هل يمكن السيطرة على النظام التقني للبتكوين؟
ظهرت هذه التقنية في 2008 كنظام لدعم العملة الرقمية "بتكوين" (Bitcoin) التي ابتُكرت ويتم استعمالها رقميًا دون سُلطة مركزية. الـ "بلوك تشين" هي سجل رقمي آمن لأي نوع من البيانات. تسهل هذه التقنية الاحتفاظ بالسجلات وتقلل من تكلفة التحويلات. لهذه التقنية طيف واسع من التطبيقات في مجالات التجارة والمال وليس بعيداً عن السياسة، ويزداد هذا الطيف اتساعًا وقد أشعل شرارة نقاش جديد حول كيفية تنظيم عمل هذه الأداة.
لدى بلوك تشين إمكانية تنظيم التحويلات عن طريق إدخال مقطع صغير من الأكواد البرمجية إلى بلوك تشين. يدعى هذا الجزء من الكود باسم "العقد الذكي" حيث يتم -بمجرد تحقق شروط معينة- تنفيذه تلقائيًا. أحد الأمثلة المبتكرة على العقود الذكية هو أنظمة "إدارة الحقوق الرقمية" "دي آر إم" (DRM) الموجهة للشركات والتي تحد من استخدام الملفات الرقمية. عندما يكون لديك نظام "دي آر إم" في كتابك الإلكتروني؛ سوف يحد هذا من إمكانية نسخ أو تعديل أو طباعة محتوى هذا الكتاب.
مع تقنية بلوك تشين أصبحت العقود الذكية أكثر تعقيدًا وأكثر أمانًا ربما. نظريًا سيتم تنفيذها دائمًا كما هو مخطط باعتبار أن لا أحد يحظى بسلطة تعديل الكود البرمجي الذي يقيد عملية تحويل معينة.
عمليًا على الجانب الآخر؛ فإن إقصاء السماسرة الموثوقين من عملية التحويل قد يخلق بعض المشاكل. أصاب خلل أحد العقود الذكية العالية ورفيعة المستوى لشركة "داو" DAO. منظمة لا مركزية مستقلة تعمل كصندوق لتمويل المشاريع الاستثمارية. بعد تأسيسها في (أبريل/نيسان) من العام 2016 تمكنت "داو" بسرعة من جمع 150 مليون دولار عبر التمويل الشعبي. بعد ثلاثة أسابيع تمكن أحدهم من استغلال ثغرة في كود "داو" وسحب ما يقرب من 50 مليون دولار من العملة الرقمية من الصندوق.
أصل المشكلة لم يكن في تقنية بلوك تشين إنما في كود العقد الذكي المستخدم في إدارة "داو"، حيث طُرِح سؤال عن مشروعية هذا الفعل عندما جادل بعض الأشخاص بأن عملية الاختراق كانت قانونية تمامًا بما أن الكود الذكي سمح بها. في النهاية في العالم السيبراني "الكود هو القانون". أنا في النقاش حول قضية "داو"، فقد طُرح هذا السؤال المحوري: هل الغلبة لمقصود الكود أم نصّه؟
بيتر سميث؛ الرئيس التنفيذي لـ"بلوك تشين" |
كيف يمكننا أن نحل الخلافات التي تطرأ نتيجة للعقود الذكية ذاتية التنفيذ؟ كيف نحدد نوع الشروط التعاقدية التي يمكن ترجمتها إلى كود، وأي منها يجب تركه للغة الطبيعية؟ وهل هناك طريقة لجمع الاثنين معًا؟ ليس من المعلوم -بعدُ- إن كان الكود البرمجي قادرا على الوصول إلى مستوى التعقيد اللازم ليحل محل اللغة القانونية. في النهاية فإن الغموض الذي يعتري اللغة القانونية يعد ميزة وليس عيبًا. يمنح هذا الغموض القدرة على معالجة القضايا غير المتوقعة التي يجب التعامل معها على المستوى الفردي في قاعة المحكمة.
العقود التقليدية تعترف بعدم قدرة أي قانون على إدراك تعقيد الحياة كما هي؛ ما بالك بتوقع تطوراتها المستقبلية. كما تقوم -أيضًا- بتحديد دقيق للشروط التي يتم فرضها عبر القانون. العقود الذكية -على العكس من ذلك- هي أجزاء برمجية صغيرة يتم تعريفها وفرضها عبر الكود البرمجي الكامن في البنية التحتية لـ بلوك تشين. حاليًا ليس لها أي تعريف قانوني؛ مما يعني أنه في حالة حدوث أي خطأ في العقود الذكية فإن الأطراف المشاركة لا يمكنها اللجوء لأي مظلة قانونية. تعلم مؤسسو "داو" هذا الدرس القاسي العام الماضي.
من جهة أخرى فإن التطورات التكنولوجية تكون مدفوعة غالبًا بـفكرة التغيير وتحقيق الربح. هناك توتر لازم هنا. تقوم القوانين بتأخير التطور التكنولوجي؛ وبالتالي تضر بالميزة التنافسية للشركة المبتكرة أو حتى الدولة.
خذ -على سبيل المثال- قضية تنظيم النانو تكنولوجيا في الاتحاد الأوروبي في مقابل الولايات المتحدة. يصر القانون الأوروبي على الحد من المخاطر إلى الدرجة التي تقيد إمكانات تطور التكنولوجيا وهو ما يُفقدها قدرتها التنافسية في مواجهة الولايات المتحدة.
الأمر الآخر الذي يخص القانون هو أنه بطيء وارتكاسي، بإمكانه أن يشكل إزعاجًا متزايدًا؛ لكن منذ بدأ التقدم التكنولوجي متسارعا -بوتيرة متزايدة- في العقد الأخير لعب القانون دورًا حاسمًا في تمكين المجتمعات من الحفاظ على معايير مسبقة متفق عليها للتعايش المشترك. قد يبدو نظامنا القانوني -أحيانًا- عاجزًا عن مجاراة عالم يتحرك بسرعة؛ لكن قبل تغيير قوانين للتعامل مع تكنولوجيا جديدة قد تعيد تعريف حياتنا من المهم أن نترك مساحة للنقاش ووقتاً للتدافع الاجتماعي.
يخدم القانون هذا التدافع الخلاق وبإمكانه أن يستعيد الفاعلية الإنسانية في مواجهة التطور التكنولوجي الشرس. نظرًا لكل هذه الإثارة المحيطة بتكنولوجيا بلوك تشين من المحتمل أن تقوم الأطراف المهتمة بالسعي لإيجاد اعتراف قانوني ورعاية من الدولة لتنفيذ العقود الذكية. هذه التكنولوجيا البازغة ما زالت جديدة لإخضاعها لتحليل كافٍ عن آثارها السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ما زلنا بحاجة لمزيد من الوقت -أيضًا- لمعرفة كيفية نشر بلوك تشين بطريقة مفيدة اجتماعيًا.
يبدو أن تكنولوجيا بلوك تشين تعد نفسها لتكون مركبًا مهمًا في مجتمع الغد. ربما يكون النظام القانوني -ببطئه المعهود- هو ما نحتاجه تحديدًا في هذه المرحلة للتأكد من أن هذه الأداة الجديدة تستخدم بطريقة متسقة مع القيم والمبادئ المؤسسة ومع الخير العام في جوهره.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا المقال مترجم عن: الرابط التالي