بعد حظرها بأميركا.. هل تتجسس هواوي على المستخدمين؟

خلال الفترة نفسها -ما بين 2015 و2017- رصدت شركة في فلسطين المحتلّة نشاطا خبيثا لأحد أشهر تطبيقات مكافحة الفيروسات، "كاسبرسكي" (Kaspersky) الذي كان يبحث داخل الحواسب عن بعض الكلمات المفتاحية المتعلقة ببرامج تجسس تقوم بها وكالة الاستخبارات الأميركية لتقديمها فيما بعد للوكالات الأمنية الروسية لإبطال مفعولها، والرد بشكل غير مباشر على الأميركان(3). وبناء على ذلك التقرير، طالب بعض مسؤولي الوكالات في أميركا -على غرار مكتب التحقيقات الفيدرالي "FBI" ووكالة الأمن الوطني "NSA"- بالتوقف عن استخدام برنامج "كاسبرسكي" في المؤسّسات الحكومية، لتتحول تلك المطالب إلى دعوة للتحرك عاجلا خلال 30 يوما لتحديد جميع الأدوات التي تعتمد على "كاسبرسكي"، مع فترة 90 يوما لإزالتها بشكل كامل(4).

بعد القرار السابق؛ بدأت بعض الشركات المتخصّصة في مجال الأمن الرقمي بالحديث عن ضرورة ابتعاد المؤسسات الكبيرة -كالمصارف- عن استخدام البرنامج أيضا، ليتحول التحقيق الصادر من فلسطين المحتلة إلى قضية تشغل الجميع في كافة أنحاء البلاد. يمكن استيعاب الأحداث السابقة بالنظر إلى توتر العلاقة الروسية الأميركية على المستوى السياسي على الأقل، لكن الصين أيضا لم تسلم من تصريحات ترمب وقرارته التي تحولت فيما بعد إلى مذكرات لحماية الأمن الوطني أيضا.
|
وحققت هواوي تلك الأرقام على مستوى العالم في بقاع مختلفة من العالم، باستثناء الولايات المتحدة الأميركية التي لا تتواجد فيها بشكل رسمي حتى الآن، فبالنظر إلى أن 90٪ من الهواتف الذكية في بلاد العم سام تُباع عبر شركات الاتصالات، لم تنجح هواوي حتى الآن في توقيع اتفاقية للانتشار بصورة أكبر، وينحصر وجودها هناك عبر متاجر إلكترونية مثل أماوزن أو "إي باي" (ebay).
تلك الحقائق دفعت هواوي لإجراء مُباحثات مع شركات على غرار "إيه تي آند تي" (AT&T) و"فيرايزون" (Verizon)، وهي من المزوّدات الشهيرة للاتصالات في أميركا. وبعدما بدأت جميع الأطراف في التحضير للوجود الفعلي بأميركا تفاجئت هواوي بتراجع "إي تي آند تي"، قبل أن تصدر مذكرة رسمية من رؤوساء وكالات أمنية مختلفة في أمريكا، مذكّرة على غرار تلك الصادرة بحق "كاسبرسكي"، تطالب بحظر بيع هواتف هواوي بسبب وجود برمجيات خبيثة تتجسس على المستخدمين وتقوم بإرسال البيانات لجهات حكومية ووكالات استخباراتية في الصين. ليس هذا فحسب؛ بل طالبت المُذكرة بالابتعاد عن الخوادم والبُنى التحتية للشبكات التي تقوم هواوي بتطويرها وبيعها، لتصبح هواتف ومنتجات هواوي المتعلقة بالاتصالات رفقة منتجات "زيد تي إي" (ZTE) من المغضوب عليهم بحسب المذكرة(6)(7).
|
ربط بعض المحللين مذكرة منع هواوي من بيع هواتفها في أميركا بمبادرات ترمب، وهذا طمعا في حماية المصالح الأميركية وتحديدا مصالح شركات مثل آبل التي وعدت باستثمار 350 مليار دولار أميركي في أميركا خلال السنوات الخمس القادمة(10)؛ لتندثر بذلك شمّاعة المخاوف الأمنية وتظهر المخاوف الاقتصادية، لكن صفحات التاريخ لا تكذب أبدا، وسجل هواوي ليس ناصعا وليست الضحية في هذا القضية.
تعود مشاكل شركة هواوي مع المشرّعين في أميركا إلى عام 2010 تقريبا، وهذا بعد الاشتباه بوجود علاقة وطيدة بين الحكومة الصينية وشركة هواوي استلمت بموجبها الشركة الصينية 228 مليون دولار أميركي من الحكومة لمشاريع في مجال البحث والتطوير(11)، لتبدأ التحقيقات من قبل وكالة الاستخبارات (CIA). تعقّدت حكاية هواوي في أميركا في 2012 بعدما عُثر على أبواب خلفية في معدّات الشبكات التي تقوم بتطويرها، وتلك أبواب استغلّتها وكالة الأمن القومي الأميركي لتطوير برنامج تجسس على مستوى العالم؛ كشف وقتها عن وجود علاقة بين الشركة وجيش التحرير الصيني(12).
خلال تلك الفترة -ولأن هواوي كانت في سوق الهواتف الذكية منخفضة التكلفة- كان الحديث فقط عن البُنى التحتية للشبكات التي تقوم الشركة الصينية بتطويرها، وهذا سمح لشركة غوغل في 2015 بالتعاون معها لتطوير هواتف "نكسوس 6 بي" (Nexus 6P)، الأمر الذي خرج عنه وابل من التقارير للحديث عن مستوى حماية تلك الأجهزة وقوة غوغل في اتخاذ قرار قد يؤثر على الأمن الوطني الأميركي؛ خصوصا أن تلك الهواتف ستباع بصورة رئيسية هناك.
ولم ترغب الشركة الصينية في انقضاء 2016 دون إثارة الجدل على مستوى الخصوصية مرة ثانية، وهذا بعد العثور على برمجية خبيثة على 700 مليون هاتف أندرويد، جزء منها في أميركا موجود داخل تطبيقات من تطوير شركة "آدآبس" (Adups)، يقوم بإرسال تقرير عن الرسائل وقائمة الأسماء وسجل المكالمات كل 72 ساعة إلى خوادم في الصين، وتلك التطبيقات موجودة في هواتف "زيد تي إي" وهواوي على حد سواء، الأمر الذي رفع حالة التأهّب القصوى في أميركا(13).
وتجدر الإشارة إلى أن جميع تلك الوقائع دون إثباتات أو دلائل صحيحة بنسبة 100٪، أي أن وجود برمجيات للتجسس وإرسال البيانات للحكومة الصينية هو مجرد تخمين في 2018، وكان كذلك في السنوات الماضية استنادا إلى اشتباه أو شكوك لا يمكن اعتبارها حقائق يمكن التسليم بها. وبناء عليه؛ هل يخلق ترمب عدوا افتراضيا لدفع عجلة الاقتصاد الأميركي وتشجيع الشركات على الاستثمار في البلاد وانتهاز الفرصة؟ أم أن ما حدث جاء بالفعل لحماية الأمن القومي من أية اضطرابات جديدة من الصين؛ بعدما اهتزّ سابقا بسبب هجمات روسية يُقال إنها مستمرة حتى الآن، أو قد يكون قرار المنع مزيجا من الاثنين كرمية من غير رامٍ.