شعار قسم ميدان

بعد السيطرة على بث المحتوى على الإنترنت.. ما الذي يدفع "نتفليكس" نحو المحادثات الفورية؟

بعد السيطرة على بثّ المحتوى على الإنترنت.. ما الذي يدفع "نتفليكس" نحو المحادثات الفورية؟

نجحت "نتفليكس" (Netflix)، المُتخصّصة في مجال بثّ المحتوى على الإنترنت، في الحصول على 8.8 مليون مُستخدم جديد خلال الربع الأخير من 2018، ذاكرة أيضا أن أكثر من 80 مليون مُشترك شاهد فيلم الرُّعب الجديد "بيرد بوكس" (Birdbox) الذي تحوّل إلى ظاهرة بدوره على الشبكات الاجتماعية(1). ما سبق يعني أن نموذج الشركة الحالي القائم على إنتاج أفلام ومُسلسلات جديدة يفي بالغرض وقادر على درّ الملايين، وأن الخطوة الأمثل تكمن في التوجّه نحو البثّ المُباشر، إلا أن الشركة عوضا عن ذلك تطمع في الشبكات الاجتماعية، وتحديدا المحادثات الفورية!

 

الأرقام لا تكذب

غيّرت تطبيقات الهواتف الذكية عادات المُستخدمين في استهلاك المحتوى، فبعد سنوات من الاعتماد على التلفاز كوسيلة الترفيه الأولى، جاءت الشبكات الاجتماعية بأنواعها المُختلفة، بالإضافة إلى بعض الألعاب، لتُصبح الواجهة التي يقضي المُستخدم جُل وقته فيها، دافعة المُستخدمين بعيدا عن التلفاز الذي انتقل محتواه إلى شبكة الإنترنت عبر شبكات بثّ المحتوى حسب الطلب(2).

 

وبحسب آخر الإحصائيات، تُسيطر "نتفليكس" على أكثر من 10٪ من سوق مزوّدات بثّ المحتوى على شبكة الإنترنت في الولايات المُتحدة الأميركية، إلا أن المُستثمرين في الشركة لا يُفكّرون كثيرا في آلية زيادة تلك النسبة عبر التفوّق على بقيّة شبكات بثّ المحتوى(3)، بل عبر مُزاحمة لعبة "فورتنايت" (Fortnite) التي حصدت أكثر من 200 مليون لاعب خلال 2018، والتي يقضي المُستخدمون الشُّبّان مُعظم أوقاتهم فيها نظرا لتوفّرها على جميع المنصّات والأجهزة.

 

وفي تقرير صادر عن شبكة تويتر، ذكرت الشركة أنه في عام 2018 كانت هناك أكثر من مليار تغريدة في مجال الألعاب والرياضات الإلكترونية، فالمُستخدمون تواصلوا مع لاعبيهم المُفضّلين وشاهدوا كذلك بعض النهائيات، لتُسجّل الشبكة بذلك أرقاما قياسية ستدفعها حتما لتعزيز وجودها في تلك المجالات(4).

 

 

واستمرارا مع الألعاب، فإن ثروة اللاعب "نينجا" (Ninja)، أحد أشهر الأسماء في لعبة "فورتنايت"، والذي يبلغ من العمر 27 عاما فقط، بلغت 10 ملايين دولار أميركي جمعها من البثّ عبر "تويتش" (Twitch)، الشبكة التي تُتيح بثّ الألعاب عبر شبكة الإنترنت أولا، وتوفّر غرفا للمحادثات الفورية ثانيا، وهو الأهم(5).

 

تحوّلت "فورتنايت" لمكان يتجمّع الأصدقاء فيه للحديث واللعب في الوقت نفسه، فخاصيّة المحادثات الفورية، والمكالمات الصوتيّة، جعلت التجربة فريدة من نوعها، وتحوّلت اللعبة إلى صيحة لا مثيل لها جلبت للقائمين عليها أكثر من 3 مليارات دولار أميركي كأرباح، في وقت بلغ فيه إجمالي سوق الألعاب الإلكترونية 43 مليار دولار تقريبا(6)(7).

 

الأمر نفسه ينطبق على تويتر، وغيرها من الشبكات مثل "تويتش"، فالمُستخدمون يقضون وقتا طويلا فيها نظرا لوجود خاصيّة المحادثات الفورية. لذا، فمن البديهي جدا أن يرى المُستثمرون في "نتفليكس" أن المنافسة قادمة من تطبيقات وخدمات أُخرى لا علاقة لها ببثّ المحتوى عبر الإنترنت.

 

بث الألعاب أم محادثات فورية؟

بالنسبة لأي مُراقب خارجي، فإن المسألة شبه محسومة للمجال الذي يجب أن تدخله "نتفليكس"، فالأرقام لا تكذب، والمُستثمرون عبّروا عن قلقهم بشكل صريح من "فورتنايت" ومُستخدميها الذين تجاوزوا حاجز الـ 200 مليون، في وقت توقّفت فيه أرقام مُشتركي "نتفليكس" عند 140 مليونا تقريبا(8). بمعنى آخر، تحتاج الشركة لدخول مجال الألعاب لا محالة.

 

 

لم تنخدع الشركة كثيرا بأرقام المُنافسين، فهي حلّلت عوامل النجاح ورأت أنها قائمة على عاملين، الأول هو اللعبة وفكرتها، والثاني هو التواصل بين المُستخدمين فيها(9). ولأن التوجه نحو الألعاب سيكون ضربا من الجنون لشركة مُتخصّصة في مجال إنتاج الأفلام والمُسلسلات وأقصى ما يُمكنها القيام به هو إنتاج مُسلسل عن إحدى الألعاب، قامت الشركة بإنتاج الجزء الجديد من مُسلسل "بلاك ميرور" (Black Mirror) مع تقديم إمكانية التحكّم بمسار الحكاية ونهايتها، في أول تجربة تفاعلية نجحت في جذب الكثير من الانتباه(10)، وتُبشّر أيضا بمُستقبل المُسلسلات والأفلام التي لن تكون جامدة بعد الآن، وبهذا الشكل عالجت الشركة العامل الأول من عوامل نجاح الألعاب.

 

أما العامل الثاني، القائم على توفير منصّة للتواصل بين المُستخدمين، فهو ما تحاول الشركة العثور عليه في الوقت الراهن، أو الذي تحتاج إلى التركيز عليه إذا ما أرادت بالفعل أن تحصل على النمو الذي تراه في بقيّة التطبيقات. أولى خطوات "نتفليكس" في هذا المجال كانت عبر التكامل مع شبكة إنستغرام، وتحديدا خاصيّة الحكايات، فالمُستخدمون الآن قادرون -في بعض البُلدان- على مُشاركة مُسلسل أو فيلم من "نتفليكس" لآخذ آراء المُتابعين حوله(11). وبهذا الشكل، يُمكن أن تجلب هذه الخطوة بعض المُشتركين الجُدد من جهة، وتُسوّق للمحتوى من جهة أُخرى.

 

وفي الوقت ذاته، ستبدأ النقاشات والحوارات حول ذلك المُسلسل أو الفيلم، وهو أمر بكل تأكيد ستسعى الشركة للحصول على إحصائياته أولا بأول من إنستغرام لتطوير أفضل طريقة تُساعدها على جلب المزيد من المُستخدمين. إلا أن هذا الأمر لا يكفي، وستسعى في يوم من الأيام لتوفير خاصيّة مُشاركة المحتوى بين الأصدقاء عبر المحادثات الفورية داخل التطبيق ذاته، تماما مثل يوتيوب التي أطلقت تلك الميزة قبل عامين تقريبا(12)، لأن السلوك الحالي قائم على مُشاركة الفيديو على إحدى الشبكات الاجتماعية، أو عبر تطبيقات المحادثات الفورية، وهو شيء يدفع المُستخدم بعيدا عن التطبيق الأساسي، يوتيوب أو "نتفليكس".

 

 

باختصار، ترصد الشركات الناجحة الفرصة وتبدأ بتحليلها ولا تكتفي بالظاهر، فنجاح الألعاب، أو بقيّة التطبيقات الترفيهية، تقف خلفه عوامل كثيرة، وعوضا عن نسخ الفكرة ذاتها، تلجأ تلك الشركات إلى تبنّي العوامل بما يتناسب مع بيئتها، الأمر الذي سيُساعدها على النجاح بكل تأكيد حتى لو جاء بعد فترة طويلة، فالاستثمارات التي تقوم بها ليست ماديّة فقط، وما تتحدّث عنه "نتفليكس" في خوفها من "فورتنايت" ليس مُبالغة أو تجاهلا لبقيّة مُنافسيها.

المصدر : الجزيرة