شعار قسم ميدان

فضيلة الروبوت..هل ستعتلي الآلة المنبر بدلا من الشيخ يوما ما؟

epa06161474 Pepper, a robot developed by SoftBank Corp., preaches to visitors as it takes a part in a demonstration of funeral ceremony with a Buddhist priest at the Tokyo International Funeral and Cemetery Show 2017 held at Tokyo Big Sight in Tokyo, Japan, 25 August 2017. The show is held 23-25 August 2017 with over 300 companies and shops in the industry. Over 17,000 people visited the shows for the first two days. EPA-EFE/KIMIMASA MAYAMA

كاهن جديد يُدعى "ميندار" يقف في "كوداجي" (Kodaiji)، وهو معبد بوذي عمره 400 عام في كيوتو باليابان. مثل غيره من رجال الدين، يمكن لهذا الكاهن إلقاء الخطب والتنقل للتواصل مع المصلين. لكن "ميندار" له سمات غير عادية، أولها أن جسمه مصنوع من الألومنيوم والسيليكون. نعم، كما توقَّعت الآن، "ميندار" هو روبوت.

صُمِّمت الآلة التي تبلغ تكلفتها مليون دولار لتبدو مثل "كانون"، إله الرحمة البوذي، في محاولة لإعادة إشعال شغف الناس بإيمانهم في بلد يتدهور فيه الانتماء الديني. في الوقت الحالي، لا يعمل "ميندار" عبر الذكاء الاصطناعي، وهو يقرأ فقط الخطبة نفسها المبرمَجة سابقا حول السوترا (النصوص الدينية الهندية القديمة) مرارا وتكرارا. لكنَّ صانعي الروبوت يقولون إنهم يُخطِّطون لمنحه إمكانات التعلم الآلي التي ستُمكِّنه من استيعاب المشكلات الروحية والأخلاقية المحددة للمصلين، وإطلاق ملاحظات حولها. "هذا الروبوت لن يموت أبدا"؛ هكذا يقول تينشو جوتو، كبير مضيفي المعبد، مُضيفا: "سوف يستمر في تحديث نفسه ويتطور. ومع الذكاء الاصطناعي، نأمل أن تنمو حكمته لمساعدة الناس على التغلُّب حتى على أصعب المشكلات. إنه يُغيِّر البوذية". (1)

 

هذا يعني أن الروبوتات باتت تُغيِّر الطقوس الدينية أيضا. في عام 2017، طرح الهنود روبوتا يؤدي طقوس "أرتي" الهندوسية، التي تتضمَّن التحرُّك في جولة خفيفة والدوران أمام الإله. في العام نفسه، تكريما للذكرى الخمسمئة للإصلاح البروتستانتي، أنشأت الكنيسة البروتستانتية الألمانية روبوتا يسمى "بلس يو 2" (BlessU-2)، أعطى بركات مُبرمَجة سابقا لأكثر من 10 آلاف شخص. (2)

على نطاق أقل إثارة، يمكن للحجاج المسلمين الذين يزورون المسجد الحرام في مكة المكرمة الآن الحصول على إرشادات من روبوتات جديدة ذات عجلات أربع، مع شاشة تعمل باللمس مقاس 21 بوصة. قريبا، تتجوَّل روبوتات الذكاء الاصطناعي في أرجاء المسجد وتساعد في الإجابة عن الأسئلة، أو تُقدِّم إرشادات حول مختلف الطقوس الإلزامية التي يتعيَّن على المصلين أداؤها، فيما سيمنعهم نظام التوقُّف الذكي من الاصطدام بالأشخاص أو الأشياء. لسهولة الاتصال، تتحدَّث الروبوتات أيضا 11 لغة، بما في ذلك الصينية والروسية والإنجليزية والفرنسية والفارسية والتركية، ما يعني أنها يمكن أن تساعد في إيصال أسئلة الناس إلى الشيوخ والعلماء بلغات مختلفة، وقالت الرئاسة العامة لشؤون الحرمين إنها تهدف إلى تطوير وتثوير مستوى وسهولة الخدمات المُقدَّمة للمسلمين خلال زياراتهم لمكة المكرمة. (3)

مع بدء المزيد من المجتمعات الدينية في دمج الروبوتات، التي تعمل بالذكاء الاصطناعي في بعض الحالات، فإن ذلك يمكن أن يُغيِّر جذريا تجربة الناس مع الدين، وربما يطرح ذلك أسئلة أيضا حول التفكير الأخلاقي، الذي يُعَدُّ أحد المحاور الرئيسية للتديُّن.

بين مطرقة القبول وسندان الرفض

"ميندار" يعظ في معبد "كوداجي" (Kodaiji) في كيوتو، اليابان (مواقع التواصل)
"ميندار" يعظ في معبد "كوداجي" (Kodaiji) في كيوتو، اليابان (مواقع التواصل)

غالبا ما تجعلنا التقنيات الجديدة غير مرتاحين، وقبولنا ورفضنا لها تُحدِّده مجموعة من العوامل، بدءا من درجة تعرُّضنا للتكنولوجيا الناشئة إلى افتراضاتنا الأخلاقية السابقة. يقال إن المصلين اليابانيين الذين يزورون "ميندار" لم ينشغلوا كثيرا بالتساؤلات حول مخاطر الروحانية السليكونية، وهذا منطقي بالنظر إلى أن الروبوتات شائعة بالفعل في البلاد، بما في ذلك المجال الديني.

لسنوات حتى الآن، كان لدى الأشخاص الذين لا يستطيعون دفع أجر كاهن بشري لأداء مراسم الجنائز خيار الدفع لروبوت يُدعى "بيبر" (Pepper) للقيام بذلك بسعر أرخص بكثير. (4) وفي الصين، في دير "لونغ تسوان" (Longquan) في بكين، يتلو راهب من الروبوتات يُدعى "شيانر" (Xian’er) تعويذات بوذية ويُقدِّم إرشادات حول مسائل الإيمان.

علاوة على ذلك، فإن الفكرة الميتافيزيقية البوذية التي تقول إن كل شيء لديه "طبيعة بوذا" متأصلة في داخله، أي إن جميع الكائنات لديها القدرة على أن تصبح مستنيرة، قد تُهيئ أتباع الديانة ليكونوا متقبلين للإرشاد الروحي الذي يأتي من التكنولوجيا. في المعبد في كيوتو، قال أحدهم: "البوذية ليست إيمانا بالله؛ إنها تتبع طريق بوذا. لا يهم ما إذا كان ممثلا بآلة أو قطعة من الخردة المعدنية أو شجرة". (5)

نتيجة لذلك، يستخدم بعض البوذيين عجلات الصلاة التي يُطبع عليها كلمات مقدسة، ويعتقدون أن تدوير العجلة له فعاليته الروحية الخاصة، حتى لو لم يقرأ أحد الكلمات بصوت عالٍ. في أماكن رعاية المحتضرين، سيستخدم البوذيون المسنون الذين ليس لديهم أشخاص لتلاوة الصلوات نيابة عنهم أجهزة تُعرف باسم "نيانفوجي" (nianfo ji)، وهي آلات صغيرة بحجم هاتف محمول تقريبا، تتلو اسم بوذا إلى ما لا نهاية. (7)

بمشاعر مضادة، يبدو الغربيون أكثر انزعاجا من "ميندار" وأشباهه، وشبَّهوه بوحش فرانكشتاين. في الاقتصادات الغربية، ليس لديهم حتى الآن روبوتات متورطة في العديد من جوانب الحياة، وما يملكونه حقا هو سرد ثقافي واسع الانتشار، مدعوم بأفلام هوليوود الرائجة، حول استعبادنا الوشيك على أيدي "الروبوتات الحاكمة". (6)

يمكن للروبوت بيبر أن يقوم بطقوس الجنازة البوذية، كما أنه سيرتدي أردية كهنوتية سوداء لهذه المناسبة.
يمكن للروبوت بيبر أن يقوم بطقوس الجنازة البوذية، كما أنه سيرتدي أردية كهنوتية سوداء لهذه المناسبة.

أما المسلمون واليهود على وجه الخصوص، فلديهم شكوك متزايدة حول الروبوت، ولديهم أيضا أفكار مختلفة حول ما يجعل الممارسة الدينية فعالة. على سبيل المثال، تركِّز اليهودية بشدة على القصد، وهو أمر لا تمتلكه الآلات. وبالمثل، عندما يصلي المصلي المسلم، فإن ما يهم ليس فقط نطق الكلمات الصحيحة، ولكن أيضا النية السليمة.

رغم هذه الاختلافات اللاهوتية، فإن من المثير للدهشة أن يكون لدى العديد من الغربيين تحديدا رد فعل سلبي غير عادي تجاه الروبوتات الروحانية. يعود حلم خلق الحياة الاصطناعية إلى اليونان القديمة، حيث اخترع القدماء رسوم آلات متحركة حقيقية، كما وثَّقت الكاتبة الكلاسيكية في جامعة ستانفورد أدريان مايور في كتابها "الآلهة والروبوتات".

كتاب "الآلهة والروبوتات" (مواقع التواصل)
كتاب "الآلهة والروبوتات" (مواقع التواصل)

نعم، على عكس ما هو شائع، هناك تقليد طويل للروبوتات الدينية في الغرب. في العصور الوسطى، صمَّم المسيحيون آلات لأداء أسرار عيد الفصح وعيد الميلاد. صمَّم أحد علماء الروبوتات البدائية في القرن السادس عشر راهبا ميكانيكيا يقوم، بشكل مثير للدهشة، بإيماءات طقسية حتى يومنا هذا، بذراعه اليمنى يضرب صدره ندما على ذنب، وباليسار يرفع مسبحة قرب شفتيه. بعبارة أخرى، فإن الجديد الحقيقي ليس استخدام الروبوتات في المجال الديني، ولكن استخدام الذكاء الاصطناعي. (8)

بينما لا أحد يعتقد أن الوعي يكمن داخل الرأس السيليكوني للعبة مثل الروبوت "ميندار"، بغض النظر عن مدى كفاءة صُنعها، فإن ما يُثير قلق الغربيين حقا هو مستقبل الذكاء الاصطناعي الذي يمكن أن يصبح مصدرا لروحانية اصطناعية خاصة تجعل منه "إله المستقبل". من الصعب توقُّع كيف يمكن أن تستجيب التقاليد المختلفة لهذا الأمر.

بالنسبة للمسيحيين الذين استثمروا في مفهوم الروح البشرية الأبدية، قد تُمثِّل الروح الاصطناعية تناقضا. في المقابل، قد يكون المؤمنون البوذيون والهندوس، الذين تكون تقاليدهم أكثر استعدادا لرؤية الروح الفردية جزءا أصغر من نظام أكبر، أكثر قابلية لفكرة الآلات الروحية. هذه هي التفرقة التي استخدمها راي كورزويل في تسمية عصرنا القادم "عصر الآلات الروحية" في كتابه الذي يحمل العنوان نفسه. ربما يكون من المناسب التفكير في الأمر على أنه "عصر ميندار"، حيث كانت هذه القضايا تغلي منذ فترة طويلة في الخلفية اللاهوتية، وستستمر في الغليان فقط في العقود القادمة. لكن كيف تسمى هذه الآلات بالروحية وهي لا تمتلك روحا؟

عصر الآلات الروحية

حتى إن كان الذكاء الاصطناعي -جهاز الحاسوب، أو الإنسان الآلي، أو الهاتف النقال- قادرا على التفكير المعقد والتعاطف، فبأي معنى يمكن أن يُقال إنه يمتلك روحا؟ كيف يتفاعل الدين التقليدي مع كيان مُشيد بشريا، بعيدا عن الأصول الإلهية؟ وكيف يمكننا فهم دوره في النظام الميتافيزيقي؟ هل يمكن أن نتحدَّث عن الخلاص والدينونة حين يتعلق الأمر بالكائنات الرقمية؟ وهل هناك أي طريقة يمكننا من خلالها تبشير الروبوتات أو جعل أجهزة الحاسوب أكثر تديُّنا؟ حتى بالنسبة إلى اللا دينيين والماديين، الذين لا تعني لهم هذه الأسئلة أي معنى فلسفي، فإن حقيقة أن تصبح هذه الأمور نقاط اشتعال لاهوتية هو أمر ستكون له تداعيات اجتماعية وثقافية وسياسية هائلة.

في مقال لـ "CNBC" بعنوان "أجهزة الحاسوب ستكون مثل البشر بحلول عام 2029″، نُشر عام 2014، اقتبس الصحفي كادي طومسون من كورزويل، الذي يؤكد بثقة أن أجهزة الحاسوب ستكون على المستويات البشرية نفسها، إلى درجة أنه سيمكننا إقامة علاقات إنسانية معها بعد أعوام قليلة من الآن. يتحدَّث كوزيل تحديدا عن تطور الذكاء العاطفي للآلات، مثل القدرة على قول نكتة، أو أن تكون مضحكة أو رومانسية أو محبة أو مثيرة، وهذا هو طليعة الذكاء البشري، وليس عرضا جانبيا له.

يتوقع علماء ما بعد الإنسانية بتفاؤل ألفية قادمة من السمو الرقمي، كورزويل مؤمن بما يسمى بـ "المتفرِّدة" (Singularity)، وهي اللحظة التي تفوق فيها قدرات الحوسبة الجماعية للبشرية قدرتنا -نحن البشر- على فهم الآلات التي أنشأناها، وساعتها يمكن القول إن هناك وعيا صناعيا خاصا بدأ يتطور.

أثناء استعراض التفاصيل، دعنا نفترض صحة زعم كورزويل أنه في مرحلة ما من هذا القرن سوف يُطوِّر الذكاء الاصطناعي هذا التفوق على جميع الذكاءات الرقمية السابقة. إذا كان صحيحا أن "الأوتوماتا" يمكن أن تكون مضحكة ورومانسية ومحبة ومثيرة مثلنا، فيمكن أيضا افتراض أنها ستكون قادرة على التقوى والتوقير والإيمان. عندما يكون من الممكن إنشاء ليس فقط راهبا يعمل على مدار الساعة، ولكن جهاز حاسوب قادر بالفعل على الصلاة، فكيف يستجيب الإيمان؟

حتى الآن، لا يزال اللاهوت هو مَن يتحكَّم في نظرتنا إلى الذكاء الاصطناعي، لكن يبدو أن الذكاء الآلي في طريقه لتشكيل اللاهوت بطريقة أو بأخرى. إنه شارع ذو اتجاهين، يعتقد بعض الناس أن الذكاء الاصطناعي سيفرض تغييرا بالغ الأهمية حقا في علم اللاهوت، لأنه إذا ابتكر البشر آلات ذكية بإرادة حرة، فسنضطر في النهاية إلى التساؤل عما إذا كان لديها شيء مشابه وظيفي للروح. "ستكون هناك نقطة في المستقبل عندما تقول لنا هذه الكائنات ذات الإرادة الحرة التي صنعناها: أنا أومن بالله. ماذا أفعل؟". في هذه المرحلة، يجب أن يكون لدينا رد.

يعتقد آخرون أنه بدلا من السعي للانضمام إلى دين بشري، سيصبح الذكاء الصناعي نفسه موضوعا للعبادة. أنشأ أنتوني ليفاندوفسكي، مهندس وادي السليكون، أول كنيسة للذكاء الاصطناعي، تسمى "طريق المستقبل"، وخُصِّص دين ليفاندوفسكي الجديد لـ "تحقيق وقبول وعبادة الله على أساس الذكاء الصناعي (AI) الذي طُوِّر من خلال أجهزة وبرامج الحاسوب".

قد يتطوَّر هذا الجدال ليصبح الصراع الثقافي المركزي للدين في المستقبل. في الوقت الحالي، يختلف المفكرون الدينيون مع الليبراليين العلمويين حول موعد بدء الحياة، ودور المرأة في الكنيسة. بحلول نهاية القرن، يمكن أن تكون هناك مناقشات وإدانات وتفسيرات وفتاوى حول ما إذا كان سيُسمح للذكاء الاصطناعي بالانضمام إلى الكنيسة أو المسجد، وسيُسمح له بالخدمة في سلك الكهنوت أو الزواج من إنسان بيولوجي.

في كل الأحوال، تبقى نظريات كورزويل وغيره محل جدل شديد في الأوساط البحثية الخاصة بنطاقات هندسة الروبوتات والذكاء الاصطناعي، يرى البعض أنه لا يمتلك أي دلائل علمية على ادعاءاته (والأمر بالفعل كذلك)، ويرى بعض الفلاسفة مثل جون سيرل أن الافتراض بأن الآلات ستمتلك يوما الوعي ليس إلا قفزة عالية لا أساس لها، فما يفعله الروبوت هو ترجمة مباشرة لأشياء لا يفهمها، لا يدركها أو يعي ما تعنيه من الأساس. وفي المقابل، هناك وجهة النظر المُرعبة التي طرحناها عليك في السطور السابقة. فأي مستقبل منهما ينتظر عالمنا يا تُرى؟

____________________________________________

المصادر:

  1. The android priest that’s revolutionizing Buddhism
  2. The robots are coming for one of Hinduism’s holiest ceremonies
  3. Makkah’s Grand Mosque launches new AI robot guides that speak 11 languages
  4. Pepper Now Available at Funerals as a More Affordable Alternative to Human Priests
  5. Deus Ex Machina: Religions Use Robots to Connect With the Public
  6. Buddha in a box: The materiality of recitation in contemporary chinese buddhism
  7. Meet ‘Mindar,’ the robotic Buddhist priest
  8. Transnational Mobilities in Early Modern Theater
المصدر : الجزيرة