شعار قسم ميدان

بين إرث فينغر وطموح أرتيتا.. هل يفوز أرسنال بالبريميرليغ؟

قد يكون الربط بعيدا بعض الشيء، ولكن أرسنال الحالي يشبه ذلك الذي حلم به أرسين فينغر، لم يصل إلى تلك المجموعة الحالمة إلا بإرث فينغر، والاستثمار في تلك المبادئ التي أرساها الرجل كرويا وإداريا، التي ضمنت للفريق أن يصل إلى حقبة أرتيتا.

منذ آخر مرة تُوِّج فيها أرسنال بلقب البريميرليغ، وعلى مدار نحو 20 عاما، يُمثِّل مشهد الاقتراب من اللقب كابوسا لجماهير الفريق، لأنهم في كل مرة يقتربون من الحلم، تكون الاستفافة منه أشد ألما من ذي قبل، ليتحول مشهد الاقتراب من أي نجاح في المطلق إلى كارثة محتملة، تماما كما حدث بنهاية موسم 2022 بعد ضياع فرصة التأهل إلى دوري أبطال أوروبا. (1)(2)

ولكن هذه المرة تحديدا، تشعر أن الجزء الأكبر من جماهير أرسنال، ومن متابعي كرة القدم عموما، بدأوا يخرجون من ذلك السيناريو، مشجعو الفريق اللندني عادوا إلى الحلم مرة أخرى دون الخوف من مشهد الاستفاقة، ولم يعد ربط الغانرز بلقب البريميرليغ مثيرا للسخرية كما كان في السابق.

وبالطبع لم يتغير المشهد بين يوم وليلة، ولم يكن فقط اعتلاء أرسنال لصدارة الترتيب هو الدافع وراء ترشيح الفريق للقب، ولكن لأن المقدمات التي اعتاد النادي أن يقدمها تغيرت، كان من الطبيعي أن تتغير النتائج، في خيالنا على الأقل ونحن ننتظر ما سيُسفر عنه الواقع.

رهان على فكرة خاسرة

ميكيل أرتيتا (رويترز)

مع بداية الموسم الماضي، كان ميكيل أرتيتا أشجع رجل في العالم، بعد أن اضطر لمواجهة سيل النقد والسخرية الناتج عن بداية الموسم بثلاث هزائم، الجميع كان يتحدث عن أرسنال الذي لم يسجل أي هدف في شهر كامل، رغم أنه خاض 3 مباريات في البريميرليغ، وهو وضع لا يمكنك فيه الحديث عن أي تفاصيل، نظرا لأن الرغبة في السخرية ستنتصر داخلك حتما، خاصة إذا اعتدت التعامل الساخر مع كل ما يخص هذا النادي. (3)(4)

ولكن بعد تعديل المسار بانتصارين وبداية الإشادة بأرتيتا، خرج المدرب الإسباني ليتحدث بأشجع شيء من الممكن أن يقال، حين تكلم عن الفارق بين أرسنال بداية الموسم وأرسنال الحالي، ليفاجئ الجميع بأنه لا يوجد أي فارق على الإطلاق بين الفريق الخاسر لثلاث مباريات والفريق الفائز في مباراتين، فقط التوفيق حالف اللاعبين، بل إن الفريق قدَّم مردودا أفضل في بعض المباريات اللي خسرها، لكن النتيجة النهائية ظلمت الأفكار التي راهن عليها الرجل في بداية موسم جديد. (5)

واصل أرتيتا رهانه على الأفكار ذاتها، ومع التحسن التدريجي تصاعدت النتائج، وساعدت الحالة النفسية التي تولدها الانتصارات على استمرار النسق التصاعدي، لكن تفاصيل صغيرة أخرى حالت بين أرسنال وبين التأهل لدوري أبطال أوروبا في الجولات الأخيرة، حين خسروا البطاقة الأوروبية لصالح الجار اللدود توتنهام. (6)

كانت النهاية حزينة بالطبع، ولكن بدأ الموسم الجديد، ومعه استمرت صفقات أرسنال وطريقة إدارته ولعبه بالأفكار نفسها، فاستمرت الحالة النفسية للفريق في التحسن حتى تحول اللاعبون في عيون أنفسهم إلى أبطال، وبدأوا يحلمون بالنهاية السعيدة للقصة، ولأول مرة باتوا يرون النهاية السعيدة في خيالهم أكثر من مشهد الكابوس المعتاد، وأصبحت الأفكار نفسها التي سخر منها الجميع هي السبب في اقتراب الفريق من لقب تاريخي بعدها بأشهر فقط. (7)

داخل الأفكار

كانت تلك البداية المخيبة للآمال نقطة تحوُّل لوضع أساس أكثر صلابة. منذ ذلك الحين قام أرتيتا بالعديد من التجارب حتى توصل إلى تركيبة هجومية جديدة. على الورق، كان التشكيل الأكثر شيوعا لأرسنال الموسم الماضي هو 4-2-3-1، وكان متوسط معدل التمريرات في جميع المباريات يجيب عن سؤال شائك حول إعاقة ألكسندر لاكازيت الذي يُعَدُّ أقل لاعبي الفريق تمريرا واستلاما للتمريرات للشكل الهجومي الذي يرغب فيه أرتيتا، وكيف يجب أن يوفر لاعب مثل غابرييل غيسوس في مركز 9 تآزرا مركزيا أكبر في الموسم المقبل، ولهذا السبب تحديدا قدم غيسوس إلى ملعب الإمارات. (8)

سياسة أرتيتا بدأت تتضح أكثر مع تلاحق المباريات، حيث اتخذ المدافعون الأربعة مواقع مختلفة عمّا كان يحدث في البداية. ومع تقدُّم المدافعين أكثر في الثلث الأخير، كان المحور الثنائي في خط الوسط مائلا، حيث يميل تشاكا للجانب الأيسر من وسط الملعب أكثر مما يفعل توماس بارتي على الجانب الأيمن.

مع التجارب والتغيرات التي تحول فيها مركز بن وايت إلى الظهير الأيمن، وتعدلت الأدوار التي يقوم بها الجناح ساكا على هذا الرواق، وإصابة غابرييل جيسوس، اضطر أرتيتا للبحث عن بدائل للأفكار التي بدأ بها الموسم، وكانت المفاجأة أن الفريق يتحسن، وتثبت أقدامه أكثر، ويتحول من فيل فوق الشجرة ينتظر سقوطه إلى عصفور يغرد هناك منفردا. (9)

ووفقا لما ذكره أحمد وليد في مقال لـ"ذي أثلتيك"، كان أحد أهم أسباب قوة المنظومة رغم تساقط بعض أفرادها هو تحسن منظومة الضغط العكسي لدى أرسنال، من خلال نظام 3 إلى 2 في حالة حيازة الكرة، مع تحرك أولكسندر زينتشينكو من الطرف إلى العمق وتحديدا إلى جانب توماس بارتي، حتى يقدم المساندة في حالة قطع الكرة، بحيث يكون أقرب لها من لاعبي وسط ملعب الخصم لوأد التحولات قبل بدايتها. (10)

هذا النمط تكرر في مباريات أرسنال الأخيرة من عام 2022 والأولى في العام 2023، واتضح أن الأفكار المتعلقة بهذا الجانب تتطور مع مرور الوقت لدى أرتيتا، حيث إن منظومة الضغط التي يتبناها الفريق كانت سببا في بعض التعديلات على مستوى الأسماء والأدوار والمراكز، وإيجاد استخدامات أخرى للاعبين من قِبَل مدرب لا يتوقف عن التجربة والمحاولة والتعلم.

خيال أوديجارد

لم يظهر مارتن أوديجارد في هذا الموسم مجرد لاعب داخل منظومة أرسنال، بل تشعر وكأنه المحرك للجميع، يمتلك أفكارا أحيانا لا يستطيع زملاؤه مجاراتها، والسر في ذلك أنه يفهم اللعبة بشكل غير عادي، تماما كما ظهر على ملامحه حين كان حديث أوروبا والعالم في 2015، وقت أن كان يبلغ من العمر 15 عاما فقط.

أوديجارد أصبح قائد الفريق بعد أشهر من انضمامه، اختيار كذلك يوضح شعبيته في غرف الملابس، والثقة التي منحها له المدرب أرتيتا، الرجل الذي رأى تلك التفاصيل التي لم يرها أحد في موهبة اللاعب النرويجي فنجح في ديسمبر/كانون الأول 2022 في أن يقف بجانبه، ليحصدا معا جائزتَيْ أفضل لاعب وأفضل مدرب في البريميرليغ. (11)(12)

مقدار الخيال الذي يمتلكه الساحر النرويجي، وقدرته على خلق سياقات جديدة للعب بمجرد لمسه للكرة تجعله محرك الخط الأمامي لأرسنال، هو يراوغ ولكن ليس بالشكل المعتاد أن يحدث من اللاعبين المهرة، يراوغ في خياله أولا لتصبح لمسته الأولى استثنائية، يراوغ بجسده وخياله وعقله والكرة.

كان أرتيتا محظوظا بوجود ساحر كـ "أوديجارد"، وكان النجم النرويجي محظوظا أيضا بالعمل داخل منظومة أرسنال في وجود المدرب الإسباني. (رويترز)

أرسنال في كرة القدم هو موطن لا محدودية الخيال، لذلك كان من البديهي أن يتحول أوديجارد إلى القطعة المحركة للخيال، بلمسته الأولى التي تخلق سياقات جديدة للعب، وبقدرته الفائقة على اختيار الأماكن التي يتحرك فيها ليستلم الكرة، ثم يبدأ بعدها في خلق أفق جديد لفريقه في أي مرحلة من مراحل البناء الهجومي، يطوع ذلك داخل المنظومة، دون أن ينسى قدراته على الارتجال الفردي. في خياله، يستطيع أوديجارد أن يسبق مَن حوله في الزمن بثانية أو ثانيتين. (13)

كان أرتيتا محظوظا بوجود ساحر كأوديجارد، وكان النجم النرويجي محظوظا أيضا بالعمل داخل منظومة أرسنال في وجود المدرب الإسباني، الرجل الذي عرف كيف يقدمه للعالم، بعد سنوات مع ريال مدريد ظن الجميع أنها ستنهي رحلة صعوده، وسيتحول إلى اسم من مئات الأسماء التي ملأت الدنيا ضجيجا في مراهقتها ثم اختفت بلا رجعة.

إرث فينغر

أرسين فينغر يبقى ملهما للكل، وسابقا للجميع بخطوة، يبقى أول مَن فتش عن الجواهر في أفريقيا، وأول مَن أدخل السحر الكروي للإنجليز قبل أن يعرف العباقرة المجددون طريق البريميرليغ. (غيتي)

ربما يكون الربط بعيدا بعض الشيء، ولكن أرسنال الحالي يشبه ذلك الذي حلم به أرسين فينغر، لم يصل الفريق إلى تلك المجموعة الحالمة إلا بإرث فينغر، والاستثمار في تلك المبادئ التي أرساها الرجل كرويا وإداريا، التي ضمنت للفريق أن يصل إلى حقبة أرتيتا الذي نراهن أنه لن يتردد لحظة في تأكيد ما نقوله في هذا السياق.

أرسنال كان من الممكن أن يتحول إلى فريق براغماتي، ولكن هوية أرسنال التي فتن بها العالم قبل نحو ربع قرن هي ذاتها التي قادته نحو المنافسة على لقب البريميرليغ، وبالمتعة نفسها التي قدمت جيل الدوري الذهبي للعالم وجلبت له ملايين المشجعين، في تأكيد جديد لكون الهوية والفلسفة هما الإرث الكروي والقيمة العابرة للزمن مهما بدا عكس ذلك في البداية.

(رويترز)

كثيرون نجحوا في صناعة هوية وواجهوا بها عالم كرة القدم الكلاسيكي الرافض للتطور، ولكن أرسين فينغر يبقى ملهما للكل، وسابقا للجميع بخطوة، يبقى أول مَن فتش عن الجواهر في أفريقيا، وأول مَن أدخل السحر الكروي للإنجليز قبل أن يعرف العباقرة المجددون طريق البريميرليغ، يبقى الرجل الذي ذهب إلى اليابان وترك أوروبا بعد تتويجه بلقب الدوري الفرنسي بهدف تعلم قيم إنسانية لا أكثر، يبقى رمزا للجمال في عالم الحداثة، والمعاني الإنسانية في لعبة تتلوث بقيم دنيئة يوما بعد الآخر، يبقى فينغر بعبقريته وتواضعه وإنسانيته رجلا لا يشبه الآخرين.

مشهد الأب الروحي وهو يستمتع بما أرسى قواعده قبل سنوات محبب لكل عشاق اللعبة القدامى، ورؤيته يبتسم أمام حصاد الهوية والقيم التي ترك بذرتها ورحل بعد رحلة عظيمة بكل المقاييس رغم قسوة نهايتها وسخافة فصولها الأخيرة هو انتصار لرجل تحمَّل سخرية لا تنتهي دون أن يرد. ربما تكون الحياة منصفة حين تمنحه مشهد نهاية سينمائيا وحالما، ليكون العنوان؛ أرسنال يتوج بالبريميرليغ في حضور أرسين فينغر، ويحصد الرجل الذي لا يشبه الآخرين تلك النهاية التي استحقها.

________________________________________

المصادر

  1. سجل ألقاب أرسنال تاريخيا 
  2. أرسنال يفشل في التأهل لدوري أبطال أوروبا بنهاية موسم 2022 
  3. تصريحات أرتيتا بعد الخسارة في 3 مباريات متتالية في بداية موسم 2022
  4. المصدر السابق
  5. أرتيتا يتحدث عن الخسارة أمام توتنهام 
  6. أرتيتا يتحدث عن التأهل لدوري أبطال أوروبا قبل خسارة البطاقة الأوروبية لصالح توتنهام موسم 2022 
  7. تحسن أرسنال: إلى أي مدى هم جيدون؟ – ذا أثلتيك 
  8. جيسوس في أرسنال.. كيف يهدد صانع الفوضى صلاح وهالاند؟ – ميدان
  9. المصدر السابق
  10. كيف يعد الضغط العكسي مفتاح أرسنال نحو لقب البريميرليج؟ – ذا أثلتيك 
  11. أرسنال يختار مارتن أوديجارد قائدا له 
  12. أرتيتا وأوديجارد مدرب ولاعب الشهر في البريميرليج – ديسمبر 2022 
  13. لماذا يبدو أوديجارد مهما لأرسنال؟ 
المصدر : الجزيرة