شعار قسم ميدان

مؤتمر أبل للمطورين.. لا جعجة ولا طحين

midan - tec
بخلاف التوقعات جاء مؤتمر أبل للمطورين هذا العام بلا تحولات نوعية أو إضافات تنافسية كبيرة، فالشركة استهلكت نفسها الفترة الماضية في حملات دعائية ومنتجات جديدة متسرعة تسببت في عدة مشاكل جوهرية، فكان مؤتمر هذا العام يصدق عليه المثل المُعدل "لا جعجعة ولا طحين"!. 

يبدو أن شركة آبل من خلال ماحث ترغب في لعب دور اللاحق في الوقت الراهن، فهي لم تكتفي في إقامة مؤتمرها الخاص بالمطوّرين WWDC18 بعد انتهاء مؤتمرات كل من
غوغل ومايكروسوفت، بل حرصت على إعادة ترتيب ما تبعثر من أوراق عبر تحديثات متواضعة استعرضتها خلال المؤتمر الذي امتد لأكثر من ساعتين بقليل، متواضعة بعد المُقارنة مع الكم الهائل من التقنيات الجديدة التي كشفت عنها بقيّة الشركات.

   

"آي أو إس 12"

أكّدت جميع التسريبات قبل المؤتمر أن شركة آبل ومنذ (يناير/كانون الثاني) 2018 عاقدة العزم على تغيير خطّتها في "آي أو إس 12" (iOS 12) وذلك عبر الامتناع عن تقديم الكثير من الميّزات الجديدة للتركيز على الأداء والاستقرار بشكل كبير، فكوارث "آي أو إس 10″، ثم 11، ما تزال نُدُبها موجودة حتى الآن.

  

بالفعل، لم تُخيّب آبل التوقّعات وأكّدت أن "آي أو إس 12" يأتي بصورة رئيسية لتحسين تجربة الاستخدام وذلك عبر تقديم سرعة غير مسبوقة، فالأجهزة ستُصبح أسرع بنسبة 70٪ عند تشغيل الكاميرا، و50٪ أسرع عند عرض لوحات المفاتيح للبدء في الكتابة، وهذا يعني أن الأجهزة القديمة مثل "آيفون 5 إس" من المُفترض أن يحصل أصحابها على تجربة استخدام أفضل مع وصول النظام الجديد. وعلاوة على ما سبق، أصبح تشغيل التطبيقات أسرع مرّتين تقريبًا.

  

   

لم تكتف الشركة بهذا القدر، فهي قدّمت تطبيق القياس (Measure) الذي يعتمد على حزمة الواقع المُعزّز (ARKit) للحصول على أبعاد العناصر الموجودة أمام الكاميرا، وهنا الحديث عن أبعاد حقيقية لتلك العناصر، أي أن الهاتف سيتحوّل لمسطرة رقميّة. وبالحديث عن الواقع المُعزّز، حرصت آبل على تقديم الإصدار الثاني من الحزمة وهذا يعني أن التطبيقات أصبحت الآن قادرة على دعم ملفّات الواقع المُعزّز بشكل افتراضي؛ مواقع الإنترنت بإمكانها عرض عنصر ثلاثي الأبعاد يُمكن للمستخدم التفاعل معه ورؤيته من كافّة الجوانب بشكل آني.

    

تعاونت آبل مع مجموعة من الشركات لتقديم خاصّية جديدة أيضًا في الواقع المُعزّز، خاصيّة تسمح مُشاركة نفس الواقع بين أكثر من مُستخدم وهذا لتشغيل نفس اللعبة على أكثر من جهاز واللعب معًا في نفس الوقت وبسرعة كبيرة جدًا. وأخيرًا، على صعيد تعزيز الواقع فقط، كشفت آبل عن مجموعة من الوجوه التعبيرية التفاعلية "آنيموجي" (Animoji)، مع إمكانية تحويل وجه المُستخدم لوجه تعبيري كذلك عبر ما يُعرف بـ "ميموجي" (MeMoji).

     

    

التركيز الرئيسي في النظام الجديد كان على "سيري" (Siri) حيث قدّمت آبل إمكانية إنشاء اختصارات لتشغيل بعض الأوامر الخاصّة بالمُستخدم عبر تسجيل الأمر صوتيًا، وهذا يعني إمكانية الاعتماد على "سيري" أكثر مع مرور الوقت خصوصًا مع تقديم تطبيق يُتيح للمستخدم ربط أكثر من وظيفة وتنفيذهم عبر اختصار واحد. المُستخدم الآن قادر على إنشاء اختصار بعنوان الذهاب للعمل -على سبيل المثال لا الحصر- تقوم "سيري" من خلاله بطلب قهوة للمكتب، ثم إرسال رسالة للموظّفين لإخطارهم بموعد وصول الشخص، مع ضبط درجة حرارة المكتب عن بُعد، كل هذا عبر نطق الأمر فقط.

    

وعلى غرار غوغل، لم تُهمل آبل التسمّم الرقمي الذي يُصيب البشر، ولهذا السبب قدّمت ميّزات تُساعد على إيقاف التنبيهات أثناء النوم، فبمجرد تفعيل الميّزة لن يرى المُستخدم أي تنبيه على شاشة القفل. كما حرصت الشركة على تقديم أداة للحصول على تقرير إسبوعي حول الاستخدام الكامل للجهاز وللتطبيقات للحد من الاستخدام الغير طبيعي وتجنّب التعلّق الزائد بالأجهزة الذكية. كما قدّمت آبل خاصّية تجميع التنبيهات للمرّة الأولى، وهذا لترتيب استعراضها حسب الوقت، التطبيق، أو حتى الموضوع.

     

وحرصت أيضًا على تحسين واجهات بعض التطبيقات كتطبيق الأخبار، والملاحظات الصوتية، والصور الذي حصل على تبويب جديد يعتمد على الذكاء الاصطناعي لتقديم الاقتراحات. كما كشفت الشركة عن خاصّية المكالمات الجماعية داخل "فيس تايم" (Facetime)، حيث يُمكن إجراء مُكالمات مرئية وصوتية مع 32 شخص في نفس الوقت وبجودة عالية.

      

     

التلفاز والساعة الذكية

حافظت آبل على نفس النهج في أنظمة "وتش أو إس 5″ (watchOS 5) و"تي في أو إس" (tvOS 12) المسؤولان عن تشغيل الساعة وأجهزة "آبل تي في" (Apple TV) على الترتيب، فهي لم تكشف عن الكثير من الميّزات، واقتصر الحديث على بعض التحسينات البسيطة والاستعراض الحي لتلك التحسينات.

   

في نظام "تي في أو إس 12" حرصت آبل على توفير أكثر من 100 قناة جديدة لإثراء تجربة استخدام التلفاز الذكي، وهذا عبر التعاقد مع بعض شبكات البثّ التلفزي الكبيرة لتوفير أجهزة "آبل تي في" كجهاز استقبال حديث عوضًا عن القديمة المُستخدمة على نطاق واسع، وبالتالي يُمكن للمُشتركين مع شبكة "كانال +" الفرنسية الحصول على "آبل تي في" ومُشاهدة قنوات الشبكة بدقّة (4K)، وهذا على سبيل المثال.

  

وقدّمت آبل أيضًا مجموعة من مقاطع الفيديو التي تم تسجيلها من المركبة الدولية الفضائية (ISS)، وتلك مقاطع يُمكن استخدامها كشاشات توقّف على أجهزة "آبل تي في". وعلاوة على ما سبق، تدعم أجهزة تلفاز آبل الآن تقنية "آتموس" (ATMOS) من دولبي (Dolby)، التقنية التي تقوم بتوزيع الصوت بشكل جديد ثلاثي الأبعاد لتعزيز تجربة مُشاهدة المحتوى.

   

ولم يكن حال نظام "وتش أو إس 5" أفضل، فالشركة كشفت عن تحسينات جديدة في تطبيق النشاط الذي أصبح قادرًا، بشكل آلي، على معرفة الوقت الذي يبدأ المُستخدم فيه بممارسة الرياضة لبدء احتساب السعرات الحرارية. كما قدّمت آبل مجموعة من الرياضات الجديدة التي ستُصبح الساعة قادرة على تسجيلها، دون نسيان خاصّية التنافس بين الأصدقاء لرفع مُعدّل مُمارسة الرياضة لدى الجميع.

   

الأهم مما سبق هو خاصّية الرسائل الصوتية (Walkie-Talkie) الجديدة التي تُتيح تبادل رسائل صوتية بين شخصين بشكل آني وهذا بالاعتماد على شبكات "واي-فاي"، أو شبكات الجيل الرابع (LTE)، أضف إلى هذا نظام الإشعارات الذي أصبح أكثر تطوّرًا الآن، فالمُستخدم بإمكانه استعراض محتويات الروابط من داخل الساعة، مع إضافة تنبيهات التطبيقات للوجه (Watch Face) الخاص بـ "سيري".

      

    

ختامها مسك، "ماك أو إس"

وكأن آبل كانت تُخبّأ الشيء المُميّز للأخير، فنظام "ماك أو آس" الجديد، المعروف بـ "موهافي" (Mojave)، جاء بالكثير من الميّزات التي طال انتظارها، مع ميّزات أُخرى لم تكن على البال أيضًا.

  

كشفت آبل عن تحديثات جديدة لسطح مكتب نظام "ماك" رفقة تطبيق إدارة النوافذ "فايندر" (Finder)، حيث أصبح بالإمكان الآن تجميع المستندات والملفّات الموجودة على سطح المكتب على حسب النوع، الوسم، التاريخ، وغيرها من التصنيفات الأُخرى، وهذا لتنظيم المحتوى. وبعد طول انتظار، وصل الوضع الداكن (Dark Mode) الذي يُقوم بتغيير لون خلفية سطح المكتب والنوافذ أيضًا للتماشى مع اختلاف الأوقات خلال النهار وخصوصًا في الليل حيث يُصبح لونها غامق لتقليل الضوء الأبيض الساطع من الشاشة لإراحة العيون.

      

    

وحسّنت آبل أدوات التقاط صورة للشاشة في "ماك أو إس"، فالمستخدم أصبح الآن قادرًا على تسجيل الفيديو أيضًا مع استخدامه بشكل آني أو التعديل عليه باستخدام أدوات التعديل الجديدة التي وصلت لمُستعرض الملفّات (Preview) الموجود مُسبقًا داخل النظام.

  

ولم تُهمل الشركة مشاكل الخصوصية على الإنترنت، ولهذا السبب قامت بتطوير الواجهات البرمجية الخاصّة بالخصوصية لتمنع وصول التطبيقات الموجودة على النظام لمجموعة كبيرة من البيانات الهامّة. كما سيمنع مُتصفّح سفاري من تتبّع نشاط المُستخدم عبر إيقاف بعض المُمارسات التي تقوم بها المواقع عبر صناديق التعليق أو أزرار المُشاركة، وهذا لمنع تعقّب نشاط المُستخدم على الشبكة لاستهدافه بالإعلانات.

  

ومع نهاية المؤتمر، كشفت آبل عن تغيير شامل لمتجر تطبيقات "ماك"، ليُصبح مُشابهًا للمتجر الموجود على أجهزتها الذكية. لكن هذا التغيير لم يكن الأكبر، فالشركة كشفت عن وصول تطبيقات الأخبار، والملاحظات الصوتية، والأسهم المالية لنظام "ماك أو إس" للمرّة الأولى، وهذا أمر يحمل خلفه تغيير كبير في عقلية آبل من الناحية البرمجية.

  

خبّأت آبل خبرًا هامًا وانتظرت نهاية المؤتمر للكشف عنه، وهو دمج مكتبة الواجهات الخاصّة بنظام "آي أو إس" مع مكتبة واجهات "ماك". وبدأت في ذات الوقت باختبار تشغيل تطبيقات "آي أو إس" على الحواسب العاملة بنظام "ماك أو إس"، وهذا لأن النظامين يعتمدان على نفس المكوّنات تقريبًا، والنتيجة كانت أن التطبيقات الجديدة، الملاحظات الصوتية والأخبار والأسهم المالية، ما هي سوى استيراد لتلك الموجودة على هواتف آيفون، وهي تعمل على نظام "ماك أو إس" دون أية مشاكل وعبر إجراء بعض التعديلات البسيطة على الشيفرات البرمجية، وهذه خاصّية ستبدأ بالوصول للمُبرمجين مع حلول 2019.

  

صدقت التسريبات التي ظهرت مع بداية عام 2018 التي أكّدت أن آبل ترغب في اللعب بحذر في جميع أنظمة تشغيلها خلال العام الجاري وهذا عبر تحسين الأداء وضمان الاستقرار على حساب الميّزات الجديدة(2)، ليبقى مُستخدمو أنظمة آبل بانتظار "آي أو إس 13" في 2019 الذي قد يحمل تصميم جديد كُليًّا لكل شيء داخل النظام وخصوصًا واجهة التطبيقات الرئيسية. لكن وإلى ذلك الحين، سيقف الجميع على جدّية آبل في التعامل مع مشاكل أنظمة تشغيلها عبر اختبار الأنظمة الجديدة واستخدمها لمدّة عام كامل تقريبًا.