الطباعة ثلاثية الأبعاد.. هل نشهد ثورة في المجال الطبي؟
يستعرض التقرير ملامح الثورة في الأجهزة الطبية التي أحدثتها تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، وقد نُشر هذا التقريرعلى موقع (the conversation) للكاتب إيفار منديز من قسم الجراحة في جامعة ساسكاتشوان.
يتلقى مركز المراقبة على الأرض اتصالًا عاجلًا من المريخ مفاده أن قصبة الساق الخاصة بأحد رواد الفضاء قد كُسرت. وبواسطة جهاز المسح الضوئي المحمول، استطاع الطاقم التقاط صور من قصبة الساق المتضررة وإرسالها إلى الأرض. ومن ثم يستخدم جراحو العظام طابعة ثلاثية الأبعاد لإنشاء نسخة طبق الأصل من ساق رائد الفضاء من خلال الأشعة التي أُجريت له قبل الرحلة.
يستخدم الجراحون على الأرض روبوتًا لضمان استقرار العظم وبمساعدة صفيحة معدنية موضوعة على النسخة ثلاثية الأبعاد طبق الأصل من الجزء التالف. تُرسل البيانات مرة أخرى للمريخ حيث تتواجد الأدوات الجراحية مثل المسامير الطبية المطبوعة بالتقنية ثلاثية الأبعاد. وأخيرا، يُجري الروبوت الجراحي العملية لرائد الفضاء المصاب.
كوني جراح أعصاب وباحث في علم الروبوتات ذات التواجد النائي، هذه هي رؤيتي للمستقبل. كما أنني أيضًا عضو في فريق خبراء معني بأدوار الرعاية الصحية والطبية لرحلات الفضاء البشرية في الفضاء السحيق والتابعة لوكالة الفضاء الكندية. وعلى الرغم من أن الطباعة بالتقنية ثلاثية الأبعاد في الفضاء ما زالت في مرحلة مبكرة، فإن ثورًة في عالم الطباعة ثلاثية الأبعاد تدق الأبواب، وسيكون لهذه الثورة أثرًا هائلًا على مستقبل الرعاية الصحية.
وبفضل التطورات في بناء تطبيقات الحاسب والقدرة على تحويل مُختلف أنواع التصوير الطبي (الأشعة) -مثل الأشعة السينية أو الأشعة المقطعية أو الرنين المغناطيسي أو الموجات فوق الصوتية- إلى نماذج رقمية يمكن قراءتها بواسطة الطابعات ثلاثية الأبعاد، اتسعت تطبيقات الطابعات ثلاثية الأبعاد في مجال الرعاية الصحية. تفتح الطباعة ثلاثية الأبعاد أفقًا واسعًا أمام العديد من الاحتمالات المذهلة مثل الطباعة الحيوية للأنسجة الحية بمساعدة الحبر البيولوجي.
إحدى مميزات الطباعة ثلاثية الأبعاد أنها تسمح بإحداث نوع معين من التخصيص في الرعاية الصحية -مثل الأطراف الاصطناعية والعقاقير الدوائية والأعضاء المصنّعة بحسب الطلب. قد تخفّض هذه التكنولوجيا التكاليف من خلال التداخل في عمل سلاسل الإمداد والتوريد وخفض تكاليف إنتاج الأجهزة الطبية والأدوات الجراحية وبعض المنتجات الأخرى الخاصة بالرعاية الصحية.
قُبيل الطباعة ثلاثية الأبعاد، كان تصنيع أداة المساعدة السمعية يستغرق أسبوعا، أما الآن فإن الأمر لا يستغرق سوى بضع ساعات. في عام 2016، صدقّت وكالة إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) على استخدام أطقم الأسنان الاصطناعية المطبوعة بالتقنية ثلاثية الأبعاد، الأمر الذي مهد الطريق أمام أطباء الأسنان لإدخال مختبرات التصنيع التي تستخدم تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد إلى أماكن عملهم. لم تعد مسألة إنتاج أسنان اصطناعية أو تقويم للأسنان أو أطقم أسنان قابلة للإزالة بكبسة زر في عيادة أطباء الأسنان بعيدة عن الواقع.
إن للألغام الأرضية الموجودة في مناطق الصراع في أفريقيا وآسيا آثارًا مدمرة على السكان الذين يعيشون في تلك المناطق، وقد استفاد أولئك الضحايا ذوي الأعضاء المبتورة من الأطراف الاصطناعية الرخيصة المطبوعة بالتقنية ثلاثية الأبعاد، والتي تصّنع خصيصًا للضحية وتستغرق طباعتها يوما واحدا. وكان لشبكات المتطوعين مثل (e-NABLE) و(NotImpossible) دورًا إيجابيًا في تصميم وتوفير أطراف اصطناعية مطبوعة بالتقنية ثلاثية الأبعاد بأسعار معقولة. وخلال عام 2017 فقط، صُنّع حوالي 300 طرف اصطناعي، استفاد منها بشكل مباشر ضحايا الحرب وذوي الاحتياجات الخاصة من الفقراء.
استخدم الجراحون نماذج مماثلة مطبوعة بالتقنية ثلاثية الأبعاد للتخطيط لعمليات جراحية معقدة تتراوح بين الجراحة الكاملة لزراعة وجه وجراحة العمود الفقري. كما بدأت الأجهزة القابلة للزرع بواسطة التدخل الجراحي، والتي صدّقت عليها إدارة الأغذية والعقاقير مؤخرًا، ونسيج عظام التيتانيوم المزدرع المغطى بالمنشطات الحيوية والمطبوع بالتقنية ثلاثية الأبعاد والتي تعزز نمو العظام، في الوصول لعيادات الأطباء.
وقد تسهم كذلك في زيادة احتمالية إنتاج عقاقير خاصة لأشخاص بعينهم، وهو أمر من شأنه تحسين فعالية الدواء وتقليل آثاره الجانبية، من خلال استخدام وصفات رقمية فورية، وما يتبع ذلك من إحداث تغيير جذري في صناعة الدواء. وتُعد الطباعة الحيوية للأنسجة الحية واحدة من أهم التطورات التكنولوجية الواعدة في مجال الطباعة ثلاثية الأبعاد. وقد قُطعت أشواطا هائلة في مجال تصنيع بنيات الأنسجة والتي قد تُستخدم في نهاية المطاف في جراحات زرع الأعضاء.
أصبح التصنيع السريري للهياكل المُعقدة النشطة بيولوجيًا مثل العضلة الهيكلية الوظيفية أو أنسجة الكبد مسألة واعدة للغاية. سيكون لعملية التسويق التجاري للبنيات الوظيفية للكبد والكُلى أثرًا هائلًا على البحوث الطبية واكتشاف العقاقير وعلم السموم. ويمكن لهذا الأمر أن يقلل من الحاجة لاستخدام النماذج الحيوانية التجريبية. وعلى الرغم من أن إجراء جراحة على المريخ بواسطة تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد ما زال أمرًا مبكرًا للغاية، إلا أن التقدم الذي تُحرزه تلك التقنية على كوكبنا قد غيّر بالفعل وجه الرعاية الصحية.
________________________________________________
مترجم عن: ذا كونفرزيشن