شعار قسم ميدان

"كاي أو إس".. هل ينتهي عصر أنظمة أبل وأندرويد؟

ميدان - كاي أو إس

لم تقو مُعظم الشركات التقنية على مُزاحمة أندرويد وآبل في سوق أنظمة تشغيل الهواتف الذكية، فلا "ويندوز فون 10″، ولا "بلاك بيري أو إس 10" أو "تايزن" من سامسونغ، صمدوا في وجه تلك الشركات. لكن "كاي أو إس" (KaiOS) الذي وصل إلى الأسواق في 2017 يبدو أنه سيكسر القالب، بل أجبر غوغل على استثمار ملايين الدولارات فيه نظرا لنجاح النموذج الذي جاء لتقديمه(1).

 

"كاي أو إس"

يُقسّم سوق الهواتف في الوقت الراهن إلى ثلاثة أقسام، الهواتف الرائدة، والمتوسّطة، إضافة إلى تلك التي تأتي بمواصفات منخفضة، وجميعها تندرج تحت فئة الهواتف الذكية خصوصا أنها تعمل إما بنظام أندرويد بنوعيه الكامل والخفيف -"أندرويد غو" (Android Go)-، وإما بنظام "آي أو إس" من آبل. لكن السوق يحتوي أيضا على هواتف عادية، تلك التي كانت رائجة الاستخدام قبل ظهور الهواتف الذكية والتي كانت من إنتاج شركات على غرار نوكيا، "ألكاتل"، أو حتى "زيمنس" الألمانية، وهذا على سبيل المثال لا الحصر.

  undefined

 

وبسبب سيطرة الهواتف الذكية، ركّزت جميع الشركات جهودها على تطوير نظام تشغيل جديد لتلك الأجهزة، نابذين وراءهم الأجهزة العادية التي لا تزال مطلوبة بشدّة، والتي بيع منها أكثر من 450 مليون هاتف خلال عام 2017، وهذا يعني أنها فئة مطلوبة(2)، وأن الشركة المسؤولة عن تطوير نظام "كاي أو إس" لم تسلك طريقا خاطئا، بل كانت الأذكى من بين الكثيرين.

 

بُني نظام "كاي أو إس" باستخدام نظام "فايرفوكس أو إس" الذي طوّرته شركة موزيلا وأوقفته في عام 2016، والذي حاولت من خلاله استهداف سوق الأجهزة الذكية في ذلك الوقت بنظام تشغيل خفيف يعتمد على تقنيات الويب لتطوير التطبيقات، الأمر الذي لم يلق رواجا في ظل وجود أنظمة تشغيل أثبتت نجاحها مع متاجر تطبيقات مُكتظّة.

 

استهدف القائمون على "كاي أو إس" أجهزة مُستخدمة بكثرة في الأسواق النامية التي دخل الإنترنت إليها حديثا، والتي لا يُمكن لمجموعة كبيرة من سُكّانها شراء هواتف ذكية رائدة المواصفات، فكان الهدف الأساسي للنظام الجديد هو توفير مزايا ذكية في أجهزة متواضعة المواصفات، وتحديدا تلك التي لا تحمل شاشة تعمل باللمس على اعتبار أنها المكوّن الأغلى ثمنا الذي يؤدّي إلى رفع سعر الجهاز.

 

البنية التحتيّة

   

لم يتخل "كاي أو إس" عن دعم الشاشات العاملة باللمس فقط، بل عن بعض التطبيقات التي لا فائدة من وجودها بشكل افتراضي محاولا تبسيط تجربة الاستخدام قدر الإمكان مع توفير متجر للتطبيقات يحمل اسم "كاي ستور" (KaiStore) يحتوي على تطبيقات رسمية من تويتر، وفيسبوك، و"واتس آب"، دون نسيان مجموعة من تطبيقات شركة غوغل ومنها يوتيوب، ومُحرّك البحث، إضافة إلى بريد "جي ميل" والمُساعد الرقمي "غوغل أسيستنت" (Google Assistant).

 

ويدعم النظام بشكل رئيسي مُعظم التقنيات الضرورية في الوقت الراهن كشبكات الجيل الرابع، والدفع الإلكتروني، مع نظام للتحديث عبر الإنترنت دون الحاجة إلى وصل الجهاز بالحاسب أبدا. كما لا يحتاج الجهاز إلى ذواكر أكبر من 256 ميغابايت للعمل، حيث كُتبت مُعظم تطبيقاته باستخدام تقنيات الويب، "إتش تي إم إل" (HTML) و"جافا سكريبت" بالإضافة إلى "سي إس إس" (CSS)، تماما مثل الفكرة التي جاء بها نظام "فايرفوكس أو إس" الذي فشل لأنه حاول مُنافسة أسماء كبيرة وضعت قدمها بقوّة في هذا السوق.

 

نجاح الفكرة لم يكن على الورق فقط، بل دفع شركات مثل نوكيا إلى استخدام "كاي أو إس" في جهاز 8110، إضافة إلى مجموعة من أجهزة شركة "جيو" (Jio) في الهند، كما عملت شركة "ألكاتل" على إطلاق هاتف "ون توتش غو" (OneTouch Go)، في وقت حرصت فيها شبكات مثل "إيه تي آند تي" (AT&T) على توقيع اتفاقيات لإطلاق أجهزة تعمل بالنظام القادر على إضافة المليار مُستخدم الجُدد الذين تبحث عنهم كُبرى الشركات التقنية في الوقت الراهن.

 

غوغل

لم تكترث غوغل كثيرا لجميع أنظمة التشغيل التي خرجت على مدار العقد الماضي، فوجود أكثر من ملياري جهاز يعملون بنظام أندرويد يعني أنها تسير في الطريق الصحيح خصوصا أن تلك الأجهزة تندرج تحت جميع الفئات من ناحية المواصفات. لكن هذا لا يعني أنها لم تحسب حسابا لهم، فهي في "ويندوز فون 10" على سبيل المثال منعت أي تطبيق من استخدام واجهاتها البرمجية، وبالتالي لم تتوفّر خدماتها الأساسية مثل يوتيوب على تلك الأجهزة. كما كرّرت الأمر نفسه مع أجهزة "إيكو" من أمازون، فهي سحبت تطبيق يوتيوب وأغلقت الواجهات البرمجية بسبب عدم اتفاقها مع أمازون(3)، الأمر الذي سيدفع مع مرور الوقت مُستخدمي المُساعدات الرقمية نحو الأجهزة التي قامت غوغل بإنتاجها أو ترخيصها.

  

  

ولا تُحارب غوغل طوال الوقت، فهي مع "آي أو إس" سلكت طريقا آخر حرصت فيه على توفير تطبيقاتها بأفضل جودة مُمكنة، فهي تُضيّق الخناق تارة، وتُطلق سراحه تارة أُخرى على حسب السوق. الأسلوب نفسه تم اتباعه مع نظام "كاي أو إس"، النظام التي تفوّق على "آي أو إس" في السوق الهندية بنسبة استخدام وصلت إلى 15٪ خلف نظام أندرويد(4)، وعوضا عن مُحاربته أيقنت غوغل أن ما تملكه لا يكفي لمنافسة هذه الفئة، وبالتالي من الأفضل اللعب في فريقه نفسه.

 

قفزت غوغل بقوّة وقرّرت استثمار 22 مليون دولار أميركي في الشركة التي تقف خلف النظام الجديد(5)(6)، بحيث تُساعدها أولا على تعزيز جهودها لتحسين النظام قدر المُستطاع، ولضمان حصّة فيه من جهة أُخرى، فهذا المبلغ يأتي أيضا لتوفير مُساعد الشركة الرقمي رفقة مُحرّك البحث كخيارات افتراضية داخل النظام، وبالتالي تحصل الشركة على ملايين المُستخدمين الجُدد، فبحسب أرقام "كاي أو إس" الرسمية، هناك 40 مليون جهاز في الأسواق حاليا(7)، وهو رقم آخذ بالصعود مع رغبة نوكيا في الدخول بأكثر من جهاز، خصوصا أن جميع الأجهزة الجديدة تدعم شبكات الجيل الرابع، ولا يوجد أفضل من "كاي أو إس" للاستفادة من هذا الأمر في الوقت الراهن.

  

  

بعد تأمين أول ملياري مُستخدم لدى كل من فيسبوك وغوغل، بدأت تلك الشركات بالحراك نحو العثور على المليار الجديد وذلك عبر محاولة إيصال شبكة الإنترنت للمناطق النائية. لكن مثل تلك المُبادرات تُكلّف المليارات، وبالتالي فإن استثمار 22 مليون دولار ليس بالمبلغ الكبير أبدا بالنسبة لغوغل التي تمتلك سابقا ما يحتاجه "كاي أو أس"، فجميع تطبيقاتها تدعم الأجهزة الذكية قبل الحاسب، وفكرة وجود التطبيقات المُتدرّجة (Progressive Web Apps) فرصة ذهبية لكلتا الشركتين، غوغل و"كاي أو إس" على حد سواء.

المصدر : الجزيرة