شعار قسم ميدان

من سيملأ الفراغ السياسي باليمن بعد موت علي صالح؟

midan - علي عبدالله صالح
مقدمة الترجمة

يتناول هذا المقال سردا مقتضبا  لرحلة علي عبدالله صالح في عالم السياسة بداية من توليه رئاسة الجمهورية، ومرورا بالمناورات السياسة العديدة التي أقدم عليها خلال رئاسته من أجل تثبيت أركان حكمه، وصولا إلى رحيله الذي ترك فراغا في المشهد السياسي اليمني .

 

نص المقال

أكد مقطع فيديو مباشر ومئات التقارير الإخبارية مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح ومع ذلك ما زال العديد من اليمنيين لا يصدقون رحيله عن المشهد السياسي لبلادهم. نجا صالح سابقًا من محاولات اغتيال وانقلابات وحربين أهليتين والضغط الدولي المتزايد عليه للاستقالة، ومع ذلك وجد طريقه دائمًا إلى قلب القيادة اليمنية عبر تغيير نفسه وحلفائه. فعل ذلك بشكل متكرر إلى درجة أنه جعل من كل كيان سياسي في المنطقة حليفًا له وعدوًا في مرحلة من المراحل خلال سنوات حكمه الـ 34.

 

مناورة صالح الأخيرة لم تكن مختلفة. فعندما سقطت اليمن في دوامة الحرب الأهلية في 2015، فاجأ علي عبد الله صالح حتى أكثر المراقبين اطلاعًا وذلك بتأييده للحوثيين المدعومين من إيران، وهي نفس القبائل التي اعتبرها يومًا عدوًا له والتي تستهدفها حملات القصف السعودية الآن. وفي الشهر الماضي وبخطوة مذهلة أخرى أعلن صالح أنه مستعد للالتزام مع السعودية ولعب دور الوسيط بين الحوثيين والرياض. ترددت القبائل المتحالفة معه سابقًا في قبول هذا الأمر. في هذه الأثناء اعتبر الحوثيون أن اقتراح صالح هو محاولة مستترة لإشراك قوى الثورة وتمهيد الطريق لعودته المظفرة باعتباره صانع الملوك الأمهر. لكن طموح صالح تجاوز بكثير كونه رئيسًا سابقًا يحن للسلطة. إذ أنه تمكن عبر مناوراته ومرونته السياسية تمكن من جمع مجموعات من الفصائل المختلفة في اليمن والتي تقبع صراعاتهم كما فصلت في عدد (نوفمبر/ديسمبر) من مجلة الفورين أفيرز في قلب الصراع اليمني.

 

عندما أصبح صالح رئيسيًا للجمهورية العربية اليمنية (أو اليمن الشمالية) في 1978 لم يتوقع الكثيرون نجاته خلال ذلك العام. تعرض أسلافه للاغتيال في غضون أشهر قليلة وكان عمر صالح حينها 36 عامًا ولم يكن له ذلك الدعم القبلي والعسكري الذي كان للرئيسين السابقين. لم يتفوق صالح على توقعات أولئك المتشائمين فقط بل تمكن من إنهاء الحرب المزمنة بين شمال اليمن وجنوبها.

 

الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح والجنرال علي محسن الأحمر (الأوروبية)
الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح والجنرال علي محسن الأحمر (الأوروبية)

 

أصبح اتحاد الدولتين رسميًا في 1990 ونشأت جمهورية اليمن وهي دولة جديدة ذات سيادة على كامل المساحة الواقعة جنوب غرب الجزيرة العربية وصالح هو مركز السلطة فيها. هذا الاتحاد الذي نشأ جزئيًا بسبب اكتشاف حقول البترول على طول الحدود الفاصلة بين الشمال والجنوب مكن صالح من شفط مليارات الدولارات إلى حسابه الشخصي وتمويل شبكة من الولاءات التي تضمن سيطرته الكاملة على جمهورية اليمن الجديدة. لكن قادة اليمن الجنوبية انضموا إلى قائمة طويلة من حلفاء صالح الذين تحولوا إلى أعداء وذلك عندما دخلوا في صراع مع حكومته على توزيع الثروة والسلطة. وقد بلغت هذه الخلافات ذروتها أثناء الحرب الأهلية في 1994. خلال هذه الحرب تدخلت السعودية لدعم انفصاليي جنوب اليمن آملة أن تضعف دولة صالح الموحدة والذي كان يراه أفراد العائلة المالكة تهديدًا لسيادة المملكة الإقليمية. انتهت الحرب الأهلية القصيرة بسيطرة صالح على ميناء عدن في جنوب اليمن.

 

انتصار صالح المدوي على حلفائه الجنوبيين السابقين كان جزئيًا بسبب التحالف الإستراتيجي بين حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يرأسه صالح وحزب الإصلاح الذي يمثل مصالح الفصائل الإسلامية والإخوان المسلمين. تعيين الشيوخ الزنداني وعبد الله الأحمر وهما عضوان رئيسيان في حزب الإصلاح في مناصب قيادية في حكومة صالح أمن له دعم الإسلاميين خلال حرب 1994 الأهلية. وبعد أدائه الضعيف في انتخابات 1997 استبعد صالح حزب الإصلاح كما فعل سابقًا مع قيادات جنوب اليمن. ردًا على ذلك شكل الإسلاميون والإخوان المسلمون تحالفًا جديدًا سمي باسم تكتل أحزاب اللقاء المشترك، لكن صالح استمر في إثارة المنافسة السياسية والخلافات داخل التكتل محاولًا إبقاء هذه المجموعة المعارضة مفرقة وغير فعالة.

 

مكنت الإطاحة بصالح الأحزاب الإسلامية والحركة الانفصالية الجنوبية التي تضررت من تركيز صالح للسلطة في يديه من العودة مجددًا إلى الواجهة السياسية

 لكن التهديد الأكبر لصالح جاء من قبل نفس القبائل الشمالية التي حاصرت صنعاء في 1968 والتي وقف صالح في صفوف المدافعين عنها. هذه المرة رفعت القبائل السلاح متحدة خلف أسرة الحوثي محتجة على التهميش السياسي وعزل المناطق الشمالية في اليمن منذ تأسيس الجمهورية الحديثة في ستينيات القرن العشرين. خلال ست جولات من الحرب من 2004 إلى 2011 تمكن صالح من تسكين الثورة الحوثية وذلك بمساعدة المملكة العربية السعودية خصمه السابق في حرب 1994 الأهلية.

 

لم يكد صالح يلعق جراحه من الحرب الأخيرة مع الحوثيين حتى اجتاح طوفان الربيع العربي المنطقة. حيث خرج آلاف اليمنيين إلى الشوارع في 2011 للاحتجاج ضد الفساد والمحسوبية التي صبغت نظام صالح الرئاسي. عندما تعرض صالح لإصابة خطيرة على إثر هجمة صاروخية استهدفت مسجد قصره في ذلك العام قدمت له المملكة العربية السعودية الملجأ وتدخل مجلس التعاون الخليجي لتنظيم عملية تنازله عن السلطة لنائبه عبد ربه منصور هادي.

 

لكن الاحتفالات التي صاحبت الإطاحة بصالح كانت ساذجة. فتح رحيله الباب واسعًا لخصومه السابقين ليملؤوا الفراغ. حيث استفادت الحركة الحوثية تحديدًا أعظم استفادة وكانت هي أكثر قوة عسكرية مسلحة استطاعت السيطرة على السلطة. بعد أقل من ثلاث سنوات على استبدال صالح هرب هادي من صنعاء بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة. مكن هذا الأمر الأحزاب الإسلامية والحركة الانفصالية الجنوبية التي تضررت من تركيز صالح للسلطة في يديه من العودة مجددًا إلى الواجهة السياسية والمطالبة بحصتها في الحرب الأهلية البازغة.

  

ربما استخدم صالح القوة العسكرية والفساد لتعزيز حكمه، وربما أربكت تحالفاته المتغيرة الخبراء والمراقبين، لكنه كان أكثر من زعيم متمرس في فنون السياسة لتحقيق منفعته
ربما استخدم صالح القوة العسكرية والفساد لتعزيز حكمه، وربما أربكت تحالفاته المتغيرة الخبراء والمراقبين، لكنه كان أكثر من زعيم متمرس في فنون السياسة لتحقيق منفعته
  

قفز صالح مجددًا إلى قلب المشهد السياسي اليمني في 2015 عندما تحالف مع الحوثيين مغيرًا جلده من حليف للمملكة العربية السعودية إلى خصم وجودي لها. وبالرغم من أنه استقال من منصب الرئيس، إلا أنه احتفظ بولاء 75% من الجيش اليمني. هذا ولا ينبغي إغفال أن نجاح المقاومة الحوثية منذ 2014 أو بالأحرى فشل المملكة العربية السعودية في تحقيق نصر عسكري حاسم على المجموعات المتمردة يعود الفضل إليه بشكل كبير لقوات صالح العسكرية. أما باغتياله أصبحت الحركة الحوثية بلا منافس حقيقي لها على أرض اليمن. ومع موته فإن المملكة العربية السعودية ستستمر حتمًا في تدخلها العسكري مستخدمة قتل الزعيم السابق لتبرير حربها الشعواء التي ترفع شعار مناهضة إيران ضد السكان المدنيين الذين لا تربطهم أي صلة بطهران.

 

ربما استخدم صالح القوة العسكرية والفساد لتعزيز حكمه، وربما أربكت تحالفاته المتغيرة الخبراء والمراقبين، لكنه كان أكثر من زعيم متمرس في فنون السياسة لتحقيق منفعته. مثّل صالح آخر رابط تاريخي مع مرحلة تأسيس جمهورية اليمن وآخر أمل لمستقبلها. حتى متظاهرو 2011 وخصومه العلنيين عبروا عن غضبهم إزاء أحداث اغتياله. من منظورهم اختطف الحوثيون ثورتهم وطبقوا العدالة القبلية والانتقام على صالح وهو حق أرادوه لأنفسهم.

 

أعلن أحمد أكبر أبناء علي عبد الله صالح نيته الانتقام لوالده وارتداء عباءة والده في قيادة الجيش اليمني ضد الحوثيين. على الرغم من أن ذلك يبدو فهما لهدف والده النهائي بشكل خاطئ تمامًا. فإن موت علي صالح ترك فراغًا سياسيًا كبيرًا لا يمكن أن يملأه أي سياسي يمني آخر بمفرده. رحلت الجمهورية اليمنية الحديثة، وتبدو الآن أي محاولة لحل الصراع يجب أن تمر مباشرة عبر القادة الحوثيين الذين ازدادوا عنادًا بعد موت صالح.

 

================================================

  

هذا المقال مترجم عن: (الفورين أفيرز)

المصدر : الجزيرة