شعار قسم ميدان

أوناحي وبونو وأمرابط.. كيف لمعت جواهر المغرب في كأس العالم؟

صورة تجمع الثلاثي سفيان أمرابط، ياسين بونو، وعز الدين أوناحي
صورة تجمع الثلاثي سفيان أمرابط، ياسين بونو، وعز الدين أوناحي (الجزيرة)

انتهت تجربة المغرب في كأس العالم، وفي الحقيقة، نشعر أن استخدام لفظة مثل "انتهت" لا يوحي بما حدث بالفعل، فما حدث هو أن فصلا منها فقط قد انتهى، وبدأ فصل جديد. والأهم هو أن استثنائية التجربة تجعلها جديرة بالتعمق في تفاصيلها، وبالطبع هناك العديد من القصص التي تستحق البحث وراءها.

 

لم يكن الغالبية يرون في سفيان أمرابط ذلك اللاعب الاستثنائي، ولم يتردد اسم عز الدين أوناحي إلا قليلا، ولم يتخيل الغالبية أن استحضار قصة حكيم زياش مع المخدرات في طفولته ورفضه تمثيل منتخب هولندا سيُثير كل هذه المشاعر رغم تكرار ذكره من قبل، لأنه، بالطبع، لم يتوقع أحد أن يصل المغرب إلى هنا بقيادة أبنائه. (1)

 

هنا، وبمجرد نهاية التجربة، أردنا منح أبطالها بُعدا آخر، ولكي لا تُنسى أسماؤهم سريعا أمام الرغبة في البحث عن كل ما هو جديد، شعرنا أننا بحاجة إلى توثيق ما قام به وليد الركراكي ولاعبوه، لأننا أخيرا أصبحنا نمتلك نموذجا يمكن لكل الحالمين بيننا أن ينظروا إليه جيدا قبل أن يشرعوا في حلمهم.

 

المغرب أم هولندا؟

DOHA, QATAR - DECEMBER 17: Hakim Ziyech of Morocco in action during the FIFA World Cup Qatar 2022 3rd Place match between Croatia and Morocco at Khalifa International Stadium on December 17, 2022 in Doha, Qatar. (Photo by Clive Brunskill/Getty Images)
حكيم زياش (غيتي)

لا يخفى على كثيرين اتهام أسطورة كرة القدم الهولندية ماركو فان باستن النجم حكيم زياش باتخاذ "قرار ساذج" حين اختار تمثيل منتخب المغرب، رغم امتلاكه الجنسية الهولندية واللعب لمنتخبات الفئات السنية للطواحين. غير أن زياش اختار في نهاية المطاف تمثيل بلده الأم، بعد رحلة كادت فيها المخدرات أن تدمر حياته، نتيجة صدمة وفاة والده في طفولته. (2)

 

نحب بالطبع تلك النهايات، أن يتخطى المغرب إسبانيا والبرتغال ويصل إلى نصف نهائي كأس العالم، بينما تودع هولندا من الدور ربع النهائي، وربما تفتح لنا تلك النهايات آفاقا جديدة للحديث عن "ساذجين" آخرين من وجهة نظر فان باستن، هؤلاء الذين ربما لو فازوا بالمونديال نفسه مع هولندا، فلن يحصلوا على تلك المشاعر التي حظوا بها طيلة حلم المغرب في مونديال قطر.

 

أحد هؤلاء كان سفيان أمرابط، الرجل الذي خطف أنظار الجميع بوصفه أفضل لاعب ارتكاز في المونديال من وجهة نظر كثيرين، وهو الشقيق الأصغر لنور الدين أمرابط، الذي قدمه للعالم في مقطع فيديو يعود إلى عام 2007، حين كان سفيان يبلغ من العمر 11 عاما فقط، ولكن شقيقه الأكبر كان يرى فيه ما رآه العالم بعدها بـ15 عاما، الفارق أنه رآه منذ اليوم الأول. (3)

 

سفيان بدأ مسيرته مع كرة القدم في أكاديمية دزيدفوخوس الهولندية في بلدية هوزين التي وُلد بها، ثم فريق أوتريخت، ولعب لفرق فينورد وكلوب بروج قبل أن ينتقل إلى هيلاس فيرونا في الدرجة الأولى الإيطالية. قبلها كان سفيان أمرابط ينال اهتمام مسؤولي الاتحاد المغربي الذين دأبوا على محاولة إقناعه باللعب بقميص منتخب أسود الأطلس الأول. وكان اللاعب قد مَثَّل منتخب هولندا تحت 15 عاما في 4 مناسبات، ولعب أيضا لمنتخب المغرب تحت 17 عاما، وللمغرب تحت 23 عاما، لكنه كان يحتاج إلى بعض الوقت للمفاضلة ما بين تمثيل المغرب أو هولندا. (4)

 

وقتها، تدخل فوزي لقجع رئيس الاتحاد المغربي، فتحدث مع شقيقه الأكبر نور الدين أمرابط لإقناع سفيان بتمثيل المنتخب المغربي الأول بعد أن رفض دعوة المدير الفني السابق لأسود الأطلس هيرفي رونار قبل ذلك. وتمت دعوته لحضور مباراة المغرب أمام الجابون في تصفيات كأس العالم 2018، ومع رؤية هذه الأجواء الصاخبة والحماس المغربي، اختار سفيان السير وراء قلبه، وتمثيل وطن أجداده، بدلا من بلده الثاني هولندا على حد وصفه. (5)

 

كيف بدأ الـ"أمرابط"؟

Soccer Football - FIFA World Cup Qatar 2022 - Third-Place Playoff - Croatia v Morocco - Khalifa International Stadium, Doha, Qatar - December 17, 2022 Morocco's Sofyan Amrabat in action REUTERS/Peter Cziborra
سفيان أمرابط (رويترز)

كان لانتقال سفيان أمرابط إلى فيورنتينا في 2020 دور كبير في تحوُّل اللاعب إلى تلك النسخة التي ظهرت في كأس العالم، سفيان امتلك الموهبة منذ اليوم الأول بكل تأكيد، ولكنه كان يحتاج إلى التعامل مع مدرب مثل فيتشينزو إيتاليانو حتى ينتقل إلى تلك المرحلة التي وصل إليها، ولكن خطوة بخطوة، دون أن يشعر به أحد. (6)

 

أثناء حوارنا معه، أوضح المدرب المغربي الشاب زيد شقيري أن أمرابط عانى العديد من المشكلات سابقا، منها كثرة الأخطاء في التمرير عندما يلعب ارتكازا وحيدا، ولكن عكس ما كان الوضع في فيرونا، فاللعب في وسط ملعب يمتلك ارتكازين ذوي مسارات عمودية، حيث الظهير أقرب إلى لاعب الوسط، يسمح بالتناوبات بين الخطوط، لذلك تكون عملية التمرير غير بعيدة المدى. (7)

 

عكس اللعب وحيدا، حيث أكثر الأخطاء المتكررة من سفيان كانت متعلقة بعرض الملعب، أو بالتمرير عبر لاعب الوسط للخصم للجناح الزميل، أو للظهير المتقدم، تحسن مستوى أمرابط كثيرا مع إيتاليانو حتى في كسر الخطوط، بعد أن فهم المدرب أكثر أن أمرابط ليس لاعب اللمسة الواحدة أو الاثنتين، بل قوته تكمن في الركض بالكرة لأمتار ثم التمرير، ربما يعيب الأمر أنه يسمح للخصم بأن ينتظم ويعود لأماكنه، لكن لا حل سوى قبول الأشياء بحسناتها وعيوبها.

 

هذه القدرات والخبرات التي راكمها عبر السنوات، مع الروح العالية التي يمتلكها أي لاعب يدرك تماما قيمة كأس العالم، ودور المدير الفني وليد الركراكي في صناعة منظومة دفاعية وخط وسط قائم على محرّك أساسي وهو لاعب الارتكاز؛ كلها أشياء ساعدت أمرابط على الظهور بهذه الصورة في مونديال قطر، لا شيء يحدث بالمصادفة إطلاقا في مثل هذه الحكايات، أليس كذلك؟

 

يا إلهي.. من أين أتى هذا الفتى؟!

France v Morocco: Semi Final - FIFA World Cup 2022- - AL KHOR, QATAR - DECEMBER 14: Azzedine Ounahi (8) of Morocco in action during the FIFA World Cup Qatar 2022 Semi-Final match between France and Morocco at Al Bayt Stadium in Al Khor, Qatar on December 14, 2022.
عز الدين أوناحي (الأناضول)

كانت هذه هي كلمات المدير الفني لمنتخب إسبانيا لويس إنريكي بعد نجاح المغرب في إقصاء فريقه من كأس العالم، لم يكن يعرف اسم عز الدين أوناحي، فاكتفى بالإشارة له بـ"اللاعب رقم 8 الذي يمتلكه المغرب"، ولم يستطع إخفاء شدة إعجابه به الذي وصل إلى حد الانبهار، ليعبر عن ذلك بعبارة: "يا إلهي.. من أين أتى هذا الفتى؟ إنه رائع حقا". (8)

 

كان عطاء أوناحي مع المغرب في كأس العالم خياليا؛ لاعب بشخصية تسبق سنه وخبراته، وكأنه يلعب كأس العالم يوميا تحت بيته، يعرف أجواءه كما عرف أجواء كرة الشوارع، لديه شيء من إنييستا، شيء من القدرة الخيالية على التحكم في وسط الملعب وترويض الكرة لصالح المنظومة، لاعب لديه ذكاء نادر وإدراك حسي يسبق عمره، لم تكن مجرد طفرة، بل ولادة موهبة ستفرض نفسها على كرة القدم العالمية لسنوات.

 

في الحقيقة، جاء انضمام أوناحي إلى منتخب المغرب بالمصادفة، ولكنها كانت مصادفة تحمل الكثير له وللأسود، حيث إنه زامل في فريقه، أنجيه الفرنسي، مواطنه سفيان بوفال الذي انتقل للنادي الفرنسي قبله بعام واحد، لتكون نقطة محورية بالنسبة للنجم الصاعد دون أن يدري، وكأن الحكاية تولد من تلك التفاصيل التي لا يتوقعها أحد أحيانا. (9)

 

المدرب السابق لمنتخب المغرب وحيد خليلوزيتش ذهب ليتابع بوفال في واحدة من مباريات فريقه أنجيه، ولكن للمفاجأة، نجح أوناحي في خطف أنظار المدرب البوسني بأدائه المميز، ليفاجئ الجميع بضمه لقائمة "أسود الأطلس" لكأس أمم أفريقيا 2021. قرار المدرب البوسني قوبل بانتقادات كبرى، والسبب في ذلك أن أوناحي كان شابا لا يعرفه أحد، ولا يمتلك أي خبرة دولية، لكن خليلوزيتش أصر على ضمه، والاعتماد عليه أساسيا في المباراة الأولى للبطولة أمام غانا.

 

أصبح أوناحي حديث الجميع بعد المباراة التي جمعت بين المغرب والكونغو، وقادت المغاربة إلى مونديال قطر 2022 بفوز كبير برباعية، في مباراة كان نجمها الأول، وقدمت أوراق اعتماده رسميا بوصفه إحدى القطع الأساسية للمنتخب، لينتقل بعدها إلى مرحلة أصبح فيها محور رهان الجميع، ولكن بالطبع لم يتوقع هؤلاء أن يصل العطاء إلى ذلك الحد بعد عام واحد فقط من رفض وجوده مع قائمة المنتخب.

 

بونو بونو

Croatia vs Morocco: 3rd Place - FIFA World Cup Qatar 2022- - DOHA, QATAR - DECEMBER 17: Goalkeeper Yassine Bounou (1) of Morocco in action during the FIFA World Cup Qatar 2022 3rd Place match between Croatia and Morocco at Khalifa International Stadium on December 17, 2022 in Doha, Qatar.
ياسين بونو (الأناضول)

القصة التالية لأسرة هاجرت إلى كندا، ثم عادت إلى المغرب، وانضم ابنها الصغير إلى نادي الوداد البيضاوي، وتدرج في فئاته السنية حتى أصبح حارس الفريق الأول، من الممكن أن تتوقف القصة هنا، ويطمح الشاب في أن يصبح بطلا في نادٍ كبير في بلاده وانتهى الأمر، ولكن طموحات ياسين بونو تجاوزت ذلك، ليستحق كل ما حصل عليه من إشادة في كأس العالم، سواء بسبب المونديال ذاته، أو عن مجمل أعماله. (10)

 

خلال موسمين مع الفريق الأول في الوداد، خطف بونو أنظار عدة أندية إسبانية وفرنسية، لينجح أتلتيكو مدريد الإسباني في الحصول على بطاقته في 2012 ليصبح حارسا لفريق أتلتيكو مدريد "ب" المنافس في دوري الدرجة الثانية الإسباني، ويبدأ رحلته مع الاحتراف، وقصته التي عنون الصبر فصولها الأولى، قبل أن يعنون التألق الفصول اللاحقة. (11)

 

في 2014 نجح بونو في الدخول في قائمة الفريق الأول بأتلتيكو مدريد بعد استمرار تألقه، ولكن تعاقد الروخيبلانكوس مع السلوفيني يان أوبلاك تسبب في رحيل بونو على سبيل الإعارة إلى ريال سرقسطة لمدة موسمين، قبل أن يرحل لجيرونا معارا مع خيار الشراء، ليتمكَّن من إظهار إمكانياته ضد كبار الدوري الإسباني.

 

ولتكتمل القصة السينمائية، هبط جيرونا إلى الدرجة الثانية، لكن إشبيلية استكمل سلسلة إعارات بونو في 2019 وتعاقد معه معارا أيضا ليكون حارسا بديلا للفريق في مباريات الكأس والدوري الأوروبي. بديل ولكنه سيحظى بالفرصة، فلِمَ لا يستغلها؟ هكذا تحديدا قرر بونو، ومع إصابة الحارس الأساسي وقتها توماس فاسليك، أصبح بونو أساسيا في النصف الثاني من الموسم، ليبدأ رحلة التألق مباراة تلو الأخرى، ويصبح واحدا من أفضل حرّاس الليجا على الإطلاق.

 

رحلة الصبر تكللت بالعديد من النجاحات بقميص إشبيلية، ولكن لا شيء مثل الوصول إلى نصف نهائي كأس العالم بوصفك أول منتخب عربي وأفريقي يحقق هذا الإنجاز، ولا شيء كالتصدي لركلتَيْ جزاء في ثمن نهائي المونديال والتسبب في إقصاء إسبانيا. ولكن وجب التذكير أن تلك القصة لم تبدأ للتو، بل بدأت حين قرر بونو خوض غمار تجربة غير واضحة المعالم مع الاحتراف، وعدم الاكتفاء بالنجاح المحلي كما يفعل كثيرون. (12)

 

الجميل في قصة المغرب أن التاريخ كُتب أمام أعيننا، وأصبحنا شاهدين عليه، ونحن مَن سيحكيه للأجيال المقبلة، مذكرين إياهم بأن الذي حقق حلمه هو شخص لم يخف من عدم تحقيقه، بل امتلك الشجاعة ليتحدى الجميع، وهو يعلم بداخله أن الحياة ليست وردية، وأن السقوط وارد، ولكنه ترك نفسه مع الحلم حتى رآه واقعا، وهكذا انتهى الفصل الأول من حكاية المغاربة، التي اتفقنا أن فصولها الأخرى ستبدأ بنهاية المونديال، حيث التفتيش خلف الكواليس، والبحث داخل الإنجاز، للاستمتاع بالتعرف على ما حدث في الظل، كونه الذي أدى إلى الإعجاز الذي حدث تحت الأضواء.

————————————————————————————

المصادر

1 – حكيم زياش.. بداية جديدة مع المنتخب الذي "اختاره بقلبه"

2 – حكيم زياش يكشف خبايا طفولته.. تعاطيت المخدرات!

3 – صورة أصبحت تاريخا.. قصة أول ظهور لـ"الطفل" سفيان أمرابط قبل 15 عاما

4 – لا برشلونة ولا أتلتيكو.. هذا ما يفضله سفيان أمرابط

5 – من هاوزين إلى الثمامة .. قصة صعود نجم سفيان أمرابط في قطر ٢٠٢٢

6 – بدأ المغرب بنظام 5-4-1 كلفهم الخروج من نصف نهائي كأس العالم – ذا أثلتيك 

7 – كيف رأى المدرب المغربي الشاب زيد شقيري تألق سفيان أمرابط؟ 

8 – لويس إنريكي يشيد بعز الدين أوناحي 

9 – المصدر السابق

10 – ياسين بونو يقدم كأس عالم للتاريخ – ESPN

11 – ياسين بونو – قصة نجاح 

12 – قصة الحارس المغربي ياسين بونو 

المصدر : الجزيرة