظلت القناة موصدة أمام كافة أشكال الملاحة بين عامي 1967 و1975.

وبانتهاء الحقبة الناصرية انحرفت فرنسا بعيدا عن إسرائيل وبدأت باستعادة علاقاتها التجارية التقليدية مع القاهرة، وبعد توقيع مصر وإسرائيل اتفاقية كامب ديفيد عام 1978، أضحت قناة السويس أشدّ الممرات البحرية أمنا حول العالم، وتدير وحدها ما نسبته 7.5% من إجمالي تجارة المحيطات في العالم.
 

أما اليوم فقد تعمقت العلاقات الفرنسية-المصرية، حيث تنظر فرنسا إلى مصر كشريك عسكري في التعامل مع التهديد المحدق بالتجارة من قبل الجماعات الإرهابية، بالإضافة إلى أزمة مهاجري البحر الأبيض المتوسط، وهي تستثمر في تحويل مصر إلى قوة عظمى في المنطقة.
 

وقد علل الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في فبراير/شباط 2015 قيام حكومة بلاده ببيع القاهرة أحدث العتاد العسكري الفرنسي والتحضير لتدريبات عسكرية مشتركة، بالقول "إنني أعتقد بالنظر إلى السياق الحالي، بأن قدرة مصر على حفظ الأمن والاستقرار هو أمر بالغ الأهمية، ولا أعني الاستقرار ضمن أراضيها وإنما استقرار المنطقة بأسرها".

الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ونظيره عبد الفتاح السيسي  (رويترز)
الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ونظيره عبد الفتاح السيسي  (رويترز)

 

تسليح وتدريب

ومنذ 2015 قامت باريس ببيع أربعة سفن حربية "كورفيت" من طراز "جويند-2500 طن" المقاتلة ذات طول 108 متر، وسفن دوريات إلى مصر، وتوكل إلى هذه السفن مهمة منع الجهات الفاعلة غير الحكومية بدءًا من الجهاديين في عرض البحر وانتهاء بالزّوارق المحملة بالمهاجرين.
 

كما حصلت مصر أيضا على حاملتيّ مروحيات من طراز ميسترال (BPC/LHD)، والتي تحمل على متنها 50 مروحية مقاتلة روسية من طراز (Ka-52)، وبإمكانها إطلاق صواريخ موجهة مضادة للدروع، كما ستحظى المدفعية البحرية المصرية بدعم قمر تجسس فرنسي الصنع للمراقبة. 


لقد أصبحت مصر أبرز زبون للأسلحة الفرنسية بما يقارب 8 مليارات دولار أميركي هي قيمة صفقات الأسلحة والخدمات السنوية، وبلغ صافي أرباح فرنسا من بيعها 25 طائرة مقاتلة من طراز "رافال" سنة 2015 لمصر وحدها 5.9 مليارات دولار أميركي، كما اتفقت مصر وفرنسا على برنامج بتكلفة 1.1 مليار دولار يتضمن نظام اتصالات عبر الأقمار الصناعية العسكرية.
 

تمتلك مصر إحدى أفضل القوات البحرية تجهيزا في المنطقة والعالم، بأسطول يتألف من 319 سفينة

ولم يقتصر الدور الفرنسي على بيع الأسلحة والتجهيزات العسكرية، فقد أجرت البحرية المصرية مؤخرا تدريبين عسكريين مع فرنسا وهم: مناورات رمسيس في مارس/آذار 2016 وتدريبات كليوباترا في يونيو/حزيران 2016ـ ووفقا لموقع دفاع إسرائيل، فإن ‘التدريبات قد تضمنت إطلاق الذخيرة الحية لصد وتدمير أهداف أرضية وجوية معادية وإجراء مهام إمداد وتزود بالوقود، وبالإضافة إلى إطلاق طلعات جوية ليلية بواسطة مروحيات مضادة للغواصات‘ ويعتبر هذا النوع من المناورات بشكل رئيسي تكتيكات لمحاربة الإرهاب.

لكن معارضي السيسي يعتقدون أن حفلة الأسلحة تتعلق بتخويف خصوم العسكر الداخليين أكثر من كونها تتعلق باللاجئين أو الإرهاب.
 

جزئيا وكنتيجة لهكذا استثمارات، فقد أصبحت القاهرة اليوم لاعبا مهما في منطقة البحر المتوسط. وفقا لمسؤول إسرائيلي كبير في الأمن القومي، والذي أكد أن ‘البحرية المصرية باتت أقوى من أي وقت مضى، وتمتلك إحدى أفضل القوات البحرية تجهيزا في المنطقة والعالم، بأسطول يتألف من 319 سفينة.


المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال اجتماع في القاهرة، مارس/آذار 2017
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال اجتماع في القاهرة، مارس/آذار 2017


المنطق نفسه يقود القوى الأوروبية الأخرى، فقد أجرت المملكة المتحدة ومصر تدريبات مشتركة لمكافحة الإرهاب، فقد قال السفير البريطاني في مصر جون كاسون في أثناء زيارته لمراسم تدريبات البحرية بأن "بريطانيا ومصر قد بدأتا صفحة جديدة في التاريخ الطويل والمشرف للبحريتيّن’، وقد سجلت هذه المناسبة أول زيارة لسفينة بريطانية إلى قاعدة الإسكندرية البحرية بعد ثمان سنوات بسبب الاضطراب السياسي الذي واجهته مصر بعد ثورة يناير".

في هذه الأثناء كانت الشراكة العسكرية مع برلين في أوجها العام الفائت مع تزويد الأسطول المصري بأربع غواصات ألمانية في الإسكندرية، وفي مارس/آذار أجرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل زيارتها الأولى لمصر منذ 2013، وفي ملاحظاتها أثناء مؤتمر صحفي مشترك مع السيسي، قامت بدعمه بوصفه حارس جنوب أوروبا الرئيسي في البحر المتوسط.

بالنسبة لألمانيا، فأزمة اللاجئين هي معضلة رئيسية، وهي تأمل بأن تتمكن القاهرة من إسناد الاتفاق التركي-الأوروبي الذي أقفل منفذ البلقان على اللاجئين السوريين.
 

ووفقا لمصدر مقرب من القاهرة فإن ألمانيا تريد من مصر إعادة اللاجئين إلى ساحل ليبيا الشرقي تحت حماية مصرية، بينما يخشى الأمن المصري من اضطراره لحماية اللاجئين في مصر وليبيا على حد سواء، وهو ما يبدو أنه كان الدافع وراء عدم إتمام السيسي الصفقة مع ألمانيا.
 

المدمرة الألمانية بقناة السويس
المدمرة الألمانية بقناة السويس
 

ومع عدم قدرة ليبيا التامة (أو نيّتها) على اعتراض اللاجئين الأفارقة الذين يحاولون شق طريقهم باتجاه أوروبا، يظل لدى الاتحاد الأوروبي رغبة في إيجاد شركاء آخرين لمهمة دوريات المراقبة في الأنحاء. وفي مصررغم الأزمات الأمنية والاقتصادية الداخلية، إلا أن جيشا قويا يقف بالمرصاد لضبط مياه المتوسط، مقابل أجر؛ فبعد كارثة وقعت في أكتوبر/تشرين أول 2016 نجم عنها غرق 200 مواطن مصري، مررت القاهرة تشريعا لمواجهة الهجرة بأحكام قاسية على مهربي المهاجرين ومشغلي القوارب.
 

ومما لا شك فيه أن هكذا صفقات ستحمل معها العيوب، فمصر هي أبرز الدول المخزّنة للسلاح عالميا من بين الدول النامية، و يشير نقاد السيسي إلى أن حفلة الأسلحة تتعلق بتخويف خصوم العسكر الداخليين أكثر من كونها تتعلق باللاجئين أو الإرهاب.

وفقا لإحصائيات الاتحاد الأوروبي فإن الاتحاد يساهم ب 75% تقريبا من الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر، كما يظل الاتحاد الأوروبي أهم سوق تصدير لمصر

لقد كتب ماجد مندور من مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي بأن اثنتين من حاملات الميسترال المصرية قد تستخدمان بسهولة للسيطرة على مدن حيوية مثل الاسكندرية وبور سعيد والسويس -وهي أول مدينة أفلتت من قبضة النظام سنة 2011- بالإضافة إلى الساحل الشمالي وقناة السويس.
 

لكن الأوروبيين أقل قلقا "بل سعداء لأن النظراء المصريين قد قرروا تخفيف القيود عن المؤسسات السياسية"، هذا ما قالته ميركل في المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقد مع السيسي، حيث أشادت بالتوقيع القريب على اتفاقية شراكة بين مصر والاتحاد الأوروبي هدفت إلى تأطير وحفظ علاقة القاهرة مع المؤسسات الأوروبية.

ووفقا لإحصائيات الاتحاد الأوروبي فإن الاتحاد يساهم ب 75% تقريبا من الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر، كما يظل الاتحاد الأوروبي أهم سوق تصدير لمصر، وهو الذي يحوي ما نسبته 29.4% من الصادرات المصرية.
 

إن تحويل مصر إلى قوة عظمى تساند أهداف الاتحاد الأوروبي في البحر الأبيض المتوسط سيتطلب من الاتحاد الأوروبي المزيد من الاستثمارات في اقتصاد مصر المتهالك، والمزيد من الصفقات لتحديث وتنويع المصادر العسكرية المصرية، لكن القيام بذلك يعني أن تغمض بروكسل عينها عن سجل انتهاكات حقوق الإنسان وحملة النظام على المعارضة المصرية الإسلامية والليبرالية على حد سواء.

__________________________________________________________________________

التقرير مترجم عن هذا الرابط 

المصدر : الجزيرة