شعار قسم ميدان

كيف تكون عدو نفسك.. هكذا خدمت سياسات ترمب الصين

midan - رئيسية الصين

على مدار السنة الأولى من رئاسة دونالد ترمب، اعتبر معظم المعلّقين الغربيّين على العلاقات الأميركية-الصينية نهجَ إدارة ترمب تجاه الصين فشَلا إستراتيجيا، بل إنّ بعضَهم استنتج أنّ الرئيسَ الصينيَّ شي جين بينغ قد خدَع ترمب. إلا أنّه في الآوِنة الأخيرة ظهرَت رواية مختلفة في وسائل الإعلام الغربيّة، ووِفقا لها، فإنّ الضغطَ الذي يمارسه ترمب على الصين ناجح ويثيرُ قلقَ القادةِ الصينيّين. تضرّ الرسومُ الجمركيّة التي تبلغ 25% -والتي فرضها ترمب على الواردات الصينيّة التي تصل قيمتها إلى 50 مليار دولار- الاقتصادَ الصينيّ، في وقت تعاني فيه الصين من تثاقل الديون وتباطُؤ النموّ، حسبما يؤكّد مؤيّدو هذه الرؤية. في الوقت نفسه، كما يقولون، كان اجتماعُ ترمب في يوليو/تمّوز الماضي مع رئيس المفوّضيّة الأوروبيّة جان كلود يونكر خدعة تكتيكيّة ذكيّة: فمن خلال التفاوض على "اتّفاق وقف إطلاق النار" عن التجارة مع الاتحاد الأوروبيّ، وحَّدَ ترمب الغربَ ضدّ الصين. في سبتمبر/أيلول، أظهَرَ ترمب عزيمتَه من خلال فرض رسوم جمركيّة على واردات صينيّة إضافيّة تصل قيمتها إلى 200 مليار دولار. وفي الوقتِ نفسه، وِفقا لبعض التقارير، تنمو بداخل الصين المعارَضة المناهِضة لسيطرة الرئيس شي جين بينغ الفرديّة على الإستراتيجيّة الصينيّة، ويبحث القادة الصينيّون عن طرق لتهدئة ترمب.

    

الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع رئيس المفوّضيّة الأوروبيّة جان كلود يونكر (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع رئيس المفوّضيّة الأوروبيّة جان كلود يونكر (رويترز)

   

لكن هذه الرواية تكاد تكون عكسَ الحقيقة تماما. والحقيقة هي أنّه على الرغم من التوتّرات التجاريّة المتصاعدة، يظلّ على بكين أنْ ترَى ترمب الرئيسَ الأميركيّ المثاليّ للصين. كان انسحابُ ترمب من الشَّرَاكة العابرة للمحيط الهادئ (Trans-Pacific Partnership, TPP)، ونهجُه الصارِم مع التجارة مع اليابان، وحديثُه عن سحب القوّات الأميركيّة من كوريا الجنوبيّة، يخدم مصالحَ الصين من خلال تسريع تراجُع النفوذ الأميركيّ في آسيا، بما يفتح المجالَ أمام الصين لتوسيع نطاق نفوذها بشكل أسرع مما ظنَّته مُمكنا. لا يمكن أن تأمل الصينُ في شريك أكثر تعاونا ليشغَلَ البيتَ الأبيَض. كما أنّ هناك أيضا سببا جيّدا للاعتقاد بأنّ الصين لا تزالُ واثقة من قدرتِها على ضبط ترمب. واستنادا إلى محادثات أجريتُها مع شخص قريب من القيادة الصينيّة، لا تزال بكين ترى ترمبَ رئيسا أميركيًّا أفضلَ بالنسبةِ لها مقارنة مع البدائل الموجودة.

   

الفوز بالحرب التجاريّة

تكمُن في الاقتصاد جذورُ الثقة الصينيّة. في اللعبة التي تلعبها واشنطن وبكين في مجال التجارة، تمتلك الصين عددا من الأوراق التي لا تحظى بتقدير كبير بين المحلّلين الأميركيّين، وربما في أوساط صانعي السياسات الأميركيّين كذلك. تظهر إحصائيات الميزان التجاريّ أنّ الصينَ تديرُ فائضا تجاريا قيمته 370 مليار دولار مع الولايات المتّحدة، لكنها لا تُبيّن مَن يحصل على أرباح هذه الصادرات. لا تُنتَج أو تُسوَّق معظمُ الصادرات الصينيّة التي يحاول ترمب خنقَها بالتعريفات الجمركيّة مِن قِبَل الصينيّين، وإنّما مِن قِبَل الشركات التايوانيّة والكوريّة الجنوبيّة والأميركيّة. من الأمثلة على ذلك هاتف آيفون، الذي يُنتَج من خلال العَمالة الصينيّة في مصانع مملوكة لتايوان، وتسوِّقه شركة أبل الأميركيّة. وكما أشار لي كه تشيانغ، رئيس مجلس الدولة الصينيّ (أي رئيس الوزراء)، محذّرا من حرب تجاريّة في مارس/آذار العام الماضي، فإنّ "أكثر من 90% من الأرباح [في أمثلة كهذا المثال] أخذَتها الولايات المتحدة. لدينا إحصاءات تُبيّن أنّه في العام الماضي خلقَت التجارةُ والاستثمارُ الصينيّ-الأميركيّ أكثرَ من مليون وظيفة في الولايات المتحدة".

 

بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ قدْرا كبيرا من الأموال التي تَجنيها الشركاتُ الأميركيّة في الصين لا ينعكس في الإحصاءات التجاريّة، لأنّها تعود إلى الشركات الأميركيّة والمشاريع الأميركيّة-الصينيّة المُشترَكة التي تُنتِج داخل الصين من أجل السوق الصينيّة. وبالنسبة إلى بعض أكبر الشركات الأميركيّة، بما في ذلك شركات تصنيع السيّارات والطائرات، تُعَدّ السوق الصينيّة أكثرَ أهميّة للنموّ المستقبليّ مِن السوق الأميركيّة. وإذا اشتدّت الحربُ التجاريّة، سيكون لدى الصين العديد من الطرق القانونيّة لإحباط نجاح الشركات الأميركيّة في السوق الصينيّة. وعلى الجانب الآخر لن يكون لدى واشنطن أيّ سبيل للردّ، لأنّ السوقَ الأميركيّة ليست مهمّة بشكل بارز للشركات الصينيّة.

 

مؤسّسة ترمب

اتخذ القادة الصينيّون، منذ أمد بعيد، الإجراءات الخاصة بترمب. ففي نهاية المطاف هو رجل أعمال، لا إستراتيجيّ. إضافة إلى هذا، فإنّ اهتمامه الأساسيّ على المدى البعيد هو مؤشّر أرباح شركاته الخاصّة، وهو هدف يقدمه على المصالح القوميّة الأميركيّة. لقد كانت الصين بالفعل مفيدة لأرباح ترمب الخاصة. فعلي سبيل المثال، قامت بتسريع الموافقات على تسجيل علامات تجاريّة مملوكة لإيفانكا ترمب، ودعمت مشاريع تنمويّة في إندونيسيا تشارك فيها منظّمة ترمب. ويمكن لبكين، التي نادرا ما تخجل من عرض فرص تجاريّة كحوافز أو لرد جمائل للسياسيّين الأجانب، أن تصبح أكثر نفعا لترمب في المستقبل.

   

الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أثناء زيارته لجمهورية الصين (رويترز)
الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أثناء زيارته لجمهورية الصين (رويترز)

   

إنّ المصلحة الأهم لترمب، كما يجب أن يكون واضحا لدى بكين، هي أن يظلّ في السلطة، وهو أمر غيرُ مستغرَب. ومِن أجل هذا، فإنّه يحتاج إلى سلسلة من الانتصارات لتقديمها إلى قاعدته الانتخابيّة. وقد أضحَى منهجه في ذلك واضحا: فهو يقوم بخلق أجواء أزمة، ومِن ثمَّ يقوم بعرض حلّ دراماتيكيّ ولكن تجميليّ لا يغيّر شيئا. لقد كان هذا هو نمط تعاملاته الأوّليّة مع الصين، حين تحدّث بشكل حاد، ثمّ دعا الرئيسَ الصينيّ شي جين بينغ إلى منتجع مارالاجو بولاية فلوريدا، واحتفى به احتفاء بالغا.. لقد اتّبع نفسَ قواعد اللعبة مع كوريا الشماليّة؛ إذ هدّد في البداية بشنّ حرب ثم أعلن لاحقا نهايةَ الخطر الكوريّ الشماليّ، حتّى مع استمرار بيونغ يانغ في بناء ترسانتها النوويّة. كذلك كان لقاؤُه مع يونكر لحلّ النزاع التجاريّ بين الولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروبيّ مجرَّدَ مثال آخر لحلول زائفة لأزمة مفتَعَلة. وتظلّ بكين غير قلقة من سياسة تجاريّة مشتركة بين الولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروبيّ ضد الصين، إذ إن السوق الصينيّ أهم للشركات الأوروبيّة مِن أن تنحاز ضده بهذه الصراحة.

 

خطّة الصين

طِبقا لمصدري، فإنّ الصين على استعداد للتعاون مع ترمب. فقد قامت بكين بأداء دورها في الجزء الأول من مسرحيّته الصغيرة، وذلك من خلال ردها على ما فرضه من رسوم جمركيّة على صادراتها إلى الولايات المتّحدة، وكان هذا الرد للمساعدة في خلق شعور بالأزمة. ولكنّ بكين لم تُصعّد، فقد حافظ كبار القادة الصينيين على صمت دمث؛ تارِكين زمامَ المبادرة في يد ترمب.

 

في مايو/أيار الماضي، عرضت بكين ما أسمته بالصينيّة "منصّة الهبوط"، حين اقترح نائب الرئيس ليو هِيْ أن تزيد الصين وارداتِها من المنتجات الأميركيّة بقيمة 200 مليار دولار بحلول عام 2020. إلّا أنّ ترمب كما يبدو لم يكن مستعدا للجزء الثاني من مسرحيّته الخاصّة، وقام بفرض الدفعة الأولى من الرسوم الجمركيّة. ومع ذلك، ووِفقا لمصدري، لم تفقد القيادة الصينيّة الأمل بعد في التوصّل إلى حلّ للنزاع التجاريّ قبل الانتخابات النصفيّة هذا العام. إنّ الحلّ النهائيّ سيشمل التزام بكين بخَفض عجزِ الميزان التجاريّ بين الولايات المتّحدة والصين. في هذه الأثناء، فإنّ التنازلات التي خطّطت لها بكين تشمل زيادة كبيرة في مشتريات الصين من المنتجات الأميركيّة، وخاصّة في مجال الطاقة. لكن الاتّفاق لن يفعل شيئا لإيقاف السباق الصينيّ الإستراتيجيّ لتبوّء موقع الريادة العالميّة في تقنيات ’الاقتصاد الجديد‘ الأساسيّة، كالروبوتات والذكاء الاصطناعيّ وشبكات المحمول "5G". سيزعم ترمب أنّه حقّق نصرا ولن تكذبه الصين، لأنّ الصينيّين يريدون بقاءَه في السلطة.

 

 

بالنسبة لبكين، فإنّ التناقض الجوهريّ في العلاقات الصينيّة-الأميركيّة الحاليّة هو تعارض بنيويّ (أي في طبيعة بناء العلاقة بينهما)، فمع استمرار الصين في لحاقها بالولايات المتّحدة اقتصاديا وعسكريا، فلا مفرّ من وجود توتّرات بينهما. فالصين لا تتوقّع من واشنطن أن تتنازل عن موقع الهيمنة دون قتال، كما لم تتوقّع أبدا أن يكون إبحارُها سلِسا بغضّ النظر عمّن فاز بالانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة عام 2016. في هذه السياق، يعي القادة الصينيّون التّحدّيات التي يواجهونها على المدى الطويل. ولكن بالنسبة لصنّاع السياسة الصينيّين يجب أن يكون المسار واضحا، وهو العمل على المشاكل الداخليّة الملحّة، وتنمية الاقتصاد، وتوسيع دائرة النفوذ الصينيّ الدوليّ. ولن توقف الضغوط الأميركيّة، مهما كان حجمُها، الصينَ عن سلوك هذا الطريق. لقد جعلت مواقفُ ترمب، وميله إلى وضع مصالحه الخاصّة فوق مصالح بلادِه، الأمور أيسر ممّا حلمت بكين يوما أن تكون عليه.

———————————————–

ترجمة (فريق الترجمة)

هذا التقرير مترجم عن: Forieng Affairs ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان