شعار قسم ميدان

هل تتمكَّن الصين من رأب الصدع بين المغرب والجزائر؟

نشر موقع "إيست آسيا فورم" (منتدى شرق آسيا) تقريرا يتناول مصالح الصين الاقتصادية في كلٍّ من الجزائر والمغرب، وكيف أصبحت بكين لاعبا رئيسيا بوسعه تقريب وجهتَيْ النظر الجزائرية والمغربية حول مسألة السيادة المغربية على الصحراء الغربية. أعدَّ التقرير كلٌّ من "مايكل تانشوم"، الأستاذ الزائر بجامعة نافَرَّا الإسبانية، والزميل بالمعهد النمساوي للدراسات الأوروبية والأمنية، و"نيريا ألفاريز-أريزتِغي" الطالبة بجامعة نافَرَّا الإسبانية.

 

وبعيدا عن مضمون التقرير وتفاصيله المعلوماتية التي تُعبِّر عن منتدى شرق آسيا، ولا تُعبِّر بالضرورة عن موقع "ميدان"، فإننا اتجهنا لترجمته بهدف تسليط الضوء على جانب من حراك بكين الفاعل على صعيد الدبلوماسية الاقتصادية في منطقتنا، وسعيها لتحقيق اختراقات في ملفات تبدو مغلقة بالنسبة لأطراف كثيرة أخرى، كل ذلك سعيا للسير في إستراتيجيتها الكبرى وتعزيز مصالحها على امتداد رقعة هذا العالم الممتد.

 

تقف الصين على مفترق طرق في عملية توسيع وجودها الاقتصادي في شمال غرب أفريقيا، ولربما يُشكِّل تصاعد التوترات بين الجزائر والمغرب تهديدا لمصالحها الاقتصادية والجيوسياسية في المنطقة. لكن بكين قد تملك القوة اللازمة لرأب الصدع وإعادة توجيه منطقة غرب المتوسط صوب مبادرتها "الحزام والطريق" (مبادرة تبنَّتها الصين منذ العام 2013 لتطوير بنية تحتية تربط الصين بالعالم عبر الاستثمار في نحو 70 بلدا).

 

تزداد الهُوَّة اتساعا بين الجزائر والمغرب، فقد كسرت جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، وهي الحركة الصحراوية التي تسعى لتدشين دولة ذات سيادة في الصحراء الغربية، وقف إطلاق النار مع الرباط في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، بعد هدنة استمرت 29 عاما. واستأنفت "البوليساريو" عملياتها المسلحة قبل وقت قصير من إعلان الولايات المتحدة اعترافها رسميا بالسيادة المغربية على المنطقة المُتنازَع عليها في ديسمبر/كانون الأول 2020.

من جانبها، تواجه الجزائر حاليا قرارات حاسمة حول كيفية موازنة القوة المغربية المتنامية. وتنظر الجزائر في تعزيز دعمها للبوليساريو، وزيادة الوجود العسكري الجزائري على الحدود المغربية؛ ما قد يُهدِّد المصالح الصينية الكائنة في مجال الموارد الطبيعية بشمال غرب أفريقيا، ويقوِّض خطط الصين لتنفيذ ترابط عابر للقارات عن طريق منطقة غرب المتوسط.

 

يُعَدُّ فوسفات شمال غرب أفريقيا، والعناصر الأرضية النادرة، مصالح حيوية بالنسبة للصين. ويمتلك المغرب ما يزيد على 70% من الاحتياطي العالمي لصخر الفوسفات (الفوسفوريت)، بينما تملك الجزائر رابع أكبر احتياطي في العالم. وفي عام 2018، وقَّعت شركة "سيتيك" (CITIC) الصينية للإنشاءات اتفاقا مع شركة "سوناطراك" الجزائرية لبناء منشأة متكاملة لإنتاج الفوسفات بقيمة ستة مليارات دولار أميركي، وسيزيد ذلك من إنتاج الجزائر إلى 10 ملايين طن سنويا. وفي الوقت نفسه، دشَّنت شركة "هوبي فوربون" الصينية للتكنولوجيا مشروعا مشتركا، في يناير/كانون الثاني 2021، مع "مكتب الشريف للفوسفاط" (أو سي بي)، عملاق صناعة الفوسفات الذي تملكه الحكومة المغربية، لتطوير الأسمدة وفقا لأحدث تقنية في ذلك المجال.

علاوة على ذلك، تُوجِّه الصين أنظارها نحو العناصر الأرضية النادرة، التي تُفيد تقارير بوجودها في رواسب الفوسفور في الصحراء الغربية. وزعمت مجموعة حقوقية تُسمى "المرصد الدولي لمراقبة الثروات الطبيعية للصحراء الغربية"، مرارا، انخراط الصين في عمليات شراء غير مشروعة لفوسفات الإقليم المُتنازَع عليه.

 

تسعى الصين لأن تلعب دورا إستراتيجيا في تنمية الترابط الأوروبي-الأفريقي عبر منطقة غرب المتوسط. كما أن للصين مصلحة في تمدُّد ممر النقل التجاري المغربي بين غرب أفريقيا وغرب أوروبا، المعتمد على خط قطارات "البراق" المغربي الفائق السرعة، وعلى التوسعة الجديدة في "ميناء طنجة المتوسط"؛ أكبر موانئ البحر المتوسط اليوم.

لم تكن توسعة "ميناء طنجة المتوسط" لتحدث لولا استثمارات "مجموعة التجار" الصينية. فقد فتحت شركات صينية مصانع في المغرب بغرض الاندماج في سلاسل القيمة الأوروبية-الأفريقية، التي نشأت إثر تدشين خط قطارات "البراق" وميناء "طنجة المتوسط". كما دشَّنت شركة "سيتيك ديكاستال" الصينية مصنعا بقيمة 400 مليون دولار أميركي لإمداد مصنع تجميع معدِّات السيارات، المملوك للمجموعة الفرنسية "بي إس إيه" (PSA)، بالمعدات اللازمة. علاوة على ذلك، تبني شركة "تشييد الاتصالات" الصينية مدينة "محمد السادس طنجة تيك" لتصبح مركزا صناعيا يجذب المزيد من الشركات الصينية والشركات متعددة الجنسيات إلى المغرب.

كما تدعم بكين إنشاء ممر للبنية التحتية يمر عبر الجزائر، ويصل بين جنوب الصحراء الكبرى بأفريقيا والبحر المتوسط. ووقَّعت الجزائر عقدا عام 2016 مع شركة "الصين الحكومية لهندسة الإنشاءات" وشركة "الصين لهندسة الموانئ" لتدشين ميناء الحمدانية الجزائري، وقد يصبح هذا الميناء مركزا حيويا لممر أفريقي-أوروبي نظرا لسعته البالغة 6.5 مليون حاوية من النوع القياسي (المعروفة بوحدات العشرين قدم "TEU").

افتتحت كثير من الدول الأفريقية والعربية قنصليات لها في منطقة الصحراء الغربية، حتى قبل إعلان الولايات المتحدة اعترافها رسميا بسيادة المغرب على تلك المنطقة. وتتصاعد التوترات بين الجزائر والرباط، في ظل تضاؤل الاصطفاف الأفريقي والعربي مع المعارضة الجزائرية لادعاءات السيادة المغربية، إذ أعلنت القوات المسلحة الملكية المغربية عام 2020 تدشين ثكنات عسكرية تبعد 38 كيلومترا فحسب عن الحدود الجزائرية. ووصف الإعلام الجزائري هذه الخطة بالتصعيد الاستفزازي، قائلا إن الجيش الجزائري بدوره سيبني قاعدتين حدوديتين. كما صادقت الجزائر على تعديل دستوري العام الماضي يُخوِّل الجيش الجزائري بالتدخُّل خارج حدود البلاد.

 

من جانبها، تُبقي الصين على سياسة عدم الانحياز فيما يخص النزاع على الصحراء الغربية، وتدعم رسميا جهود الأمم المتحدة لإجراء استفتاء صحراوي تأخر طويلا، في حين توازن بين مصالحها الاقتصادية بحرص في كلٍّ من المغرب والجزائر. ورُغم أن التوترات بين الجزائر والمغرب وصلت ذروتها مؤخرا، ثمة فرصة للعدول عن الصراع وتوجيه المسار نحو التعاون بين الطرفين، ويمكن للصين أن تلعب دورا بنَّاء في هذه المفاوضات.

 

تُعتبر صادرات الجزائر إلى الصين ضئيلة، في حين بلغت واردات الجزائر من الصين عام 2019 5.4 مليار دولار أميركي. وقد تأثَّر الاقتصاد الجزائري بشدة جرَّاء جائحة كورونا وانخفاض أسعار النفط، إذ تُمثِّل أسعار النفط والغاز 60% من ميزانية الدولة. لذا، تتجه الجزائر الآن نحو الصين، متوجِّسة من الاستعانة بدعم صندوق النقد الدولي، حيث وقَّعت "الوكالة الصينية للتعاون الإنمائي الدولي" في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2020 اتفاقا مع الجزائر لتعميق المشاركة الجزائرية في مبادرة الحزام والطريق الصينية.

يمكن للرباط إتاحة الفرصة للجزائر كي تشارك في الربط التجاري المتنامي الذي ترعاه، وسيتماشى ذلك مع جهود بكين لدمج غرب المتوسط في مبادرة الحزام والطريق. ومن ناحيتها، تحتاج الجزائر إلى المشاركة في المحادثات بين المغرب وجبهة البوليساريو لتأمين أي اتفاقات مستقبلية من أجل الصحراويين. وتستطيع الصين، بوضعها الإستراتيجي الجديد والمتميَّز بين الطرفين المتنازعين، الدفع بمقترحات لرأب الصدع من شأنها أن تفيد جميع الأطراف. لقد حان الوقت للصين كي تُعزِّز التفاعل البنَّاء بين الرباط والجزائر، ولعل جهودها الدبلوماسية تُحدِّد أي المسارين سيسلك المغرب العربي: مسار التعاون أم المواجهة.

————————————————————————-

ترجمة: هدير عبد العظيم.

هذا المقال مترجم عن East Asia Forum ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

المصدر : مواقع إلكترونية