شعار قسم ميدان

السوريون في الأردن.. كيف تأثر الاقتصاد الأردني بموجات اللجوء؟

ميدان - اللاجئون السوريون في الأردن

قبل الحرب، لم تكن أواصر الصلة والتكامل بين الاقتصادين الأردني والسوري قوية؛ فلم تكن سوريا راعيا أو مقدم مساعدات للأردن يوما، ولا على النحو الذي ما زالت تمثّله دول الخليج. لهذا، لم يشهد الأردن اضطرابات كبيرة في المراحل الأولى للحرب، بل في الواقع، أدى التدفق الأولي للّاجئين السوريين إلى تحقيق مكاسب طفيفة؛ فقد ساعد اللاجئون في زيادة الاستهلاك إثر نقل بعض الشركات والأعمال التجارية السورية مقراتها إلى الأردن. مع ذلك، وبسبب القرب الجغرافي للحرب السورية، لم يسلم الأردن من لظى آثارها السلبية.

 

التأثير السوري على الأردن

تعرضت التجارة العابرة للحدود الأردنية، التي كانت تعتمد على البنية التحتية السورية في نقل البضائع إلى أسواق أبعد مثل لبنان وتركيا، لأضرار جرّاء الحرب. يصل حجم هذه التجارة قرابة 30% من واردات الأردن و11% من صادراته، ولهذا تلقى الاقتصاد الأردني ضربة كبيرة بتضرّر هذه التجارة. كما تعطلت شبكة الطرق السورية السريعة، ذات المسارات المتعددة التي كانت تربط الأردن بالموانئ السورية مثل طرطوس واللاذقية، ومدن شمال سوريا مثل حلب وحتى لبنان، وكان على المصدّرين الأردنيين أن يجدوا طرقا تجارية بديلة.

   

في2012، رفعت الحكومة الدعم عن الطاقة، أملا في الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي؛ فاحتشد الأردنيون في مظاهرات عارمة
في2012، رفعت الحكومة الدعم عن الطاقة، أملا في الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي؛ فاحتشد الأردنيون في مظاهرات عارمة
  

ووضع الصراع أيضا ضغوطا هائلة على البنية التحتية لقطاع الخدمات العامة والرعاية الصحية في الأردن، بسبب تدفق اللاجئين. وعلاوة على ذلك، ينافس السوريون الأردنيين في سوق العمل غير الرسمي، حيث يسهل عليهم الحصول على وظائف؛ وهو ما أدى إلى نشوب توترات ومشادات مجتمعية، وتزايُد مستويات المشاعر العدائية لبعض الأردنيين تجاه السوريين، وهو ما قد يُخلّف آثارا سلبية غيرَ متوقعة في المستقبل.

 

الاقتصاد الأردني اليوم

تلقى الاقتصاد الأردني صدمات جرّاء الاضطرابات الإقليمية التي بدأت عام 2011، وكانت الحرب السورية في مقدمتها. في الفترة بين عامي 2000 و2009، بلغ معدل نمو الناتج القومي الإجمالي للأردن 6.5%. ثم في الفترة بين 2010 و2016، تقلص هذا المعدّل ليصل إلى 2.5% سنويا، وفي 2017 بلغ 2% فقط. أدّى هذا الانخفاض إلى تحولات في السياسات الاقتصادية، خلقت تداعيات سياسية خطيرة زعزعت موقف النظام الهاشمي الحاكم.  شهد الأردن منذ 2011 سبعة رؤساء وزارة، وهو رقم يفوق بكثير جولتي الانتخابات البرلمانية اللتين عقدتا في الفترة الزمنية نفسها. عادة ما يلجأ الملك لاستخدام رئيس الوزراء كبشَ فداء، ويعمد إلى إقالته لتخفيف حدّة الغضب الشعبي.

 

في 2012، رفعت الحكومة الدعم عن الطاقة، أملا في الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي؛ فاحتشد الأردنيون في مظاهرات عارمة، ثم واجهت الحكومة جولة أخرى من المظاهرات الحاشدة في 2018، بعد إعلانها عن قانون ضريبة جديدة، مدعوم من صندوق النقد الدولي، ينص على رفع الدعم عن الخبز، ويرفع ضريبة المبيعات العامة. الطبقة العاملة الأردنية هي من تأذّت جراء هذا القانون في المقام الأول؛ فهي تعتمد على الدعم لتصريف أمورها المعيشية. غير أن هذه المشكلة يمكن إرجاعها إلى التراجع الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، فقد أعاقت الاضطرابات الإقليمية التجارة ومعدلات النمو منذ عام 2011.

 

    

التحديات

بلغ عدد اللاجئين السوريين 670 ألف لاجئ، من إجمالي 740 ألف لاجئ في البلاد. ينافس هؤلاء اللاجئون المواطنين الأردنيين على فرص العمل في قطاعات عدة، على رأسها الاقتصاد غير الرسمي.

 
لعب قدوم اللاجئين السوريين دورا في كبح نمو الرواتب في القطاع غير الرسمي، وزاد من حدة الفقر بين الفئات والطبقات الأردنية الأكثر هشاشة وضعفا. إضافة إلى ذلك، تتحمل الحرب السورية إثم ركود قطاع السياحة الأردني من 2011 حتى 2014، ثمّ تدهوره الحاد في 2015 وحتى نهاية 2018. القطاعات الخمس الأكثر مساهمة في الناتج القومي الأردني، وهي بالترتيب الخدمات الحكومية والقطاع المالي والتصنيع والنقل والسياحة، كلّها تأثرت، إما جزئيا وإما بشكل كبير، جرّاء الحرب الأهلية في سوريا.

 

خلال العقود الثلاثة الماضية، عمل الأردن على تقوية وإصلاح اقتصاده؛ فوقّع اتفاقيات للتجارة الحرة، وخصخص القطاع العام، وضخ الاستثمارات في القطاعات الإستراتيجية، إضافة إلى توقيعه عددا من اتفاقيات التجارة الحرة والشراكة الاقتصادية مع عدد من الدول الأوروبية، واتفاقية للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة منذ 2011، إلى جانب عضويته في منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى. شمل برنامج الخصخصة كيانات مملوكة للدولة في قطاعات الطاقة والنقل والاتصالات، وساهم في جمع أموال خصصت لدفع جزء كبير من ديون المملكة، ما أدى إلى تحسين أداء عدد كبير من هذه الشركات المبيعة. ومنذ 2011، تزايدت جهود ضخ المزيد من الاستثمارات في القطاعات الإستراتيجية منذ 2011، إذ ركزت الحكومة على بناء اقتصاد قائم على المعرفة، والتعامل مع ندرة موارد الطاقة المحلية.

 

    

إصلاحات قطاع الطاقة

لطالما كان الأردن مستوردا للطاقة، وعمل على تغيير هذا الوضع عبر ضخ استثمارات كبيرة في هذا القطاع، بهدف التنقيب عن احتياطات النفط الصخري الكبيرة، وتطوير مصادر متجددة للطاقة. يقدر مجلس الطاقة العالمي أن الأردن يمتلك خامس أكبر احتياطي للنفط الصخري في العالم. منح الأردن مؤخرا شركة بترول سعودية حق استكشاف بعض هذه الاحتياطات، وتداعت الشركات الدولية للمشاركة في مشاريع إنتاج الطاقة من الرياح والطاقة الشمسية، وقدّمت شركة جنرال إلكتريك الجيل الأخير من توربينات الرياح التي تنتجها لشركة "Mass Global"، التي تعمل على تطوير مشروع هائل لإنتاج الطاقة من الرياح في البلاد، تبلغ إنتاجيته 100 ميغاواط من الكهرباء. وفي الوقت نفسه، تعمل شركة "Korea Electric Power" الكورية الجنوبية على بناء مزرعة لطاقة الرياح تبلغ إنتاجيتها 89.1 ميغاواط خارج عمان. هذه بعض مشاريع الطاقة المتجددة قيد التنفيذ.

  

وفقا لهذه المعطيات، ما زال الأردن يعتمد بشكل كبير على جيرانه الشرق أوسطيين لتلبية احتياجاته الملحّة من الطاقة. اعتمد الأردن سابقا على مصر وخط الغاز العربي لتلبية معظم احتياجاته من الطاقة؛ لكن تمرد داعش في سيناء أدى إلى قطع الإمدادات باستمرار، مما هدّد أمن الطاقة الأردني تهديدا خطيرا.

  
وبدءا من 2016، استورد الأردن كامل احتياجاته من النفط الخام، ورُبع احتياجاته من البترول المكرر، من المملكة العربية السعودية. بينما يستورد الغاز الطبيعي وبقية احتياجاته من البترول المكرر من عدة دول أخرى. يستورد الأردن 90% من احتياجاته من الطاقة، وينفق 40% من ميزانيته على هذه الواردات. لذا، إذا استطاع تحقيق اكتفاء ذاتي في قطاع الطاقة، سيتمكن من وقف أحد أكبر مصادر استنزاف أمواله، وتقليص اعتماده على دول تقبع في مناطق غير مستقرة من العالم.

   

مبادرة REACH2025

  

يركّز الأردن بشكل كبير أيضا على أن يصبح مركزا تكنولوجيا في الشرق الأوسط. تهدف مبادرته المسماة "REACH2025" إلى رقمنة الاقتصاد، وتركز اهتمامها على عدد كبير من القطاعات، مثل الصحة والتعليم والأمن وقطاعات أخرى، وتُحفز الشركات والكيانات الخاصة والعامة على خوض غمار التجربة وتبنّي أحدث التقنيات. كمثال، طرح بنك الاستثمار العربي الأردني مؤخرا منصة قائمة على نظام بلوك شين من أوراكل، لزيادة كفاءة التحويلات بين مقراته الرئيسية في عمان وفروعه في قبرص، وطبّق البنك المركزي برامج تجريبية باستخدام بلوك تشين. ومع مطلع عام 2017، استضاف قطاع المعلومات والاتصالات الأردني 600 شركة تكنولوجية فاعلة، من بينها 300 شركة ناشئة.

  

الفرص الاقتصادية ذات الصلة بسوريا

رغم أن البلدين لا يجمعهما تكامل اقتصادي عميق، فإن الأردن ما زالت تجمعه علاقات تجارية تاريخية مع سوريا، وكانت سوريا قبل اندلاع الصراع خامس أكبر شريك تجاري عربي للأردن. وقد أصبح الأردن اليوم موطنا لعدد كبير من اللاجئين السوريين الذين ما زالت عائلاتهم في سوريا. بحلول عام 2017، كان هناك أكثر من 41 ألف سوري حاصلين على تصريحات عمل يعيشون في الأردن؛ يعمل 20 ألفا منهم في قطاع الزراعة، و4700 في مجال الصناعة، و250 في قطاع النقل. بإمكان هؤلاء المنخرطين في تلك القطاعات لعبُ دور في اقتصاد سوريا ما بعد الحرب، من خلال العودة إلى وطنهم وتأسيس شركات ومشاريع تجارية، أو استخدام علاقاتهم مع الأشخاص الذين لم يغادروا سوريا، لتأسيس علاقات تجارية من داخل الأردن.

 

أفادت وكالة الأنباء الفرنسية أن قرابة 28 ألف لاجئ سوري كانوا يعيشون في الأردن عادوا إلى وطنهم في الأشهر التي تلت فتح معبر نصيب الحدودي في أكتوبر/تشرين الأول عام 2018. ومع وجود 5 ملايين لاجئ سوري في الخارج، سيكون هناك على الأرجح دفق متواصل من اللاجئين العائدين إلى وطنهم، بعد أن هدأت الأوضاع هناك. بإمكان الأردن أن يستفيد من كل هذا، عبر تأسيس شركات تصدير وسلاسل إمداد بالتعاون مع نظرائه السوريين، كل هذا في حدود ما تسمح به العقوبات الأميركية.

   

undefined

  

في الختام

لا مناص أمام اقتصاد سوريا ومواطنيها من مواجهة لفيف من المشكلات في الوقت الذي بدأت فيه شعلة الحرب في الخمود. بإمكان الحلول التكنولوجية التي تقدمها الخبرات الأردنية طرح حلول جديدة أكثر كفاءة للمشكلات اليومية التي يواجهها السوريون. بإمكان تقنيات التواصل المعلوماتي نشر معلومات عن طرق جديدة للزراعة الموفرة للماء، مثل أنظمة أكوابونيكس -الأنظمة الغذائية المائية-، في المزارع المتضررة من الحرب. من ناحية أخرى، فإن حقوق التنقيب عن النفط في سوريا متنازَع عليها بشكل كبير، أي إن ّكثيرا من الأطراف لن يستطيع إليها سبيلا؛ لذا فإن القوى المستقبلية الحاكمة يجب عليها أن تستثمر في حلول طويلة الأمد للطاقة، تقلل من اعتمادها على المصادر الخارجية.

 

بما أن رعاة الأسد من كبار منتجي النفط والغاز في العالم، فعلى الأرجح سيستمر نظامه في الاعتماد عليهم في إمدادات الطاقة. ومع ذلك، وفي مستويات أدنى، قد تدرك المحافظات والمقاطعات السورية أن تنويع مصادر طاقتهم واستخدام الطاقة المتجددة سيكون مفيدا على المدى البعيد. بإمكان الأردنيين الإسهام في وضع خطط وتنفيذ مشاريع للبنية التحتية للطاقة البديلة. بإمكان سوريا أن تكون محرّكا أساسيا لنمو اقتصاد الأردن الناشئ، القائم على المعرفة، بأن تكون سوقا لهذا الاقتصاد.

 

مؤخرا، أعادت الأردن وسوريا افتتاح معبر نصيب الحدودي، بعد ثلاثة أعوام من إغلاقه. يعني هذا التطور المهم أن بإمكان المستوردين السوريين تلقي البضائع من الأردن برًّا في ثلاثة أيام فقط، بدلا من الطريق البحري عبر ميناء العقبة، الذي يستغرق وفق بعض التقديرات شهرا كاملا. هذه بداية مرحلة جديدة في علاقات تجارية قد تستعيد مجدها وريعانها مجددا.

 

    

سيوفّر تحوّل هذا الصراع وتَوقّف الأعمال العدائية فرصا قد يتمكن الأردن من استغلالها اقتصاديا. سيناقش الجزء الثالث من هذه السلسلة التأثير الاقتصادي للحرب السورية على العراق، وتداعياتها المستقبلية عليه.

——————————————————————-

ترجمة (فريق الترجمة)

هذا التقرير مترجم عن: Global Risk Insights ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

المصدر : الجزيرة