شعار قسم ميدان

حان وقت الحلم.. لِمَ لا يُتوج المغرب بكأس العالم؟

إذا كنا نتحدث عن المنطقي والمتاح في ضوء الإمكانيات والقدرات، فأين الحلم في حديثنا إذن؟! لا بد للحلم أن يتعلق بتحقيق شيء يبدو بعيد المنال حتى يستحق ذلك الوصف. وإن لم تكن لحظة كتلك التي سطّرها المغاربة هي التي ستتخطى فيها أحلامنا كل الأسقف، فمتى تكون اللحظة المناسبة إذن؟

لقد أصبح أسود الأطلس أول منتخب عربي يبلغ ربع نهائي كأس العالم، ليس فقط بالروح والأداء الرجولي، أو بالعزيمة والإيمان وحدهما، ولكن بكل ذلك، بالإضافة إلى فريق يمكن أن نضعه حقا بين أفضل منتخبات البطولة، وفقا لعوامل الجودة. (1)

بكل صراحة، نحن هنا لنحلم، لنترك أحلامنا تذهب إلى أبعد مدى، تاركين إياها تطرح سؤالا؛ لِمَ لا يُتوج المغرب بكأس العالم؟ سؤال ربما يسخر منه البعض، ويضعه آخرون في خانة المبالغة، ولكننا نكرر؛ إن لم تكن تلك اللحظة بكل ما فيها من تجسيد لمعاني الحلم والأمل والروح والجودة هي المناسبة لذلك، فمتى؟

أثر الفراشة

في الحقيقة، لم يكن لنا السبق في طرح هذا السؤال، ولكنه جاء أولا على لسان وليد الركراكي، المدير الفني لمنتخب المغرب، الذي وضع الفوز بكأس العالم هدفا بعد تخطي دور المجموعات. وفي الحقيقة أيضا، لم يكن ذلك هو أعظم ما صرَّح به الرجل، ولكن تفسيره للأمر بعد انتقاده كان الدرس الأعظم على الإطلاق في المونديال العربي. (2)

ما حدث هو أن أحد الصحفيين رأى أن تصريحاته تلك يمكنها أن تضع ضغوطات لا تُحتمل على أكتاف لاعبيه، على غرار ما حدث بعد تصريحات المدير الفني للجزائر جمال بلماضي الذي أعلن أن طموحه هو الفوز بكأس العالم، فغابت بلاده عن المونديال من الأساس، وجاءت نتائج تصريحاته عكسية تماما. (3)

هنا امتلك الركراكي منطقا يشبه أثر الفراشة، والشيء الذي يمكنه تجاوز حدوده ليمتد تأثيره إلى مدى بعيد. المدرب المغربي وضَّح أنه لم يقل إن المغرب سيفوز بكأس العالم رغم أنه يتمنى ذلك، ولكنه فقط أراد منح تلك الفكرة للجيل الحالي والأجيال القادمة، فإذا كان العرب والأفارقة لم يفعلوا ذلك من قبل، وبناء عليه لا توجد صورة مثالية نطمح في تكرارها، فما المانع أن نحاول صناعة هذه الصورة والتعامل معها كشيء يمكن حدوثه؟ (4)

(رويترز)

الرجل وجَّه عتابا ضمنيا للصحفي الذي طرح عليه هذا السؤال لأنه لم يُصدِّق تلك الإمكانية، لأن الرسالة التي يريد الركراكي توصيلها لا تخص منتخبه فقط، ولكنها مرتبطة بالفكرة في حد ذاتها. لا يوجد أي صحفي أو مدرب أو لاعب عربي ربما يقتنع قناعة تامة أن منتخبا عربيا أو أفريقيا يمكنه تحقيق كأس العالم، ولكن المنطق هنا يقول إنك إذا شاركت في بطولة وأنت مقتنع في قرارة نفسك أنك ستخسر، فحتما سوف تخسر، أما إذا ظل الحلم بداخلك، فإنه إذا لم يتحقق اليوم، فعلى الأقل سيبقى هدفا تسعى من أجله، ومع استمرار السعي، يأتي يوم يصبح فيه ذلك واقعا، ربما بعد عشرين أو ثلاثين سنة من لحظة الإيمان الأولى، التي ستبقى الشرارة التي بدأ معها كل شيء، رغم كل السخرية التي أحاطت بها في بداية الأمر. (5)

إيمان

كم مرة عشنا مع كرة العرب والأفارقة ورياضتهم عموما، وكم كنا قريبين من ملامسة الذهب، حتى سقط كل شيء في الأمتار الأخيرة؟ في كل مرة كنا ندرك أن المشكلة لم تكن في الفوارق الفردية، ولا في الإمكانيات، وإنما ما حال بيننا وبين الإنجاز كان أننا لم نُصدِّق أنفسنا، لم نُصدِّق قدرتنا على مقارعة هؤلاء العمالقة، وكلما اتسعت المسافة بيننا وبينهم في عيوننا، اتسعت على أرض الواقع.

اتساع هذه المسافة يجعلنا ننسى بديهيات الكون، وهي أننا بشر وهم بشر، نستطيع كما يستطيعون، وإن كانوا أفضل منا في كل شيء، فهناك أشياء لا تعتمد على التاريخ والتفاصيل القديمة، بقدر ما يكون الحكم فيها لأرض الميدان. هذه الحقيقة التي يبدو أن المغاربة تفطنوا لها قبل بداية البطولة، وكلما اقتربوا من تجاوز خطوة من خطوات الحلم صدّقوا أنفسهم، فتجاوزوها بالفعل.

في حالة المغرب تحديدا هذا الأمر ليس صعبا، خاصة وأنت تمتلك منتخبا ينشط كله في ملاعب أوروبا عدا 4 لاعبين محليين فقط، وهو الأمر الذي يعني أنك بالفعل تفوَّقت على هؤلاء حين أصبحت جزءا منهم وذابت الفروق بينك وبينهم، فما الذي يعيدها من جديد حين يجتمع هؤلاء النجوم القادمون من ملاعب أوروبا ويرتدون قميص بلادهم؟ أليس من المفترض أن يضاعف ذلك قوَّتهم بدلا من العكس؟ (6)

هذا ما أدركه نجم المنتخب المغربي سفيان بوفال، الذي يقدم كأس عالم تاريخيا، وبالطبع لا يقدمه من قبيل المصادفة، وإنما فقط لإيمانه بإمكانية أن يكون تاريخيا. قبل بداية البطولة، قال بوفال نصا: "قد تعتبرني مجنونا الآن، لكن في حال عبورنا دور المجموعات، وهذا ما سيحدث إن شاء الله، فسوف نصل إلى ربع النهائي وسنكون مفاجأة البطولة. هل تتذكر ما قامت به غانا في 2010؟ بإمكاننا تكرار ذلك في قطر". (7)

هذه الروح تنتقل بالعدوى تماما كروح الهزيمة، وكرة القدم تماما كما هي الحياة، لعبة نفسية، يمكنك أن تستمد قوتك فيها من تعبيرات وجه زملائك، كما يحدث العكس. هي ليست عبارات تنمية بشرية، ولكن أحيانا يكون السر الحقيقي بديهيا للغاية، لقد امتلكت هذه المجموعة إيمانا بحظوظها، وهنا بدأ كل شيء.

قيمة الحلم

الجميل في القصة أن التاريخ يُكتب أمام أعيننا، وسنكون شاهدين عليه ونحكيه للأجيال المقبلة، وهنا سنأخذ خيطا مما قاله الركراكي، وسنقول أيضا: لِمَ لا يفوز المغرب بكأس العالم؟ سنقولها دون أن نخاف من ردة الفعل، ولا من السخرية التي يمكنها أن تنطلق لو خرج أسود الأطلس من الدور ربع النهائي، لأن قيمة الحلم تُستمد من كونه حلما، وليس من النجاح في تحقيقه بنهاية الحكاية.

"المجد لكل مَن حلموا، سواء حققوا أحلامهم أو توقفت خطواتهم عند المشهد الحاسم"، ستظل هذه العبارة عنوانا للحالمين أينما كانوا. (رويترز)

حين حكوا لنا قصة الأرنب والسلحفاة في طفولتنا، ربما كان عليهم عرض الجانب الآخر من الحكاية، لو نجح الأرنب في حسم السباق لصالحه في الثواني الأخيرة بفارق الإمكانيات، فإن ذلك لم يكن ليقلل من قيمة ما قامت به السلحفاة، يكفيها أنها رأت نفسها متوَّجة ولو لدقائق، وآمنت بإمكانية حدوث ذلك، وأجبرت الأرنب الكسول على التخلي عن كسله.

إن فازت وصلت إلى المجد، وإن خسرت فستربح قيمة أسمى تُسمى الحلم، الذي يبقى أعظم قيمة حتى وإن لم يتحقق في النهاية. ولكنه لن يكون خيارا مطروحا من الأساس لو لم ينطلق دون حسابات، وطمعا في هدف يبدو خياليا. تخيل حجم السخرية التي تلقتها السلحفاة حين وقفت وقالت أنا هنا لأتحدى الأرنب في سباق سرعة، ربما باتت الأمور أوضح الآن.

"المجد لكل مَن حلموا، سواء حققوا أحلامهم أو توقفت خطواتهم عند المشهد الحاسم"، ستظل هذه العبارة عنوانا للحالمين أينما كانوا، فالذي حقق حلمه هو شخص لم يخف من عدم تحقيقه، بل امتلك الشجاعة ليتحدى الجميع، وهو يعلم بداخله أن الحياة ليست وردية، وأن السقوط وارد، ولكنه ترك نفسه مع الحلم حتى رآه واقعا. وهنا، لم نجد أنسب من هذا الوقت لنحلم رفقة المغرب، لأن الحكاية تستحق أن تكتمل في خيالنا على الأقل.

__________________________________________

المصدر : الجزيرة