تطبيق "Threads".. محاولة فيسبوك الأخيرة لقتل سناب شات
يشهد عالمنا اليوم ديكتاتورية جديدة، والمصدر هنا ليس الشرق الأوسط وأحد حُكّامه، ولا حتى هي على يد سياسي، بل قادمة من الغرب الأقصى وتحديدا الولايات المُتحدة الأميركية على يد "مارك زوكربيرغ" الذي كانت مهمّته في يوم من الأيام برمجة شبكة افتراضية على الإنترنت فقط، ليتحوّل إلى بطل المشهد الذي لا يقبل أن يُرفض طلب له من قِبل أحد، وتراه مُعظم الشخصيات، على غرار "تيم كوك" (Tim Cook)، باحثا عن القوّة، لا عن تحسين حياة البشر(1)، وهذا ما يُجرّد الكثير من التقنيات التي يُعلنها زوكربيرغ من البراءة وحسن النيّة، ومنها بالتأكيد تطبيقه الأخير "ثريدز" (Threads)(2).
لم تنطفئ نار "زوكربيرغ" مُنذ عام 2013 عندما رفض "إيفن سبيغل" (Evan Spiegel)، المؤسّس والرئيس التنفيذي لتطبيق "سناب شات"، عرض الاستحواذ الذي تقدّمت به فيسبوك والذي بلغ آنذاك 3 مليارات دولار أميركي تقريبا(3). منذ ذلك الحين وفيسبوك ومُهندسوها يعملون جاهدين على الإطاحة الكاملة بالتطبيق -"سناب شات"- الذي لا يزال صامدا وأرقامه تتحسّن شيئا فشيئا.
بعد رفض العرض حاولت فيسبوك، أكثر من مرّة، بناء تطبيق مُشابه لتطبيق "سناب شات"، تطبيق يُتيح تبادل رسائل تختفي بعد فترة من الزمن، وأطلقت بالفعل من أجل ذلك ثُلة من التطبيقات من أشهرها "سلينغ شوت" (Slingshot) الذي رأى النور في عام 2014 وقُتل بعد عام بسبب عدم الإقبال عليه. بحسب صحيفة "الغارديان" (The Guardian) الإنجليزية، فإن محاولات فيسبوك على أرض الواقع لقتل "سناب شات" تجاوزت العشرة، لكن أعنفها كانت المحاولة السادسة أو السابعة في عام 2016، المحاولة التي نسخت فيها خاصيّة الحكايات بالاسم والمزايا وأضافتها إلى جميع تطبيقاتها بما في ذلك "مسنجر"، و"واتس آب"، وأخيرا "إنستغرام"(4).
|
على أرض الواقع، نجح "زوكربيرغ" في مُبتغاه، وتحديدا عبر "إنستغرام"، فأكثر من 500 مليون مُستخدم ينشر حكاية واحدة على الأقل يوميا، في وقت بلغ فيه مُستخدمو الخاصيّة نفسها -المعروفة بالحالة- في "واتس آب" أكثر من 450 مليون مُستخدم، مُتجاوزين بذلك قاعدة مُستخدمي "سناب شات" المتواضعة التي لا تتجاوز أكثر من 160 مليون مُستخدم تقريبا(5)(6).
لكن في المُقابل، وعلى نحو غير متوقّع، نجحت شركة "سناب" (Snap Inc)، المُطوّرة لتطبيق "سناب شات"، في العودة من جديد، حيث أعلنت في الربع الثاني من 2019 عن تحقيق زيادة في المُستخدمين بمقدار 13 مليون مُستخدم جديد، ليُصبح الإجمالي 203 مليون تقريبا بعدما كان 188 مليونا في الربع الثاني من 2018، الأمر الذي ساهم في ارتفاع سعر أسهم الشركة بنسبة 13٪ بعد الكثير من التخبّط نتيجة لأرقام تطبيقات فيسبوك المُختلفة(7).
لكن ومع ذلك، لم يهدأ "زوكربيرغ"، فهو عاد من جديد لإطلاق تطبيق "ثريدز" الخاص بمُستخدمي "إنستغرام"، وهو تطبيق يُتيح تبادل الصور ومقاطع الفيديو بين أصدقاء المُستخدم المُقرّبين فقط (Close Friends) مع إمكانية مُشاركة الموقع الجغرافي والرسائل أيضا، وهذا داخل واجهات بالتصميم نفسه وتجربة الاستخدام نفسها الموجودة في "سناب شات"، الأمر الذي يطرح تساؤلا مهمّا حول سبب فشل فيسبوك النظري في القضاء على "سناب شات" على الرغم من المحاولات الكثيرة من جهة، والأرقام العالية التي حقّقتها من جهة أُخرى.
تُعرّف شركة "سناب" نفسها اليوم على أنها شركة للكاميرات (Camera Company) كترجمة حرفية، وهو ما يُقصد به شركة مُختصّة في مجال التصوير بشكل أو بآخر بغضّ النظر عن المصير النهائي للفيديو أو الصورة المُلتقطة، وهذا تعريف خرجت به قبل عامين أو ثلاثة بالتزامن مع إطلاق نظّارات "سبيكتكلز" (Spectacles)(8)، لتخرج من عباءة الشبكة الاجتماعية لأنها لم تكن في يوم من الأيام كذلك.
جاء التطبيق بداية كوسيلة لتبادل الصور بين الأصدقاء بشكل مُباشر مع إمكانية تحديد الفترة الزمنية التي ستختفي بعدها الرسالة للأبد، ليتطوّر لاحقا ويُضيف خاصيّة تبادل الرسائل النصيّة ثم مقاطع الفيديو، ومنها إلى إمكانية إجراء المُكالمات ونشر الحكايات اليومية التي تدوم لفترة 24 ساعة فقط. ذلك التوسّع جعلها تتّجه نحو فكرة المنصّة الافتراضية التي يُمكن القيام فيها بأكثر من شيء، خصوصا مع وجود خاصيّة الخرائط التي يُمكن من خلالها مُشاهدة نشاط المُستخدمين في مكان ما.
ذلك الأمر، على ما يبدو، جعل تلقّي "سناب شات" من قِبل "زوكربيرغ" خاطئا نوعا ما، ففيسبوك دائما ما ركّزت على أهم مزايا "سناب شات"، تارة الرسائل التي تختفي بعد فترة من الزمن، وتارة التأثيرات اللونية والحركية على الوجه، وتارة أُخرى الحكايات اليومية، ظنًّا منها أن "الشبكة الاجتماعية" ستزول بعد نسخ تلك المزايا منها، تماما مثل إضافة خاصيّة التوظيف في فيسبوك في مُحاكاة لشبكة "لينكد إن" (Linkedin)، أو إضافة خاصيّة المواعدة على غرار تطبيق "تيندر" (Tinder)(9).
لكن "سناب شات" ليس قويًّا بسبب فئة عمرية مُحدّدة أو بسبب مجموعة من المزايا فقط، بل قوي لأنه تطبيق للمحادثات الفورية أولا وأخيرا، تماما مثل "واتس آب" الذي يعتمد على رقم الهاتف، في وقت يعتمد فيه "سناب شات" على اسم المُستخدم كنوع من الخصوصيّة الإضافية للمُستخدمين هناك، فالشركة ولوقت طويل لم تقم بتوفير مُحرّك للبحث عن المُستخدمين داخل التطبيق.
لاحظت فيسبوك هذا الأمر منذ 2017 تقريبا، وعملت فورا على إطلاق تطبيق "دايركت" (Direct) الخاص بالمحادثات الفورية داخل "إنستغرام" في محاولة لإخراجه من تصنيف الشبكة الاجتماعية أيضا وإدخاله دائرة المحادثات الفورية عبر خاصيّة الرسائل المُباشرة، إلا أن هذا التطبيق لم يُكتب له النجاح وُقتل في مُنتصف 2019 تقريبا(10)، في وقت صنّفه البعض كمحاولة أُخرى فاشلة للقضاء على "سناب شات".
بدت رؤية "زوكربيرغ" في "دايركت" صائبة بعض الشيء، فالجميع يبحث اليوم عن التواصل الفوري مع أصدقائه على شبكة الإنترنت، وهو أمر دفعه فيما بعد للحديث بشكل مُفصّل عن رؤيته المُستقبلية لشبكة فيسبوك التي ستتحوَّل إلى منصّة تُركّز على التواصل بين الأصدقاء المُقرّبين على حساب الشركات والبقيّة في قائمة الأصدقاء، إلا أن هذا لم يفِ بالغرض، فـ "سناب شات" كتطبيق مُستمرّ في النمو.
دراسة من إعداد "ديلي بيست" (The Daily Beast) كشفت اللغز المُحيّر الذي منع فيسبوك من القضاء على "سناب شات"، ففي وقت يرى الجميع فيه تطبيق "سبيغل" على أنه شبكة اجتماعية أُخرى، على أرض الواقع هو مُجرّد تطبيق آخر للمحادثات الفورية، فالإحصائيات تقول إن 64٪ من المُستخدمين يُرسلون رسالة مُباشرة عوضا عن نشر حكاية، في وقت يبلغ فيه متوسّط عدد الرسائل المُرسلة يوميا 34 رسالة تقريبا(11).
ما سبق يعني أن "سناب شات" ليس مُجرّد تطبيق للمحادثات الفورية فقط، بل وسيلة للمحادثات الفورية مع الأصدقاء المُقرّبين بشكل حصري، وهذا التعريف هو نفسه ينطبق على "ثريدز" الصادر حديثا على يد مُهندسي "إنستغرام" بدعم من "زوكربيرغ" وملياراته، وهذا يجعله مُحاولة جديدة لقتل "سناب شات" الذي رفض في يوم من الأيام الانضمام إلى سفينة "زوكربيرغ"(12).
مَن يدري، قد تكون تلك المحاولات من وحي الخيال لا أكثر، تماما مثل تلك العداوة الافتراضية بين "كريستيانو رونالد" و"ليونيل ميسي" اللذين أثبتا مع مرور الوقت أنهما ليسا صديقين مُقرّبين، لكن هذا لم يجعلهما بالضرورة أعداء. وقد تكون محاولات "زوكربيرغ" مُجرّد إعجاب بالمزايا الفريدة التي يوفّرها "سناب شات"، دون وجود أي نيّات أو ضغائن داخلية لقتل التطبيق.
على أية حال، "سناب" كشركة باقيّة ولديها رؤية مُمتدة على عشر سنوات في مجال الواقع المُعزّز(13) (Augmented Reality)، وإن لم يكن لـ "فيسبوك" عداوة مُباشرة معها، فسيناريوهات العداوة مع "تيك توك" (TikTok) بدأت بالظهور، فالتطبيق نجح في حصد اهتمام مجموعة كبيرة من المُستخدمين حول العالم، الأمر الذي لن يتركه "زوكربيرغ" يمر مرور الكرام، بغضّ النظر عن نيّاته(14)(15).