بلجيكا في مونديال قطر.. لأن استمرارية السعي لا تعني حتمية الوصول

في البداية، ربما علينا أن نؤكد أننا لا ندعو أحدا هنا لرفع الراية البيضاء أو التوقف عن السعي في الطريق الذي يسلكه ليحقق ما يريد، لكننا ندعو الجميع فقط لأخذ برهة للتفكير، ماذا لو لم يُكلَّل مسعانا بالنجاح؟ في الحقيقة، لا نملك إجابة لهذا السؤال، ولا نظن أن هناك إجابة نموذجية له، لكن تلك هي الحياة، كما عبّر عنها "فرانك سيناترا" على الأقل في أغنيته التي تحمل الاسم ذاته، "تلك هي الحياة (That’s life)"، بعدما مر في حياته بالعديد من التقلبات واللحظات، السيئة منها قبل الجيدة، ولكنه دوما ما كان يقف على قدميه مرة أخرى ويعود بقوة(1).
يمر المنتخب البلجيكي بمرحلة مرحلة عنق الزجاجة التي تختبر مدى مثابرتهم ورباطة جأشهم، ربما انتهى الجيل الذهبي حقا، لكنهم لم يوجدوا من العدم. فهل تستسلم الدولة الصغيرة الحالمة للفشل، أم أن استمرارية السعي قد تعني حقا حتمية الوصول؟
نود الظن أن هذه رؤية روبرتو مارتينيز للأمر على الأقل، وذلك عندما تحدث قبيل يورو 2021، في فيلم "Whistle to Whistle" الوثائقي، عن جفاف المنتخب البلجيكي الذي يدربه من حيث البطولات، قائلا إن هذا الجيل الذهبي لبلجيكا يستحق أن يفوز بالبطولات، ويستحق أن يحقق شيئا يتحاكى به الناس لسنوات قادمة، على الرغم من الخيبات المتكررة لهذا الجيل، لكنه أضاف أيضا أن هذا لا يعني أنه سيتحقق(1)(2).
لكن علينا أن نتوقف لبرهة أخرى لكي نسأل أنفسنا سؤالا مهمّا: ما النجاح؟ كيف نصل إليه؟ كيف نعلم أن مجهوداتنا كُللت به؟ ما الذي يحدد حقا ما إذا كنت قد نجحت أو فشلت في مسعاك لتحقيق هدفك؟ الجمهور؟ الإعلام؟ النقاد والمحللون؟ أم الظروف، والمتغيرات، والإمكانيات، وطبيعة اللعبة في تقلبها اللامتناهي؟
من رحم اليورو يولد الأمل

لنعد بالزمن إلى عام 2000، إلى الوقت الذي فازت به دولة صغيرة تعداد سكانها لا يتخطى 11 مليون نسمة بتنظيم اليورو، مع دولة هولندا، إلى الوقت الذي ارتفعت فيه توقعات أمة كاملة عنان السماء، خاصة بعد 15 عاما -حينها- من حادثة ملعب هيسل الشهيرة في بروكسل، حين لقي عشرات المشجعين حتفهم بسبب أعمال شغب قبل مباراة ليفربول ويوفنتوس المأساوية. أراد البلجيكيون أن يرموا تلك الحادثة الشنيعة وراء ظهورهم وإكمال حياتهم، وربما تجلى هذا في بناء ملعب الملك بودوان في المكان ذاته؛ كي يدقوا المسمار الأخير في نعش تلك الذكرى الحزينة ويتخطوها للأبد(3).
لم يعلم البلجيكيون حينها أن تلك الذكرى ستحل محلها ذكرى أخرى لن تكون أقل حزنا، ولكنها بالتأكيد أقل مأساوية من الموت. استهل المنتخب البلجيكي مشواره في اليورو حينها بفوز بشق الأنفس على السويد، قبل أن يخسر أمام إيطاليا وتركيا في المباراتين التاليتين، ويخرج من دور المجموعات، تاركا 11 مليون بلجيكي في حالة صدمة وحزن كبيرة، وهم الذين احتفلوا قبل أيام باستضافة البطولة بآلاف البالونات البيضاء في شوارع بروكسل، فقط لكي تنفجر بعدها كالفقاعات في وجوههم(3).
لكن رب ضارة نافعة بعد كل شيء، فذلك المشوار القصير لمنتخب بلاد ميشيل سابلون الوطني، والذي كان المدير التقني للاتحاد البلجيكي لكرة القدم في ذلك الوقت، ألهمه بالمخطط الذي يمكن أن ينهض بحال المنتخب البلجيكي، وربما إيجاد جيل مستقبلي قادر على طمس تلك الذكرى الحزينة من اليورو. قام سابلون -على حد تعبيره- بالعمل ليلا ونهارا ليُخرج هذا المشروع إلى النور، ونود القول إن ذلك العمل بدأ بالظهور منذ الفوز على فريق فرنسا تحت الـ17 عاما، بعد الهزيمة من الفريق ذاته بسباعية قبلها بعام واحد(4).
الذهاب للجحيم والعودة

في شهر يونيو/حزيران عام 2007، احتل المنتخب البلجيكي المركز الـ71 في تصنيف الفيفا الشهري، وهذا أقل تصنيف للمنتخب طوال تاريخه. لم يبد الأمر جيدا حينها، فقد لعب الفريق 10 مباريات تحت إمرة المدرب رينيه فانديريكين، فاز بثلاث مباريات فقط، وتعادل في مناسبتين، وخسر في البقية(5).
استمر المنتخب بالتخبط على هذا المنوال حتى أغسطس/آب عام 2010، فعلى الرغم من خسارة 3 مباريات على التوالي، فإنها كانت بداية عهد جديد، عهد انتداب اللاعبين الذين بُني عليهم المشروع البلجيكي، والذين يُعَدّون نواة الجيل الذهبي لبلجيكا: كيفين دي بروين، وروميلو لوكاكو، ويان فيرتونغن، وتوبي ألدرفيريلد، وتوماس فيرمايلين(4).
اختلفت الأمور كثيرا بداية من تلك الفترة، حيث نجح الفريق في الفوز بـ11 مباراة متتالية بين عامي 2010 و2011، وتأهل بسبب تلك المجهودات إلى يورو 2012، وكانت تلك البطولة أول بطولة مجمعة للمنتخب منذ يورو 2004، وعلى الرغم من الخروج المخيب من المجموعات مرة أخرى، فإن الأجواء كانت مختلفة هذه المرة، فكان الفريق يضخ دما جديدا ويبني جيلا على أسس واضحة المعالم، معتمدا على علم البيانات والاستدلال لمواكبة مستويات الفرق الكبرى.
لم يتعلق الأمر باستخدام البيانات فحسب من وجهة نظر روبرتو مارتينيز، بل كانت الفكرة في كيفية توظيفها أو الاستدلال بها لمعرفة أي من اللاعبين الذين سيتم الاهتمام بهم والعمل معهم، فرغم أن البيانات قد تكون مفيدة كما نعلم جميعا، فإننا في لعبة تتقلب باستمرار دون توقف، لذلك فحُكم العين ضروري، والبيانات مجرد إشارة لبداية الطريق.
هكذا وجد مارتينيز إجابة للسؤال الذي كان يلح على ذهنه: من أين نبدأ؟ الإجابة كانت الزاوية الواسعة، المشروع الذي بدأه روبرتو مارتينيز في 2019 بصفته مديرا تقنيا للاتحاد بجانب كونه المدرب، والذي يتمحور حول تسجيل كل مباراة تُلعَب في بلجيكا، في جميع الدرجات العليا والأدنى، وهكذا يستطيع الرجل الربط بين مشاهدة اللاعبين لعدة مباريات وفي ظروف مختلفة وبحالات ذهنية مختلفة، ويستطيع تقييم ما يراه في البيانات على أرض الواقع بالفعل(2).
نستطيع القول إن الاتحاد البلجيكي -بالتعاون مع مارتينيز- قد قام بعمل ممتاز في إظهار هذا الجيل للنور، وبذلوا جهدا أكبر في إبقاء هذا الفريق على القمة منذ تولي الإسباني المهمة في 2016، فحتى فبراير/شباط من العام الحالي 2022، تصدر الفريق ترتيب الفيفا النقطي للمنتخبات باستمرار، قبل أن تقفز البرازيل للصدارة منذ نهاية مارس/آذار(6).
تحدث مارتينيز عن هذا الأمر في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2021 قائلا إن فريقه لا يجب الحكم عليه من خلال البطولات، معللا حديثه أن هذا الجيل غيّر شكل الكرة البلجيكية للأبد، وأن الاستمتاع بما يحدث على الساحة الكروية البلجيكية واجب لأنه وقت رائع للرياضة هناك. جاء هذا الحديث بمناسبة أن الشياطين الحمر في تلك الفترة فازوا بـ47 مباراة وسجلوا 175 هدفا منذ تعيين روبرتو مارتينيز مدربا، أكثر من أي فريق آخر حينها. بدا الأمر كالجنة على الأرض بالنسبة إلى الشعب البلجيكي حينها(7).
عهد الأصدقاء

كما ذكرنا، فإن بلجيكا هي دولة صغيرة جدا، تتعدى مساحتها 30 ألف كيلومتر بقليل، ويعيش بها 11 مليون شخص؛ ما يعني أن هناك فرصة جيدة للتقارب بين سكان الدولة، على الرغم من اختلاف الثقافات بين مختلف طوائف الشعب، بين الجزء الهولندي والفرنسي والألماني. في الحقيقة، لقد رأى روبرتو مارتينيز أن هذا أكبر سلاح تتمتع به بلجيكا، حيث إنه يسمح بوجود العديد من وجهات النظر والعديد من الحلول بالتبعية(4).
نستطيع رؤية ذلك في حديث تيبو كورتوا عن مونديال البرازيل، وعن الأجواء قبله والقلق الذي كان يساور الجميع حول اللاعبين: هل سيتأقلمون مع بعضهم بعضا؟ هل ستكون هناك مشكلات وصراعات بينهم؟ لم يكن الأمر كذلك في عيون حارس عرين الميرينغي، فقد كانوا أصدقاء قريبين، يلعبون الغولف والألعاب الإلكترونية وألعاب الورق معا(4).
ليس كورتوا فحسب، بل لوكاكو أيضا قد تحدث بدوره عن سهولة اللعب في مجموعة تعرفها بشكل شخصي لسنوات عدة، فهناك مستوى من التفاهم يتكون عندما يقضي مجموعة من البشر وقتا معا يمارسون نشاطات معينة. يكفي أن نقول إن مدينتَي أنتويرب وبري -اللتين وُلد فيهما اللاعبان على الترتيب- يبعدان عن بعضهما ساعة و15 دقيقة بالسيارة تقريبا، أي أن هناك مستوى من التقارب الجغرافي، وينعكس هذا على المستوى الشخصي نوعا ما بين اللاعبين(4)(8).
تتحدث ليديا ستارون عن نصائحها للاعبي كرة القدم للحفاظ على علاقة جيدة بينهم، وأبرزها الاحترام والتواصل، وتفهم ردود أفعال بعضهم بعضا، واحترام النظام والهيكل الإداري. ينعكس ذلك على أرضية الميدان في النتائج، ولا نعني هنا نتائج المباريات بقدر ما نعني تناغم الفريق وتناسقه، وعلاقة اللاعبين معا، وردود أفعالهم بعد تسجيل الأهداف أو تضييع الفرص، ونستطيع القول إن كل هذا كان موجودا حقا بين لاعبي المنتخب البلجيكي، لكن الخبر السيئ أنه لم يستمر طويلا(9).
نكث عهد الأصدقاء

لا نعلم حقا كيف بدأت المشكلات بالحدوث، ولكننا نستطيع رؤيتها بشكل جلي في تصريحات لاعبي بلجيكا الآونة الأخيرة، وكأنك تشعر أن هناك حالة تفكك واضحة، من تصريحات دي بروين لصحيفة الغارديان عن كِبَر سن المدافعين عندما سُئل عن حظوظ فريقه في الظفر بالمونديال، إلى رد يان فيرتونغن عليه علنا بعد الخسارة أمام المغرب قائلا إن الفريق ربما لم يسجل بسبب كِبَر سن لاعبي خط الهجوم(10).
بدا الأمر كأنه عراك طفولي، وانعكس ذلك على تصرفات اللاعبين خلف الأبواب المغلقة، فحسب مصدر بصحيفة "ليكيب (L’Equipe)" الفرنسية، نشب خلاف بين اللاعبين واضطر لوكاكو للفصل بينهما حينها، وذكر المصدر وجود خلافات أيضا بين لوكاكو وفيرتونغن ذاته. فجأة، بدا كأن هنالك مشكلات في الجنة(11).
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، ففي الوليمة التي أقيمت للاعبي الفريق وعائلاتهم بعد مباراة المغرب، والتي خسرها الفريق بثنائية نظيفة، لم تكن الأجواء لطيفة، وكانت غريبة حقا، على حد تعبير زوجة اللاعب درايس ميرتينز، على عكس ما كان الأمر عليه في مونديال روسيا(11).
تضيق الزوايا بما لا تشتهي السفن

ألقت هذه الأجواء بمسؤوليات مضاعفة على مدرب الفريق روبرتو مارتينيز، الذي استجمع رباطة جأشه وقرر أن يتحكم أكثر بزمام الأمور، لكنه بالغ في فعل ذلك. فعندما تُسن قوانين تمنع اللاعبين من رؤية عائلاتهم أثناء المعسكر، فتلك مبالغة على الأرجح، على الأقل في رأينا(11).
لم يلقَ ذلك استحسان اللاعبين بالتأكيد؛ ما زاد الطين بلة، فأصبح المدرب جزءا من المشكلة عوضا عن حلها، وتحولت الأجواء المسالمة التي أتى بها مارتينيز إلى المنتخب البلجيكي إلى رياح عاتية تحمل في طياتها صرامة مفرطة، وعلى الرغم من أن هذا لا يقلل من حجم ما فعله مع الفريق، فإنه لا يعفيه من المسؤولية كذلك.
وددنا أن تنتهي الأمور هنا، لكن المصائب لا تأتي فرادى كما تعلمون. في الفيلم الوثائقي المذكور آنفا، تحدث مارتينيز عن آلية اختيار اللاعبين للفريق، وتحدث عن تقسيم اللاعبين لثلاث مجموعات: المجموعة الأولى هم اللاعبون الذين سينضمون للفريق وربما للتشكيل الأساسي حين الجاهزية التامة. المجموعة الثانية عبارة عن لاعبين لم يشاركوا مع الفريق، لكن لديهم ما يلزم لذلك. والثالثة يتابعهم مارتينيز ذاته بعد متابعة المحللين لهم ليقرر ما إذا كانوا سينضمون للفريق أم لا(2).
إذا نظرنا إلى اللاعبين الذين يشاركون باستمرار بتشكيلة المنتخب البلجيكي في مباريات المونديال الحالي، وتشكيلة الفريق أمام الديوك في نصف نهائي مونديال 2018 بروسيا، سنجد أن هناك 6 أو 7 لاعبين في التشكيلتين لم يتغيروا في 4 سنوات من الزمن، أسماء مثل كيان فيرتونغين وتوبي ألدرفيريلد وفيتسل وإيدين هازارد، وحتى لوكاكو عندما أصبح شبه جاهز ودُفِع به في مباراة كرواتيا الأخيرة.
يبدو الأمر كأن مارتينيز يتمسك بالمجموعة الأولى من اللاعبين أكثر من غيرهم، ولا يعطي الفرصة الكافية لأسماء أخرى، كفاوت فايس مدافع ليستر سيتي الشاب، ويوري تيليمانس زميله في الفريق الإنجليزي، وأسماء أخرى كلياندرو تروسار وجيريمي دوكو، حتى إن بعض اللاعبين، حسب أحد التقارير الصحفية التي نُشرت على موقع ذا أثلتيك، شعروا بضرورة لعب تروسار أو دوكو عوضا عن هازارد في مباراة المغرب(11).
نشعر كأننا نتحدث عن فريق -إن جاز التعبير هنا- مغاير للذي رأيناه في مونديال روسيا، وحتى في اليورو الأخير، وكأن شيئا تغير ولا نعلم ماهيته، أو أن هناك ما طفا على السطح بوضوح بعد أن ظللته الانتصارات. ربما هذا ما رآه رادجا ناينغولان عندما تحدث عن أنانية لاعبي المنتخب قبيل مونديال روسيا الفائت، وفرديتهم الطاغية واهتمامهم الزائد بأنفسهم، قبل أن يخرجه مارتينيز من قائمة الفريق عقب تلك التصريحات. ربما ظن ناينغولان أن الدفء الذي أتى به مارتينيز لن يحميه من البرد القارس بروسيا، فقرر أن يدفع مارتينيز لإخراجه من الفريق(11).
نسبية النجاح والفشل

تتحدث إيفي أبادا، الحائزة على درجة الماجستير في الطب من جامعة برانديز بولاية ماساتشوستس، عن نسبية النجاح من شخص لآخر، وأن النجاح لا يعني حتما أن تصبح مثل جيف بيزوس أو بيل غيتس أو مارك زوكربيرج، ولكن النجاح الحقيقي يمكن في تأثيرك فيمن حولك من البشر، وما إذا كنت ستضيف لحياتهم بشكل إيجابي(12).
نرى هنا تشابها بين ما رسخه روبرتو مارتينيز في فترته مع المنتخب البلجيكي وبين ما تقوله أبادا، فالرجل تحدث مرارا كما ذكرنا عن مدى استحقاق الجيل الذهبي لبلجيكا للحصول على البطولات الكبرى، ولكنه دائما ما كان يؤكد أن حدوث ذلك ليس حتميا، داعيا البلجيكيين للاستمتاع بما يرونه من الفريق، وأن يعيشوا اللحظة بلحظتها ولا يفكروا فيما هو أبعد من ذلك(7).
على الرغم من صعوبة التفكير بهذا الشكل من قبل الجماهير، فإننا نؤكد أن الرجل كان محقا، فهذا يرفع الضغط عن اللاعبين ويوفر لهم مناخا مناسبا للعمل بدون ضغوط كبرى، ولكن لا نستطيع القول إن هذه الضغوط لم تتسلل في النهاية إلى أذهانهم، وإن عدم تحقيقهم بطولة كبرى لم يؤثر عليهم بشكل كبير. نرى كيف أثّر ذلك عليهم في غرفة الملابس، وعلى أرض الميدان، وفي علاقتهم ببعضهم بعضا. معارك كتلك، خلف الأبواب المغلقة، لم نسمع عنها كثيرا في منتخب بلجيكا من قبل.
لكن بالعودة إلى نسبية النجاح والفشل التي تحدثت عنها د. أبادا آنفا، هل يعد الجيل الذهبي لبلجيكا جيلا فاشلا؟ لا نظن ذلك بالضرورة، فكما تحدث مايكل كوكس في مقاله على ذا أثلتيك، فالأجيال الذهبية تستحق هذا الوصف نسبة إلى تاريخ البلاد كُرويّا، ونحن نتحدث عن فريق لم يتأهل لنصف نهائي المونديال تاريخيا سوى مرة واحدة قبل مونديال روسيا، إذن نستطيع الجزم بأن هذا الجيل سبق سابقيه بمسافة كبيرة(13).
في المقابل، لا نستطيع القول إن الشياطين الحمر قد نجحوا فيما صبوا إليه، فجميع محاولاتهم لتحقيق البطولات ذهبت سدى. ورغم ذلك، لا يزال باستطاعتهم البناء على ما فعله مارتينيز بوصفه مديرا تقنيا قبل عمله مُدرّبا، كما يمكنهم الاستثمار في مشروع الزاوية الواسعة وبناء منظومة رياضية متكاملة، قائمة كذلك على الاستدلال بالبيانات المتقدمة لتطوير اللاعبين وتنشئتهم جيدا للعب في المستويات العليا خلال الـ20 سنة القادمة، ويمكننا رؤية ذلك في الأسماء التي ذكرناها، كجيريمي دوكو ولياندرو تروسار وحتى تشارلز دي كاتيليير صانع ألعاب الميلان، بجانب تطوير الجانب التكتيكي والفني، حيث إن هناك 19 لاعبا اختيروا ليظفروا برخصة التدريب "أ" من الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسهم كيفين دي بروين(14)(15).
تصارعك الحياة بوجه عام، وتضع أمامك العقبات، ولا يسعك إلا أن تحاول جاهدا تخطي تلك العقبات. ستسقط، وتقاوم، وتنفض التراب من على كتفيك؛ لتحاول مرة أخرى، مثل فرانك سيناترا. يمر المنتخب البلجيكي بتلك المرحلة حاليا، مرحلة عنق الزجاجة التي تختبر مدى مثابرتهم ورباطة جأشهم، ربما انتهى الجيل الذهبي حقا، لكنهم لم يوجدوا من العدم. يُطرح السؤال ذاته بعد كل شيء: هل تستسلم الدولة الصغيرة الحالمة للفشل، أم أن استمرارية السعي قد تعني حقا حتمية الوصول؟
————————————————————————————–
المصادر:
1- كلمات أغنية That’s life لفرانك سيناترا – Genius
2- فيلم Whistle to whistle الوثائقي عن روبرتو مارتينيز ومنتخب بلجيكا – YouTube
3- ليلة احتفاء البلجيكيين باستضافتهم ليورو 2000 – The Guardian
4- مشروع مايكل سابلون للنهوض بالكرة البلجيكية – CNN
5- معلومات عن المنتخب البلجيكي سنة 2007 – Transfermarkt
6- تصنيف الفيفا النقطي للمنتخبات – Fifa
7- لماذا لا يجب الحكم على الجيل الذهبي لبلجيكا من خلال البطولات – Sportsmax
8- المسافة الجغرافية بين أنتويرب وبري – Google maps
9- كيف تكون العلاقات القوية عاملا في تكوين الفرق القوية – Gameplan-a
10- تصريحات كيفين دي بروين ويان فيرتونغن للصحافة عن كِبر سن لاعبي المنتخب البلجيكي – Daily Mail
11- كيف أصبحت الأجواء سامة داخل معسكر المنتخب البلجيكي – The Athletic
12- النجاح مفهوم نسبي – Medium
13- ما الذي أخطأت فيه بلجيكا بشكل مروع في المونديال – The Athletic
14- كيفين دي بروين وآخرون يجتازون اختبار رخصة تدريب الاتحاد الأوروبي "أ" بنجاح – Daily Mail
15- استثمار روبرتو مارتينيز في الأجيال القادمة لبلجيكا – La Prensa Latina