شعار قسم ميدان

الاقتصاد الهجين.. كيف تدير مصر نظاما اقتصاديا يجمع بين الليبرالية والحكم الشمولي؟

في إحدى المرات النادرة، وعلى عكس العادة المُتحفِّظة لمسؤولي صندوق النقد الدولي، أدلى النائب الأول لمدير عام الصندوق ديفيد ليبتون بتصريحات ناقدة مفاجِئة حول مدى استجابة الحكومة المصرية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تسلمت على أساسه القروض المليارية الضخمة من الصندوق. كانت تحفُّظات ليبتون، التي صرَّح بها في مايو/أيار 2018، تدور بوضوح حول سيطرة قطاعات بالدولة على الاقتصاد، بأشكال غير مباشرة، بطريقة تدفع القطاع الخاص للهروب بسبب عدم تكافؤ فرص المنافسة، في الوقت الذي تنادي إصلاحات صندوق النقد بفتح وتوسيع الأسواق وتمكين أكثر للقطاع الخاص والمجتمع المدني.

كان ليبتون يُشير بوضوح إلى الشركات المملوكة للقوات المسلحة وأجهزة الدولة السيادية، لافتا إلى أن صندوق النقد الدولي يرصد توسُّع تلك النوعية من الشركات في الفترة الماضية، تحت كيانات تبدو ظاهريا ملكيات خاصة، مُطالبا الحكومة المصرية بإيجاد حل لتلك الأزمة خلال الفترة القادمة.

امتصَّت الحكومة المصرية تلك الانتقادات في حينها، لكن في وقت لاحق أظهرت المؤشرات القادمة من القاهرة أن الأمر أعمق بكثير من كونه مجرد خطأ أو سياسة عارضة يمكن إصلاحها، ففي وقت مبكر من العام المُنقضي (2021) أعلنت الحكومة المصرية عن اتفاقية تعاون وشراكة بين صندوق مصر السيادي وجهاز الخدمة الوطنية للقوات المسلحة، وهي اتفاقية تسمح للقوات المسلحة بتوسُّع قاعدة ملكيتها للشركات والأصول المدنية وتهيئتها للاستثمار المحلي والأجنبي، ما يكشف عن جانب مهم من رؤية النخبة الحاكمة لطبيعة السوق المحلي ودور الدولة المُفترض فيه.

اللافت للانتباه هنا أن تلك الاتفاقية أتت في وقت تشهد فيه مصر تراجعا ملحوظا في حجم الاستثمارات وزيادة حادة في الديون، على الرغم من الإصلاحات الاقتصادية المؤلمة التي يُحرِّكها صندوق النقد الدولي وتُنفِّذها الحكومة المصرية، ما يُثير عددا من الأسئلة عن سبب تأخُّر ثمار الإصلاح الاقتصادي التي وعد بها كلٌّ من صندوق النقد والحكومة المصرية. في هذا المقال، نذهب إلى أن السبب الرئيسي لتعثُّر الإصلاح الاقتصادي يكمن في التناقض الهيكلي الذي يحكم الرؤية السياسية والاقتصادية للنخبة الحاكمة في مصر، التي تطمح إلى إنشاء نوع معين من اقتصاد السوق تدمج فيه بعض العناصر الليبرالية مع تحكُّم الدولة المركزي وسيطرتها الاستبدادية على مختلف نواحي النشاط الاقتصادي، وهو تناقض ظهرت تجلياته في العديد من الممارسات الحكومية خلال السنوات الأخيرة.

تشويه مفهوم السوق الحر

تُشير التحليلات إلى أن واحدا من أهم مظاهر تشوُّه مفهوم السوق في مصر، رغم الإصلاحات النيوليبرالية المؤلمة منذ 2016، هو اعتماد المؤسسة العسكرية على جهاز البيروقراطية المصرية بوصفه سلاحا سياسيا واقتصاديا في آنٍ واحد، إذ تُوظِّف المؤسسة العسكرية جهاز البيروقراطية وصلاحياته القانونية والتنظيمية وسيطرته على التراخيص، بما يشمل استخدام أراضي الدولة والقدرة على تسهيل واستعجال (أو تأخير) الأذونات البيروقراطية ومنح (أو حجب) العقود، لخدمة مصالحها، بما في ذلك إقناع (أو إرغام) المقاولين المَدنيين على القبول بشروطها، وهي سياسة من غير المُرجَّح أنها ستختفي في المستقبل القريب.

يُسلِّط هذا التوظيف المَعيب للبيروقراطية الضوء على العلاقة بين المؤسسة العسكرية وبين السوق الناشئ في مصر، حيث تصبح العلاقات مع الشخصيات والقطاعات النافذة داخل المؤسسة العسكرية هي السبيل الوحيد المتاح لممارسة الأعمال، لكن هذا المنطق تحديدا يُشوِّه الحوافز ويُقوِّض مفهوم السوق القائم على الإبداع والمبادرات الفردية والمنافسة المفتوحة من أجل تقديم أفضل سلع وخدمات بأسعار تنافسية، لصالح شبكة من العلاقات الزبائنية القائمة على الفساد والمحسوبية تُحكِم قبضتها السياسية على السوق.

ولكن على خلاف ما يذهب إليه معظم المعارضين السياسيين في مصر، لا تتعلَّق تلك الممارسات بالفساد في حد ذاته، فثمة تفكير إستراتيجي أعمق يُوجِّه المقاربة العسكرية لإدارة النشاط الاقتصادي، فالهدف الأساسي -الذي يرعاه الرئيس المصري بنفسه- هو تمديد منطق الحفاظ على النظام السياسي والاقتصادي القائم منذ عقود وتكريس هيمنة النخبة العسكرية الحاكمة، بحسب عقيدة الأمن القومي التي تتبنَّاها المؤسسة العسكرية التي تنظر إلى المصلحة الوطنية ومصلحتها الخاصة بوصفهما شيئا واحدا. غير أن تلك المقاربة عينها تُظهِر في الوقت نفسه بلبلة في التفكير الاقتصادي وضعفا في فهم واستيعاب ديناميات السوق.

وكما يُوضِّح الباحث يزيد صايغ في كتابه "أولياء الجمهورية: تشريح الاقتصاد العسكري"، تبرز تلك المقاربة التي تدمج بين الأمن والاقتصاد في "غزوات المؤسسة العسكرية في قطاع الإعلام والصلب والأسمنت، حيث تسعى المؤسسة العسكرية للاستحواذ على حصص في هذه القطاعات، ومن ثم الدفاع عن تلك الحصص داخل السوق المحلي، ما يجعلها في تنافس مباشر مع القطاع الخاص". وللمزيد من الأدلة على ذلك، قام جهاز مشروعات الخدمة الوطنية "بتوسيع ضخم لسعته لإنتاج الرخام والغرانيت المشغول، وتدشين بناء مجمع صناعي للفوسفات والأسمدة تملكه شركة الناصر للكيماويات الوسيطة ذات الملكية العسكرية، في أغسطس/آب 2019. وتتميز هذه الشركة بسعة إنتاجية تبلغ 3.45 ملايين طن، ما يزيد على مجمل سعة الإنتاج السنوي المتوقَّعة لمصر، البالغ ثلاثة ملايين طن من المنتجات الكيماوية في عام 2020".

تكمن خطورة هذا التحوُّل في أنه بينما تُواصِل المؤسسة العسكرية بناء قاعدتها الخاصة من رأس المال والأصول، تُغلق الشركات التابعة لها الأسواق في وجه منافسيها، وتُقلِّص فرص التوظيف (رغم ادعاءاتها أنها تقوم بعكس ذلك)، وتُحوِّل رأس المال الاستثماري من السوق إلى الصناديق السيادية والعسكرية، وتستخدم الوسائل اللا تنافسية لخفض أسعار منتجاتها بحكم تحكُّمها في الجهاز الضريبي والبيروقراطي والتعريفات الجمركية الحمائية. وبغض النظر هل حصل كل ذلك بسبب شبكة العلاقات الزبائنية داخل المؤسسة العسكرية أم بسبب المقاربة الاقتصادية الرسمية التي تتبنَّاها النخبة الحاكمة، فإن المحصلة النهائية هي تشويه وتقويض السوق الحر في مصر مفهوما وممارسة.

ظهرت تجليات هذا التناقض بين منطق السوق المفتوح، خاصة في النسخة النيوليبرالية، وبين منطق الحكم العسكري الصلب والثقيل بوضوح أكثر في القانون الصادر تحت عنوان قانون التعاقد لعام 2018، الذي يمنح نشاط الجيش الاقتصادي الإعفاء من الرقابة والمحاسبة، ويعطي الحكومة الحق في إسناد العقود بالأمر المباشر دون مناقصات بدعوى حماية الأمن القومي. ويسبغ هذا القانون غطاء من السرية المطلقة على عقود البيع أو الشراء أو الأرباح الخاصة بالمؤسسة العسكرية، ما يؤدي إلى وقوع السوق -في غالبية القطاعات- أسيرا لها وللسلطة السياسية عموما.

بمعنى آخر، فإن الشركات العسكرية باتت قادرة، تحت ستار الأمن القومي، على الحصول على ملكية أي شركة أو قطعة أرض دون الكشف عن سعرها للمستثمرين الخارجيين، وهو ما يعني انعدام الشفافية والمنافسة. وفي حين أن هذه الممارسات كانت مستمرة قبل عام 2018، وهي عينها التي انتقدها ديفيد ليبتون النائب الأول لمدير عام الصندوق في تصريحاته، فإن هذا القانون قنَّن حصانة الشركات المملوكة للجيش، وكشف عن تأرجح سياسات الإصلاح الاقتصادي في مصر خلال السنين الأخيرة، بين منطق الليبرالية الجديدة والسوق المفتوح والشفافية وحرية الوصول إلى المعلومات، وبين منطق الحكم العسكري الأمني الراغب في مدّ سيطرته على كل مناحي الحياة.

النظام الهجين

رغم الإصلاحات النيوليبرالية الرجعية المذكورة أعلاه، لم تكن الليبرالية الجديدة للنظام العسكري متناقضة مع السلطة الشمولية للحكم العسكري فحسب، بل اختلطت أيضا بشكل مختلف مع مركزية الدولة التي سعت إلى استرضاء الجماهير من الشرائح الوسطى والدنيا التي دعمت انتقال السلطة عام 2013. يمكن القول إن النظام العسكري جمع إستراتيجيا إصلاحاته النيوليبرالية بمبادرات رفاهية مركزية، اتخذ الكثير منها شكل مؤسسات خيرية وخطط رعاية اجتماعية شبه حكومية.

فبينما خفَّضت الدولة رسميا الإنفاق على الرعاية الاجتماعية لتلبية معايير صندوق النقد الدولي بشأن عجز الميزانية، فإنها خلقت طرقا بديلة لتعبئة الموارد للإنفاق الاجتماعي، من خلال التبرعات الخيرية والتجارية، بهدف الاستمرار في تقديم خدمات الرعاية الاجتماعية وضمان استمرار الإعانات، ومشاريع الإسكان، وتطوير الأحياء الفقيرة، وغيرها من التدخلات الاجتماعية للدولة.

بذلك، لم تعد الدولة تعتمد على الميزانية الرسمية فقط، بل تحوَّل عبء الإنفاق الاجتماعي إلى جميع المصريين من جميع الطبقات، الذين يُشجَّعون جميعا الآن على التبرُّع بكل قرش لتحيا مصر من أجل خير الأمة، وربما يكون الإعلان الأيقوني عن تبرُّع "الحاجة زينب" الفقيرة البالغة من العمر 90 عاما بقرطها الذهبي للصندوق مثالا على ذلك. وحتى قبل انتخابه رئيسا، قام السيسي ببادرة لافتة عندما وعد بأن الجيش سيبني مليون وحدة سكنية لذوي الدخل المنخفض من المصريين بمساعدة الإمارات، وهو الأمر الذي حدث فعلا بعد انتخابه، عندما قدَّم الجيش أراضي لتنفيذ المشروع، مع مطالبة الإمارات بتولي التنفيذ والتمويل المشترك.

ربما كان مشروع السيسي الأكثر شعبية هو مشروع ممر قناة السويس، الذي خُطِّط له في الأصل تحت إشراف جماعة الإخوان المسلمين، وإن شمل سابقا أكثر من مجرد توسعة القناة. ومن المُثير للاهتمام أن المشروع مؤطَّر بوصفه مشروعا تنمويا ضخما يهدف إلى زيادة النفقات الاجتماعية في مجالات التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية الأخرى، بمعنى أن المشروع في الحقيقة هو تجسيد لما نُسميه هنا بالنظام الهجين، حيث الحكومة تخفض نفقات الرعاية من جانب إرضاء لصندوق النقد، ومن جانب آخر تفتح قنوات بديلة لترميم شرعية نظام الحكم نفسه للحصول على الصفة التمثيلية لعموم المصريين بعد إغلاق المجال العام، ما يكشف التناقضات المتأصلة في السياسات الاقتصادية التي يُشرف عليها الجيش في مصر.

في النهاية، أشرف الجيش على تخطيط وتنفيذ المشروع الضخم، بعد حشد 400 شركة خاصة، و25 ألف عامل، وجمع 8 مليارات دولار لتمويل التوسعة، 80% منها جاءت من مصريين يستثمرون في السندات الحكومية. في عام واحد، أظهر الجيش فعاليته بوصفه مؤسسة اقتصادية محلية، حيث أنهى قناة جديدة بطول 35 كيلومترا، وقدَّم خطابا قوميا حول إهداء قناة جديدة للمصريين. وفي حين أن المكاسب الاقتصادية لهذا المشروع الضخم مشكوك فيها، فإنه يعمل وسيلة لإضفاء الشرعية على النظام العسكري وتعزيز صورته بأنه يفي بوعوده التنموية الاجتماعية للجماهير، رغم التحوُّل النيوليبرالي العنيف الذي يقوده النظام نفسه.

بالمثل، أطلق السيسي "مشروع 1.5 مليون فدان"، الذي يسعى إلى "استعادة مكانة مصر بوصفها دولة زراعية كبرى وتحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل"، ويسعى المشروع إلى تطوير إنتاج المحاصيل المحلية، وتعزيز توظيف الشباب، وتحقيق تحوُّل سكاني خارج حوض نهر النيل. وقد وفَّر الجيش الأراضي للمشروع، ولا يزال يتحكم في رؤيته وتنفيذه وشرائه، فيما يأتي تخطيط وتنفيذ هذا المشروع في الوقت نفسه الذي تقطع فيه الدولة الدعم عن المزارعين وتُحرِّر التعريفات الجمركية على الواردات الغذائية، من أجل تسهيل استيراد الأغذية من المُصدِّرين مثل الاتحاد الأوروبي. هذا التناقض في السياسات هو شاهد آخر على السياسات الهجينة، حيث تُتخذ تدابير التقشف بالتوازي مع مشاريع التنمية والرفاهية الكبرى.

هذه هي ملامح الأجندة المتناقضة للاقتصاد العسكري الحالي. وتُشير استدامة هذا التناقض إلى إعادة إنتاج إستراتيجي دولتي للنيوليبرالية من خلال اعتماد بعض الإجراءات التي تشبه دولة الرعاية؛ أي إعادة تأكيد السياسات النيوليبرالية الرجعية من خلال تحسين بعض آثارها السلبية عبر نظام مركزي مُتحكِّم.

جلب الإيراد بدلا من توسيع الأسواق

منذ بدايات الإصلاح الاقتصادي، سُحِق المصريون بين الدخول الراكدة والنفقات المنزلية المتزايدة. تحديدا منذ عام 2019، ظلَّت نفقات الأجور والرواتب الحكومية ثابتة، ما يعكس نموا ضئيلا أو معدوما في التوظيف العام وفي رواتب موظفي الخدمة المدنية، فيما أدَّت عمليات الخصخصة أو إغلاق المؤسسات المملوكة للدولة، مثل مصنع حديد حلوان التاريخي الذي كان يعمل فيه 7000 عامل، إلى زيادة الضغط على العمالة وزيادة نِسَب البطالة، وهو ما يُثير تساؤلات مُقلِقة حول نمو السوق المصري وقدرته على استيعاب قوة العمل في البلاد.

عادة ما تُقيَّم صحة سوق العمل بشكل أفضل من خلال معدل بطالة الشباب، الذي يتجاوز في مصر 25%، ومعدل مشاركة القوى العاملة -نسبة أولئك الذين هم في سن العمل- التي انخفضت إلى 42% عام 2021 من 49% في وقت مبكر من العقد الحالي قبل الشروع في إجراءات الخصخصة والإصلاحات. وفقا للبنك الدولي، فإن معدل المشاركة في القوى العاملة في مصر أقل من المتوسط العالمي البالغ 59%، ومتوسط الشرق الأوسط وشمال أفريقيا البالغ 46%، ومتوسط الدول منخفضة ومتوسطة الدخل المُقدَّر بـ 58%.

في المقابل، تهدف السياسة المالية للنظام إلى زيادة حجم رأس المال وزيادة السيولة المالية المملوكة للدولة والجيش، حتى حدث ذلك عبر ممارسة المزيد من الضغط على السكان واستنزاف دخولهم في الرسوم الحكومية والضرائب. في النهاية، يبدو أن المصريين في ظل حكم السيسي يدفعون أكثر ويحصلون على أقل من حكومتهم، وهو ما يظهر في صعود إجمالي الإيرادات الضريبية، التي من المُقرَّر أن ترتفع عام 2022 إلى 13.9% من الناتج المحلي الإجمالي، صعودا من 12.7% قبل عامين.

من وجهة نظر الكثيرين، فإن الأمر يصل إلى ممارسة الحكومة سياسات جبائية تتعدى على الملكيات الخاصة للمصريين وتُصادِر أصولهم أو تنتزعها منهم بمقابل غير عادل، بدعوى المنفعة العامة أو بذرائع أخرى، لصالح صندوق تحيا مصر الذي بات يمتلك مجموعة متنوعة من الأصول وله الحق في تأسيس شركات أو شراء أسهم في شركات قائمة في كلٍّ من القطاعين العام والخاص. ذكرت صحيفة فاينانشيال تايمز في فبراير/شباط 2020 أن صندوق الثروة السيادية في مصر، الذي تأسَّس في 2018 "للترويج والمشاركة في الاستثمار في الأصول المملوكة للدولة"، سيسعى للحصول على مستثمرين أجانب ومحليين في 10 شركات من جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، الذراع الاقتصادي للجيش.

استمرارا للنهج نفسه، استحوذ الجيش على العديد من الشركات الخاصة المربحة، بما في ذلك مزارع الأسماك، وشركات تعدين الذهب، وشركات التنقيب عن الرمال السوداء، في كثير من الأحيان بذرائع واهية، هذه المبادرات المختلفة تضغط على قطاع الأعمال الخاص مثلما تضغط السياسات المالية والاقتصادية الأوسع نطاقا على عامة الناس. ونتيجة لذلك، يتراجع ترتيب مصر في مؤشر الحرية الاقتصادية لمؤسسة (The Heritage Foundation) عند 130 من أصل 178 دولة.

لكن النتيجة الأكثر مباشرة لهذه السياسات هي خفض الطلب، مما يُشير إلى إستراتيجية رئيسية لدى النخبة الحاكمة في مصر لا تولي اهتماما بتوسيع الأسواق وفتح أسواق جديدة تستوعب نِسَب البطالة المتزايدة وتُنتج قيمة مضافة حقيقية للناتج المحلي المصري، في المقابل تنهمك المؤسسة العسكرية والرئاسة في سياسة جلب الإيرادات لزيادة السيولة المالية التي تستخدمها المؤسسة العسكرية في تمويل مشاريعها المختلفة.

ليس هذا برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يهدف صندوق النقد الدولي منذ عقود إلى إنجازه في مصر، وهو برنامج أثبت تاريخيا أنه في حد ذاته برنامج عنيف اجتماعيا واقتصاديا. لكن بحسب ما تُظهِره المؤشرات حتى الآن، فإن النسخة المصرية من الليبرالية الجديدة سوف تكون مزيجا فريدا بين قسوة سياسات الليبرالية الجديدة، دون مزاياها من مجتمع مدني وسوق حر وشفافية معلوماتية، وبين قسوة حكم عسكري ذي نزوع شمولي يرى أن الأمن القومي للبلاد يقتضي أن يكون الجيش مُتحكِّما في كل مناحي الحياة في مصر.

_________________________________________

المصادر:

  1. Hanieh, A. 2015. “Shifting Priorities or Business as Usual? Continuity and Change in the Post-2011IMF and World Bank Engagement with Tunisia, Morocco and Egypt.” British Journal of Middle Eastern Studies 42 (1): 119–134
  2. Follow the Money to the Truth about Al-Sisi’s Egypt
  3. Negotiating statist neoliberalism: the political economy of post-revolution Egypt, Heba Khalil, Review of African Political Economy
  4. رأس الحربة الاقتصادیة لحرَّاس النظام: دور المؤسّسة العسكرية في تطَوُّرِ رأْسمالية الدولة 3.0 في مصر.
  5. توسيع الاقتصاد العسكري في مصر، محمود خالد، مركز كير-كارنيجي.
  6. أولياء الجمهورية.. تشريح الاقتصاد العسكري، يزيد صايغ، مركز كير-كارنيجي.
  7. الطبقة الحاكمة الناشئة في مصر، شانا مارشال، مركز كير-كارنيجي
المصدر : الجزيرة