شعار قسم ميدان

”بيم بانلز“.. كيف نتخلص من تزييف الأخبار عبر الفيديو؟

ميدان - صحافة تطبيق بيم
خلال الاحتفال بمرور 17 عاما على تأسيس شبكة الجزيرة نت، قالت الصحفية ميادة عبدو إن الشبكات الاجتماعية غيرت من شكل الصحافة الحديثة بشكل كبير على المستوى العالمي والعربي بكل تأكيد(1).

 

تلك التغييرات حصلت بشكل رئيسي في طريقة التعاطي مع الأخبار والوصول إليها، أما تكوين المادة الصحفية، فحافظ على نفس الأساس تقريبا. لكن وفي 2017، كان لشبكة "سي إن إن" رأي آخر بعدما قدّمت تطبيق "بيم بانلز" (Beme Panels) الذي يحاول بشكل أو بآخر رسم الصحافة المُستقبلية، الصحافة بصورتها الاجتماعية.

  

ما وراء الحدث

undefined

  

مع مرور الوقت، تغيرت الأدوات التي تُتيح لمُحرّري الأخبار التعاطي مع الأحداث الجارية، لكن الأساس واحد تقريبًا، حدث سياسي، رياضي، علمي، اقتصادي، أو حتى فنّي، ينجح في إثارة بلبلة في بقعة جغرافية ما، يكون اللبنة الأساسية للصحفي أو المُحرّر الذي يسعى بدوره لتقصّي الحقيقة والبحث عن أساس الحدث وعن كافة تفاصيله، قبل قولبته فيما بعد ليُصبح مُناسبا للتعاطي معه بشكل نصّي، أو مرئي، أو مسموع، قبل تقديمه للطرف الآخر، المُتلقي.

 

تطورت وسائل تقديم الأخبار أيضا إلى جانب تطور الأدوات، فمن الصحف الورقية المطبوعة إلى موجات المذياع (الراديو)، وصولًا إلى عدسات الكاميرات التي أنتجت مواد ظهرت على شاشات القنوات التلفزيونية التي تحوّلت فيما بعد إلى منصّات على شبكات الإنترنت تسمح للمُتابع باختيار الوقت المناسب للوصول إلى الخبر مُزيلة بذلك الكثير من العوائق.

 

وبالعودة إلى تأثير الشبكات الاجتماعية، فهي سهلت، من جهة، من وصول الصحفي للأحداث التي تجري على مستوى العالم، ومن تعاطي المُتلقي مع الخبر من جهة أُخرى، فرأيه تحول من مُجرد نقاشات في المجالس العامة في زمن الصحف الورقية والمذياع والتلفاز، إلى رأي مكتوب موثق في يوتيوب أو فيسبوك على سبيل المثال لا الحصر، وبهذا الشكل يُمكن رصد تأثير الخبر وأهميته بشكل حي وشبه آني. كما لا يجب تجاهل الوسوم في شبكات اجتماعية مثل تويتر التي أضحت الوسيلة الأولى التي تربط بين الصحفي والمُتلقي، فأي شخص بإمكانه طرح الأسئلة أو المُداخلات من خلال وسم يُحدده مُقدم البرنامج أو الفقرة، وهذا جسر يُقلل من حجم الفجوة ما بين الصحافة التقليدية والشبكات الاجتماعية، ويُنشئ الصحافة الاجتماعية إن جاز التعبير.

 

  

يُمكن اعتبار ما سبق وسيلة لعبور الجمهور إلى البرامج المُختلفة التي تُنتجها الشبكات الإعلامية على اختلاف أنواعها، وذلك عبر الشبكات الاجتماعية. لكن تساؤلات مثل مصداقية تلك التغريدات التي تُعرض أو الحسابات التي تُستخدم في فيسبوك لإجراء مُداخلات دائما ما تكون حاضرة، وهذا شيء حصل سابقا في تجربة اجتماعية في زمن المُنتديات، فالحسابات هناك غالبا ما تكون بأسماء مستعارة لا تُعرف هوية صاحبها إلا فيما ندر، الأمر الذي جاءت الشبكات الاجتماعية لإلغائه بشكل كبير، فسمعة الحساب ومصداقيته تبدو ظاهرة من عدد الأصدقاء وأنواع حساباتهم، ومن المحتوى ذاته والتفاعل معه، ليُصبح حساب المستخدم على شبكة الإنترنت ذا مصداقية أعلى مع مرور الوقت، ولعل توجه الحكومة الصينية لقبول حساب المستخدم في تطبيق "وي تشات" (WeChat) كبديل عن الهوية الشخصية خير مثال على التحول الرقمي الذي تشهده الهوية الرقمية الآن(2).

 

وبالعودة إلى المجال الصحفي، فإن الفيديو هو الحل الأمثل لأكثر من سبب، أهمها؛ توثيق رأي الشخص ذاته، فهو ليس مُجرد تغريدة قد يتم تحريرها باستخدام برنامج "فوتوشوب" لتبدو حقيقية. كما أن وجود استغلال للوسم من قبل بعض مُدّعي التسويق الحديث أمر لا وجود له، خصوصا أن مثل تلك المُمارسات قد تؤدي إلى ضياع تغريدة أو مشاركة المستخدم في ظل وجود ملايين المُشاركين على الشبكة الاجتماعية.

 

 

"سي إن إن" والصحافة الاجتماعية

لا يُمكن تجاهل الأثر الكبير الذي تركته وكالة بحجم "سي إن إن" (CNN) العالمية التي دائما ما تحرص على مواكبة التطوّرات الحاصلة على الصعيد التقني لتقديم محتوى يستهدف مُستخدمي الشبكات الاجتماعية المُختلفة بما يتناسب مع فئاتهم العمرية من جهة، ومع موقعهم الجغرافي من جهة أُخرى. وهذا شيء يُمكن رصده في حساباتهم المُختلفة على سناب شات، تويتر، فيسبوك، أو حتى إنستغرام. وفي عام 2017، استثمرت الشبكة في المجهول بعد الاستحواذ على شركة "بيم" (Beme) المُتخصّصة في مجال تطوير التطبيقات(3).

 

 

بدأت "بيم" كتطبيق للأجهزة الذكية لمشاركة مقاطع الفيديو دون تعديل أبدا، فالمستخدم يقوم برفع الجهاز وتقريبه من جسده، لتغطية مُستشعر الضوء، لتبدأ عملية التصوير. وما أن يتم إبعاد الجهاز عن الجسد حتى يقوم التطبيق برفع المقطع إلى حساب المستخدم ليظهر فورا لجميع المُتابعين، في محاولة لنقل واقع المستخدم دون إضافات لونية أو تأثيرات حركية كتلك التي توفرها تطبيقات على غرار سناب شات وإنستغرام. وعلى الرغم من فشل التطبيق، إلا أن شبكة "سي إن إن" وجدت في فريق عمله قطعة هامة يُمكن الاستفادة منها في المجال الصحفي، فالفريق مؤلّف من خبراء في إنتاج المحتوى المرئي والشبكات الاجتماعية من جهة، وخُبراء في تطوير التطبيقات من جهة أُخرى، لتكون المُحصّلة صفقة وصلت قيمتها إلى 25 مليون دولار أمريكي.

 

العنوان الأبرز لتلك الصفقة هو المجازفة وحب الاستكشاف فقط لا غير، فلا فريق عمل التطبيق يعلم ما هي النتيجة النهائية التي يرغب بالوصول إليها، ولا حتى شبكة "سي إن إن" لديها خارطة طريق ترسم خطوات الفريق(4). لكن وبعد أشهر من التجارب، خرج تطبيق "بيم بانلز" للنور، مع قناة للتطبيق على يوتيوب(5).

 

يقوم فريق عمل التطبيق بطرح سؤال حول قضية أو حدث أثار ضجّة في الآونة الأخيرة، وهو سؤال يُطرح بالفيديو من قبل المُحرر. بعدها يُمكن لأي شخص يمتلك حسابا أن يقوم بالإجابة على ذلك السؤال عن طريق فيديو يظهر للجميع. كما يُمكنه تقييم الإجابات المتروكة دون الحاجة لطرح رأيه. في تلك الأثناء، يخرج فريق التحرير في مهمّتهم الصحفية الأساسية من خلال تقصي حقيقة الخبر على أرض الواقع، ومحاولة جمع الحقائق وتوثيق ذلك بالفيديو، لتكون النتيجة النهائية تقريرا إخباريا حول قضيّة ما من إعداد الفريق والمُتابعين في نفس الوقت، فالإجابات المتروكة على التطبيق يتم الاطلاع عليها واختيار المُميّز منها لعرضه في التقرير الذي يُنشر حاليا على قناة التطبيق في يوتيوب، والذي قد يجد طريقه فيما بعد لقنوات الشبكة التلفزيونية.

 

 

ومن هنا، فإن التجربة الاجتماعية للصحافة بدأت بالتبلور، والأبرز هنا أن الفيديو هو العنصر الأساسي في هذه التجربة، الأمر الذي يُمكن اعتباره أبرز وسيلة لتوثيق الحاضر وتجنب بعض التلفيقات، وأي مستخدم داخل التطبيق بإمكانه التبليغ عن الإجابات التي تُخالف شروط الاستخدام، ويُمكن لأي شخص أن يفقد مصداقيته لتُصبح إجاباته دون قيمة أبدا، وربما قد يُحظر حسابه أو يُمنع من المُشاركة على اعتبار أن كل شيء يمر عبر فريق تحرير التطبيق أولا وأخيرا، وبهذا الشكل يتم القضاء على المشاركات التي تهدف للإعلان، الإزعاج، أو الخروج عن النص بعيدا عن محتوى السؤال. بعبارة أُخرى، يُنظّم "بيم بانلز" محتوى الفيديو المُتعلق بالأحداث الحالية لإتاحة الفرصة أمام شريحة أكبر من الجمهور للتعبير عن آرائهم بشكل مسموع يظهر في تقارير احترافية.

 

بشكل عام، فإن التجربة الاجتماعية أصبحت تطغى بشكل كبير في شتى مجالات الحياة. ومن هنا، فإن الصحافة ليست باستثناء، والطريق الذي يرسمه تطبيق "بيم بانلز" يبدو واعدا بالنظر إلى الفكرة والتطبيق، فلكل مؤسسة إعلامية جمهور يُتابعها ويُفضلها عن غيرها، والتفاعل مع ذلك الجمهور وإتاحة الفرصة أمامه للتعبير عن رأيه بأدوات العصر خير وسيلة، خصوصا إذا جرى هذا الأمر في مجتمع افتراضي خاص بتلك المؤسسة.

 

وبعيدًا عن "بيم بانلز" وتحديدا على المستوى العربي، يجب أن يُصبح الفيديو الوسيلة الرئيسية لتوثيق الأخبار العاجلة على الأقل عند نشرها على الشبكات الاجتماعية، خصوصا تلك التي تكون على مستوى الدولة أو الحكومة، وهذا لتجنب الأخبار الكاذبة التي يروج لها مخترقو حسابات الشبكات الاجتماعية للشخصيات الهامة أو للشبكات الإعلامية الكبيرة، والتي ينتظرها الذباب الإلكتروني، والصيادون في الماء العكر، لأخذها في منحى آخر والسير بها في جميع الاتجاهات.

 

باختصار، تشهد الشبكات الاجتماعية فوضى كبيرة جدا بسبب كثرة عدد المستخدمين فقط لا غير، كما أن الفيديو هو الوسيلة الأبرز في الوقت الراهن لصناعة المحتوى. وانطلاقا من هذا، لا بد من تحليل الوقائع وتقديم مُنتج للخروج من الفوضى الاجتماعية التي يختلط فيها أحيانا الحابل بالنابل.

المصدر : الجزيرة