"فيفا" أكثر ألعاب الفيديو مبيعا.. ادفع المال تصبح البطل

نتحدث هنا عن واحدة من أكثر ألعاب الفيديو شعبية في العالم، في عام 2021 باعت "فيفا" نحو 325 مليون نسخة، بينما اعتلت نسخة فيفا 22 صدارة مبيعات الأقراص في بريطانيا، بإيرادات تجاوزت 4 مليارات جنيه إسترليني، أي ما يربو على 5.4 مليارات دولار، أما نسخة العام الحالي 2023، فقد سجلت دخول 10 ملايين لاعب خلال الأسبوع الأول من طرحها.
سنويا، تحقق اللعبة إيرادات بالمليارات من مبيعات النسخ والأقراص، بالإضافة إلى نحو 1.2 مليار دولار يحققها طور "الألتميت تيم" (FUT: FIFA Ultimate Team)، وهو أحد الأطوار الجماهيرية في اللعبة، وفق بيانات عام 2020. ذلك ما دفع موسوعة غينيس للأرقام القياسية لإدراج اللعبة بوصفها أكثر لعبة فيديو رياضية مبيعا في العالم.
2023: العام الأخير للعبة فيفا
لعبة فيفا من تطوير شركة "EA Sports" (إلكترونيك آرتس) الأميركية، وقد صلت إلى الأسواق لأول مرة عام 1993، واستطاعت أن تظل ضمن قمة ألعاب الفيديو الرياضية الأكثر مبيعا وانتشارا طوال ثلاثة عقود، لكن هذا النجاح لن يكفل استمرارية اللعبة تحت العلامة التجارية نفسها (FIFA) بدءا من العام القادم.
عشاق اللعبة في أنحاء العالم يعرفون ذلك، إذ ستصدر اللعبة تحت اسم "إي إيه سبورتس إف سي" (EA Sports FC) في عام 2024، حيث إن الشراكة التي بدأت منذ ثلاثين سنة، ما بين "إلكترونيك آرتس" والاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، انتهت بحلول عام 2022، فيما وصلت المفاوضات بين الطرفين إلى طريق مسدود.
النسخة الأولى من فيفا عام 1993
تتعدد الأسباب وراء فض هذه الشراكة، ما بين رغبة الاتحاد الدولي لكرة القدم في مضاعفة مبلغ الـ150 مليون دولار التي يحصل عليها سنويا من الشركة، أو لرفضه أن تكون علامته التجارية حصرية على لعبة واحدة فقط، بما يحد من تطلعه إلى توقيع عقود أخرى مع مطوري ألعاب آخرين.
أضف إلى ذلك أن الاتحاد الدولي لكرة القدم يخطط إلى دخول مجال ألعاب الفيديو بنفسه، وإطلاق لعبة فيديو رياضية تحمل الاسم "فيفا" (FIFA) عام 2024، وهو ما عبَّر عنه رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم "جياني إنفانتينو" بقوله: "أؤكد لكم أن اللعبة الحقيقية الوحيدة التي تحمل اسم فيفا ستكون أفضل لعبة متاحة للاعبين وعشاق كرة القدم". اسم فيفا -الذي اقترح أن تستعيده المنظمة من أجل لعبتها الخاصة- هو العنوان الأصلي الوحيد العالمي، وسيظل دائما الأفضل.

أما على أرض الواقع، وبخلاف أمنيات "إنفانتينو"، فإن هيمنة "إلكترونيك آرتس" على الأسواق تبدو صعبة المناطحة، ولدى الشركة ما يقرب من 300 اتفاقية ترخيص أخرى مع كيانات عملاقة، أبرزها الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (UEFA)، وكذلك العديد من الأندية في جميع دوريات العالم.
صحيح أن الاستغناء عن اسم "فيفا" ربما يعني فقدان بعض المزايا، لكنه لن يؤدي إلى تغيير كبير في سياسة الشركة، فيما يخص أسماء اللاعبين وأشكالهم، أو في استخدام أسماء البطولات والملاعب والدوريات الكبرى. "كل ما تحبه في ألعابنا سوف يظل جزءا من (EA SPORTS FC) ستكون هناك التجارب الرائعة والبطولات والأندية والرياضيين"، هكذا كان تعليق "EA Sports" على أنباء فض الشراكة مع الاتحاد الدولي لكرة القدم.
وعموما فإن جمهور اللعبة يدرك أن فض الشراكة ليس الضربة الأولى التي تتعرض لها "إلكترونيك آرتس" خلال السنوات الماضية، لقد عبرت الشركة الكثير من الأزمات على مدار ثلاثة عقود وصمدت بشكل مذهل، بداية من سنوات التنافس مع اللعبة العملاقة "بيس" (PES: Pro Evolution Soccer)، التي وصلت إلى الأسواق عام 1995 من قبل شركة "كونامي" اليابانية.
في الواقع، ظل التساؤل حول الأفضل بين اللعبتين معلقا خلال العقد الأول من القرن الحالي، ووراء كل لعبة عشاق متحمسون. ترسخت "بيس" في الأذهان بوجود لاعبين كبار، مثل البرازيليين رونالدو وروبرتو كارلوس، الأرجنتيني باتيستوتا، الإيطالي مالديني، الروماني هاجي، وغيرهم ممن استطاعت شركة "كونامي" الحصول على حقوق استخدام أسمائهم، بينما لم تتمكن لعبة "فيفا" من تقديم اللاعبين بالأسماء الواقعية في تلك الآونة.
ورغم أن من الصعب الحصول على بيانات دقيقة فيما يخص مبيعات اللعبتين في تلك الفترة، لكن بصورة تقريبية يمكن القول إن اللعبتين تناوبتا الصدارة بفروق طفيفة، حتى تغير الوضع فجأة وبشكل كبير عام 2009، عندما أطلقت لعبة "فيفا" طور "الألتميت تيم"، وبدءا من هذا التاريخ، استمرت الفجوة بين مبيعات اللعبتين في الاتساع لصالح "فيفا"، ثم أتى التخبط الواضح لشركة "كونامي" مع عام 2013، لينهي حقبة أشرس منافسة بين لعبتي فيديو في العالم.
الألتميت تيم

توجد داخل فيفا عدة أطوار لعب، مثل "الفولتا" (Volta)، وهو لعبة كرة قدم الشارع، كذلك "الكارير مود" (Career mode)، وهو طور بناء المهنة، حيث عليك أن تختار ما بين شخصية مدرب أو لاعب كرة قدم وترتقي به حتى يصبح الأفضل في العالم، أو طور "كيك أوف" (Kick off) للعب مباراة مع صديق. لكن يظل الطور الأكثر جماهيرية وإقبالا هو طور "الألتميت تيم" (FUT)، وهو طور لعب تفاعلي بين اللاعبين من أنحاء العالم، بهدف تكوين فريق قوي يستطيع خوض المنافسات داخل اللعبة، ويحقق هذا الطور أرباحا تفوق المليار دولار سنويا.
ورغم شعبية هذا الطور فإن الانتقادات دوما ما تناله، لدرجة أن دونوفان هانت، الشهير في أوساط فيفا باسم "تيكّز" (TEKKZ)، وهو أحد أبطال الألتميت تيم، صرح بأنه لا يجد متعة في اللعبة، وأنها مليئة بالعشوائية، وكل مباراة عبارة عن احتمالية 50:50، أي إن احتمالية الفوز والخسارة متساوية بغض النظر عن مستوى اللاعبين.
وليس الاستياء مقتصرا على دونوفان وحده، الكثير من جمهور اللعبة يرى أن وجود ‘إلكترونيك آرتس" بلا منافس حقيقي في عالم ألعاب فيديو كرة القدم جعل الشركة تتوحش وتفعل ما تريد بلا خوف من تبعات أفعالها، خاصة في طور "الألتميت تيم"، ووصل الأمر إلى أن يعلن البعض من عشّاق ألعاب فيديو كرة القدم أمنيته بأن يوجد على الساحة منافس يستطيع أن يجعل "EA" أقل جشعا، أو منافس يقدم لعبة جيدة تسمح بالانتقال إليها.
ادفع المال تصبح البطل
رغم شهرته، فإن المآخذ على طور "الألتميت تيم" عديدة، لكن أبرزها هو اضطرار اللاعب إلى دفع المزيد من النقود في سبيل تكوين فريق قوي. فبعد شراء نسخة اللعبة التي يتراوح سعرها ما بين 60-90 دولارا أميركيا، يدفع اللاعبون لشراء باقات من متجر اللعبة، على أمل أن تحتوي تلك الباقات على عناصر مميزة يمكن الاستفادة منها في تكوين الفريق، أي إن المبلغ الأولي المدفوع في نسخة اللعبة ما هو إلا بداية فقط.
والمشكلة أن هذه الباقات مرهونة بالحظ ولا يمكنك الاطلاع على محتواها، وبالتالي فهي أشبه بالمقامرة والمراهنات، وهو ما وضع الشركة منذ عامين أمام تيارات الاتهام، حيث اعترض الكثير من الأهالي على غرس فكرة المقامرة في عقول الأطفال، مثلما أوضح آخرون أن أطفالهم يختلسون بطاقات الائتمان الخاصة بالوالدين لشراء تلك الباقات من اللعبة، مطالبين بإزالة تلك الباقات أو إلغاء فكرة الدفع مقابل الحصول عليها.
يثير هذا الأمر تحديدا الكثير من الخلاف. فمن ناحية، قررت المحكمة العليا في هولندا أن شراء الحزم في لعبة "فيفا" لا يُمثِّل شكلا من أشكال المقامرة، في نقض لحكم صدر عن محكمة أدنى درجة في وقت سابق كانت قد أقرت أن تلك الباقات نوع من المقامرة، ويجب على الشركة إزالتها أو دفع نصف مليون يورو عن كل أسبوع لا تمتثل فيه للقرار. أما في بلجيكا، فقد قررت السلطات حظر نظام شراء الباقات، وبعد فترة من المماطلة امتثلت "EA"، كذلك أوصى تقرير للجنة الشؤون الرقمية والثقافية التابع للحكومة البريطانية بأنه يجب اعتبار الألعاب التي تضم صناديق المفاجآت قمارا، وبالتالي حظر بيعها إلى الأطفال تحديدا.
خلال تلك الحملة، قررت الشركة أن تهدأ وتغلق الأشرعة حتى مرور الرياح، وغيرت الباقات في نسخة فيفا 21 لتصبح قابلة للمعاينة ورؤية ما بها من عناصر قبل الإقدام على الشراء، ما يعني انتفاء صفة المقامرة، غير أن هذا لم يستمر طويلا، وبحلول نسخة 22 عاد الوضع تقريبا إلى ما كان عليه، وفي أحيان يحدث ذلك بصورة ماكرة، حيث توضع باقة مخفية داخل الباقة القابلة للمعاينة.
ولا تكتفي الشركة بوضع الباقات أمام اللاعبين في متجر الشراء فحسب، بل تقوم بالدعاية لها بشكل غير مباشر، عن طريق منح المشاهير باقات وحزما مميزة، واستعراض لحظات فتح تلك الباقات المميزة في مقاطع فيديو، بما يمنح المشاهد دوما الأمل في الحصول على حزم مماثلة عند الشراء. كذلك فإن العناصر المميزة لن تلعب بالجودة ذاتها طوال الموسم، ولكل عنصر -بشكل غير معلن- ما يمكن أن نطلق عليه فترة صلاحية، حيث تقوم الشركة فيما يبدو بخفض جودة هذا العنصر بعد فترة من الوقت، وهو ما يسميه لاعبو الفيفا "nerve"، ما يجعل شراء باقات جديدة أمرا ضروريا للصمود أمام المنافسين على مدار الموسم.
كل هذا ولم نتحدث بعد عن "سكريبت" (Script)، وهو مصطلح يدركه لاعبو "فيفا"، يشير إلى انخفاض فجائي في قدرات الفريق أمام الفريق المنافس أثناء المباراة وبلا مبرر، ما يجعل الخسارة واردة بغض النظر عن مدى احترافية أي لاعب وقوة فريقه. والمصطلح يشير إلى أن نتيجة المباراة محسومة لصالح أحد اللاعبين قبل بداية المباراة من الأصل، أي إن نتيجة المباراة مثل نوع من النصوص المكتوبة سلفا.
يتهم الكثيرون "فيفا" بالتدخل عن طريق "سكريبت" في مباريات في طور "الألتميت تيم"، بهدف إغواء المبتدئين أو متوسطي الأداء للاستمرار في اللعب عبر تحقيق المكاسب أمام المحترفين أحيانا، بينما تدغدغ اللعبة المشاعر بمقاطع فيديو فحواها "كن أنت البطل"، لأن المبتدئين والمتوسطين عادة ما يتجاهلون الدخول إلى هذا الطور لأنهم يعرفون أنهم سينهزمون في كل الأحوال أمام المحترفين هناك، الأمر الذي يشبه طاولة قمار تغوي المبتدئ بالاستمرار في اللعب.
رغم ذاك، فإن ما تقدمه اللعبة من متنفس للشباب والأطفال لا يمكن إغفاله، لذا، يأمل كثيرون من عشّاق اللعبة في أن تأتي نسخة العام المقبل بتطويرات أفضل تعوّض تخلّي اللعبة عن اسم "فيفا"، وأن تراجع الشركة سياساتها بمحض إرادتها، دون انتظار ظهور منافس يضطرها لفعل ذلك.