تسريب ملفات تويتر.. كيف يستغل إيلون ماسك منصته الجديدة في ألعاب السياسة؟

Elon Musk's photo is seen through a Twitter logo in this illustration taken October 28, 2022. REUTERS/Dado Ruvic/Illustration
إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي والمالك الجديد لشركة تويتر (رويتر)

في مطلع ديسمبر/كانون الأول الحالي، أثار إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي والمالك الجديد لشركة تويتر، الجدل من جديد، هذه المرة بترويجه لسلسلة من التغريدات حول الكشف عن وثائق داخلية من الشركة نفسها أطلق عليها "ملفات تويتر".

 

أعلن ماسك عن الحدث قبلها بساعات، واعدا بـ"أمر رائع" شارك شخصيا في إعداده. تلك الوثائق السرية سُربت للصحفي "مات تايبي (Matt Taibbi)"، الذي يكتب لمنصة "Substack"، وهو ناقد دائم للرقابة على الإنترنت ووسائل الإعلام، ومعروف بميوله اليمينية المحافظة، بمباركة إيلون ماسك نفسه، والذي شارك منشور تايبي الطويل الذي جاء عبر أكثر من 30 تغريدة على صفحته على تويتر.

الوثائق المسربة، وهي مجموعة رسائل بريد إلكتروني داخلية بين موظفي تويتر، تصور الفوضى التي دفعت المنصة إلى حظر مقال لصحيفة نيويورك بوست عن هانتر بايدن، نجل جو بايدن، قبل عامين، وتظهر معاناة فريق تويتر في شرح طريقة تعاملهم مع المقال وهل كان قرار الحظر هو القرار الصحيح أم لا.

 

في حين كان يأمل ماسك بنشره لتلك الوثائق في إظهار مدى تحيز المنصة واتخاذها قرارات لمساعدة الرئيس الحالي للولايات المتحدة جو بايدن في الانتخابات حينها، لكن ما أظهرته تلك الوثائق هو فريق داخلي يناقش وضع اللمسات الأخيرة على قرار صعب يخص الإشراف على المحتوى.

إعلان

 

ملفات تويتر

في أكتوبر/تشرين الأول عام 2020، وقبل أسابيع قليلة من انتخابات الرئاسة الأميركية، أوقف تويتر حساب صحيفة نيويورك بوست، المعروفة بميولها السياسية اليمينية، لمدة 16 يوما بعد أن نشرت الصحيفة مقالا تزعم فيه أن جو بايدن، المرشح للرئاسة حينها، وابنه هانتر قد تورطا في معاملات تجارية مشبوهة مع أوكرانيا، وفقا لبريد إلكتروني ضمن مجموعة وثائق قدمها رودي جولياني، المحامي الشخصي لدونالد ترامب، آنذاك إلى الصحيفة، وادّعى أنه حصل على نسخة لتلك الملفات من جهاز حاسوب محمول يخص هانتر بايدن من متجر لإصلاح أجهزة الحاسوب في ولاية ديلاوير عام 2019. يشير هذا البريد الإلكتروني تحديدا إلى تورط هانتر بايدن في التوسط بصورة غير قانونية لعقد اجتماع بين عميل من أوكرانيا ووالده جو بايدن، عندما كان الأخير نائبا لرئيس الولايات المتحدة.

 

بعدها حظر تويتر المستخدمين من التغريد برابط المقال، أو حتى إرساله في رسائل خاصة للآخرين، وهو إجراء استثنائي جدا لا يحدث إلا في حالات نادرة. وذكرت المنصة حينها أن الصحيفة انتهكت سياستها في "المواد المخترقة"، نظرا إلى أن مصدر المعلومات جاء من الحاسوب المحمول، الذي اعتبرت المنصة أنه تعرض للاختراق.

 

لدى تويتر سياسة واضحة ضد تناقل "المواد المخترقة" على المنصة، تنص على عدم السماح باستخدام المنصة لنشر وتناقل المحتوى الذي حصل عليه الشخص أو المؤسسة عبر اختراق أجهزة الآخرين(1). وتلك السياسة كانت نتاجا لما حدث في قضية اختراق اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي وتسريب نحو 30 ألف رسالة بريد إلكتروني حينها خلال انتخابات عام 2016(2). وشرحت المنصة قرارها قائلة: "لا نريد تشجيع القرصنة عبر السماح باستخدام تويتر منصةً لنشر مواد يُحتمل الحصول عليها بطريقة غير مشروعة".

إعلان

لكن وفقا لتغريدات تايبي، نقلا عن مصادر مجهولة، فإن سياسة "المواد المخترقة" لدى تويتر تتطلب عادة وجود مسؤول حكومي أو شخص من قوات تنفيذ القانون ليكشف عن وجود الاختراق أو القرصنة التي حدثت، ولكن في حالة المقال الخاص بهانتر بايدن لم يكن هذا الشخص المسؤول موجودا.

 

الفكرة أنه ليس من مهام تويتر المعلنة التحقق من صحة القصص الإخبارية، لأنها مسؤولية الصحيفة التي نشرت القصة منذ البداية، وهنا ظهر هذا الاستثناء على أنه تدخل متعمد في العملية السياسية، لكن المشكلة أن تلك القصة تحديدا كان من الصعب التحقق من صحتها، لأن من عثر على الحاسوب المحمول رفض إعطاءه لأي صحيفة أخرى باستثناء صحيفة نيويورك بوست، لذا لم تتمكن الصحف الأخرى حينها من تأكيد ما وصلت إليه الصحيفة من معلومات. وفي الأيام الأولى للقصة، لم يكن بإمكان أحد التأكد من أن تلك الوثائق كانت حقيقية ولم يتلاعب بها طرف خارجي، وهو المأزق الذي وقعت به منصات التواصل الاجتماعي حينها.

 

توخي الحذر الزائد

لكن على مدار العامين التاليين منذ نشر مقالة نيويورك بوست، تحقق الصحفيون بالاعتماد على كل من تقنيات التقارير التقليدية والتحليلات الفنية من جزء كبير من تلك الوثائق، مثلا في مارس/آذار الماضي، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن رسائل البريد الإلكتروني الواردة من الملفات المتعلقة بمعاملات هانتر بايدن التجارية الأجنبية أكد صحتها أشخاص على اطلاع بالتحقيق(3). وفي نهاية الشهر نفسه، ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن خبيرين في أمن الحاسوب فحصا الملفات ووجدا أن 22 ألف رسالة بريد إلكتروني واردة فيها كانت حقيقية، لكن معظمها رسائل روتينية، مثل نشرات بريدية سياسية، ورسائل خاصة بجمع التبرعات، وإيصالات الفنادق، وإعلانات المنتجات، وقوائم العقارات، وغيرها(4).

 

في الوقت نفسه، اتخذت منصة فيسبوك إجراءات مماثلة لتقليل انتشار المقال، لكن منصة تويتر كانت وحدها في قرارها غير المسبوق بحظر روابط المقال؛ ما أدى في النهاية إلى إثارة عاصفة من الانتقادات بأن موقع التواصل الاجتماعي كان منحازا للديمقراطيين.

إعلان

 

لا تُظهر تلك الرسائل المسربة كيف اتخذت إدارة المنصة القرار منذ البداية، لكنها تظهر رسائل بعدها يتناقش فيها القادة حول ما إذا كان هذا هو الخيار الصحيح أم لا. وتذكر إحدى رسائل "يويل روث (Yoel Roth)"، رئيس قسم الدعم والسلامة في تويتر حينها والذي استقال بعد تولي ماسك إدارة الشركة، أن المنصة قررت أن تقف في جانب الحذر، "نظرا للمخاطرة الشديدة هنا ودروس عام 2016". كما ذكر جيم بيكر، نائب المستشار العام لتويتر، أنه "من المنطقي بالنسبة إلينا أن نفترض حدوث اختراق، ولهذا كان علينا توخي الحذر الشديد".

 

تباهى إيلون ماسك بنشر رسائل البريد الإلكتروني الداخلية في "ملفات تويتر" باعتبارها دليلا حاسما على تحيز المنصة ضد الجمهوريين، لكنها أوضحت في الغالب ما هو معروف فعلا، أن إدارة تويتر، التي كانت تخشى تكرار سيناريو انتخابات عام 2016، اتخذت خطوة استثنائية في الإشراف على المحتوى، في حين كان عليها أن توفر بعض السياق التوضيحي بأن القصة ربما تكون من معلومات جاءت من جهاز مخترق، وتسمح بتداولها ونشرها مع هذا التحذير.

 

وهو ما اعترف به جاك دوروسي، الرئيس التنفيذي حينها، قائلا: "كان حظر روابط المقال مباشرة أمر خاطئ، وقمنا بتحديث سياستنا لإصلاحه. هدفنا هو محاولة إضافة بعض السياق"، مضيفا أنه يمكن للشركة الآن القيام بذلك عبر إضافة تصنيف وملصقات المواد المقرصنة مع التغريدات. وبعدها تراجعت المنصة فعلا عن قرار الحظر، وسمحت بتداول المقال.

 

أزمة إدارة المحتوى

ما أشارت إليه التسريبات هو أن الأشخاص المسؤولين عن عملية إدارة المحتوى وقعوا في الفخ نفسه الذي يتورط به إيلون ماسك الآن بعد إدارته للمنصة، والذي يجد فيه نفسه يتخذ قرارات صعبة بشأن ما يسمح بنشره وتناقله على منصة تويتر.

إعلان

 

ما الجديد الذي عرفه العالم عن تعامل تويتر مع هذه الحادثة عبر تلك التسريبات؟ الإجابة ستكون: لا يوجد الكثير بما أن الجميع كان يعرف فعلا ما حدث، ولكن بدلا من هذا أشعلت "ملفات تويتر" مزيدا من النيران في نظريات المؤامرة التي تدور حول ملحمة جهاز الحاسوب المحمول لهانتر بايدن، بما في ذلك التلميح من إيلون ماسك نفسه بأن المسؤولين الحكوميين تدخلوا لإيقاف انتشار مقال نيويورك بوست، الذي من شأنه انتهاك التعديل الأول للدستور الأميركي حول حرية التعبير، حيث قال ردا على إحدى الرسائل المسربة: "إذا لم يكن هذا انتهاكا للتعديل الأول للدستور، فما هو الانتهاك؟!".

لكن الفكرة أن البريد الإلكتروني الذي يذكره ماسك يُظهر حملة المرشح الرئاسي حينها جو بايدن، وهي بالطبع ليست كيانا أو جهة حكومية، تُبلّغ عن بعض التغريدات المنشورة على منصة تويتر من أجل "المراجعة" بموجب سياسات المنصة للإشراف على المحتوى قبل حدث الانتخابات القادم، كما يذكر الصحفي تايبي بنفسه أنه "لم يجد أي دليل على أي مشاركة حكومية في قصة جهاز الحاسوب المحمول".

 

وربما أبرز درس مستفاد هنا من تلك التسريبات ينطبق على إيلون ماسك نفسه، الذي اتخذ قرارات كبيرة خاصة بالإشراف على المحتوى على تويتر من جانب واحد تقريبا.

 

خلال الأسبوعين الماضيين مثلا، أعاد ماسك حساب الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب إلى تويتر بناء على نتائج استطلاع أجراه على حسابه، وألغى حظر حسابات مجموعة من المستخدمين الآخرين ممن سبق حظرهم من الموقع لخرقهم قواعد المحتوى. كما دافع ماسك عن عودة حساب مغني الراب المعروف سابقا باسم "كاني ويست"، والذي حُظر حسابه في أكتوبر الماضي بعد أن نشر تغريدة "معادية للسامية"، ولكن ماسك أعلن أن حساب كاني ويست سيُحظر مرة أخرى بعد تغريدة جديدة، كانت عبارة عن صورة "للصليب المعقوف" المعبر عن النازية، وصفها ماسك بأنها انتهاك لقواعد تويتر ضد "التحريض على العنف".

إعلان

ومثل موظفي تويتر الذين تناقشوا حول مقال نيويورك بوست في عام 2020، وقع إيلون ماسك في موقف صعب، وبدا أنه تحت الضغط لكي يتخذ قرارا حاسما. وكما هو الحال مع الإدارة السابقة لتويتر، ظهر ما وراء الكواليس عشوائيا هذه المرة أيضا مع ماسك، بعد أن ظهرت رسالة نصية سربها كاني ويست تُظهر إيلون ماسك يراسل مغني الراب مباشرة أولا؛ ما يوضح استعداده لعرض خدماته الشخصية لبعض منتهكي سياسات المحتوى على المنصة قبل حظرهم(5).

 

المشكلة أنه بدون سياسات واضحة ومتسقة وفريق أمني يجري مباحثات ومشاورات من النوع الذي ظهر في الوثائق المسربة، فإن اتخاذ القرار الصحيح وقتها سيكون أكثر صعوبة، لكن لا يبدو أن هذا ما يهدف إليه ماسك فعلا.

 

أداة سياسية

بالرغم من أن إيلون ماسك هو أغنى رجل في العالم الآن، إلا أن قليلا جدا مما يفعله منذ شراء تويتر يتعلق بالمكاسب أو الأرباح، ومنها أسلوب إدارته للشركة حتى الآن، التي يحكم فيها بالخوف، والتخلص من نصف موظفي المنصة، وإجبار المتبقي منهم على العمل لساعات طويلة، وفصل الموظفين الذين ينتقدونه.

 

وهذا يدل على أن اهتمامه بتويتر ليس تجاريا فحسب، فمن الواضح أنه يعتقد أن الإدارة القديمة للشركة كانت منحازة إلى الليبراليين في الولايات المتحدة، وأنه يود توجيه المنصة أكثر ناحية اليمين، ويبدو أن الهدف هو إعادة تصميم تويتر وتغيير سياسته التي يتصورها ماسك عنها.

 

ووفقا لصحيفة وول ستريت جورنال، فإن مَن شجّع الاستحواذ على تويتر كانت شبكة من المليارديرات الليبراليين اليمينيين المقربين من إيلون ماسك، بما فيهم "بيتر ثيل"، مؤسس باي بال (PayPal)، لأنهم رأوا بأن من الأفضل إدارة تويتر باعتبارها شركة خاصة(6). وربما كانت أحد أسباب اهتمام هؤلاء بإيلون ماسك هو تطوره السياسي خلال السنوات الماضية، خاصة مع رفضه بشدة حظر ترامب من المنصة، واعتقاده أن سياسات إدارة المحتوى على تويتر تتحكم بها السياسة، وادّعائه أن تويتر كان متحيزا لليسار المتطرف، وانقلابه من ترشيح الديمقراطيين لترشيح الجمهوريين في الانتخابات.

إعلان

رغم أن المنصة نفسها وصلت إلى استنتاج العام الماضي بأن الخوارزمية الخاصة بها تساعد على انتشار المحتوى اليميني، واعترفت بأنها تضخم تغريدات السياسيين ووسائل الإعلام اليمينية أكثر من المحتوى من المصادر اليسارية(7).

 

ضمن خطوط الحرب الثقافية والاجتماعية الحالية في الولايات المتحدة، يرتدي اليمين والتيار المحافظ عباءة حرية التعبير والخوف من فرض الرقابة على الآراء، خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي، في حين يشير أنصار اليسار إلى مخاوف بشأن انتشار وتفشي المعلومات الكاذبة والمضللة وخطاب الكراهية، وبسببها يطالبون بفرض قيود أكثر على التعبير والمحتوى على الإنترنت.

 

ربما كان الاستحواذ على تويتر، جزئيا على الأقل، خطوة سياسية تهدف إلى تعطيل الشبكة الاجتماعية التي ادّعى اليمين الأميركي مرارا أنها متحيزة ضده. منصة تويتر بوصفها كيانا سياسيا تتجاوز وزنها التجاري بكثير. وفي بدايتها، اشتهرت بسبب ارتباطها بالبيت الأبيض والرئيس الأميركي باراك أوباما وقتها، ودورها في العديد من الأحداث السياسية منذ ذلك الحين، دائما كان يُنظر إليها على أنها وسيلة لإبراز نفوذ الولايات المتحدة في الخارج.

 

بالتأكيد لم تتسبب المنصة في أي من الأحداث السياسية الكبيرة، لكنها كانت تلعب دورا محوريا لتلك المعارك السياسية، بسبب الطريقة التي يستخدمها بها النشطاء والسياسيون والصحفيون في إيصال ما يرغبون به. وبالرغم من أنها تملك عدد مستخدمين أقل بكثير من فيسبوك أو حتى تيك توك، فإنها كانت ولا تزال أداة قوية لتشكيل الخطاب العام الأميركي. لذا، أيّا مَن يسيطر عليها، سواء كان يعرف ما يفعله أم لا، فإنه يمتلك سلطة سياسية حقيقية.

——————————————————————————–

المصادر:

1) Distribution of hacked materials policy

2) How the Russians hacked the DNC and passed its emails to WikiLeaks

إعلان

3)    Hunter Biden Paid Tax Bill, but Broad Federal Investigation Continues

4)    Here’s how The Post analyzed Hunter Biden’s laptop

5) Kanye West Banned From Twitter After Posting Swastika and Texts With Elon Musk

6) The Shadow Crew Who Encouraged Elon Musk’s Twitter Takeover

7)    Twitter admits bias in algorithm for rightwing politicians and news outlets

المصدر : الجزيرة

إعلان