شعار قسم ميدان

ما بعد ويندوز 10.. مايكروسوفت ونظام تشغيلها الجديد

ميدان - ويندوز 10 برو مايكروسوفت

لم يكن من الطبيعي أبدا أن تقف مايكروسوفت دون حراك أمام جهود غوغل في تطوير نظام تشغيلها الجديد المعروف حاليا باسم "فوشيا" (Fuschia OS)، فالشركة التي غيّرت مفهوم الحواسب الشخصيّة بفضل "ويندوز" أجدر بتقديم نظام تشغيل متوافق مع الصيحات التقنية الحديثة. لم تُخيّب مايكروسوفت الظنون، وشاركت بالفعل تفاصيل نظام تشغيلها الجديد المُسمّى بالنظام العصري (modern OS)، تمهيدا لحقبة ما بعد ويندوز 10(1).

 

"ويندوز لايت"

على الرغم من الثورة الفكرية والتقنية التي أحدثها الرئيس التنفيذي الحالي لشركة مايكروسوفت، "ساتيا ناديلا" (Satya Nadella)، فإن الجميع داخل الشركة تمسّك بمفهوم التجزئة القاتل الذي اعتادت عليه، القائم على إطلاق أكثر من نسخة من نظام ويندوز، فحتى ويندوز 10 الذي أُعلن أنه سيكون الأخير، عملت الشركة على إطلاق نسخة خفيفة منه باسم "ويندوز 10 إس"، وأُخرى للمحترفين باسم "ويندوز 10 برو"(2)، وشقّت الشائعات طريقها للحديث عن نسخة "لايت" قادمة تُحاكي نظام "كروم أو إس" (Chrome OS) من شركة غوغل، الذي يعتمد أساسا على مُتصفّح الإنترنت فقط لا غير(3).

 

وفي أول إطلالة إعلامية لها، مع نهاية مايو/أيار 2019، تجنّبت الشركة الحديث بشكل كامل عن "ويندوز لايت" (Windows Lite) المزعوم، وانتقلت للحديث عن "النظام العصري" (modern OS) دون تحديد موعد وصوله للأسواق، فالشركة على ما يبدو لا تنوي الاستعجال أبدا، وستحرص على تقديم تجربة استخدام جديدة تُخلّص المُستخدمين من جميع مشكلات نظام ويندوز، ليس لأنه سيئ، بل لأنه مبني بالأساس على نواة جزء كبير من مكوّناتها مكتوب منذ تسعينيات القرن الماضي، عُدّل أكثر من مرّة ليتوافق مع التقنيات الجديدة المُتغيّرة.

 

 

التحديثات الكبيرة التي تتطلّب وقتا كبيرا لتثبيتها على الجهاز، أو نظام الصلاحيات الذي يُمكن للبرمجيات الخبيثة الالتفاف عليه وإصابة جهاز المُستخدم، دون نسيان البطء القاتل على بعض الأجهزة بسبب التوافقية الضعيفة بين مكوّناته الداخليّة، هي من أبرز مشكلات نظام ويندوز الحالي. ناهيك بعدم دعم الأجهزة الذكية سواء أكانت هواتف أم حواسب لوحية، لأن ويندوز بالأساس لم يكن يوما من الأيام نظاما بواجهات تستجيب باللمس، بل للوحة المفاتيح والماوس فقط.

 

نواة جديدة

اختارت مايكروسوفت السير عكس اتجاه غوغل في تطوير نظام تشغيلها الجديد، وهذا عبر عدم نشر الشيفرات البرمجية على موقع "غيت هاب" (Github) مُقابل الحديث بشكل مُباشر والكشف عن المزايا الجديدة عن طريق مسؤوليها. في وقت قامت فيه غوغل بمُشاركة الشيفرات البرمجية للنظام الجديد دون الحديث عنه، تاركة استكشاف مزاياه للمُستخدمين الذين قاموا بتركيب النواة يدويا واختبار أجزائها المُختلفة.

 

لكن بحسب تسريبات من داخل مايكروسوفت، فإن الشركة بدأت منذ 2016 بتطوير نظام جديد معروف داخليا باسم "ويندوز كور أو إس" (Windows Core OS)، وهو بنسبة كبيرة النظام نفسه الذي تحدّث مسؤولو الشركة عنه مؤخّرا والذي أشاروا إليه بالنظام العصري فقط(4).

 

تؤمن مايكروسوفت أن المُستقبل لن يعتمد فقط على الحواسب والهواتف الذكية بشكلها الحالي، بل سيمتد ليشمل الحواسب المحمولة القابلة للطيّ، نظّارات الواقع المُختلط، الساعات الذكية، وغيرها من الأجهزة التي ستأتي بشاشات، وفي بعض الأحيان بدون شاشات في اعتماد كامل على الصوت فقط. ومن هنا، فإن النظام الجديد سيدعم الأجهزة على اختلافها، فهو قادر على تغيير طريقة عرض البيانات والواجهات بحسب حجم الشاشة، إن وجدت، أو سيتم اللجوء للصوت ولمُساعد الشركة الرقمي "كورتانا" (Cortana).

   

   

ما سبق يعني أن مايكروسوفت قد تعود من جديد لسوق الهواتف الذكية بعدما قتلت نظام "ويندوز موبايل" (Windows Mobile) سابقا في ظل سيطرة أندرويد و"آي أو إس" (iOS) على المشهد. وتجدر الإشارة هنا إلى أن مايكروسوفت ستدعم العين كوسيلة إدخال جديدة إلى جانب الصوت، واللمس ولوحات المفاتيح التقليدية، وهذا عن طريق النظر (Gaze)، أو التحديق، فنظّارات الواقع المُختلط مثل "هولو لينس" (Holo Lens) توفّر مُستشعرات قادرة على رصد اتجاه عين المُستخدم. كما يُمكن تكرار الأمر نفسه عبر وصل مُستشعرات بالحواسب، وبالتالي يُمكن التفاعل مع الواجهات دون الحاجة إلى الحركة أبدا.

 

مُنافس "كروم أو إس"؟

بالعودة من جديد إلى مشكلات ويندوز، فإن النظام الجديد سيُركّز على مُعالجتها الواحدة تلو الأُخرى، فأداة التحديثات في "النظام العصري" ستعمل في الخلفية دون إزعاج المُستخدم، ودون أن تطلب منه ترك الجهاز لحين الانتهاء من تثبيت التحديثات الجديدة مثلما هو الحال في الوقت الراهن، فهي ستقوم بتثبيت كل شيء وستطلب من المُستخدم إعادة تشغيل الجهاز فقط، في عملية لن تستغرق أكثر من 30 ثانية على الأكثر.

   

مايكروسوفت أخذت بعين الاعتبار تطوّر تقنيات الاتصال، وبناء عليه سيدعم النظام الجديد الاتصال الدائم بشبكة الإنترنت، لتكون الحواسب متوافقة مع التنبيهات مثل الهواتف الذكية، بالإضافة إلى التحديث المُستمر للبيانات، وهذا دون أن يتأثّر شحن الجهاز. تشغيل التطبيقات في خوادم سحابية سيتوفّر أيضا، وهذا لتخليص المُستخدم من ضرورة تثبيت جميع البرامج على الحاسب، أو الجهاز أيًّا كان، وهنا تكمن أهمّية الميزة السابقة، الاتصال الدائم بشبكة الإنترنت. كما يعني الكلام السابق أن فكرة تشغيل الألعاب بغض النظر عن مزايا الجهاز قد تكون موجودة، في مُحاكاة لمنصّة "ستاديا" (Stadia) السحابية لتشغيل الألعاب من غوغل.

    

    

الحماية والأمان من أهم المزايا التي ركّزت عليها مايكروسوفت في النظام الجديد، كيف لا ونظام ويندوز هو الأكثر تعرّضا للاختراق خصوصا في الآونة الأخيرة بعد تسريب أدوات استخدمتها الوكالات الأمنية الأميركية لفترة طويلة من الزمن دون إخبار مايكروسوفت بوجود تلك الثغرات. النظام الجديد سيُحاكي بشكل أو بآخر مفهوم الحماية في نظام "آي أو إس" (iOS) من آبل، وهذا يعني أن نواة النظام وملفّاته الرئيسية ستبقى معزولة ومحميّة لا يُمكن الوصول لها بشكل مُباشر. في وقت سيعمل فيه كل تطبيق ضمن صندوق خاص يعزله عن البقيّة، وهذا لمنع أي برمجية خبيثة من الوصول لبيانات أي تطبيق آخر بشكل غير شرعي.

 

لكن بنظرة سريعة للمزايا السابقة، يُمكن تشبيه نظام مايكروسوفت العصري بنظام "كروم أو إس" من غوغل، النظام الذي يعتمد على السحاب بشكل كبير جدا، والمتوافق مع مجموعة مُختلفة من الأجهزة. وبالعودة من جديد للتسريبات التي تحدّثت عن نسخة خفيفة من ويندوز، "ويندوز لايت"، فإن الشركة رُبّما تعمل على نظام واحد تُنافس فيه "كروم أو إس" بجميع المزايا آنفة الذكر، أو لرُبّما تعمل على نظامين مُنفصلين تماما، الأول يعتمد على نواة ويندوز 10 وسيصدر باسم "ويندوز لايت"، والثاني جديد كُليًّا على غرار "فوشيا" يُمهّد لحقبة ما بعد ويندوز.

   

إلى ذلك الحين، وأيًّا كانت خطّة مايكروسوفت، فإن التفاصيل الجديدة ستأتي مع حلول شهر أكتوبر/تشرين الأول، الشهر الذي تكشف فيه مايكروسوفت عادة عمَّا في جعبتها في أنظمة التشغيل، على أن يصل النظام الجديد مع حلول 2020 بنسبة كبيرة جدا.

المصدر : الجزيرة