شعار قسم ميدان

بحث عن "أحمق" فظهر ترامب.. كيف يربط غوغل بين الأشياء؟

ميدان - أحمق ترامب بحث غوغل

أعادت جلسة استجواب "سوندار بيتشاي" (Sundar Pichai) -الرئيس التنفيذي لشركة غوغل- من قبل مجلس الشيوخ الأميركي مُشكلة تقنية إلى السطح بعد أشهر من اكتشافها لأول مرّة، فأعضاء المجلس طرحوا سؤالا على "بيتشاي" عن سبب ظهور صور للرئيس الأميركي "دونالد ترامب" عند البحث عن كلمة أحمق (Idiot)، أملا في العثور على إجابة مُباشرة لثغرة غوغل الموجودة منذ أكثر من عقد من الزمن.

 

تصنيف غوغل
 تقوم خوارزميات عملاق البحث العالمي -غوغل- بأرشفة جميع صفحات الإنترنت بشكل فوري وآلي عبر عملية تُعرف بالزحف (Crawling)، والتي يبحث النظام عبرها على صفحات جديدة لإضافتها لقاعدة البيانات التي تحتوي على مليارات الصفحات المُخزّنة في الوقت الراهن. تصنيف تلك الصفحات داخل قواعد البيانات يتم عبر مجموعة من الكلمات المفتاحيّة ووفقا لبعض المعايير الأُخرى التي قامت غوغل بفرضها على أصحاب المواقع فيما يُعرف حاليا بتحسين مُحركات البحث (Search Engine Optimization)، واختصارا "إس إي إو" (SEO)(1).

 

وبعد استخدام الكلمات المفتاحية للتصنيف، تقوم الخوارزميات أيضا بترتيب الصفحات بحسب بعض العوامل، فظهورها في نتائج البحث مرهون بأمور أُخرى مثل سرعة تحميل الصفحة، ودعم الموقع للهواتف الذكية، بالإضافة إلى تاريخ نشر المحتوى ومدى شهرة الموقع ومدى انتشار روابطه على شبكة الإنترنت أيضا، وهذا يُفسّر ظهور مجموعة من المواقع، شبه ثابتة، في الصفحة الأولى لنتائج البحث.

   

 

نفس العملية تتم أيضا بالنسبة للصور، فعند زيارة صفحة ما تحتوي على خبر مُرفق بصورة، ستقوم خوارزميات غوغل بالربط بين الكلمات المفتاحية الموجودة في الخبر مع الصورة أيضا لأن الخوارزميات لا تُدرك طوال الوقت محتويات الصورة بشكل دقيق، فهي قادرة على معرفة الأشياء كالسيّارة، الحيوانات وأنواعها المُختلفة، أو حتى الإنسان. لكن التفرقة بين الأشخاص قد لا تكون فعّالة دائما، ومن أجل ذلك يتم الاعتماد على الكلمات المفتاحية داخل تلك الصفحة، وعلى الوصف الخاص بالصورة -إن وجد-(2).

 

وتجدر الإشارة هنا إلى أن ترتيب النتائج لا يتوقّف على خوارزميات غوغل فقط، بل على حجم تفاعل المُستخدمين مع تلك النتائج، فالبحث عن "مشاكل آيفون 10" على سبيل المثال لا الحصر سيجلب ملايين الروابط، إلا أن غوغل سوف تقوم بمنح نقاط إضافية للنتائج التي يضغط المُستخدمون على روابطها، ومن هنا يزداد مُعدّل الزيارات على ذلك الرابط من جهة، وتعتبره غوغل -آليا- أنه رابط يُجيب على تساؤلات المُستخدمين من جهة أُخرى، وبالتالي تركه ضمن الصفحة الأولى دون مساس.

 

مشاكل مُتأصّلة
      
في عام 2003، أي بعد أعوام قليلة فقط من ظهور مُحرّك بحث غوغل، تفاجأ البعض بظهور صور للرئيس الأميركي جورج بوش الابن (George W. Bush) عند البحث عن عبارة "فشل ذريع" (miserable failure) على غوغل، إلا أن المشهد السياسي في ذلك الوقت كان يحتمل الربط بين العبارة وبين الرئيس الأميركي الذي دخل في حرب كلّفت بلاده مليارات الدولارات دون وجود مُبرّر مُقنع بالنسبة للشعب الأميركي على الأقل.

 

منطقيا، فإن مجموعة من وسائل الإعلام قامت بنشر صورة للرئيس الأميركي مع عناوين تحمل عبارة "فشل ذريع" أو شيء يُشبهها، مع كتابة خبر فيه كلمات مفتاحيّة بنفس المعنى. ومع ازدياد الضغط على تلك الروابط، يتوقّع مُحرّك البحث أن إجاباته صحيحة، وتتعزّز بالتالي تلك الروابط. لكن على أرض الواقع لم يكن الأمر كذلك أبدا، صحيح أن آلية العمل سليمة، إلا أن وصول تلك الروابط إلى النتائج الأولى كان تلاعبا من قبل مجموعة من المُخترقين في عملية تُعرف بـ "تفجير غوغل" (Google Bomb)(3).

 

استغلّ المُخترقون آلية عمل خوارزميات غوغل عبر إرفاق صورة للرئيس الأميركي آنذاك مع استخدام كلمات مفتاحيّة تدل على الفشل الذريع في أحد المواقع. ومع زيادة معدلات الدخول على روابط ذلك الموقع ضمن نتائج بحث غوغل، تبدأ الخوارزميات بمنحه ترتيب أعلى إلى أن يصل للمراتب الأولى، وبالتالي يترسّخ الرابط ضمن قواعد بيانات غوغل وترتبط صورة "بوش" بعبارة "فشل ذريع". وتجدر الإشارة هنا إلى أن ذلك الترتيب يتغيّر أيضا بشكل آلي مع تغيّر الروابط والكلمات المفتاحية، وهذا يُفسّر عدم ظهور صور للرئيس الأميركي عند البحث عن "فشل ذريع" اليوم.

 

ما حدث مع ترامب هو نفسه ما حدث مع "بوش" ومع "هيلاري كلينتون" و"ميشيل أوباما"، زوجة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، فبعض المُخترقين نجحوا في ربط صور تلك الشخصيات بعبارات عنصرية كنوع من تغيير الرأي العام أو التعبير عن سخطهم على الحكومة فقط لا غير(4).

 

بدأ كل شيء مع زيارة ترامب إلى المملكة المُتحدة حيث عبّر المواطنون هناك عن سخطهم من تلك الزيارة عبر الاستعانة بأغنية "الأحمق الأميركي" (American Idiot) لفرقة "غرين داي" (Green Day)، وهي أغنية صدرت عام 2004. هنا بدأت وسائل الإعلام بالحديث بشكل عادي عن زيارة ترامب، وذكرت ضمن أخبارها المنشورة أن المتظاهرين قاموا بتشغيل أغنية "الأحمق الأميركي". وبناء على ذلك، ربطت خوارزميات غوغل ترامب بكلمات مفتاحية مثل "أحمق"، لتتصدّر صورة الرئيس الأميركي نتائج البحث عن كلمة "أحمق" حتى وقتنا الراهن(5).

 undefined

إغلاق الثغرة
 ولم تكن الأغنية لوحدها العامل الوحيد الذي ربط الصورة بالكلمة، فلموقع "ريديت" (Reddit) يد في  هذه العملية، وفي عمليات سابقة أيضا. في 2016، قام أعضاء فريق حملة ترامب الانتخابية برفع صورة لشعار شبكة "سي إن إن" (CNN) داخل "ريديت" مع استخدام عنوان يحتوي على عبارات تُشير إلى الأخبار الكاذبة. انتقل بعدها أعضاء الفريق إلى ترك تعليقات على تلك الصورة تحتوي على نفس تلك الكلمات أيضا، مُطالبين مؤيدي ترامب بتسجيل الإعجاب على تلك المُشاركة وترك تعليق(6).

 

مثل تلك المُمارسة تؤدّي لخروج المُشاركة من الأقسام الفرعية إلى الصفحة الرئيسية لموقع "ريديت"، الموقع الذي يزوره شهريا أكثر من مليار ونصف المليار مُستخدم(7)، والذي يمتلك بدوره تصنيف عالي عند غوغل التي ستؤرشف صورة شعار "سي إن إن" وتربطها فورا بالكلمات المفتاحية المستخدمة، مع تصنيف مُمتاز نظرا لحجم الزيارات المُرتفع، وبالتالي وعند البحث عن الأخبار الكاذبة (Fake News) في غوغل، سيظهر شعار الشبكة فورا.

 

استغلّ كارهوا ترامب استخدام مُعارضيه لأغنية "الأحمق الأميركي" وقاموا بإنشاء مشاركات داخل "ريديت" فيها صورة ترامب مع عبارات تدل على الحماقة بشكل أو بآخر. وبتهافت الملايين للتصويت على تلك المُشاركات خرجت للصفحة الرئيسية، ومنها إلى أعلى المراتب داخل غوغل، لترتبط الكلمة الآن ارتباطا وثيقا بالصورة(8).

 

"بيتشاي" أكّد خلال جلسة الاستماع أن الأمر لا يقف خلفه أشخاص، فكل نتائج البحث التي نراها هي آلية تقوم الخوارزميات بجلبها، لذا فإن الحل يتطلّب إدخال تعديلات على تلك الخوارزميات، الأمر الذي لا يُمكن أن يتم بين ليلة وضحاها. وهو شيء بالمناسبة قامت به الشركة في عام 2007 بعد أشهر طويلة من التعديلات والاختبارات(9)، إلا أن تلك الجهود لم تفي بالغرض، وتمكّن المُخترقون مرّة جديدة من التلاعب بالخوارزميات لأن آلية عملها متوفّرة بالتفصيل المُمل، وهذا لمُساعدة أصحاب المواقع والتطبيقات على تحسين ظهورهم ضمن نتائج البحث، إلا أن سوء استخدام تلك التعليمات موجود، ونتج عنه ربط خاطئ بين الشخص والصورة أولا، وانتشار الأخبار الكاذبة ثانيا، المُشكلة التي تسعى غوغل، رفقة فيسبوك وبقيّة الشركات التقنية، إلى حلّها بأكثر من طريقة.

 


جلس "مارك زوكربيرغ"، المؤسّس والرئيس التنفيذي لشبكة فيسبوك، متبوعا بـ "جاك دورسي"، أحد مؤسّسي تويتر ورئيسها التنفيذي، نفس جلسة "بيتشاي" وطُرحت عليهم نفس الأسئلة التي طالبتهم بتحديد فترة زمنية للحصول على نتائج بحث حياديّة بدون انحياز، الأمر الذي شدّد الثلاثة على أهمّيته وعلى عملهم الدؤوب لتحقيقه، مع الاعتراف بصعوبته أيضا، وهو ما يفتح المجال أمام استمرار خروج صورة ترامب عند البحث عن كلمات تدل على الحماقة.

المصدر : الجزيرة