شعار قسم ميدان

ناقد أم محلل أم مشجع.. من يجلس في استوديوهات مباريات كرة القدم؟

تجميعة ل3 محللين جيمي كاراغر غاري نيفيل روي كين

بعد مرور 5 جولات من موسم 2022-2023 من الدوري الإنجليزي الممتاز، كان أستون فيلا قد اكتفى بجمع 3 نقاط فقط، واضعا مستقبل مدربه "ستيفن جيرارد" على المحك. ورغم سوء الأداء والنتائج، فإن "جيمي كاراغر" كان لديه ما يكفي من الجرأة ليُعلِّق على وضع زميله السابق في ليفربول عبر مقالة بصحيفة "تليغراف" بعنوان: "تعيين أستون فيلا لستيفن جيرارد مقامرة، لكن عليهم الحفاظ على هدوئهم". (1)

 

كان قلب دفاع ليفربول الأسبق جريئا أكثر من اللازم في دعم صديقه، إذ أكَّد إدراك إدارة الفيلانز لأهمية التحرك سريعا للتعاقد معه من رينجرز الإسكتلندي، لأن الفرصة كانت ستضيع عليهم لصالح أحد منافسيهم في البريميرليغ إن تأخروا. وزاد من الشعر بيتا عندما قارن بين وضع "جيرارد" و"لامبارد"، إذ تتغنى جماهير إيفرتون باسم الأخير رغم سوء النتائج، في حين يكافح الأول للحصول على دعم جماهير أستون فيلا.

 

نشر "كاراغر" مقالته عبر حسابه على تويتر ليفاجئه أحد المتابعين بإعادة التغريد مع إرفاق صورة لعنوان خبر قديم بصحيفة "دايلي ميل"، يتهم فيه "كاراغر" زميلَيْه باستوديو سكاي سبورتس "غاري نيفيل" و"روي كين" باختلاق الأعذار لمدرب مانشستر يونايتد "أولي غونار سولشاير"، لأنهما زاملاه في الملعب! (2)

 

يمكنك أن تصف ما حدث باللفظ الذي يحلو لك، بل إن ما فعله "كاراغر" قد يُذكِّرك بأحد ضيوف الاستوديوهات ببلدك، الذي يُغيِّر كلامه تبعا لهواه، لكن الأكيد أن تلك المواقف تجعلنا نسأل السؤال نفسه في كل مرة؛ مَن يجلس في استوديوهات كرة القدم؟ هل هم نقاد أم محللون أم مشجعون أم أصدقاء أوفياء لزملائهم السابقين؟

 

جزء من الصناعة

للإجابة عن هذا السؤال، علينا أن نبدأ أولا برصد التطور الذي شهدته كرة القدم على المستوى الإعلامي. وهنا نحن لا نقصد جودة البث التلفزيوني، والتنوع المتاح أمامك بصفتك مُشاهِدا، لكن نقصد الآلية التي يعمل بها الإعلام الخاص باللعبة، إذ لم تعد التسعون دقيقة هي الهدف الذي ينتهي إليه المشاهد، بل صارت الهدف الذي يبدأ منه.

بمجرد أن تنتهي المباراة، تنطلق عملية إفراغ الشحنات العاطفية، إما بالتعبير عن رأيك راضيا أو ساخطا، وإما بالترصد لأي رأي مخالف، لتبدأ دائرة لا تنتهي من التعليقات والتعليق على التعليقات، لدرجة قد تصل بنا أحيانا إلى نسيان المباراة نفسها والانسياق نحو صراعات فرعية. لكن ما يهمنا الآن هو التركيز على أحد أهم محركات هذه الدائرة، وهم ضيوف القنوات التلفزيونية سواء بحديثهم في الاستوديو، أو عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

صار رواد الاستوديوهات جزءا مهما من الصناعة التي تحاول خلق أكبر كمية من القصص لكل مباراة (تسعين دقيقة)، والأدهى من ذلك أنهم -بعيدا عن آرائهم- صاروا مادة للمقالات الصحفية، فترى مقارنات بين استوديو "BT Sport" واستوديو "Sky Sports"، ومحاولات لرصد صعود شعبية المحلل (الناقد) "فلان" وهبوط شعبية الناقد "علان"، بل إن أجور بعضهم أصبحت معلنة للجماهير. (3)(4)(5)

في مقالة يعود تاريخها إلى عام 2021، رصد موقع "جول" العالمي عددا من أجور رواد الاستوديوهات التحليلية بإنجلترا. في "سكاي سبورتس"، يتقاضى غاري نيفيل وجيمي كاراغر ما يقرب من مليون باوند سنويا. في حين يحصل "غاري لينيكر" في "بي بي سي" على 1.35 مليون باوند، يليه "ألان شيرار" بـ395 ألف باوند. وكان الراتب الأكبر بين هؤلاء من نصيب أسطورة أرسنال "تيري هنري" بقيمة 4 ملايين جنيه إسترليني سنويا. (6)

 

تسليع العاطفة

معرفة قائمة الأجور، سواء هنا أو هناك، ما هي إلا تأكيد لأهمية دور "ضيوف الاستوديو التحليلي" في القصة -إن جاز لنا أن نسمي ما يحدث بعد التسعين دقيقة بالقصة-، لكن ما يهمنا الآن هو محاولة رؤية طريقتهم لأداء الدور المطلوب. في هذا الصدد، طرح الكاتب الرياضي، "جوناثان ليو" تصوُّره عن النقاد الرياضيين عبر مقالة بصحيفة "إندبندنت"، وقد تمحور هذا التصور حول بيع منتج قائم على المشاعر، ضمن ما سمَّاه بـ"تسليع العاطفة". (7)

تذكَّر "ليو" الفترة التي قدَّمت فيها شبكة "سكاي سبورتس" ما يُدعى بـ"FanZone"، وهي أشبه بكابينة التعليق، لكن يُستبدَل فيها المعلقون لصالح مشجعَيْن، واحد من هذا الفريق وآخر من ذاك، مع كاميرا ترصد ردود أفعالهم ومشاحناتهم الدائرة حول المنافسة بين الفريقين وعدد بطولاتهما وإلى آخره، لكن من وجهة نظر "ليو"، كانت ردود الأفعال عند إحراز الأهداف هي الأكثر جذبا للمشاهدين.

في الوقت الحالي، لم يعد لـ"FanZone" وجود، لكن وفقا لـ"جوناثان" فإن الاستوديوهات الحالية تُقدِّم لنا نسخة مشابهة، مع استبدال المشجعين بنقاد أو محللين أو لاعبين سابقين، حيث تحرص الكاميرات على مراقبتهم في أثناء مشاهدة اللقاء ورصد صرخاتهم الفرحة أو الغاضبة، ناهيك بتعليقات ما بعد المباراة التي تخرج صراحة لتُعبِّر عن مشاعرهم دون الحديث عن أي تفاصيل فنية.

نظرية الأحزاب

"الكثير من الناس على التلفاز، لكن لا أحد من تشيلسي".
(جوزيه مورينيو في تصريح سابق عندما كان مدربا لتشيلسي) (10)

شئنا أم أبينا، فإن هذا النوع من المحتوى يلقى رواجا لدى الكثيرين، سواء كان مُقدِّمه أحد ضيوف الاستوديو التحليلي أو أحد "اليوتيوبرز" المشهورين، لأن الرهان على العاطفة لا يخيب، لكنه دون أن تدري سينقلك مجبرا إلى مرحلة أخرى. فالمشجع الذي بحث اليوم عمن يُعبِّر عن ردة فعله، سيسعى غدا وراء مَن يتبنَّى آراءه ويدافع عن ناديه ويقصف جبهات المنافسين إذا لزم الأمر، حتى قادنا ذلك إلى نظرية "الحزبية" في استوديوهات كرة القدم.

أوضح "جوناثان ليو" في مقاله أن هذا الاتجاه لم يكن مقتصرا على كرة القدم، بل كان اتجاها مقصودا في الإعلام عموما. في عام 2013، قامت جمعية الصحفيين المحترفين ومقرها الولايات المتحدة الأميركية بتعديل ميثاقها الأخلاقي لإزالة كلمة "الموضوعية". وعلى مدى العقدين الماضيين، مع ظهور شبكات الأخبار الحزبية مثل "Fox News"  كان هناك تحرُّك عام بعيدا عن مبدأ الحياد نحو ثقافة يتم فيها الاعتراف بالتحيز. (8)

"اشتكى أحد الأندية لشبكة سكاي سبورتس في عام 2020 من وجود عدد كبير جدا من لاعبي مانشستر يونايتد السابقين بالاستوديو، بينما أشار فرانك لامبارد إلى عدم ارتياحه لتأكيد جيمي كاراغر أن تشيلسي لديه أفضل فريق في الدوري الإنجليزي الممتاز. كلمات النقاد وتفاعل المدربين واللاعبين، كل ذلك يغذي رواية كرة القدم".

(شبكة "ذا أثلتيك") (9)

بالتركيز على كرة القدم، فإن الطريق مُمهَّد لاستغلال الانحيازات، خاصة في بيئات يقتنع فيها الجميع بأن وسائل الإعلام -أو الدولة نفسها- لديها أجندة ضد ناديهم؛ مما يرفع توقعات المشجعين والأندية من ضيوف الاستوديو للدفاع علنا عن النادي، ومن جهة أخرى، تصبح الآراء مثيرة للجدل تلقائيا، لأن المتلقي سيبحث وراء الانتماء قبل المحتوى الذي يُعرض بالفعل.

 

محلل أم ناقد؟

لا يبدو النمط السابق مفاجئا بالنسبة لك، أولا لأن التخطيط له يتم بدون إعلان، وثانيا لأنك اندمجت وأصبحت جزءا أصيلا من القصة، وقد تكون واحدا من هؤلاء الذين يسارعون لتحديد انتماءات ضيوف الاستوديو قبل سماعهم. لكن في الأخير عليك الأخذ في الاعتبار أنك نسيت أهم شيء، التسعين دقيقة ذاتها، وبالتبعية نسيت تصنيف ما تسمعه من حيث علاقته بها وقدرته على وصف تفاصيلها.

وقبل أن نمضي، عليك أن تدرك أن الكلمات التالية لا تهدف إلى التنظير وتحديد نوعية المحتوى الذي تشاهده، فإن كنت تستمتع بمشاهدة ردود أفعال الضيوف وجنون المعلقين، فلا بأس، وإن كنت تستمتع بتراشق الضيوف المنتمين لأندية متنافسة، فلا بأس أيضا، لكن المهم ألا يختلط عليك الأمر وتُصنِّف أمورا في غير موضعها. بالطبع يمكنك تمييز الضيف المشجع بمجرد رؤيته، لكن ماذا عن الناقد والمحلل، هل يوجد فارق بينهما؟

مع صعود أسهم المحللين في العديد من القنوات التلفزيونية والمنصات، تصاعدت الاتهامات بإفسادهم اللعبة، أو بالأحرى إفساد طريقة تناولها، بالاعتماد الزائد على الحد على الأرقام والإحصائيات. وفي الوقت الذي تزداد فيه قيمة الإحصائيات باللعبة، فإن المشكلة لا تكمن في الإحصاءات نفسها، بقدر ما تكمن في رغبة المحلل بالقفز لإبداء رأيه أو التسرع بمحاولة اكتشاف نمط محدد بطريقة لعب أحد الفريقين، فيترتب على ذلك سوء استخدام للأرقام أو اللقطات.

 

دعنا نشرح لك عبر مثال لمحلل يريد إثبات ضعف الفريق "X" دفاعيا وبالتبعية إثبات وجود مشكلة لدى أسلوب مدربه، فقرَّر اللجوء إلى إحصائية الأهداف المتوقعة (xG) المستقبلَة لكل مباراة، وبالفعل وجد رقما كبيرا نسبيا لإثبات رأيه.

 

لكن في حقيقة الأمر فإن طريقة حساب الرقم قد تُغيِّر الاستنتاج تماما. فكل فرصة يتم حسابها منفردة، وبعد جمع الفرص، نحصل على قيمة نهائية للأهداف المتوقعة (xG)، لذا فالرقم السابق قد يكون ناتجا عن مجموع عدد من الفرص القليلة عالية الجودة، أو عدد من الفرص الكثيرة منخفضة الجودة. وإذا ذهبنا للاحتمال الثاني حيث أجبر الفريق خصمه على التسديد من أماكن أقل خطورة، فإن استنتاج المحلل يصبح مُضلِّلا.

"يميل مشجعو كرة القدم إلى أن يكونوا أكثر تحليلا الآن وإلى معرفة الكثير عما يحدث، ليس فقط لأنديتهم ولكن لجميع الأندية".

(جيمي كاراغر) (11)

يمكنك أن تجد المزيد من الأمثلة المشابهة التي يختلط فيها النقد بالتحليل بعدم الدقة، لكن للتصنيف، عليك أن تدرك أن الناقد هو مَن يجلس على ذلك الكرسي للبوح بآرائه -معتمدا على معرفته أو على خلفيته بصفته لاعبا سابقا أو صحفيا-، أما المحلل فهو الذي يهتم أولا وثانيا وثالثا برصد تفاصيل المباراة تكتيكيا، واضعا رأيه في آخر القائمة، لأنه يرى رصد التفاصيل كافيا لتمكين المُشاهِد من الفهم وإطلاق الأحكام والاستنتاجات.

 

لكن الأكيد أنه أيًّا كانت الأحكام والاستنتاجات، وسواء خرجت بناء على رأي أو تحليل أو تشجيع، فإنها ستكون جزءا من عملية تدوير التعليقات الهادفة لخلق قصة ممتدة لا تنتهي. لكن على الأقل أنت الآن تدرك الفارق بين الأدوار التي يلعبها ضيوف الاستوديو، وبحسب ما تطلبه، سوف تختار مَن تُشاهده.

——————————————————————————-

المصادر

1- كاراغر يدعم مدرب أستون فيلا، ستيفن جيرارد – تليغراف

2- كاراغر يتهم روي كين وغاري نيفيل بمحاباة سولشاير – دايلي ميل

3- نقاد قناة Sky Sports يواجهون وسائل الإعلام: "نحن أفضل من BT Sport" – الغارديان

4- BBC vs ITV: أي فريق لديه أفضل استديو قبل يورو 2020؟

5- مخزون نقاد كرة القدم – من هو الصاعد ومن الذي سيخسر في مراجعة نهاية الموسم؟ – تليغراف

6- كم يتقاضى نقاد كرة القدم؟ – موقع Goal

7- نقاد التلفزيون الحزبيون يسيطرون على كرة القدم – لكن هل هذا مهم؟ – إندبندنت

8- المصدر رقم 7

9- قوة النقاد – The Athletic

10- تصريح مورينيو عن عدم وجود ناقد رياضي يمثل تشيلسي – ميرور

11- هل يهم حقا إذا لم يطلب جاري نيفيل وغيره من النقاد إقالة المديرين؟ – The Athletic

المصدر : الجزيرة