من التحدي للركوع.. سيناريوهات معركة الجنيه ضد الدولار
كما بينّا في الجزء السابق؛ فإن مجرد التركيز على مناورات ومراوغات السياسة النقدية، بقيادة البنك المركزي؛ لتهدئة الدولار المتعملق أمام الجنيه الهزيل، ربما يحدث أثرًا على المدى القصير، أما على الأجلين المتوسط والطويل فحتمًا سيعود التدهور من جديد، وحتى تقوى شوكة العملة المحلية لا بد أن تحدث وفرة دولارية غير مسبوقة، نتيجة شلالات نقد أجنبي مستدامة على مدار فصول العام لا تتأثر بحركة الطقس المالي؛ وفرة تتكون من عودة المحاربين القدامى لحماية الاقتصاد مجددًا وهم: تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، وإيرادات قناة السويس وقطاع السياحة، وتحويلات المصريين العاملين بالخارج، مع تعضيدهم بالقوة والمؤن عن طريق صيانة خطوط الإمداد والتموين باستمرار. فالفترة بين تحرير سعر صرف الجنيه في الثالث من (نوفمبر/تشرين الثاني) 2016، وحتى وقت كتابة هذا التقرير في أول (مارس/آذار) الماضي، تنبئ بدرجة من اليقين عن تأثير استدامة أو انقطاع الشلالات التي تغذي قوة أو ضعف الجنيه من عدمها، في مقابل نهوض أو خمود السوق السوداء التي تم تصفية سمنتها المترهلة بعد تحرير الجنيه أمام الدولار مباشرة.
تم افتتاح تحرير سعر الصرف في اليوم الأول من قبل البنك المركزي بقيمة 13 جنيها للدولار كسعر استرشادي، بعد أن كان السعر الرسمي قبيل التحرير 8.88 جنيها، وكان صندوق النقد الدولي قد توقع استقرار سعر صرف الجنيه بين 13 إلى 14 جنيها للدولار بعد تحرير سعر الصرف؛ لذا قام البنك المركزي بتحديد سعر 13 جنيها كبداية؛ ولكن بسبب الندرة الواضحة للنقد الأجنبي لدى البنك المركزي؛ إذ وصل الاحتياطي النقدي -قبيل تحرير سعر الصرف- إلى 23 مليار دولار، وجمود الشلالات الدولارية، قفز سعر الصرف في البنوك التي حلت محل السوق الموازي -الذي يصارع الموت بفعل الضربة المفاجئة- إلى 15.5 جنيها للدولار في منتصف نوفمبر؛ ليستمر انخفاض الجنيه الهزيل بفعل جمود الشلالات إلى 17.75 جنيها للدولار في الأول من (ديسمبر/كانون الأول) 2016 ثم إلى 19.5 جنيها للدولار في بداية الثلث الأخير من نفس الشهر ليتجاوز الانخفاض معدلات السوق الموازي القياسية التي سجلها قبيل التعويم.
ولما بدأ المستوردون يستوعبون ما حدث مع إجراءات رفع الرسوم الجمركية2، في الأول من ديسمبر /كانون الأول للمرة الثانية خلال عام 2016، ومن ثم إلغاء أو تأجيل خطط الصفقات المعدة للاستيراد، مع قيود تداول الدولار في البنوك، بدأ الطلب المحلي على الدولار ينخفض، وبالتالي بدأت بوادر تحسن تلوح في الأفق على الميزان التجاري؛ حيث انخفضت -وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء- قيمة الواردات في شهر (ديسمبر/كانون الأول) 2016 بمقدار تجاوز 27% مقارنة بنفس الشهر من عام 2015 لتبلغ 4.3 مليار دولار، ورغم انخفاض قيمة الصادرات أيضًا؛ إلا أن الميزان التجاري حقق عجزًا أقل بمقدار يزيد عن 40% في (ديسمبر/كانون الأول) 2016 مقارنة بنفس الشهر من العام الذي يسبقه؛ إذ بلغ العجز 2.3 مليار دولار بعد أن وصل إلى 4 مليارات في ذات الشهر 2015.
كما بدأ "المحارب الأعظم" -أو تحويلات المصريين بالخارج- يستفيق من سباته؛ ليستفيد من انخفاض قيمة الجنيه بهذا الشكل الكبير؛ لترتفع قيمة هذه التحويلات خلال الربع الرابع من عام 2016 واصلة إلى 4.6 مليار دولار، بنسبة نمو بلغت أكثر من 11% عن ذات الفترة من العام 2015، ويستحوذ شهرا ما بعد تحرير سعر الصرف، وهما (نوفمبر/تشرين الثاني)، و(ديسمبر/كانون الأول) 2016، على أكثر من 70% من تلك التحويلات. كما يعد انخفاض قيمة الجنيه في البنوك -ليتجاوز مستويات أسعار السوق السوداء- فرائس حقيقية وسهلة تجذب الجميع؛ إذ بلغت حصيلة تنازل الأفراد عن الدولار للبنوك، من وقت التعويم وحتى بداية (يناير /كانون الثاني) 2017، حوالي 7 مليارات دولار وفقًا للمصرفي طارق عامر3.
ولما كان البنك المركزي يعلم أن هناك جفافا واضحا في حجم النقد الأجنبي لا يمكنه دفع تراجع الجنيه، بدأ في إصدار مجموعة من سندات سيادية وأذونات خزانة بلغت أربعة مليارات دولار، بسعر فائدة مغرٍ؛ ليتجمع المستثمرون الدوليون على تلك السندات والأذونات خلال آخر أسبوعين من الطرح، بالإضافة إلى وصول أول قسط من قرض صندوق النقد الدولي بقيمة 2.75 مليار دولار، واستلام مليار دولار من البنك الدولي، و500 مليون دولار من بنك التنمية الأفريقي، وذلك خلال نهاية الربع الرابع من عام 2016.
"السياسة النقدية قبل قرار التعويم كانت تسير في طريق خاطئ كان سيؤول بها إلى مصير مجهول، واتخاذ هذا القرار يعكس صواب وحكمة السياسة النقدية الحالية والقائمين عليها"
(طارق عامر، محافظ البنك المركزي المصري، في حديثه لإحدى الصحف المحلية في الأول من (يناير/كانون الثاني) 2017.)4
لتلك الأسباب ارتفع الاحتياطي النقدي إلى 26.3 مليار دولار بنهاية (يناير/كانون الثاني) 2017، ونتيجة لتلك الوفرة الدولارية بدأت قيمة الجنيه في الارتفاع لأول مرة منذ تحرير قيمته أمام الدولار؛ إذ ارتفع من أعلى نقطة وصل لها في التاريخ الاقتصادي المصري برمته؛ وهي 19.9 جنيها للدولار، خلال الثلث الأول من (يناير/كانون الثاني) 2017، إلى أدنى نقطة بعد التحرير وهي 15.7 جنيها للدولار في 19 (فبراير/شباط) 2017.
في تلك الأثناء بدأ نبض السوق السوداء يعمل بشكل مفاجئ بعد أن توقف على إثر ضربة التعويم المفاجئة، وللمفارقة كانت محاولة إنعاش قلب السوق السوداء بيد البنوك المصرية نفسها بشكل غير مقصود؛ ولكنها نتيجة منطقية لسوء الإدارة المصرفية، فما حدث هو أن البنوك ركزت بشكل أكبر على توفير وتخزين الدولار لبيعه للبنك المركزي، والتركيز على إحداث وفرة دولارية في أيديهم من أجل تعزيز المزيد من هبوط الدولار، ما يُحسن من صورة القيادة السياسية والاقتصادية المشوهة أمام الرأي العام بعد موجات التضخم غير المسبوقة؛ ليبدو وكأن الأمور نجحت وتسير على ما يرام.
وبالتالي لم تلبِّ البنوك الاحتياجات الاستيرادية بشكل كامل، والتي ارتفعت مع ارتفاع معدل التضخم إلى أكثر من 30%، ومن ثم تم تعويض فروق الأسعار ما يزيد من فرصهم في العودة لمستويات أرباحهم السابقة قبل التحرير، ولما أدارت البنوك ظهرها لطلبات المستوردين، بحثوا عن الصديق القديم أو السوق السوداء، ومن ثم بدأ القلب ينبض ثم نهض من جديد؛ حتى بلغ سعر صرف الجنيه أمام الدولار في السوق السوداء بنهاية فبراير /شباط 2017 حوالي 17 جنيها، بفارق تجاوز 1.25 جنيها عن السوق الرسمي5.
تلك الأسباب التي أدت لتراجع قيمة الدولار في مدة الشهر أو ما يجاوزه قليلًا، تعد أسبابًا ظرفية يقترن تأثيرها بانتهائها، ومبنية على أساس هش لا يقوى على استمرار دحر الدولار، أو على الأقل تثبيت الأسعار عند المستويات الدنيا التي وصلت إليها، فالدولارات التي تكونت من عمليات الاقتراض التي لن تستمر طويلًا، وانصراف المستوردين المؤقت، ومخزون الأفراد المحدود الذي انتقل من خزائنهم إلى خزائن البنوك؛ شكلت معًا ما يشبه نسمة رائقة مفاجئة لم تلبث أن مرت سريعًا؛ ليعود طقس العملة المحلية لجفافه عدا ما تفعله تحويلات المصريين بالخارج. من أجل ذلك انتهت فترة نقاهة الجنيه أمام الدولار سريعًا وعاد للتراجع من جديد؛ حتى وصل إلى 17.25 جنيها للدولار في السابع من (مارس/آذار) الماضي 2017.
لا تعتمد القراءة المستقبلية لحركة الجنيه المصري أمام الدولار خلال عامي 2017 و2018 ومعرفة ما إذا كان إجراء المركزي بتحرير سعر الصرف ناجعا وفقًا لعامر، أم سيؤدي أيضًا إلى "المصير المجهول"، على عامل واحد فقط، فالقراءة مقرونة بعديد من تحركات الكتل المؤثرة الفاعلة في الاقتصاد، مثل حركة وأماكن تمركز المحاربين الفاعلين الأساسيين في المعركة، وكذا تكتل الدين وبخاصة الخارجي منه، وحركة الاقتراض السيادي، ووضع الميزان التجاري، وحركة النشاط التجاري بشكل عام، وضبط الموازنة العامة للدولة من عدمها، وحجم الاحتياطي النقدي الصافي، خالصًا من الودائع أو المنح التي ترد أو القروض، سائغًا للبنك المركزي. فمجموع تحركات تلك الكتل هو ما يحدد دقة القراءة المستقبلية قدر المستطاع.
وبالتالي فهناك ثلاث سيناريوهات لسعر صرف الجنيه أمام الدولار خلال العامين الحالي والمقبل، وذلك في الظروف العادية بعيدًا عن ولوج دائرة اقتصاديات الكوارث، وهي:
أ – الجنيه ينتصر:
من المتوقع نظريًا أن ترتفع قيمة الجنيه المصري أمام الدولار إلى ما دون 13 جنيها؛ عند وجود احتياطي نقدي مُتخم لا يقل مقداره عن 29 مليار دولار صافٍ، وهو ما يغطي قيمة ستة أشهر من الواردات السلعية لمصر، مع توازن في الميزان التجاري، إما لتخفيض قيمة الواردات أو ارتفاع قيمة الصادرات، أو ارتفاع قيمة الصادرات بمعدلات أكبر من ارتفاع الواردات، واستمرار تدفق تحويلات المصريين بالخارج عند مستويات ما قبل عامين؛ أي بمقدار 19 مليار دولار سنويًا تقريبًا، وعودة إيرادات قطاع السياحة إلى سابق عهدها قبل ثورة (يناير/كانون الثاني) 2011؛ أي جلب 12 مليار دولار سنويًا بعدد سياح يصل إلى 15 مليون سائح، وعودة إيرادات قناة السويس إلى مستويات عام 2009/2010 حيث سجلت حوالي 5.5 مليار دولار، وعودة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى مستويات عام 2007 إذ سجلت صافي التدفقات حوالي 11.5 مليار دولار، وتثبيت عجز الموازنة عند مستوى العام المالي الماضي؛ أي بمقدار لا يزيد عن 11.5% من الناتج المحلي الإجمالي، أو 320 مليار جنيه.
وذلك لوضع تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار بمقدار الضعف تقريبًا بعد التحديد وفقًا لسعر صرف ما قبل التعويم في الموازنة العامة للعام المالي 2016/2017، ووضع ذلك في الحسبان. أما عن السرطان الذي بدا أنه من النوع الخبيث وفقًا لوتيرة انتشاره في الفترة الماضية والحالية وهو الدين الخارجي، حتى إن وثائق صندوق النقد الدولي7 المتعلقة بالقرض المصري قد تنبأت بوصوله إلى 102.4 مليار دولار بنهاية العام المالي 2020/2021، مع احتمالية خطأ تقدير صندوق النقد هنا أيضًا، مثلما أخطأ في تقدير حدود سعر صرف الجنيه بعد التعويم، ورغم وصول الدين إلى 60.2 مليار دولار بنهاية (سبتمبر/أيلول) الماضي، وبالتالي فهو في الواقع تجاوز 65 مليار دولار عند إضافة القروض الأخيرة التي حصلت عليها مصر في الربع الرابع من عام 2016، والتي بلغت حوالي 5 مليارات دولار؛ إلا أنه ينبغي أن ينخفض إلى ما دون 50 مليار دولار بنهاية العام المالي 2017/2018 وذلك بدعم من المؤشرات السابقة.
ويلحق بالنتيجة الماضية عدم تورط الحكومة في قروض جديدة، باستثناء ما اتفق عليه في الماضي أو ما إذا كانت عوائده في الأجل القصير والمتوسط أكبر من تكلفته بشكل واضح ومدروس، مع ضرورة وضع تصور محدد لسداد تلك القروض ووضع آلية لإدارة مخاطر السداد. وعند دفع تلك الكتل إلى هذه المستويات، فعندها فقط يتراجع الدولار إلى مستويات بين 10 إلى 13 جنيها.
ويعتبر الوصول لتلك المستويات جميعًا؛ هو التحدي الحقيقي أمام الحكومة الحالية أو القادمة، وربما يمكن احتسابه إنجازًا تاريخيًا لم يحدث في تاريخ الاقتصاد المصري لقِصر الفترة الزمنية وهي فترة العامين 2017 و2018، وهي مستويات تعد بمثابة القاعدة القوية التي يمكن الانطلاق من خلالها لمرحلة أكثر تطورًا؛ تؤهل لبناء اقتصاد دولة حديث وديناميكي ينعكس فيه النمو الاقتصادي على مستويات معيشة الأفراد.
ب – الجنيه يصارع الموت:
يقضي السيناريو الثاني المحتمل بفشل الحكومة في دفع الاقتصاد قدمًا، وعجزها عن تدبير موارد دولارية حتى مع محاولات الاقتراض التي لن تلبي احتياجاتها؛ لأن التصنيف الائتماني لمصر في تلك اللحظة سينخفض بشدة، وبالتالي ستبتعد المؤسسات والدول المقرضة مخافة التعثر حتى مع ارتفاع معدلات الفائدة. وذلك عند خطأ تقدير صندوق النقد الدولي بشأن برنامج الإصلاح الاقتصادي والتكيف الهيكلي لمصر، ومن ثم إغراق الاقتصاد المصري بالكامل.
ويبدأ هذا السيناريو في التحقق حينما ينخفض الاحتياطي النقدي إلى مستويات أقل من حدوده الدنيا التي بلغها بعد ثورة (يناير/كانون الثاني) 2011 مباشرة، وهي 15 مليار دولار تقريبًا، ويحدث ذلك نتيجة حلول أقساط وخدمة دين خارجي، فعلى سبيل المثال هناك حوالي 8.1 مليار دولار أقساط ديون خارجية تلتزم مصر بسدادها خلال عام 2017، وهي مليار دولار لتركيا، و3.5 مليار دولار لنادي باريس، و3.6 مليار دولار التزامات لشركات بترول أجنبية، وذلك وفقًا لمحافظ البنك المركزي طارق عامر7. ومن ثم فمن المتوقع انخفاض حجم الاحتياطي النقدي إلى 18 مليار دولار بنهاية عام 2017 إذا استمر على مستوياته الحالية دون زيادة، وهو ما يغطي حوالي 3.5 شهور من الواردات السلعية.
وفي حالة تفاقم عجز الميزان التجاري نتيجة انخفاض قيمة الصادرات وارتفاع الواردات، ووفقًا لبيان وزارة التجارة والصناعة فقد انخفض عجز الميزان التجاري، في (يناير/كانون الثاني) 2017، على أساس سنوي نتيجة لارتفاع قيمة الصادرات غير النفطية بنسبة 44% وتراجع الواردات بنسبة 25%، ولكن من المتوقع زيادة العجز خلال الربع الثاني من عام 2017، وربما في شهر (مارس/آذار) الماضي أيضًا، بسبب ارتفاع الواردات لتلبية احتياجات الأسواق في شهر رمضان الذي سيبدأ بنهاية (مايو/أيار) الحالي؛ كما أن طلبات العمرة التي ترتفع خلال الشهور الهجرية الثلاثة القادمة ستؤدي لزيادة عجز ميزان الحساب التجاري أيضًا.
أما في حالة خروج تحويلات المصريين في الخارج من كنف البنوك؛ فإن ذلك يعني أن جرحًا غائرًا برز من جديد في جسد الاقتصاد، بينما ستتجه التحويلات للسوق السوداء. ومع استمرار التراجع الأمني الحالي فيما يتعلق بأمن المطارات، ودخول وخروج السائحين وتأمين تواجدهم على الأراضي المصرية، واستمرار مسلسل سوء إدارة القطاع السياحي وعدم استغلال كنوزه؛ تتراجع إيرادات ذلك القطاع إلى ما دون المستويات الضعيفة الحالية، وليس أدل على ذلك من تصريح وزير النقل الروسي، في (فبراير/شباط) 2017، باستبعاد استئناف الرحلات الروسية إلى مصر في القريب العاجل، بسبب ملاحظات أمنية لا تزال موجودة متعلقة بأمن المطارات، رغم العلاقة الوطيدة بين القاهرة وموسكو في تلك المرحلة، ورغم التساهل الروسي في الأوقات الطبيعية مع إجراءات السلامة والأمن، بخلاف الدول الأوروبية شديدة الصرامة في ذلك.
وفي ظل إدارة الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب، فمن المتوقع تراجع معدلات التجارة العالمية؛ وربما حدوث حرب تجارية بين العملاقين الصيني والأميركي، وهو ما سيؤثر بشدة على حركة السفن في قناة السويس، بالإضافة إلى تهيئة الصين لطريق الحرير البري القديم، وضخ استثمارات تتجاوز 200 مليار دولار في الدول المطلة على هذا الطريق؛ مما يعني تحول جزء من التجارة العالمية إلى الطريق البري، بدلًا من الممرات المائية في حال نشوب صراعات في مناطق تلك الممرات، ومن ثم فمن المتوقع انخفاض إيرادات القناة في الفترة المقبلة، إذا ما أصر الرئيس الأميركي على المضي قدمًا في إجراءاته الحمائية الصادمة.
أما عن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، فإذا لم تسرع الحكومة في تعبيد طريق الاستثمار الأجنبي المليء بالعقبات بسبب القوانين واللوائح البالية، مع استمرار ارتفاع مستويات الفساد وانخفاض درجات الشفافية، فلن تتمكن من زيادة معدلات الاستثمار الأجنبي، ومن ثم سيبقى عند مستوياته المتواضعة حاليًا. وبسبب تحرير سعر الصرف من المتوقع تفاقم عجز الموازنة بدرجات غير مسبوقة في العام المالي 2016/2017 بسبب ربط الدولار بسعر صرف 8.25 جنيها تقريبًا في الموازنة الحالية، في حين أن الجنيه انخفض وفقًا لأسعار الصرف الحالية بأكثر من 100% من تلك القيمة.
أما عن الدين الخارجي فمن الواضح أن الحكومة ماضية في طريق الاستدانة، فوفقًا لوزير المالية المصري عمرو الجارحي فإن الوزارة تدرس طرح سندات بعملات أخرى مثل اليوان الصيني أو الين الياباني8، ومن ثم إذا ما تدهورت جُل تلك المؤشرات، فمن المتوقع أن تفلت الأمور من سيطرة المصرفيين وتكون النتيجة هي ارتفاع الدولار أمام الجنيه ليتخطى مستويات 22 جنيها للدولار، دون وجود سقف للتوقف في البنوك، وفي تلك الحالة ربما يعود البنك المركزي لتثبيت سعر الصرف من جديد وإلغاء تحرير الثالث من نوفمبر /تشرين الثاني الماضي؛ إلا أن ذلك سيؤدي لبروز السوق السوداء بشكل ربما لم يره الاقتصاد المصري من قبل، وهو ما سيدفع الحكومة إلى فرض رقابة صارمة على التعامل بالنقد الأجنبي خارج البنوك، واتخاذ إجراءات أمنية قاسية للمخالفين تصل إلى توقيع عقوبات بالإعدام من أجل إعادة ضبط الفوضى المتوقعة، كما كان يفعل الاتحاد السوفيتي قديمًا.
ج – الجنيه يصمد:
يبدو السيناريو الثالث هو الأقرب للحدوث، وهو اختلاط تحركات الكتل الفاعلة بين الإيجابي منها والسلبي، فمن الممكن تحقيق فائض في ميزان المدفوعات يصاحبه ارتفاع في معدلات الدين الخارجي، أو تفاقم عجز الموازنة العامة مع ارتفاع الاحتياطي النقدي الصافي. وفي تلك الحالة من المتوقع أن يستقر سعر صرف الجنيه المصري في حدود تقع بين 14 إلى 19 جنيها للدولار.