هل ستصبح إيران كوريا الشماليّة القادمة؟

ميدان - صاروريخ إيران
 

مقدمة المترجم

مثّلت كوريا الشماليّة بمشروعها النوويّ قلقًا للولايات الغربيّة وحلفائها الإمبرياليين على مدى السنوات الماضية. فما طبيعة التعامل الأميركيّ مع كوريا الشماليّة ومشروعها النوويّ؟ هل فشل أم نجح؟ هذا من ناحية. من ناحية أخرى، هل يمكن لإيران أن تكون، بعد المسار الذي انتهجته بمشروعها النوويّ، كوريا شماليّة أخرى؟ ما الاختلافات بين التجربتين؟ وما أوجه الشبه؟ وماذا يتعيّن على أميركا وحلفائها القيام به حيال إيران، وعدم إنتاج تجربة جديدة مأساويّة في السياسة الخارجيّة بشأن برنامج نوويّ؟ ذلك مقالٌ في الفورين أفيرز يأخذنا إلى هذا كلّه. 
  

نص التقرير

إنّ أحدث تجارب الصواريخ الباليستيّة البعيدة المدى لكوريا الشمالية، والتي تظهر التقدم نحو القدرة على ضرب الأراضي الأميركيّة بسلاح نوويّ، تُقلق غالبًا الولايات المتحدة وحلفاءَها الآسيويين. ولكن يبدو أنّ تداعيات التجربة أبعد بكثير من آسيا وأميركا الشماليّة. ففي جميع أنحاء الشرق الأوسط، فإنّ السؤال الحتميّ هو ما إذا كانت الرغبة الواضحة لواشنطن بالقبول بالأسلحة النوويّة لكوريا الشماليّة -حتى تلك التي يمكن تسليمها الآن إلى الولايات المتحدة نفسها- ستأذن بما سيأتي في إيران. حيث يخشى القادةُ والسّكان في جميع أنحاء المنطقة، لا سيّما في إسرائيل ودول الخليج، من مشاهدة فيلم في شرق آسيا وسيحدث نظيره عمّا قريب بالقرب من أرضهم. 
 
إن القلق في محلّه. فأوجه التشابه بين الحالتين مثيرةٌ للقلق. ففي عام 1994، أعلنت إدارة بيل كلينتون "إطارا متفقًا عليه" من شأنه "تجميد ومن ثمّ تفكيك" البرنامج النوويّ الشماليّ، ووعدَ بأنّ "كوريا الجنوبية وحلفاؤنا الآخرون سيحظون بحماية أفضل"، وأنّ "العالم بأسره سيحوز على حماية وأمن أفضل" وأنّ "الولايات المتحدة والمفتشين الدوليين سيراقبون كوريا الشمالية بعنايةٍ للتأكّد من أنها تحافظ على التزاماتها". لكن بيونغيانغ [عاصمة كوريا الشماليّة -المترجم] خدعتهم، وانهارت الصفقة، وعادت كوريا الشماليّة خلال عقد من الزمان إلى طريق [تصنيع] القنبلة.
 

لم تستطع إدارة أوباما فعل شيء سوى مراقبة بيونيغانغ
لم تستطع إدارة أوباما فعل شيء سوى مراقبة بيونيغانغ "عاصمة كوريا الشمالية" بأناةٍ وهي تبني مستودعًا نوويًّا هامًّا وتطوّر نُظمَ الإلقاء لديها
 

حاولت إدارة جورج بوش أن تنتهج نهجًا أكثر تصادمية، لكنّها فشلت أيضًا. وعلى الرغم من تطبيق عقيدة جديدة بالاستباق والتعهد بمنع الجهات العدائيّة مثل كوريا الشمالية من الحصول على أسلحة الدمار الشامل، إلّا أن بوش لم يستطع أن يفعل شيئًا سوى "إدانة هذا العمل الاستفزازيّ" عندما جرّبت بيونغيانغ سلاحًا في عام 2006. ورغم تعهدات كوريا الشماليّة بـ "مسؤولية كاملة" إذا ما نشرت أسلحة أو موادَّ نوويّة، فقد وقفت الإدارة مكتوفة اليدين عندما شرعت بيونغيانغ في بناء مفاعل سريّ لإنتاج المياه الثقيلة من البلوتونيوم في سوريّة. ووفقًا لمسؤولين كبار بالمخابرات الأميركية، فإنّ هذا المسعى لم يتوقف إلا عندما قامت إسرائيل بتدبير الأمور وقصفت الموقع فى عام 2007.
 
وتحوّلت إدارة باراك أوباما، في محاولةٍ لتجنُّب المواجهة العسكريّة، ولكن أيضًا رفضًا لمكافأة سلوك كوريا الشمالية عبر محادثات، في عام 2009 إلى سياسة "الأناة الإستراتيجيّة"، ولكن لم تستطع فعل شيء سوى مراقبة بيونيغانغ بأناةٍ وهي تبني مستودعًا نوويًّا هامًّا وتطوّر نُظمَ الإلقاء لديها. 
 
كانت إدارة ترمب هي القادم الجديد. وعندما أشار دكتاتور كوريا الشماليّة كيم جونغ أون في يناير 2017 إلى نيّة اختبار صاروخ باليستيّ بعيد المدى قادرٍ على حمل رأسٍ حربيّ نوويّ، قال ترمب على تويتر إنّه "لن يحدث"، وأعلن لاحقًا أنه سيرسل "أسطولًا" إلى المنطقة. وعزّز نائب الرئيس مايك بينس رسالة ترمب بالسفر إلى المنطقة الكوريّة منزوعة السلاح، وحذّر بيونغيانغ بألّا "تجرّب عزم [ترمب] أو قوّة القوات المسلّحة للولايات المتحدة". ولكن باختبارها تجاربَ، فإنّ جميع الدلائل تشير إلى أنّ الردّ الأميركيّ لن يكون فعّالًاَ بأكثر ممّا كان عليه في مواجهة تقدّم كوريا الشماليّة على مدى السنوات العشرين الماضية. 
 

لم يسفر غيابُ صفقة تفاوضيّة لا عن انهيار كوريا الشماليّة، ولا عن حل وسط، بل بالأحرى أسفرَ عن دولة مسلّحة نوويّة بارنوديّة لديها قدرات صاروخيّة عابرة للقارات
لم يسفر غيابُ صفقة تفاوضيّة لا عن انهيار كوريا الشماليّة، ولا عن حل وسط، بل بالأحرى أسفرَ عن دولة مسلّحة نوويّة بارنوديّة لديها قدرات صاروخيّة عابرة للقارات
 

وبتّتبع هذا المسار، فقد يُغفَر للقادة وللناس في أنحاء الشرق الأوسط أن يتساءلوا عمّا إذا كانت الجهود الأميركيّة لمنع القنبلة الإيرانيّة ستثبت أكثر نجاحًا. بيد أنّه هناك اختلافات رئيسة بين الحالتين، وإنّه لمن المهم استخلاص الدروس السليمة من تجربة كوريا الشمالية. فلا يزال هناك وقتٌ لمنع إيران من متابعة خطى كوريا الشماليّة، ولكن ذلك فقط إذا كان القادة في واشنطن وفي أماكن أخرى صادقين في التحدي، ولا يقرّون فقط بما هو مألوف عن الحالتين، بل بما هو مختلفٌ أيضًا.
 
ويرى البعضُ أنّه يجب، بسبب فشل الدبلوماسيّة في كوريا الشماليّة، على الولايات المتحدة وشركائها تجنب أي محاولة في المفاوضات والتركيز ببساطة على العزلة الاقتصاديّة والدبلوماسيّة حتى يستسلم النظام الإيرانيّ أو ينهار. لكنّ هذا سيكون خطأً لعدد من الأسباب. ففي قضية كوريا الشماليّة، انهار الإطار المتفق عليه جزئيًا لأن الكونجرس الأميركيّ، الذي قرّر ألا "يسترضي" بيونغيانغ، رفضَ الوفاء بتعهدات تزويد الشمال بإمدادات الطاقة، حسبما نصّت على ذلك الصفقة. ولم يسفر غيابُ صفقة تفاوضيّة لا عن انهيار كوريا الشماليّة، ولا عن حل وسط، بل بالأحرى أسفرَ عن دولة مسلّحة نوويّة بارنوديّة لديها قدرات صاروخيّة عابرة للقارات. وبالتالي، فإنّ المقاربة الصحيحة لإيران اليوم هي عدم التخلي عن المفاوضات، والتي من شأنها أن تترك البدائل الكارثيّة لقبول قنبلة إيرانيّة أو قصف إيران، وإنّما العمل على إنجاح المفاوضات. 
 
إنّ إيران مجتمعٌ أكثر انفتاحًا وديناميكيّةً من كوريا الشمالية. ولديها حكومة لا تحظى بشعبيّة، وطبقة وسطى متعلمة، وشباب صغار يتوقون للانضمام إلى المجتمع الدوليّ، وهو الأمر الذي يجعل النظام أكثر عرضةً للضغط والإثارة. وعلى الرغم من أنّ ذلك بمبعدةٍ عن الضمان، فمن الممكن، على أقلّ تقدير، أن تبدأ بعض القيود المفروضة على المشروع النوويّ لإيران بحلول الوقت بإنهاء عقدٍ تقريبًا من الآن، وأنّ طهران ستكون تحت قيادة مختلفة، والتي يمكن من خلالها إجراء حوار بنّاء أكثر، وعقد ضمانات نوويّة، وحتى قد يكون التعاون الإقليمي ممكنًا حينها.

 

الخيار العسكريّ لمنع إيران من الحصول على القنبلة لا يزال قابلًا للتطبيق كحلّ أخير (غيتي)
الخيار العسكريّ لمنع إيران من الحصول على القنبلة لا يزال قابلًا للتطبيق كحلّ أخير (غيتي)

 
وسيكون من السذاجة الإيمان بأنّ أيّة حكومة إيرانيّة -حتى تلك الحكومة التي لن تكون معاديةً بشكل خاص لإسرائيل والدول ذات الأغلبيّة السنيّة- ستتخلى تمامًا عن عقود من العمل لتطوير صناعة الطاقة النوويّة. بيد أنّه سيكون من الحمق أيضًا ألّا نختبر الاقتراح القائل بأن الدمج الملائم بين الحوافز والمثبطات قد يقود القادة الإيرانيين المختلفين لقبول بحدود مجدية وبمراقبة فعّالة لتلك الصناعة. وقد اختارت بيونغيانغ خيارًا مختلفًا، وأصبحت الآن واحدة من أفقر البلدان وأكثرها عزلةً في العالم. إنّ طهران، أو الشعب الإيرانيّ، إذا تكلّمنا بصورة أكثر واقعيّة، قد ينظر في تلك السابقة، ويقرّر بأنّهم يفضّلون مستقبلًا مختلفًا.
 
وثمّة فارق رئيس آخر، ألا وهو أنّ الخيار العسكريّ لمنع إيران من الحصول على القنبلة لا يزال قابلًا للتطبيق كحلّ أخير. ففي كوريا الشماليّة، استُبعد الاستباق العسكريّ منذ فترة طويلة عن طريق الواقعيّة الإستراتيجيّة القاضية بأنّ معظم سكان كوريا الجنوبية، بما في ذلك العاصمة "سيول"، تقع عرضة لمجموعة الآلاف من صواريخ كوريا الشماليّة، ويعارض كافّة جيران كوريا الشمالية، بما في ذلك كوريا الجنوبية، العملَ العسكريّ بكبح انتشاره. إنّ الضربة الاستباقيّة ضد البرنامج النوويّ الإيرانيّ ستكون باهظةَ التكلفة ومثيرة للمشاكل أيضًا، ولكن بالنّظر إلى تكاليف والنتائج المترتبة على القدرة النوويّة الإيرانيّة، فإنها تظل خيارًا حقيقيًا -وهو ما يدعمه العديدُ من جيران إيران.
 
وعليه؛ على الرغم من أنّهم يجب أن يفهموا أنّ الخيار العسكريّ بالنسبة إلى إيران بعيدٌ عن المثاليّة، فإنّ الولايات المتحدة والحلفاء بحاجة إلى إبقاء الخيار قابلًا للتطبيق. ممّا يعني الحفاظ على، وتطوير، كفاءاتٍ مثل القذيفة الضخمة المخترقة، والقنبلة التي تبلغ قدرتها التدميريّة ثلاثين ألف رطلًا لتدمير المخابئ تحت الأرض، والحفاظ على سياسة تشديديّة بأنّ الولايات المتحدة لن تسمح لإيران بالحصول على سلاح نوويّ، ونشر دفاعات صاروخيّة فعّالة في إسرائيل ودول الخليج لضمان أنّ عواصمها ليست رهنًا بيد إيران على شاكلة عاصمة سيول التي هي رهنٌ بيد كوريا الشماليّة. 
 

ينبغي على الولايات المتحدة والجهات الفاعلة الدوليّة الأخرى أن تستفيد من الوقت الذي وفّره الاتفاق النوويّ للبدء في التخطيط لإمكانية أن تتخلى إيران عن فرصة طمأنة المجتمع الدوليّ
ينبغي على الولايات المتحدة والجهات الفاعلة الدوليّة الأخرى أن تستفيد من الوقت الذي وفّره الاتفاق النوويّ للبدء في التخطيط لإمكانية أن تتخلى إيران عن فرصة طمأنة المجتمع الدوليّ

 
أمّا الاختلاف الأخير، فهو أنّه على الرغم من أن كوريا الشماليّة أصبحت الآن دولة نوويّة مسلحة بصواريخ بعيدة المدى، فلا يزال هناك وقتٌ مع إيران. حتى أولئك القادة في واشنطن والشرق الأوسط الذين عارضوا الاتفاق النوويّ مع إيران يجب أن يعترفوا بأنه قد أُوقف البرنامج النووي الإيراني، على الأقلّ من الآن، عن التطوير، وينبغي أن يستغلّوا ذلك الوقت بحكمة. وينبغي أن تقبل واشنطن باستنتاجات الوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة وغيرها بأنّ إيران تمتثل للاتفاق، وتواصل توفير التمديدات الدوريّة لإعفاءات الجزاءات اللازمة للحفاظ على الاتفاق حيًّا. إنّ قرارًا أحاديَّ الجانب من قبل إدارة ترمب بالإعلان عن عدم امتثال إيران، أو إثارة أزمة مصطنعة على عمليات التفتيش، كما يخطّط البعض في الإدارة على حدّ ما يُقال، لن يؤدي إلا إلى عزل الولايات المتحدة وإعطاء إيران ذريعةً لاستئناف أنشطتها النوويّة.
 
على العكس من ذلك، ينبغي على الولايات المتحدة والجهات الفاعلة الدوليّة الأخرى أن تستفيد من الوقت الذي وفّره الاتفاق النوويّ للبدء في التخطيط لإمكانية أن تتخلى إيران عن فرصة طمأنة المجتمع الدوليّ، وألا تسعى إلى اتباع السيناريو مع كوريا الشماليّة. فيجب على الولايات المتحدة أن تطلق حوارًا إستراتيجيًّا صادقا مع جميع شركائها الدوليين حول كيفية التحقق من الاتفاق النوويّ الإيرانيّ وإنفاذه في حينه أنه لا يزال محلّه، وكذلك ما يجب فعله إذا انتهكت إيران ذلك الآن أو في المستقبل.
 

سيكون من السذاجة إنكار التشابهات المقلقة بين حالتيْ كوريا الشماليّة وإيران. ولكن من الخطأ أيضًا تجاهل الاختلافات بين التجربتين

لقد صُمِّمَ الاتفاق النوويّ لإعطاء إيران فرصة لأكثر من 10 إلى 15 عامًا لإثبات أن برنامجها للطاقة النووية هو سلميّ حصرًا. وفي حال رُفعت القيود حينها، فإنّ إيران لا تزال راعية أساسيّة للإرهاب ومقاومة للعيش بسلام مع جيرانها، وفشلت في تقديم ضمانات بأنها لا تسعى للحصول على أسلحة نوويّة، وسيكون على الولايات المتحدة وشركائها فى المنطقة وحول العالم أن يقرروا كيف يتعاملون مع إيران -وهي مناقشة عليهم أن يشرعوا فيها جيّدًا اليوم بالفعل. 
 
لقد كانت كوريا الشماليّة حليفةً دائمًا، والصين، التي لا ترغب في معاقبة مخالفاتها النوويّة خوفًا من تعجيل انهيار النظام وفقدان الوكيل. أمّا إيران، فليس لديها، ولا ينبغي أن يكون لها، حامٍ من هذا القبيل. وإذا فشلت في استخدام الوقت الذي وفّره الاتفاق النوويّ لطمأنة العالم بأنّه "تحت أيّة ظروف، لن تسعى إيران بتاتًا إلى تطوير أو الحصول على أسلحة نوويّة"، ويجب على القوى العالميّة أن كل الخيارات ستبقى على الطاولة، بما في ذلك الخيار العسكريّ والعودة إلى العقوبات التي دفعت إيران إلى التفاوض بالمقام الأوّل.
 
وسيكون من السذاجة إنكار التشابهات المقلقة بين حالتيْ كوريا الشماليّة وإيران. ولكن من الخطأ أيضًا تجاهل الاختلافات. وإذا استخلص قادة الولايات المتحدة وشركاؤها في الشرق الأوسط الدروسَ الصحيحة من تجربة كوريا الشماليّة، فإن لديهم فرصة لتفادي تكرارها.

________________________________________

مترجم عن: (فورين أفيرز)
المصدر : الجزيرة

إعلان