شعار قسم ميدان

ما بين الماضي والحاضر.. رسالة من ليونيل ميسي إلى كريستيانو رونالدو

BARCELONA, SPAIN - DECEMBER 08: Lionel Messi of Barcelona (L) and Cristiano Ronaldo of Juventus F.C. (R) look on during the UEFA Champions League Group G stage match between FC Barcelona and Juventus at Camp Nou on December 08, 2020 in Barcelona, Spain. Sporting stadiums around Spain remain under strict restrictions due to the Coronavirus Pandemic as Government social distancing laws prohibit fans inside venues resulting in games being played behind closed doors. (Photo by David Ramos/Getty Images)
ميسي (يسار)وكريستيانو رونالدو (غيتي)

اليوم هو السابع والعشرون من يونيو/حزيران عام 2016، والمناسبة هي نهائي الكوبا بين الأرجنتين وتشيلي، والحدث هو خسارة أخرى مريرة، وخيبة أمل معتادة، وانكسار جديد، للاعب يحمل آمال أمة بأكملها دون أن يكون مطالبا بذلك بمفرده، حيث لم يجد ليونيل ميسي منفذا حينها سوى البكاء. (1)

 

بعد ستة أعوام يتكرر الحدث، ولم يختلف شيء سوى الأعين التي تذرف الدموع، التي كانت هذه المرة من نصيب كريستيانو رونالدو. هنا يتبادر إلى ذهننا مشهد تُهمل فيه حدود الزمان والمكان، مشهد يظهر فيه ليو، آتيا إلى ملعب الثمامة من خلال فتحة زمنية توصل الماضي والحاضر معا، فقط لكي يشارك منافسه اللدود أحزانه ويخبره أنه ليس بمفرده.

صديقي في البؤس

لا يسعنا إلا أن نرى مدى بؤس كلا اللاعبين، ورغم القاعدة الجماهيرية الكبيرة التي يتمتعان بها، فإن كلتا القاعدتين دوما ما تترصدان أي خطأ، تنتظران أي هفوة أو سقطة، سواء كانت في الملعب أو خارجه، وكأن تلك الهفوات ستُهديهم انتصارا طال انتظاره أو ما شابه، بينما الأمر لا يتعدى كونه انتصارا وهميا لقضية أنانية تتعلق بالكبرياء ليس إلا، ونتناسى أن كلا اللاعبين الأسطوريين بشريان أولا وأخيرا.

 

نستطيع تذكُّر تصريح بيب غوارديولا في المؤتمر الصحفي بعد مباراة نورويتش سيتي في موسم 2019-2020 في البريمييرليغ، الذي تحدث فيه عن أخطاء لاعبيه خلال اللقاء، وقتها ذكَّرنا غوارديولا أننا ننسى أحيانا أن هؤلاء اللاعبين بشر، وفي رأي أولي آلين، المدير التنفيذي للإعلام والتسويق بمنتخب ويلز، وأحد المدونين في موقع "SBnation"، نحن ننسى أنهم لعبوا الكرة في المقام الأول للاستمتاع بها، وليس لتُشكِّل حملا إضافيا من قِبَل الجماهير والصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي. (2)

 

إذا أردنا التحدث عن مواقع التواصل الاجتماعي خاصة، فنستطيع التمثيل بلاعب ريدينغ السابق، دايف كيتسون، الذي تحدث لإذاعة "بي بي سي" ذات مرة عن التعليقات التي لا تهاجمه وحده بقدر ما تستهدف أسرته، متعجبا من ذكرهم في إطار لا علاقة لهم به، وهذا ما يجعل كرة القدم "تحولك إلى شخص متشائم لا يتوقع إلا الأسوأ". (2)

 

لا يسعنا إلا أن نتفق مع رؤية كيتسون هنا، ونتساءل: كيف يستطيع لاعبو الكرة أن يتكيفوا مع كل تلك المتطلبات حولهم؟ كيف يستطيعون أن يرتقوا إلى ذلك المستوى الذي يطالبهم به الجمهور كل مباراة، قبل أن يبدأوا في سن سكاكينهم على مواقع التواصل مع كل عرض سيئ؟ يجيبنا هنا رونالدو ذاته؛ حيث يرى الدون، حسب الكاتب المكسيكي الشهير خوان بيورو، أن كرة القدم رياضة عالية الأداء، رياضة تحتاج إلى العطاء المستمر عوضا عن السحر اللحظي. (3)

 

غير أنه حينما أطلق فاكوندو تيو، حكم مباراة المغرب والبرتغال في ربع نهائي المونديال، صافرة نهاية اللقاء معلنا مرور المغرب لنصف النهائي، وإقصاء رونالدو ربما لآخر مرة في تاريخه لاعبا، وقع الأمر كالصاعقة على الدون، ربما اكتشف حينها أن ظنونه كانت خاطئة، وأن الأمر لا يتعلق بالمستوى العالي فقط. ربما اكتشف أن الأمر يحتاج إلى تلك اللحظة الساحرة، تلك اللحظة التي أتت له دونا عن غيره في الوقت بدل الضائع وكان من شأنها أن تعدل النتيجة للبرتغال، ولكن الأداء العالي لم يسعفه، ولم تحمل قدماه التعويذة السحرية المناسبة لإعادة البرتغال للقاء، وربما هذا ما يأكل قلب رونالدو؛ أنه يحمل ذاك العبء على كتفيه دوما؛ عبء إنقاذ فريقه من الضياع.

 

"أطلس" كرة القدم

DOHA, QATAR - DECEMBER 10: Cristiano Ronaldo of Portugal looks on from the bench during the FIFA World Cup Qatar 2022 quarter final match between Morocco and Portugal at Al Thumama Stadium on December 10, 2022 in Doha, Qatar. (Photo by Francois Nel/Getty Images)
كريستيانو رونالدو البرتغالي يجلس على مقاعد البدلاء خلال مباراة ربع نهائي كأس العالم FIFA قطر 2022 بين المغرب والبرتغال (غيتي)

في الميثولوجيا الإغريقية، أطلس هو أحد الجبابرة الذين لم يعاقبهم زيوس بالنفي إلى تارتاروس، مدينة الموتى، بعد حرب الجبابرة التي شهدت انتصار زيوس. حكم زيوس على أطلس بحمل الأرض على كتفيه مدى الحياة، وإسقاط تلك الأسطورة الإغريقية في حاضرنا يتمثل في تحمل جُلّ العبء، في حين أنه لا حاجة إلى عقاب كهذا على الإطلاق. (4)

 

نشر جوناثان لو، أحد محرري الغارديان، مقالة في 21 أكتوبر/تشرين الأول الفائت عن الخصال التي تميز بها رونالدو طوال مسيرته وأدت في النهاية في رأيه إلى السقوط الحر للدون. استهل لو الحديث بالقول إن رونالدو قد تدرب وحيدا يوم الجمعة حينها، في صورة مثالية للاعب ظل طوال مسيرته يحمل العبء وحيدا، ويرى الأمر كعرض منفرد لا يدور إلا حوله، حتى مع المتغيرات التي حلت على الرياضة وفشل الدون في رؤيتها على ما يبدو. (5)

 

لم يسع فينسنت هوغان، أحد محرري الإندبندنت، إلا أن يتفق مع رؤية جوناثان لو في مقاله عن كريستيانو رونالدو؛ النرجسي الوحيد الذي يحترق في نيران غروره، حسب وصفه. يقول هوغان إن رونالدو قد اضطر إلى التظاهر بالمشاركة الوجدانية مع زملائه السعداء بعد مباراة سويسرا الأخيرة في المونديال، في حين أن بداخله نيرانا مشتعلة نتيجة أن الأمور تسير على ما يرام بدونه، وأن ربما هذا هو ما أدركه المدرب سانتوس في النهاية، وما لم يدركه الدون بعد. (6)

 

ربما هناك مبالغة في الوصف لكنه يستحق التوقف ولو قليلا، رونالدو لم يعد "نرجسيا" فقط كما يصفونه، بل أصبح وحيدا أيضا؛ كأطلس عندما حمل العالم على كتفيه، في حين أن رونالدو لم يحتج يوما إلى حمل أي شيء وحده على كتفيه، ولكنه قرر ذلك رغما عن كل شيء، قرر أن يحمل عبء العالم على كتفيه مثل أطلس ليكتشف في النهاية أنه بشر بعد كل شيء. إن لم تكن وفاة ابنه الصغير عند ولادته، وتبعات ذلك عليه وعلى عائلته، دليلا دامغا على ذلك، فما الدليل إذن؟

 

ربما شعر رونالدو أنه بحاجة ليحمل العبء على كتفيه بسبب ظروف عائلته في صغره، ربما شعر أن عليه ذلك بسبب احتياج والدته إليه في ذلك الوقت، ويظهر ذلك في وجودها ووجود عائلته باستمرار في حياته، وربما نجاحه في ذلك، الذي تَمثَّل في كونه أحد أنجح وأفضل اللاعبين تاريخيا، أوهمه بشكل أو بآخر أنه بحاجة إلى الاستمرار في فعل ذلك كي يستمر في النجاح؛ إيمانا منه بأن كرة القدم هي رياضة الأداءات والمستويات العالية، بينما كل ما كان على رونالدو فعله هو أن يرى بساطة الأمر.

 

لم يحتج الدون يوما إلى كل تلك التعقيدات، فقط كل ما كان يحتاج إليه هو أن يرى الصورة الأكبر؛ المستطيل الأخضر المملوء بـ21 لاعبا غيره، وأنهم هناك إن احتاج إليهم، وأنه -ببساطة- ليس أحد جبابرة الإغريق. على الرغم من سخرية الأمر، فهو يعيش الآن في تارتاروس الخاصة به. (7)

 

هوِّن عليك

MADRID, SPAIN - DECEMBER 23: Cristiano Ronaldo of Real Madrid greets Lionel Messi of Barcelona prior to the La Liga match between Real Madrid and Barcelona at Estadio Santiago Bernabeu on December 23, 2017 in Madrid, Spain. (Photo by Gonzalo Arroyo Moreno/Getty Images)
كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي "صورة أرشيفية"(غيتي)

لنتخيل ميسي ورونالدو جالسين معا بعد مرور الأول عبر تلك الفتحة الزمنية، كلاهما يمر بأسوأ وقت ممكن، وفي حالة ليو تحديدا كانت تلك اللحظة كافية لتجعله يرفع الراية البيضاء ويترك صفوف الألبي سيليستي ويتجه للاعتزال الدولي، قبل أن يعود مرة أخرى بمطالبات من الشعب الأرجنتيني. (8) (9)

 

ذاك الانكسار الذي شعر ليو به حينها هو الانكسار ذاته الذي ذرف دموعه الدون، الذي جعله يتناسى للحظة أنه يمارس رياضة عالية المستوى، ويتذكر أنه بشر مثلنا ويستطيع أن يُظهر حزنه للجميع، وربما هذا ما أراد ميسي إيصاله إلى رونالدو في مخيلتنا؛ أنه ليس وحيدا في مشاعره، وليس وحيدا إذا أراد مشاركة تلك المشاعر مع زملائه.

 

حديثنا هنا يأتي من أحد تصريحات رونالدو ذاته في 2016 عن زملائه في ريال مدريد حينها كريم بنزيما وغاريث بيل، عندما سُئِل عن صداقته معهما، وعما إذا كانت العلاقة بين نظرائهم في البلاوغرانا حينها -ميسي وسواريز ونيمار- أقرب، وكان رد رونالدو صريحا أنه لا يحتاج من بيل وبنزيما أن يحضرا إلى منزله لتناول العشاء ما داموا يتوافقون معا داخل الملعب، ورغم أن هذا يوحي بعلاقة احترافية جيدة، فإنه يجرد الأمر من التشارك الوجداني بين اللاعبين. (10)

 

يصبح ذلك مهما خاصة عندما نعلم أن حسب وجهة نظر لورا ديبتا، أحد محرري موقع "بليتشر ريبورت" (Bleacher report)، أن كرة القدم هي أكثر رياضة عاطفية بين جميع رياضات العالم تقريبا، فهي تجمع بين لحظات الشكوى، والإحباط، والحزن، والبكاء أيضا، وكم من لحظات رأينا فيها كل هذه المشاعر المختلطة، ولم يكن مشهد كريستيانو رونالدو أمام المغرب سوى إحدى هذه اللحظات. (11)

 

للقصة بقية على الدوام

DOHA, QATAR - DECEMBER 10: Cristiano Ronaldo of Portugal looks dejected after their sides' elimination from the tournament during the FIFA World Cup Qatar 2022 quarter final match between Morocco and Portugal at Al Thumama Stadium on December 10, 2022 in Doha, Qatar. (Photo by Lars Baron/Getty Images)
كريستيانو رونالدو بعد خروج فريقه من البطولة خلال مباراة ربع نهائي مونديال قطر 2022 بين المغرب والبرتغال (غيتي)

ربما تظنون أن الأمر هنا سيتعلق برونالدو وحده، لكن هذا ليس صحيحا. ستستمر قصة رونالدو في رأينا، ولن تنتهي عند هذه المحطة. فقط اسألوه وسيخبركم؛ ستستمر القصة ولو مؤقتا، وسينهض مرة أخرى ليُجابه الظروف كما فعل دائما، وفي الوقت ذاته سيستمر العديد من الناس في تذكير رونالدو وميسي بأحلك لحظاتهم، باللحظات التي يضعفون فيها أمام الكاميرات ولا يستطيعون تمالك أنفسهم، وستكون مدعاة للسخرية لوقت طويل.

 

هنا علينا أن نذكركم مرة أخرى أننا نتعامل في النهاية مع بشر، بشر لديهم مشاعر ولحظات قوة وضعف، لديهم لحظات فرح وحزن، لديهم كل ما يجعلهم مثلنا تماما، وأن شهرتهم وأرصدتهم في البنوك لن تقيهم من التعليقات أو الظروف السلبية المحيطة، فقط اسألوا ديرموت درامي، الذي انتحر بعد ستة أشهر من فقدان وظيفته مدربا لنادي كراولي تاون. (2)

 

بالطبع نستطيع القول إن العلاقة بين اللاعبين والجماهير قد تقاربت بسبب مواقع التواصل الاجتماعي، ورغم ما ينطوي عليه هذا التقارب من مزايا، فإن العالم ليس بهذا الجمال المُتخيَّل، فنحن نرى الرسائل والتعليقات المسيئة في عديد الأحيان تجاه اللاعبين، سواء أُرسِلت الرسائل مباشرة أو نُشِرت علنا، يقع الرياضيون في كثير من الأحيان ضحية لتصريحات مسيئة وتهديدية ومهينة من قِبَل مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي. ليس هذا مزعجا عند القراءة فحسب، بل يمكن أن يستحضر مشاعر الخوف والقلق التي يمكن أن يكون لها آثار طويلة المدى على اللاعبين. (12)

 

ربما لم يعد ميسي بالزمن لمشاركة رونالدو وجدانيا فقط، ربما عاد بالزمن ليوجِّه رسالة إلى محبيه حول إلى أي مدى يمكن أن تؤثر كلماتهم في النفوس، وأن هذا ينطبق عليه وعلى رونالدو أيضا، والأهم أن مشهد بكاء أيٍّ منهما ليس مضحكا على الإطلاق. ربما الرسالة القادمة من ملعب ميتلايف، من الماضي إلى الحاضر، لم تكن موجهة إلى رونالدو فقط، بل إلى العالم أجمع.

———————————————————————

المصادر:

1- تقرير مباراة الأرجنتين وتشيلي في نهائي الكوبا – Bleacher report

2- علينا أن نتذكر أن اللاعبين بشر – SBnation

3- قضية كريستيانو رونالدو المحيرة بقلم خوان بيورو – thought catalog

4- أسطورة أطلس – The OI

5- الخصال التي صنعت رونالدو هي سبب تدهوره – جوناثان لو – The Guardian

6- رونالدو، النرجسي الأوحد، يحترق في نيران الغرور – فينسنت هوغان – Independent

7- نبدة عن مدينة تارتاروس – Britannica

8- انكسار ليو ميسي بعد خسارة كوبا 2016 – Bleacher report

9- مطالبات الشعب الأرجنتيني بعودة ميسي للمنتخب بعد إعلان اعتزاله – Reuters

10- تصريح رونالدو عن بنزيما وبيل قبيل مباراة روما في دوري الأبطال عام 2016 – N Sport

11- مقياس البكاء – أي الرياضات التي يبكي فيها الرياضيون بشكل أكبر – لورا ديبتا – Bleacher report

12- تأثير مواقع التواصل الاجتماعي بالسلب على اللاعبين – Psychreg

المصدر : الجزيرة