شعار قسم ميدان

كيف استوحى هتلر قوانين العزل العنصري من القانون الأميركي؟

ميدان - هتلر
مقدمة المترجم

بالعودة في التاريخ والقراءة عن محارق اليهود ومعسكرات العزل فإننا نرى العنصرية في أبشع مظاهرها، لكن بالرجوع خطوة إلى الوراء، وبقراءة أخرى للتاريخ، سنجد أن هناك رائدا في العنصرية والذي ربما يقدّم النموذج الأشمل للتمييز العرقي، فهل كانت الولايات المتحدة ملهمة لنازية ألمانيا؟

     

نص التقرير

كان المسرح السياسي للرايخ الثالث (سلاح الجو الألماني) بألمانيا يقام في ملعبين هائلين، ومكان المسيرات الضخمة المذهلة، وقاعة الكونغرس في نورمبرغ، في مشروع من تصميم المعماري ألبرت شبير. ففي الفترة من (1933 إلى 1938) قام بتصميم العروض السياسية الضخمة المرتبطة بالمؤتمر السنوي للحزب النازي، وعروض اشتهرت في الأفلام الوثائقية المذهلة لليني ريفنستال لعام (1933 و1935)، انتصار الإيمان وانتصار الإرادة.

كانت نورمبرغ موقع "مسيرة الحرية" التي عُقدت في (سبتمبر/أيلول) عام 1935، حيث أقرّت جلسة خاصة للرايخستاغ (مجلس النواب حينها) -بالتزكية- تشريعات تحرم اليهود كمواطنين في الرايخ -"الرايخ الألماني" هو الاسم الرسمي لألمانيا في الفترة من (1871-1945)- من الحقوق السياسية، ومنعتهم من الزواج أو ممارسة الجنس مع أشخاص يعرفون بأنهم العنصريون الألمانيون، وحظرت أي عرض لليهود بالألوان الوطنية أو العلم الوطني الجديد، وهو اللافتة ذات الصليب المعقوف.

   undefined

 

وبعد ثمانية أيام فقط من إعلان هتلر لقانون المواطنة بالرايخ قانون حماية الدم الألماني والشرف الألماني وقانون علم الرايخ، أبحر 45 محاميا نازيا إلى نيويورك تحت رعاية جمعية القضاة الاشتراكيين الوطنيين الألمانيين. وكانت الرحلة بمنزلة مكافأة للمحامين الذين دوّنوا فلسفة الرايخ القانونية القائمة على العِرْق. وكان الهدف المعلن من الزيارة هو الحصول على "رؤية خاصة عن عمل الحياة القانونية والاقتصادية الأميركية من خلال الدراسة والمحاضرات"، وكان زعيم هذه المجموعة لودفيج فيشر، الذي أصبح بعد خمس سنوات حاكما لمقاطعة وارسو وترأس النظام الوحشي للغيتو.

 

(المَعزِل: منطقة يعيش فيها، طوعا أو كرها، مجموعة من السكان يعتبرهم أغلبية الناس خلفية لعرقية معينة أو لثقافة معينة أو لدين. أصل الكلمة يعود للإشارة إلى حي اليهود في المدينة). ويجلب كل يوم تذكيرات جديدة لنا بأن الديمقراطية الليبرالية وغير الليبرالية يمكن أن تتداخلا معا، وذلك في نص كتبه السياق جيمس ويتمان بعنوان "نموذج هتلر الأميركي" الذي يدرس كيف وجد الرايخ الثالث الدعم لمبادراته على أساس العرق في القانون الأميركي. بعد وصولهم إلى أميركا حضر القانونيون الألمانيون حفل استقبال نظّمته نقابة المحامين في مدينة نيويورك. كان الجميع في الغرفة قد عرفوا عن الأحداث الأخيرة في نورمبرغ، ومع ذلك تم الترحيب بحرارة بالسعي من قبل كبار القانونيين النازيين للتعلم من النظم القانونية والاقتصادية الأميركية.

 

أراد ويتمان، وهو أستاذ في كلية الحقوق في جامعة ييل، أن يعرف كيف يمكن للولايات المتحدة القائمة على مبادئ مثل الحقوق الشخصية وسيادة القانون أن تنتج أفكارا وممارسات قانونية "تجذب النازيين وتثير اهتمامهم". وفي محاولة لاستكشاف هذا التناقض الظاهري، يثير كتابه القصير أسئلة مهمة حول القانون والقرارات السياسية التي تؤثّر على امتداد العضوية المدنية، ومرونة القيم التنويرية. ومن خلال رفض المنح الدراسية التي تُقلّل من حجم تأثير نموذج العنصرية القانونية للولايات المتحدة في ألمانيا النازية فإن ويتمان يُقدّم مجموعة من الأدلة تدعم احتمال "أن قوانين نورمبرغ العنصرية نفسها تعكس التأثير الأميركي المباشر". كما يؤكد ويتمان أن أميركا بصفتها الزعيم العالمي لقوانين العِرْق فقد قدّمت المرجع الأكثر وضوحا المذكرة البروسية في (سبتمبر/أيلول) 1933 التي كتبها فريق قانوني ضم رولاند فريسلر الذي برز بعد فترة وجيزة بصفته رئيسا قاسيا لمحكمة الشعب النازي.

  

لقب
لقب "هانز فرانك" بجزار بولندا، كان فرانك  محاميا شخصيا  لهتلر ثم أصبح حاكم عام لإقليم بولندا ثم أدين بارتكاب جرائم حرب وحكم عليه بالإعدام شنقا  (مواقع التواصل)

 
وقد أسّست النصوص الأميركية السابقة لنصوص نازية حاسمة أخرى، بما في ذلك الدليل الاشتراكي الوطني للقانون والتشريع لعام (1934-1935) الذي حرره مَن أصبح بعد ذلك الحاكم العام لبولندا، هانز فرانك، والذي شنق في وقت لاحق في نورمبرغ. وخصّصت "توصيات هربرت كيير لتشريعات العِرْق" ربع صفحاتها لتشريعات الولايات المتحدة التي تجاوزت الفصل العنصري لتشمل قواعد تحكم الهنود الأميركيين ومعايير المواطنة للفلبينيين والبورتوريكيين وكذلك الأميركيين من أصل أفريقي، وتنظيمات الهجرة، وحظر الاختلاط العِرْقي في حوالي 30 ولاية. ولا يمتلك بلد آخر، ولا حتى جنوب أفريقيا، مجموعة متطورة نسبيا من القوانين المماثلة.

   

كانت كتابات المحامي الألماني هاينريش كريجر مميزة للغاية، وهو "أكبر رموز المحاكاة النازية لقانون العِرْق الأميركي"، والذي أمضى العام الدراسي (1933-1934) في فايتفيل كطالب تبادل في كلية الحقوق بجامعة أركنساس. وسعيا إلى نشر المعرفة التاريخية والقانونية في خدمة النقاء العِرْقي الآري درس كريجر مجموعة من أنظمة العِرْق في الخارج، بما في ذلك جنوب أفريقيا المعاصرة، لكنه اكتشف أساسه في القانون الأميركي.

 

وبدأت كتاباته المتعمقة عن الولايات المتحدة بمقالات في عام 1934، بعضها يتعلق بالهنود الأميركيين وغيرها تسعى إلى تقييم شامل لتشريعات العِرْق الأميركية، كل منها مقدمة لكتابه التاريخي 1936 "Das Rassenrecht in den Vereingten Staaten" (قانون العِرْق في الولايات المتحدة الأميركية). والدليل الدامغ الذي قدمه ويتمان هو نسخة مكتوبة لتسجيل مؤتمر 5 (يونيو/حزيران) 1934 الذي تجمّع فيه كبار المحامين الألمانيين لتبادل الأفكار عن الطريقة المثلى ليعمل نظام عنصري. ويعكس التسجيل كيف انجذب الأكثر تطرفا بينهم -الذين اعتمدوا على منح كريجر سينوبتيك الدراسية- تحديدا إلى القوانين الأميركية على أسس تفوّق العِرْق الأبيض. كانت الفكرة الرئيسة هي فكرة فريسلر الذي قال إن العِرْق هو تكوين سياسي.

  undefined

 
تم تحديد أهمية ومعنى العِرْق -في كل من أميركا وألمانيا- اعتمادا على القرارات السياسية المنصوص عليها في القانون أكثر من اعتماده على الحقائق العلمية أو الاتفاقيات الاجتماعية. ولكن حتى الدليل الذي لا جدال فيه على اهتمام الألمانيين الشديد بالنماذج الأميركية لا يخلق دورا تكوينيا للقانون العِرْقي الأميركي، كما يحرص ويتمان نفسه على الاعتراف. فقد يكون القادة الفكريون والسياسيون النازيون قد استخدموا أمثلة أميركية لتشريع القوانين المريعة التي كانوا يخططون لتنفيذها بالفعل.

وعلى أية حال، فإن الإجابة على مسألة النفوذ عبر الوطني هي في نهاية المطاف أقل أهمية من هدف ويتمان الآخر، وهو دراسة حالة التسلسل الهرمي العِرْقي في الولايات المتحدة عبر عيون النازيين. وكتب قائلا: "ما قدّمه التاريخ في هذا الكتاب يُطالب بأن نواجه شخصية أميركا لا النشأة النازية"، ومن ثم فإن تقريره المؤرّق ينظر إليها في التاريخ الأكبر للولايات المتحدة باعتبارها حكومة أُنشئت على مبادئ المساواة بين البشر، ومنطق التنوير، والحدود الدستورية على سلطة الدولة، ولكنها مع ذلك مقولبة من الشر المذهل والعواقب طويلة الأجل للعبودية على أساس العِرْق.

وتعني قراءة "نموذج هتلر الأميركي" أن تضطر إلى التعامل مع الحقيقة الجلية أنه خلال الفترة (1933-1945) من الرايخ الثالث بألمانيا قام ما يقرب من نصف أعضاء الحزب الديمقراطي في الكونغرس بتمثيل ولايات جيم كرو، ولم يسعَ أي حزب رئيس للحد من قوانين العِرْق التي أُعجِب بها المحامون والقضاة الألمانيون. وأصبح فهم العلاقة بين العِرْق والديمقراطية مسألة مُلحّة منذ أن تأسّست الولايات المتحدة. وهذه العلاقة التي يمكن تلخيصها في المثل الساخر لمزرعة اسمها "المساواة" في بورت توباكو في ميريلاند الأميركية تحفل بالعبيد ويملكها مايكل جينيفر ستون، واحد من الأعضاء الستة لوفد تلك الولاية إلى مجلس النواب في الكونغرس الاتحادي الأول.

  

 كتاب
 كتاب "نموذج هتلر الأميركي" (مواقع التواصل)

 
والتوتر العميق بين كل من العِرْق والديمقراطية حيّر دارس المساواة الأميركية العظيم ألكسيس دي توكفيل، ففي كتاب "الديمقراطية في أميركا"، الذي نُشر قبل قرن من قوانين نورمبرغ، بدأ توكفيل مناقشة "الأعراق الثلاث التي تسكن أراضي الولايات المتحدة" بإعلان أن هذه الموضوعات "أساسية لموضوع دراستي كوني أميركيا، غير ديموقراطية، وعملي الرئيس هو في وصف الديمقراطية".

 

ويستدعي ويتمان عمل العلماء السياسيين الذين يميزون ما يسمونه النظام الأبيض عن النظام الليبرالي والمساواة. لكن كتابه الخاص يظهر أن مثل هذا التقسيم واضح جدا، وعلينا أن نتوصل إلى مصطلحات عن العِرْق في أميركا تتماشى مع اعتبارات الديمقراطية. ولا يعرض تاريخ ويتمان أن التقليد الليبرالي في الولايات المتحدة أمر مصطنع، كما أوعز العديد من المنظّرين القانونيين للرايخ الثالث عندما سلّطوا الضوء على أنماط التبعية للسود والهنود الأميركيين. بل إنه يتحدى ضمنا القرّاء للنظر في وقت وكيفية -وتحت أي ظروف وفي أي المجالات- ظهرت سمات العنصرية القبيحة بشكل بارز على وجه الديمقراطية الليبرالية الأميركية.

   undefined

  
ونحن على النقيض نسأل، متى ولماذا تم قمع هذه السمات، ما أدى إلى وصول أكثر مساواة للأقليات العرقية إلى الفضاء المادي، والاحترام الثقافي، والحياة المادية، والعضوية المدنية؟ إن الأفكار والمؤسسات الديمقراطية الليبرالية في أميركا، على عكس ما حدث في نظام هتلر، كانت دائما ضعيفة ومقاومة للاستبعاد العنصري. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة دخلت فترة الثلاثينيات باعتبارها النظام العنصري الأكثر رسوخا في العالم، فإن طرق نورمبرغ وجيم كرو تكشّفت بشكل مختلف جدا، فواحدة بلغت الذروة في الإبادة الجماعية، والأخرى بإنجازات في الحقوق المدنية بعد نضال كبير.

 

ولكن لم تُخرِج أيا من هذه المكاسب، ولا حتى رئاسة الأميركيين من أصل أفريقي لأميركا، قضايا العِرْق والمواطنة من جدول الأعمال السياسي. كما تذكّرنا المناقشات الحادة الجارية بأن النتائج الإيجابية ليست مضمونة. إن قواعد اللعبة الديمقراطية -الانتخابات ووسائل الإعلام المفتوحة والتمثيل السياسي- تخلق إمكانيات مستمرة للديماغوجية العنصرية والخوف والإقصاء. فكما فهم فريسلر وغيره من قانونيي الرايخ الثالث جيدا أن الأفكار العنصرية والسياسات العرقية هي منتجات عميقة للقرارات السياسية.

________________________________________________
هذا التقرير مترجم عن The Atlantic ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.
المصدر : الجزيرة