لماذا غزا الكويت؟ رحلة في الوثائق السرية لصدام حسين

على مدار سنوات، حلَّل كثيرون النظام البعثي وزعيمه نفسيا وسياسيا، لكن لماذا نسمع عن صدام إذا كان بإمكاننا أن نسمع منه مباشرة؟

غزو الكويت

"ليس من الصحيح دائما أن تبدأ بالعقل. أحيانا يبدأ الإنسان بالعواطف وينتهي بالعقل".

صدام حسين في اجتماع مع رجال نظامه بتاريخ 6 مارس/آذار 1987

في 2 أغسطس/آب 1990، غزا الجيش العراقي الكويت الغنية بالنفط. لم يكن الأمر محض مغامرة انبثقت في رأس دكتاتور عسكري فقرَّر تنفيذها، بل كان للأمر مقدمات سياسية واقتصادية. فقد كان الاقتصاد العراقي في موقف صعب بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية بسبب الديون، وحاول نظام صدام على مدار عام 1989 إقناع الكويت التي ساعدته ماديا في الحرب أن تُسقِط عن العراق ديونه، زاعما أنه لولا الحرب التي خاضها لهيمنت إيران على الكويت، لكن حُجة صدام لم تجد آذانا مصغية عند الدولة الخليجية.

كان نظام صدام في أمسِّ الحاجة أيضا إلى قرار من منظمة "أوبك" بخفض إنتاج النفط ومن ثمَّ رفع الأسعار من أجل حلِّ مشكلاته الاقتصادية، بينما تمسَّكت الكويت بموقفها وخالفت رغبات العراق. بالإضافة إلى ذلك، اتَّهم صدام الكويت بأنها تسرق النفط العراقي عبر استخدام تقنية الحفر المائل المتقدمة. وقد اعتبر صدام أن هذه المواقف ترقى إلى كونها "تصرُّفات عدائية"، وأرسل 100 ألف جندي عراقي إلى حدود بلاده مع الكويت في يوليو/تموز 1990، ثم بدأ الغزو.

انتهى قرار غزو الكويت إلى تشكيل الولايات المتحدة تحالفا دوليا من 34 دولة شاركت فيه دول عربية، واستطاع التحالف طرد الجيش العراقي من الكويت، وخضع العراق بعد ذلك للحظر والعقوبات طيلة 13 عاما، فضلا عن إجباره على دفع تعويضات كبيرة للكويت عبر الأمم المتحدة. وقد خسر صدام بهذا القرار كل ما جناه في السنوات السابقة، وكتب شهادة وفاة مبكرة لتجربة العراق الذي كان يُنظر إليه في ثمانينيات القرن العشرين على نطاق واسع بوصفه أقوى دولة عربية من الناحية العسكرية والاقتصادية وحتى العلمية.

منذ عام 1990 وحتى اللحظة، أُسيل الكثير من الحبر في الأروقة الصحافية والأكاديمية العربية والغربية حول أسباب اتخاذ صدام حسين قرار الحرب رغم عواقبه المُحتملة، وحلَّل كثيرون النظام البعثي وزعيمه نفسيا وسياسيا، لكن لماذا نسمع عن صدام إذا كان بإمكاننا أن نسمع منه مباشرة؟ بعد الغزو الأميركي للعراق في 2003، تم الاستيلاء على العديد من وثائق النظام العراقي السابق ونشرها، بما فيها تسجيلات ومحاضر اجتماعات بين صدام حسين ورجال نظامه من العسكريين والمدنيين. ورغم أن تلك الوثائق لا تحتوي على حديث مباشر يكشف لنا ما الذي دار في عقل صدام حول غزو الكويت، فإنها تُضيء لنا مساحات مظلمة تُمكِّننا من كشف طبيعة تفكير الرئيس العراقي حول الأمر.

المصدر : الجزيرة