شعار قسم ميدان

نوستراداموس.. هل يحدد الذكاء الاصطناعي موعد المذبحة القادمة؟

"مَن يحفر قبري سيموت"، تلك إحدى نبوءات نوستراداموس، الطبيب الفرنسي المولود عام 1503، التي لطالما تساءل العلماء عن دقتها ومدى تحقُّقها. عندما نُبش قبر نوستراداموس كان في القبر ما هو مثير للحيرة أكثر من جثته، لقد كانت العبارة "May 1791" موجودة على الجثة، وهو التوقيت نفسه الذي اكتُشفت فيه الجثة، لكن ما حسم قوة تنبؤاته أنّ مَن نبش قبره قُتِل بالفعل. دقّة تنبؤات نوستراداموس لم تأتِ من قصة نبش قبره فقط، لكن لتنبؤه بالعديد من الأحداث مثل الثورة الفرنسية وحكم نابليون، وكذا يُعتقد أنّه رسم وصفا لشخصية تشابه كثيرا شخصية هتلر، واغتيال إبراهام لينكولن وتنبؤه بعدّة حروب.

 

وقد كان استقراء المستقبل في عهد نوستراداموس شائعا للغاية ممن يُسمونهم "السحرة"، وبالأخص النساء، وقد حُرِقن بالفعل، والسبب الذي كانت تعتقده هذه المجتمعات هو أنهن "يرين الشيطان". فهل كان نوستراداموس أيضا يرى الشيطان، أم أنّه كان يرى المستقبل؟ القدرة التنبؤية لبعض الأشخاص مثل نوستراداموس لطالما حيّرت العلماء، فهل كانت مصادفة؟ هل ما قيل وتحقق مجرد احتمال؟ لكن بغض النظر عن التساؤلات حول صحة تكهنات نوستراداموس، فقد حاول العلماء دوما على مدار التاريخ رؤية المستقبل والتنبؤ به.

 

عنوان ميدان

blogs تنجيم

يُدفع المرء بفضوله وخوفه نحو التفكير في المستقبل بكثرة، ولربما كان الخوف من المستقبل، ذلك البعيد الغامض، هو ما يُوجِّه الناس لقراءة "حظك اليوم"، لما يعتقدون أنه قد يخبرهم بما يحمل غدهم، فيتأهّبون ويُعدِّون العدّة لما قد يأتي به الغد. وقد حاول الإنسان منذ قديم الأزل قراءة المستقبل ومحاولة التنبؤ بما قد تحمله له الأيام القادمة، ولم يتوقف عن المحاولات حتى الآن. وهنا نحن لا نتحدث عن كهانة، مثل حظك اليوم، بل عن العلم؛ فلطالما كان التنبؤ بالمستقبل أحد الأمور التي شغلت الأوساط العلمية بمختلف فروعها، لكن هذه الأوساط لا تتبع نجما ولا مجرة، بل كان وما زال حليفها الأول هو المعلومة.

 

المعلومات، وجمعها وتصنيفها ومعالجتها، هي ما مَكّن البشرية من تكوين أنظمة ذات قراءات دقيقة للتنبؤ بالزلازل والطقس، فكانت سببا في إنقاذ ملايين الأرواح، كذلك فإن المعلومات هي التي مَكّنت البشرية من التنبؤ بالأعاصير والكوارث الطبيعية، بل ومتى يحدث الزحام المروري لتجنُّبه. لكن دعونا نُدير الكاميرا تجاه مُسبِّب آخر لإزهاق الأرواح، وهو النوع المفضل للأحداث التنبؤية لنوستراداموس؛ النزاعات السياسية.

 

في دراسة(1) أجراها معهد أبحاث السلام في أوسلو عام 2011، استخدم نموذجا للتنبؤ بأحداث العنف السياسي العالمية للأعوام من 2010 إلى 2050. قام النموذج بتقدير نسبة 0.05 لاحتمالية وقوع أي عنف سياسي داخل سوريا، وهو خلاف ما حدث، فقد قُتل ما يقرب من 12 مليون شخص كان من الممكن إنقاذهم لو كانت النتائج أدق. لكن لِمَ لمْ تكن النتائج بدقة التنبؤ بالأعاصير مثلا؟ حسنا، الأمر ليس بتلك السهولة.

(فيديو يوضح كيفية التنبؤ بالأعاصير)

 

عنوان ميدان

لعل أكبر المشكلات وأكثرها خبثا يُعزى إلى الفشل في التحديد الدقيق لمدى تعقيد مجريات الحرب والسلام. على عكس حالات منظمة أكثر نسبيا مثل التنبؤ بنتائج التصويت الانتخابي، أو سلوك المستهلك، أو الأعاصير، تشمل مجريات النزاع السياسي عادة مجموعةً من العناصر التي تتفاعل بطرق مفاجئة وخارقة للأنماط المتعارف عليها. (2)

 

تتميز هذه المواقف مثل "التنبؤ بالسلوك الانتخابي" بتعقيد نسبي يسمح بالتنبؤ النمطي، أي إنّ التوقعات تسير حسب نمط معين دائما وفي كل الحالات، بدلا من التنبؤ التجريبي الدقيق القائم على الملاحظة والمتابعة الدقيقة لأحداث ومعطيات كل موقف. وبما أنّ مجريات النزاع السياسي تتفاعل بطرق مفاجئة وخارقة للأنماط، فالتنبؤ النمطي لن يُمثِّل فائدة كبرى في حالة النزاعات السياسية..

 

في حالة غياب الإلمام التام بكيفية تفاعل جميع المكونات والعناصر النظرية، أو نقص البيانات الكافية لقياس المتغيرات ذات الصلة بالتنبؤ، كل ما يمكن أن نأمله هو تقييم المخاطر على أساس السمات التي ترفع من احتمال الزيادة المطردة في حجم هذه المخاطر وحِدَّتها.

(فيديو يوضح كيفية التنبؤ بنتيجة مباراة كرة قدم وتحديد الفريق الفائز)

 

هل يمكن إذابة هذا العائق؟ نعم، لقد فُكِّكَ هذا العائق وتُغُلِّبَ عليه في عمليات استقرائية ناجحة، لكن أقل تعقيدا، مثل التنبؤ بحركة كُرات البلياردو، وحركة الكواكب، وكذا أنظمة المرور.(3) سياسيا، تُغُلِّبَ عليه في مواقف سياسية أبسط مثل المنافسة الانتخابية.(4) لكن هل يمكننا أن نُعلِّق آمالنا على تلك النجاحات السابقة؟ الإجابة هي لا. المبادئ النظرية للتنبؤ في تلك المواقف سابقة الذكر كانت معروفة، والذي جعل التنبؤ بها أسهل هو تكرارها. عندما يتكرر الحدث، يصبح التنبؤ به من قِبَل الخوارزميات سهلا، لأنه مألوف لدى النظام بالفعل بسبب التعامل السابق معه.

 

عنوان ميدان

هناك تقدُّم مطرد في تقنيات التعلُّم الآلي، مثل الشبكات العصبية الاصطناعية، التي تمتلك مقدرة على فك التشعُّب والتعقيد في البيانات الأساسية، إلا أنّ التغيرات الجيوسياسية التي تُغيِّر وحدات التحليل ذاتها مثل حدود البلاد في حال انفصال دولة أو ولاية يُشكِّل تحديا أكثر أهمية، خاصة للتنبؤات الكلية طويلة المدى(5)، فلماذا التنبؤات الكلية طويلة المدى تحديدا؟

 

ولأن معظم هذه النماذج الكلية (نماذج تعلُّم الآلة) تميل إلى تتبع خصائص مجموعة معينة من القضايا الحالية، والاستمرار في تتبعها في المستقبل، مع تجاهل إمكانية التغيير الإقليمي مثل الانفصال والاتحاد، فهناك الكثير من السيناريوهات قد ترد إلى ذهنك عند ذكر الانفصال والاتحاد، انفصال السودان وجنوب السودان ربما، اتحاد مصر وسوريا كالجمهورية العربية المتحدة أيضا، يوغوسلافيا والاتحاد السوفيتي السابق، الأمثلة كثيرة، أليس كذلك؟

الجمهورية العربية المتحدة

المشكلة تكمن هنا في البيانات؛ البيانات على المستوى القُطري حول هذه الدول لا تُقدِّم سوى القليل الذي لا ينم عن أي إشارات بحدوث انفصال أو اتحاد. وبالإضافة إلى التغيرات الإقليمية، هناك الافتراضات بأن التفاعل بين عناصر النزاع وتأثير الآليات المسببة للانفصال أو لقيام النزاع أو الحرب ثابت بشكل عام. تلاحق هذه المشكلة استخدام آلية تُدعى التحقق المتبادل، التي تُقسِّم مجموعة البيانات إلى أجزاء، الجزء الأول يُستخدم لتدريب خوارزمية التنبؤ قبل اختبارها على الأجزاء المتبقية.(6)

 

لكن دعنا نفترض أننا استخدمنا "التحقق المتبادل" في حالة من حالات النزاعات التاريخية الطويلة، وقسّمنا سلسلة المعلومات هذه إلى أجزاء، فمن المرجح أن تفقد معلومات قيّمة على المدى الطويل، لأن هذا المذهب يخلط المعلومات من الفترات التاريخية وكأنها جاءت جميعا من فترة زمنية واحدة، مما يؤدي إلى نتائج تنبؤية غير دقيقة.

 

عنوان ميدان

جودة البيانات تلعب دورا إستراتيجيا للتقدُّم في التنبؤ بالعنف السياسي، لكون دقة البيانات تساهم في زيادة دقة تحديد زمان النزاع ومكانه. على خلاف حركة البلياردو أو مسارات الكواكب، يُعَدُّ قياس بداية الصراع ومعرفة توقيته أكثر صعوبة، ويجعله بعيدا كل البُعد عن كونه مؤكدا. حتى لو لم يكن خطأ القياس مشكلة في التفسير الإحصائي، لتحديد الوقت والمكان الدقيقين للأحداث الماضية، فإنه يُشكِّل تحديا للتنبؤات بالعنف في المستقبل ويُقلِّل من دقة تحديد المكان والزمان المتوقعين.

 

تحدث أنواع أكثر خطورة من الأخطاء إذا كان قياس العنف مرتبطا بشكل منهجي بمتغير تنبؤي أو أكثر؛ نظرا لأن العنف السياسي غالبا ما تُستَقى البيانات عنه من مصادر ثانوية مثل المقالات الإخبارية، فإذا لاحظنا عنفا متزايدا في مكان ما، فقد يكون السبب في ارتفاع مستوى العنف الملحوظ هو ارتفاع مستوى العنف الفعلي أو زيادة البلاغات أو كلاهما معا. وهذا يُعَدُّ عقبة في وجه التنبؤ أيضا، فإن كان أي شيء قادرا على مفاقمة المشكلة، فلا يوجد مثل زيادة حجم البيانات، كما هو الحال في العديد من المشاريع التي استخدمت تقنية تُدعى ترميز الأحداث التلقائي، نظرا لاعتمادها على مصدر ثانوي للمعلومات مثل المقالات.(7) إذن، ألن نحصل على ما يمكنه إنقاذ ملايين الأرواح من لقاء حتفهم؟ حسنا، هناك بصيص أمل.

 

عنوان ميدان

في عام 2013، أُطلق أول نموذج ذو نتائج عامة وهو "The Early warning project"، يعمل على استقراء ونشر تنبؤات لمجازر متوقعة، يُدار من قِبَل متحف الهولوكوست الأميركي وجامعة دارتموث، ويدّعي بأن تحليلاته تصل دقتها إلى ثمانين في المئة. ثم بتطور التكنولوجيا، والتطورات في كيفية جمع البيانات، والترجمة الحاسوبية، والتعلم الآلي، خُلق نموذج جديد على أيدي الباحثين بجامعة أوبسالا، يسمى نموذج "ViEWS"، يُركِّز هذا النموذج على النزاع في أفريقيا، ويُوفِّر قراءات شهرية لمناطق عديدة.

The Early warning project

إذا تفقَّدت قائمة الدول التي تنبَّأ "The Early Warning Project" بحدوث مجازر بشرية فيها، فستجد مصر رقم ٣ من أصل ١٦٢ دولة للعام ٢٠١٨-٢٠١٩، هل كان هناك أحداث عنف سياسي بالفعل؟ نعم، إذن هل عثرنا على ضالتنا في التنبؤ بالعنف السياسي؟ ليس بالظبط، إذ إن النموذج عينه رتّب فنزويلا رقم ٣٤ في قائمة الدول على الرغم من تفشي حوادث قتل جماعي على يد السلطات، وكذا الولايات المتحدة قد وضعها في المنزلة ٨٥، على الرغم من تفشي حوادث إطلاق الرصاص من قِبَل المتطرفين البيض.

 

عندما سأل "ميدان" أستاذ علم السياسة بجامعة كونستانس، ألمانيا، نيل بي ويدمان، الذي كان قد كتب مقالة في مجلة "Science" عن التنبؤ بالعنف السياسي عمّا إن كُنّا نحرز تقدُّما حقيقيا في التنبؤ بالنزاعات السياسية، أجاب: "نعم، أعتقد بالفعل أننا نتقدم في استقراء النزاعات السياسية، لكنه ما زال مشكلة معقدة. حاليا، ومع التقدم المُحدث في التعلم الآلي، يمكننا استخدام هذه التطويرات الحديثة في مجال التنبؤ بالعنف السياسي، إلا أن هذه التحديثات قاصرة".

 

وعندما سألناه عما إذا كان اعتماد النماذج على التنبؤ النمطي يُقلِّل من دقة النتائج، أجاب ويدمان: "صحيح؛ هذا النوع من التنبؤات يعتمد على الخبرات السابقة (نزاع/عنف سياسي تم معايشته من قبل). في حال ظهور نوع جديد من العنف أو النزاعات، فسوف يغفل عنها النموذج". وعلى الأرجح فإنّ ما صرّح به البروفيسور ويدمان لـ "ميدان" هو السيناريو الذي حدث داخل نموذج "The Early Warning Project" في استطلاعه لنتائج فنزويلا وأميركا، لأن كلا نوعَيْ العنف لم يكن له سوابق في تاريخ الدولتين.

(نيل بي ويدمان، أستاذ علم السياسة بجامعة كونستانس، ألمانيا)
(نيل بي ويدمان، أستاذ علم السياسة بجامعة كونستانس، ألمانيا)

ولعلك تساءلت؛ هل يوجد نماذج خاصة؟ بما أن النماذج ذات النتائج العامة قليلة، فما الذي يمنع وجود نماذج خاصة، ولربما أيضا كانت نتائجها أدق ومخفية عن عامة الناس؟ نظرية المؤامرة التي تُحاك خلال السطرين السابقين صحيحة، لكن بها بعض الشوائب. يُقول بروفيسور ويدمان عن هذا لـ "ميدان": "أنا أؤمن أنّ كون البرامج تطرح نتائجها للعامة يفيد البرنامج نفسه بشكل كبير. خلاف ذلك، من الصعب التأكد أيهما أفضل. ويجب علينا ألا ننسى أن دقة النتائج تعتمد بشكل كبير على دقة البيانات التي يُغذَّى بها النظام، بيانات أفضل تعني تنبؤات أفضل. هناك أيضا المشاريع التي تستخدم بيانات سرية (لا يمكن مشاركتها بسبب الخصوصية وحقوق الملكية)، وعليه، لا يمكن تقييم نتائجها علانية. وهذا يعتبر عائقا ضخما. أيضا هناك بعض الشركات التي تُنتج برامج تجارية للتنبؤ، وعلى الأغلب لا تُشارك نتائجها علانية. وبغض النظر عن كل هذا، يجب أن تكون المعلومات والوسائل مفتوحة للجميع، لضمان النزاهة العلمية والتقدم في المجال. نموذج "ViEWS" مثال جيد على ذلك".

 

يتفق باحثون آخرون مع ويدمان حيال إعلان النتائج التنبؤية لعامة الناس، فمنهم مَن يرى أنّ الأفضلية تذهب للنتائج العامة للتنبؤات، إذ إنّ هذا يُعطي الفرصة للتدخل ومساعدة الناس في تلك المناطق المحتمل وقوع نزاع بها. لكنّ الباحثين الذين يختلفون في الرأي معهم يرون تلك النقطة تحديدا غير مُجدية، فما هو الضمان بأنّ التدخل ومحاولة فضّ النزاع لن يزيد الأمر سوءا، خصوصا في بلدان العالم الثالث؟ هنا قد يتحول التدخل إلى عامل آخر من العوامل غير المتوقعة التي تؤدي إلى جعل النتائج أكثر سوءا، وغير مضمونة العواقب، وهذا بالطبع غير مطلوب.

 

عنوان ميدان

لقد مرَّ أكثر من 70 عاما على آخر حرب عالمية كبرى، وليست مجرد نزاع سياسي في دولة أو بين دولتين. في الواقع، وقعت كلٌّ من الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية في غضون ثلاثين عاما فقط. على الرغم من وجود صراع كبير بين الدول في العقود التي تلت ذلك، فإننا لم نشهد صراعا عالميا منذ ما يقرب من قرن.

الحرب العالمية الثانية

يجادل بعض العلماء بأن الأمر مجرد مسألة وقت، ويُصِرُّ آخرون على أننا نعيش في عصر السلام وأنّ الحروب من هذا النوع، رغم أنها جزء من تاريخنا، لن تكون جزءا من مستقبلنا. لكن هل هناك أي طريقة للمعرفة بشكل مؤكد؟ خاصة أن التطورات التكنولوجية قد تسبّبت في تطور طبيعة وتعريف الحرب الحديثة؟

 

في محاولة للإجابة عن هذه الأسئلة، استعرض آرون كلوزيت، الأستاذ المساعد لعلوم الحاسب بجامعة كولورادو البيانات المتعلقة بالحروب التي حدثت بين عامَيْ 1823-2003، التي جُمعَت بواسطة مشروع "Correlates of War"، وهو مستودع إنترنتي لمجموعات البيانات المتعلقة بالحرب والمتاح للجمهور، ثم ابتكر نماذج حاسوبية يمكن أن تساعد في وضع تلك البيانات في سياقها.

 

وأثناء مراجعة البيانات، أولى كلوزيت اهتماما وثيقا لما كان عليه العالم قبل وأثناء وبعد فترة طويلة من الصراع. أراد تحديدا العثور على فترات أخرى في التاريخ بعد الحرب مرّت خلالها البشرية بعقود دون حروب كبرى أخرى. من خلال تحديد هذه الفترات، ما وجده هو أنه على الرغم من أن فترة "السلام" المدّعاة هذه قد تبدو رائعة بالنسبة لنا، لكنها لم تكن غير عادية على المدى الشاسع من التاريخ البشري. في الواقع، لكي تكون حقبة السلام التي أعقبت الحرب العالمية الثانية مهمة من الناحية الإحصائية، يجب أن تستمر دون انقطاع لمدة 100-140 سنة. (8) نحن لم نقطع نصف الطريق حتى نصل إلى هذا الهدف.

 

عنوان ميدان

كتب كلوزيت في تحليله المنشور في مجلة (9) "Science Advances": "تُشير هذه النتائج إلى أن السلام الحالي قد يكون أكثر هشاشة مما يعتقد المؤيدون". ومع ذلك، يشير تحليل كلوزيت إلى أن الحرب نفسها هي حدث نادر بطبيعته. كما أكّد أن التقارب الشديد بين الحربين العالميتين، اللتين كانتا فترات عنف غير معقول في العالم، قد تم موازنته بشكل أساسي بفترات متفرقة من الحرب التي تلتها.

نوستراداموس
نوستراداموس

في بداية عام 2020، بدأت تلوح في الأفق إشارات إلى حرب عالمية ثالثة، من وجهة نظر الشعوب، وكذلك من وجهة نظر نوستراداموس، بمجرد أن استشرى الهلع في الناس، بدأت نبؤات نوستراداموس تُعلن عن نفسها مجددا بما يخص الحرب العالمية الثالثة و"انتصار الشرق على الغرب". (10)

 

فهل كانت الحرب لتحدث لولا جائحة كورونا؟ كتب كلوزيت: "بالمعنى الإحصائي البحت، فإن السلام الطويل قد أدّى إلى حالة من التوازن فيما يتعلق بالعنف العظيم". كما قال إنه إذا كانت الحالة متزنة، فإن أمر التنبؤ بموعد وقوع الحرب الكبرى التالية (من الناحية الإحصائية) سيظل ثابتا. توقع كلوزيت أيضا أنه على الرغم من أن البشرية ستتمكّن على الأرجح من التنبؤ بالصراعات المتوسطة إلى الكبرى، يبقى السؤال الأكبر دائما: إلى أي مدى نحن بعيدون عن نوع الحرب الكارثية التي من شأنها أن تضع نهاية للحياة على الأرض؟

 

للإجابة عن هذا السؤال، استخدم كلاوزيت نموذجه الإحصائي للتنبؤ بالجدول الزمني للانهيار النهائي للبشرية. مع مراعاة جميع المتغيرات (التغيرات في عدد سكان العالم، والتقدُّم التكنولوجي، وتغيير المشهد السياسي)، وكان أفضل تخمين له هو أن توقع يوم القيامة للبشرية(11) في أي وقت بين 383 إلى 11489 عاما من الآن، وأقرّ أن احتمال حدوث مثل هذا الحدث الراديكالي "غير معروف على الأرجح". لكن كلوزيت خلص إلى أنه حتى لو لم نتمكن من التأكد بعد فإنّ "احتمالية نشوب صراع يُنهي الحضارة في القرون الثلاثة عشرة القادمة أمر واقعي".

 

ما يحاول العلماء فعله ليس بسهولة التنبؤ بالأعاصير أو السلوكيات، الأمر يتطلب بيانات صحيحة يُغذَّى بها النظام، والتحديث المستمر لتقنيات التعلم الآلي، وهذا بالطبع لن يحدث بين ليلة وضحاها. مجرد التخيُّل أن تستيقظ ذات يوم مُطالَبا بإخلاء منزلك بسبب "حرب متوقعة" في منطقتك قد يبدو مرعبا، لكن هذا التخيل أفضل بكثير من أنّ تجد منزلك أصبح ركاما بسبب تلك الحرب التي لم يتنبأ بها حتى العرافون كذبا، وهذا ما نأمل أن نصل إليه يوما.

————————————————————-

المصادر

  1. folk.universitetetioslo.no
  2. J. Ulfelder, Foreign Policy, 8 November 2012
  3. D.Helbing, D.Brockmann, T.Chadefaux, K.Donnay, U.Blanke, O.Woolley-Meza, M.Moussaid, A.Johansson, J.Krause, S.Schutte, M.Perc, Saving human lives: What complexity science and information systems can contribute. J. Stat. Phys. 158, 735–781 (2015). doi:10.1007/s10955-014-1024-9pmid:26074625
  4. J. Ulfelder, Foreign Policy, 8 November 2012
  5. L.-E. Cederman, Emergent Actors in World Politics: How States and Nations Develop and Dissolve (Princeton Univ. Press, 1997).
  6. G.Shmueli, To explain or to predict? Stat. Sci. 25, 289–310 (2010). doi:10.1214/10-STS330
  7. M.Lim, R.Metzler, Y.Bar-Yam, Global pattern formation and ethnic/cultural violence. Science 317, 1540–1544 (2007). doi:10.1126/science.
  8. correlates of war
  9. Trends and fluctuations in the severity of interstate wars
  10. ?’Nostradamus World War 3 prophecy: Is now the time when ‘East will weaken the West
  11. Using Statistics to Predict the Next World War
المصدر : الجزيرة