إجهاد Zoom.. لماذا تُشعرنا محادثات الفيديو بالتوتر؟ وكيف يمكن معالجة الأمر؟

أبلغ الكثير من الأشخاص عن شعورهم بالتعب والإرهاق الشديد بعد اجتماعات الفيديو، لدرجة أنه اكتسب المصطلح العلمي الخاص به وهو "إجهاد زووم"، لا يعني هذا أن الإجهاد يرتبط بمنصة "زووم" فقط، فهو يرتبط باستخدام منصات الدردشة المرئية عموما، وليس الأمر مُجرد إرهاق أو تعب عابر من كثرة التحدُّث أو الاستماع، لكن يبدو أن منصات الدردشة المرئية الشهيرة تتضمَّن عيوبا في التصميم تجعلها تستنزف عقلك وجسدك.

 

في محاولة لفهم هذا التعب الجديد الذي قد يفرض سطوته على أكثر من 300 مليون مشارك يوميا في (1) منصة "زووم"، بدأت جمعية الطب النفسي الأميركية باستكشاف "إجهاد زووم" من خلال إعادة النظر في عملية الإرهاق الذهني ذاتها (2)، ويُعَدُّ المكوِّن النفسي الأساسي للإرهاق هو مقايضة المكافآت التي سنحصل عليها مع الجهد الذي نبذله، ضمن عملية تحدث في أذهاننا دون وعي. (3)

 

في كل مستوى من مستويات السلوك الذي نقوم به، تحدث مفاضلة بين المكافآت المُحتمَلة مقابل التكاليف أو الجهد المبذول، حتى القرارات الصغيرة، مثل الضغط على زر "حذف" مقابل زر "Backspace" لمسح كلمة مكتوبة، تحدث على أساس هذه التقديرات غير الواعية لتعظيم المكافأة، التي قد تكون في هذه الحالة، على سبيل المثال، هي الوقت أو مقدار الجهد. (4)

إعلان

 

هل يمكن أن يكون نقص المكافأة المُتصوَّرة بالنسبة للجهد أثناء مؤتمرات الفيديو آلية نفسية أساسية لحدوث "إجهاد زووم"؟ الإجابة هنا هي "نعم"، بحسب الجمعية، فالتفاعلات الاجتماعية ترتبط إلى حدٍّ كبير -في كيمياء الدماغ البشري- بدوائر المكافأة لدينا، حيث إن هرمون الأوكسيتوسين، الهرمون الذي ينتج عن الشعور بالترابط الاجتماعي، له مسارات الدوبامين نفسها، وهو الناقل الكيميائي الذي يُعزِّز شعورنا بالسعادة. (5)

 

في هذا السياق، كشفت بيانات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفية أن التفاعلات الحية وجها لوجه، مقارنة بمشاهدة التسجيلات، ترتبط بتنشيط أكبر لمناطق المكافأة في أدمغتنا. (6) يعني ذلك حجما أكبر للمكافأة المُتصوَّرة، وهنا يمكن أن يكون سبب حدوث هذا الإجهاد هو انخفاض في المكافأة التي يتصوَّرها الأشخاص من ممارسة نشاط بعينه مثل مكالمات الفيديو.

 

صفاء.س، امرأة أربعينية تعمل من المنزل منذ بداية انتشار جائحة فيروس كورونا المُستجد، لديها ثلاثة أطفال، في مراحل تعليمية مُختلفة ما بين الابتدائية والإعدادية، جعلت مدارسهم أيضا العملية التعليمية مُقتصرة على التعليم عن بُعد، لذا يقضون يومهم أمام شاشة الحاسوب الخاص بها، يتناوبون ويُنظِّمون مواعيدهم لكي يتمكَّنوا من استخدامه لأغراضهم المختلفة، وبين اجتماعات العمل ومُتابعة تعليم الصغار تجد صفاء نفسها تقضي أغلب يومها مُحدِّقة في الوجوه التي تظهر لها عبر منصة "زووم".

بعد فترة بدأت صفاء تشعر بالضيق والتوتر، عانت من حِدَّة نفسية وعصبية لم تكن في طبعها، كان الأمر غير مفهوم بالنسبة لها، لكنها ربطته في البدء بوضع الجائحة والحجر الصحي وعدم الخروج من المنزل، لكنها وجدت أنها -على وجه التحديد- تنفر من منصات الدردشة المرئية، حتّى إنها حاولت أن تُقلِّص الوقت الذي تقضيه في استخدام هذه المنصات.

 

حدَّد باحثون من جامعة ستانفورد بعض الأسباب الإضافية المتوقَّعة التي يمكن أن تقف وراء "إجهاد زووم"، فقد درس البروفيسور جيريمي بيلنسون، المدير المؤسس لمختبر ستانفورد للتفاعل البشري الافتراضي (VHIL)، التبعات والعواقب النفسية لقضاء ساعات يوميا على "زووم" ومنصات دردشة الفيديو الشائعة الأخرى. (7)

إعلان

 

من الأسباب التي تؤدي إلى حدوث "إجهاد زووم" وفقا لبيلنسون، زيادة الاتصال من خلال العينين، فمقدار الاتصال بالعين الذي ننخرط فيه أثناء محادثات الفيديو، وكذلك حجم الوجوه على الشاشات، يكون غير طبيعي. في الاجتماع الواقعي العادي، سينظر الناس بشكل مختلف إلى المُتحدِّث أو يُدوِّنون الملاحظات أو يدورون بأعينهم في أماكن مُختلفة، لكن أثناء مُحادثات "زووم" لا يحدث هذا، ينظر الجميع إلى وجوه وأعين بعضهم بعضا، ليس للمُتحدِّث فقط، بل قد يُحدَّق في المُستمِع أيضا.

يقول بيلنسون إن القلق الاجتماعي من التحدُّث أمام الجمهور هو أحد أكثر أنواع الرهاب انتشارا، فمن التجارب المُرهقة للغاية بالنسبة للكثيرين هو أن تقف ويُحدِّق بك الجميع. كذلك قد يُشكِّل حجم الوجوه سببا آخر للشعور بعدم الراحة، فبناء على حجم شاشتك وما إذا كنت تستخدم شاشة خارجية، يمكن أن تبدو الوجوه خلال اجتماعات "زووم" كبيرة جدا بحيث لا تُشعرك بالراحة.

 

يُضيف بيلنسون أنه عندما يكون وجه شخص ما قريبا جدا من وجهنا في الحياة الواقعية، فإن أدمغتنا تتنبَّه وتُفسِّر هذا على أنه موقف غير طبيعي قد يُعبِّر عن الحميمية المُفرطة أو التهديد. فإذا كُنت تتعرَّض لـ "زووم" ساعات عديدة من اليوم فسيكون تنبيه دماغك بهذا الشكل لوقت طويل بالغ الإجهاد لك.

 

سبب آخر يُحتمل أن يؤدي إلى "إجهاد زووم" هو أن رؤية نفسك أثناء محادثات الفيديو باستمرار أمر مرهق، فمعظم منصات الفيديو تعرض مربعا لما يبدو عليه شكلك على الكاميرا أثناء الدردشة. خلال دراسة هدفت إلى البحث في شعور الناس تجاه أنفسهم بعد النظر في المرآة، طُلب من المبحوثين التحديق في مرآة في الإضاءة المنخفضة، بعد دقيقة أفاد 66% منهم أنهم رأوا "تشوهات ضخمة" في وجوههم. (8)

رصد الباحثون سببا آخر لحدوث "إجهاد زووم"، وهو أنه أثناء الاجتماعات، يُضطر عقلك للعمل بجهد أكثر ليتمكَّن من قراءة تعابير وجه الأشخاص وفك شفرة نغمة نبرة الصوت من خلال شاشة الحاسوب. يرى كريستال جاجو، الحاصل على ماجستير في العمل الاجتماعي وباحث اجتماعي مسجل في كلية أونتاريو للأخصائيين الاجتماعيين، أن عند الانخراط في مثل هذا النوع من التفاعل، يحتاج الأشخاص إلى خلق ما يُسمى "وهم التواصل البصري". (9)

إعلان

 

الآلية الطبيعية لعمل الدماغ البشري عند التواصل الاجتماعي هي أنه يُركِّز جزئيا أثناء التواصل على الكلمات التي يقولها الطرف الآخر، لكنه فعليا يستمد العديد من المعاني الإضافية من عشرات الإشارات غير اللفظية، مثل إشارات اليد ولغة الجسد، أو ما إذا كان الشخص يتململ أثناء التحدُّث. هذه الإشارات تساعد في رسم صورة شاملة للكلمات التي تُقال لفظيا، إدراك هذه الإشارات يحدث طبيعيا لمعظمنا، ولا يتطلَّب سوى القليل من الجهد الواعي لتحليلها، لكن مكالمات الفيديو تُضعف هذه القدرات المتأصلة، لذا فإنها تتطلَّب اهتماما مستديما ومكثفا للكلمات بدلا من ذلك. (10)

 

إذا كنت ترى الطرف الآخر من الكتفين إلى أعلى فقط، فإنك ستُحرم من إمكانية مشاهدة إيماءات اليد أو لغة الجسد الأخرى. الجانب الأكثر سوءا هو أنه إذا كانت جودة الفيديو رديئة، فإن أي أمل في الحصول على شيء من تعابير الوجه الدقيقة يتلاشى. (11)

 

في السياق ذاته، يُشير البعض إلى الصوت باعتباره السبب الرئيسي لحدوث الاستنزاف الناتج عن اجتماعات الفيديو، فقد اتضح أن التأخيرات بالملي ثانية في الاستجابات اللفظية الافتراضية تخلق انطباعات خاطئة، وتؤثر سلبا على تصوُّراتنا الشخصية، حتى بدون أي مشكلات تتعلَّق بالإنترنت أو التقنية. (12)

بخلاف كل ما سبق، يُمكنك أن تضع الضغط الذي تفرضه بعض أماكن العمل ضمن أسباب الإجهاد أيضا، بعض أماكن العمل تحاول أن تجعل اجتماعاتها رسمية قدر المُستطاع، فتطلب من موظفيها ارتداء ملابس وكأنهم قادمون إلى العمل. يمنع البعض الآخر الموظفين من تلقي اجتماعات الفيديو في غرفة نومهم، وهذا يخلق المزيد من الضغط، ويجعلك مُتأهبا دوما لتجهيز نفسك ومنزلك فجأة لاجتماع غير متوقَّع.

 

تتشابه علامات "إجهاد زووم" مع علامات الإرهاق الناتج عن العمل، التي قد تشمل العلامات المُنذرة له الشعور باللا مبالاة والإرهاق عموما وانخفاض القدرة على العمل. يمكن أن تشمل العلامات الرئيسية للإرهاق أيضا ما يلي: النسيان وصعوبة التركيز، صعوبة الحفاظ على العلاقات والتفاعل مع الأسرة والأصدقاء، الإحباط والعصبية رُبما لأهون الأسباب، هذا بالإضافة إلى الشعور بتوتر العضلات والألم الجسدي.

ورغم ذلك، هناك أشياء يُمكنك القيام بها لاستعادة بعض السيطرة وعدم الشعور بالاستنزاف بعد اجتماعات منصات الدردشة المرئية، منها: (9)

إعلان

 

  • حدِّد أولويات حضورك:

ستكون هناك دائما اجتماعات لا يمكنك التغيُّب عن حضورها، ولكن هناك أيضا اجتماعات قد يُمكنك مشاهدة تسجيل لاحق لها، لا تضغط نفسك بحضور الاجتماعات كافة التي تُدعى لها، والاجتماعات الأقل أهمية أو التي تترك خيار الحضور من عدمه لك يُمكنك التخلف عنها وسماع النقاط الأساسية بها من صديق إذا لم تكن مُسجلة.

  • لا تُشغِّل الكاميرا الخاصة بك إذا أمكن هذا:

قد تشعر بالثقل والقلق عند رؤية إشعار باجتماع على "زووم"، لأنك تربطه بالحاجة إلى ترتيب خلفيتك، أو إجبار نفسك على وضع ابتسامة دائمة، أو زيادة الضغط على نفسك لسماع شخص يتعامل مع مشكلات الاتصال بالإنترنت بملامح هادئة.

 

كل هذا يخلق لديك المزيد من التعب والإجهاد الناتج عن التعامل مع كل هذه الضغوط، لذا أوقف تشغيل الكاميرا الخاصة بك إن لم يكن تشغيلها إلزاميا، فإيقاف تشغيل الفيديو الخاص بك سيُمكِّنك من تخفيف الضغط عنك، لأنك لن تحتاج إلى الظهور بطريقة معينة.

 

  • رتِّب مواعيد الاجتماعات وفقا لأفضل تنسيق زمني مُتاح لديك:

إذا كان الأمر بيدك، ولديك أي سيطرة على جدولك، فحاول استكشاف التوقيتات الأفضل لجدولك ولصحتك العقلية. ربما يكون تكديس جميع اجتماعات "زووم" الإلزامية في بداية الأسبوع هو الأفضل بالنسبة لك، أو ربما تُفضِّل توزيعها على مدار الأسبوع.

 

يُمكنك أيضا إنشاء حدود، إذا كان باستطاعتك هذا، بحيث لا تسمح بعقد الاجتماعات بعد ساعة مُعينة من اليوم.

 

  • تجنَّب تعدُّد المهام:

تُظهر الأبحاث أن محاولة القيام بأشياء متعددة في وقت واحد تُقلِّل من جودة الأداء، حيث وجد الباحثون في جامعة ستانفورد أن الأشخاص الذين يقومون بمهام مُتعدِّدة لا يمكنهم تذكُّر الأشياء مقارنة بأقرانهم الأكثر تركيزا. (13)

في المرة التالية التي تحضر خلالها اجتماعا عبر منصات الدردشة المرئية، أغلق أي علامات تبويب أو برامج قد تُشتِّت انتباهك، وضع هاتفك بعيدا، وحاول تذكير نفسك بأن الرسالة التي تلقيتها للتو يمكن أن تنتظر 15 دقيقة، وأنك ستتمكَّن من صياغة استجابة أفضل عندما لا تكون مُنشغلا في محادثة فيديو.

إعلان

 

  • خذ فترات قصيرة من الراحة:

خذ فترات راحة قصيرة من الدردشة المرئية أثناء الاجتماعات الطويلة، عن طريق تصغير النافذة، أو حتى مجرد النظر بعيدا عن الحاسوب تماما لبضع ثوانٍ بين الحين والآخر. سيكون من الممكن الاستماع دون التحديق في الشاشة لمدة ثلاثين دقيقة كاملة. هذا لا يعني أن يُمكنك هنا العودة لتعدُّد المهام وفعل شيء آخر، الأمر فقط هو أن تترك عينيك ترتاح للحظة.

 

بالنسبة للأيام التي يكون عليك خلالها إجراء اجتماعات متتالية، حاول ألا تتجاوز مدة الاجتماع 25 إلى 50 دقيقة، لتمنح نفسك وقتا كافيا فيما بينها للقيام من مكانك والتحرُّك قليلا. (14)

 

  • قلِّل من المنبهات التي تظهر على الشاشة:

تُشير الأبحاث إلى أنك تميل إلى قضاء معظم الوقت في التحديق في وجهك أثناء الدردشة المرئية، لكن عوامل الإلهاء التي تظهر على الشاشة تتجاوز وجهك. هنا يُمكنك أن تعلم أنك خلال الدردشة المرئية لا تُركِّز فقط على وجوه الآخرين، ولكن على خلفياتهم أيضا.

 

إذا كنت تُجري اجتماعا مع خمسة أشخاص، فقد تشعر وكأنك في خمس غرف مختلفة في وقت واحد. يمكنك أن ترى أثاث هذه الغرف ونباتاتها وأوراق الحائط الخاصة بها، وقد تجهد نفسك حتى لترى ما الكتب الموجودة على الأرفف.

 

يُمثِّل هذا الكثير من الإشارات البيئية البصرية التي يجب على الدماغ معالجتها في الوقت نفسه. لمكافحة هذا الكم من الإرهاق العقلي، شجِّع الأشخاص على استخدام خلفيات بسيطة، فلتكن الخلفية مُجرد حائط مثلا، أو اتفقوا خلال الاجتماع على أن كل مَن لا يتحدَّث بإيقاف تشغيل الكاميرا الخاصة به.

————————————————————————————————————–

المصادر

  1. 90-Day Security Plan Progress Report: April 22
  2. A Neuropsychological Exploration of Zoom Fatigue
  3. Mental fatigue: costs and benefits
  4. Quantifying the Motivational Effects of Cognitive Fatigue Through Effort-Based Decision Making
  5. Oxytocin, vasopressin, and the neurogenetics of sociality
  6. Live face-to-face interaction during fMRI: a new tool for social cognitive neuroscience
  7. Stanford researchers identify four causes for ‘Zoom fatigue’ and their simple fixes
  8. Visual Perception during Mirror-Gazing at One’s Own Face
  9.  ‘Zoom Fatigue’ Is Real — Here’s How to Cope
  10. Early Binding of Gaze, Gesture, and Emotion: Neural Time Course and Correlates
  11. ‘Zoom fatigue’ is taxing the brain. Here’s why that happens.
  12. Identifying a temporal threshold of tolerance for silent gaps after requests
  13. A decade of data reveals that heavy multitaskers have reduced memory, Stanford psychologist says
  14. How to Combat Zoom Fatigue
المصدر : الجزيرة

إعلان