شعار قسم ميدان

نكتة في ليفربول وأسطورة في سيلتا.. الحياة من منظور إياغو أسباس

VIGO, SPAIN - DECEMBER 14: Iago Aspas of Celta Vigo celebrates after scoring his sides second goal during the La Liga Santander match between RC Celta and Cadiz CF at Abanca-Balaídos on December 14, 2020 in Vigo, Spain. Sporting stadiums around Spain remain under strict restrictions due to the Coronavirus Pandemic as Government social distancing laws prohibit fans inside venues resulting in games being played behind closed doors. (Photo by Octavio Passos/Getty Images)

ظهيرة يوم 16 مايو/أيار 2004، والجو لطيف في الرياثور، ملعب ديبورتيفو لاكورونيا. لحظات ويبدأ ديربي إقليم غاليثيا بين لاكورونيا وسيلتا فيغو. السنوات الأخيرة كانت سنوات لاكورونيا؛ حصلوا على لقب الدوري في 2000، ومن حينها كانوا ينهون الموسم في مركز أعلى من سيلتا كل مرة.

 

في الموسم الماضي، 2002-2003، اقترب سيلتا فيغو وضيّق الفارق ليحجز المركز الرابع خلف لاكورونيا مباشرة، وبعد تأهله لدوري الأبطال، بدأ الجميع يشعر بأن حقبة جديدة في الصراع ما بين الناديين باتت على وشك البدء(1)(2).

 

ما حدث فعليا أن سيلتا هبط للدرجة الثانية في هذا الموسم، وانتهت الحقبة الجديدة قبل أن تبدأ. ديربي غاليثيا كان في الأسبوع قبل الأخير من هذا الموسم، وكان سيلتا قد ضمن الهبوط عمليا، ولكن الديربي يظل ديربي، خاصة عندما يكون آخر مباراة لنجم الفريق وصانع ألعابه الأفضل عبر تاريخه، ألكسندر موستوفوي، الروسي المهاري حاد المزاج والطباع، والذي قضى أكثر مسيرته يصنع الأهداف ويسجلها للسيليستيكوس(3).

 

المباراة انتهت بثلاثية نظيفة لديبورتيفو في أسوأ وداعية ممكنة لموستوفوي، وفي المنزل، في قرية صغيرة اسمها موانيا في فيغو، تقوم بالأساس على الصيد، كان إياغو الصغير ذو التسع سنوات يشاهد نجمه المفضل يغادر ناديه المفضل، الذي كان بدوره، يغادر أضواء لا ليغا بعد موسم شارك فيه بدوري الأبطال(4).

 

ركنية بائسة

كانت تلك لحظة عنيفة وفارقة لإياغو أسباس؛ موستوفوي كان دائم الإشادة به، ولكننا لا نعلم مدى تأثر إياغو الصغير بالروسي في أسلوب لعبه. في الواقع، البحث عن تفصيلة كتلك على الإنترنت عسير للغاية. أبسط المعلومات عن أسباس غير متاحة، وكلما بحثنا كنا نصطدم بلفظة "Corner"؛ في إشارة للركنية السيئة التي نفذها لليفربول أمام تشيلسي في موسمه الوحيد هناك 2013-2014. نعم، هي المباراة التي خمنتها.

 

هذه اللحظة هي أشهر ما يعرفه الإنترنت عن إياغو أسباس، ومهما سجل أو صنع من أهداف بعدها، ومهما تألق وأنقذ فريقه في اللحظات الصعبة، سيظل كل تعداد إنجلترا البالغ 56 مليون فرد يتذكر موسمه مع ليفربول بالوصف العبقري الذي كتبه كالوم رايس-كواتس، محرر "These Football Times"، "موسم ترغب في نسيانه لدرجة أنك لا تنساه أبدا"(5).

 

ديربي غاليثيا كان قبل مباراة تشيلسي بعشر سنوات بالضبط، في موسم شهد انتصارات على ميلان وأياكس أوروبيّا، وخسائر من ملقا وريسينغ ومورسيا محليا. موسم شهد تسجيل لاكورونيا 8 أهداف دون رد في شباك سيلتا بين مباراتي الذهاب والإياب في الدوري، وشهد رحيل موستوفوي والهبوط للدرجة الثانية للمرة الأولى في 15 عاما. لا بد وأنه كان موسما رغب إياغو في نسيانه أيضا لدرجة أنه لم ينسه قطّ.

 

كأي سقوط ملحمي من القمة للقاع، كانت الصدمة أكبر مما يُحتمل بالنسبة إلى الكثيرين من مشجعي الفريق. لا نعلم كيف كان رد فعل أسباس بالضبط، ولكننا نعلم أن هذا لم يغير من رغبته في الانضمام إلى مدرسة كرة فيغو. عندما كان الفريق يتأهل لدوري الأبطال، كان أسباس يزوّر شهادة ميلاده للانضمام إلى مدرسة الكرة، حيلته انكشفت والمحاولة فشلت، ولكنه عاود الكرّة بعد هبوط الفريق في صيف 2004، عندما كان عمره 9 سنوات رسميا، وحينها بدأت قصته مع الأزرق السماوي(6).

 

القلب.. كل القلب

PRESTON, LANCASHIRE - JULY 13: Iago Aspas of Liverpool during the Pre Season Friendly match between Preston North End and Liverpool at Deepdale on July 13, 2013 in Preston, Lancashire. (Photo by Alex Livesey/Getty Images)
إياغو أسباس في ليفربول

مثل موستوفوي، كان أسباس حاد المزاج والطباع بدوره. الأسطورة الشائعة عن انتشار هذه الصفة بين أهل المدن الساحلية صحيحة لدرجة ما، غالبا ما يكونون سريعي الاشتعال فعلا. طبعا كان هذا قبل العولمة والإنترنت وذوبان الكثير من الفوارق الجغرافية والاجتماعية بين البشر.

 

مدربو أسباس في الأكاديمية كانوا يستخدمون لوصفه مصطلحا إسبانيّا لسنا واثقين من دقته لغويا: "Es todo corazon"، أو بالتعبير الإنجليزي: "He’s all heart"، والمقصود أنه رجل تقوده مشاعره، ويقدم أقصى ما يملك طوال الوقت؛ لأنه لا يعرف طريقة أخرى للعب كرة القدم غير ذلك، الطريقة التي كان يلعب بها على الشاطئ مع أخيه عندما كان طفلا صغيرا عنيدا لا يحب الخسارة، حتى لو كان يفقد أعصابه أحيانا(6).

 

يحكي "سِد لو"، مراسل "The Guardian" و"ESPN" في إسبانيا، أن أسباس خرج في إعارة قصيرة لفريق "رابيدو دي بوزاس" المحلي أثناء مراهقته، وعندما واجه سيلتا وزملاءه السابقين، كان يلعب بالطريقة ذاتها، بل ربما بعصبية أكثر من اللازم، لدرجة أنه تعرض للطرد، وخرج من الملعب ليدخل في مشادة كلامية مع أهالي زملائه السابقين الذين حضروا لمشاهدة المباراة، والذين سيصبحون زملاءه مرة أخرى بعد نهاية الإعارة، قبل أن يعتذر لاحقا للجميع مؤكدا أنه لم يرغب في الخروج من الأساس(6).

 

لا أريد أن أكون في أي مكان آخر. كانت هذه هي العبارة التي يكررها دائما، وبسرعة أصبح لأسباس مجموعة من المحبين يحملون صورته ولافتات باسمه في كل المباريات، وبعد سنوات من التيه في الدرجة الثانية الإسبانية، كان سيلتا يعود لليغا مجددا، وكان أسباس يتصدر قائمة هدافي الفريق وصانعي أهدافه، بعد أن فعل الشيء نفسه في الموسم الذي سبقه(7).

 

في هذا الموسم، 2012-2013، تعرض أسباس للطرد مرة أخرى، ولكن هذه المرة كانت أمام ديبورتيفو لاكورونيا في ديربي غاليثيا. بعد تقدم الغريم بهدف وحيد، كان طرد إياغو في الدقيقة 28 إعلانا لنهاية المباراة رسميا. هيوغو مايو، زميله المصاب الذي كان يشاهد المباراة من المدرجات، يحكي أن الجميع كان غاضبا من أسباس بسبب الطرد، ولكن محبيه كانوا يهتفون باسمه في المدرجات، كانوا يشعرون بأنه طُرد لأنه واحد منهم، ومثلهم، يعجز عن السيطرة على نفسه أحيانا. كانت 8 حالات طرد في مسيرته ثمنا قليلا يدفعونه للحصول على من يمثلهم في الملعب، ليس الرجل الذي يفقد أعصابه لأنه مستهتر، أو لأنه لا يهتم، بل للعكس، لأنه يهتم أكثر من اللازم.

 

هنا فيغو

VIGO, SPAIN - DECEMBER 05: Iago Aspas of RC Celta de Vigo and Hugo Guillamón of Valencia CF in action during the La Liga Santander match between RC Celta de Vigo and Valencia CF at Abanca-BalaÌdos on December 5, 2021 in Vigo, Spain. (Photo by Octavio Passos/Getty Images)

23 سبتمبر 2015، أسباس يقف على اللافتات الإعلانية الإلكترونية في مواجهة الجماهير، فاردا ذراعيه للجنب ومشيرا بسبابتيه كعادته عند الاحتفال بعد أن أحرز هدفه الثاني في مرمى برشلونة، في مباراة انتهت بسحق أبطال الثلاثية برباعية مقابل هدف وحيد.

 

في تلك اللحظة، كان عدد الأهداف التي أحرزها أسباس في بطل أوروبا وإسبانيا هو نفس عدد الأهداف التي أحرزها في موسميه الأخيرين خارج فيغو، مع ليفربول وإشبيلية. معلق شبكة سكاي علق على الهدف قائلا: "نعم يا مشجعي ليفربول، إنه اللاعب نفسه!".

 

حينها خرج موستوفوي مصرحا بأن عودته كانت أفضل صفقة ممكنة، ومن حينها للآن، لم يكن هناك لاعب إسباني واحد أفضل من أسباس في لا ليغا. "سِد لو" يذهب لما هو أبعد، إذ يعتقد أنه، باستثناء ليونيل ميسي، فلم يكن هناك لاعب في لا ليغا أكثر تأثيرا على نتائج فريقه في هذه الفترة.

 

ما لا يدركه الكثيرون أن غياب نجم واحد عن فريق متوسط أو ضعيف كثيرا ما يكون تأثيره أكبر من حدوث المثل في فريق مثل برشلونة أو ريال مدريد. هذا الموسم مثلا شارك أسباس -وهو في الرابعة والثلاثين من عمره- في 55% من أهداف سيلتا فيغو في لا ليغا، سجل 10 أهداف وصنع 2 في 18 مباراة فقط. في الموسم الماضي كانت النسبة 49%، و46% في الموسم الذي سبقه، 2019-2020، عندما تفادى سيلتا الهبوط بمعجزة، و49% في 2018-2019، أفضل مواسمه رقميا على الإطلاق بـ20 هدفا و6 تمريرات حاسمة، وحينها أيضا قاد سيلتا للهروب من الدرجة الثانية في اللحظات الأخيرة(8).

 

أسباس كان قاسما مشتركا في كل لحظات إنقاذ الفريق من الهبوط في الأعوام الأخيرة. حتى قبل رحيله، في موسم 2012-2013، كان الهدف الذي صنعه لزميله ناتشو إنسا -بمراوغة رائعة وتحرك ذكي على اليسار- هو ما أبقى سيلتا في لا ليغا حينها. في الموسم الذي سبقه، كان أسباس يسجل 23 هدفا في 35 مباراة ليقود سيلتا للعودة إلى الدرجة الأولى.

 

في الواقع، أول مباراة لعبها أسباس للفريق الأول على الإطلاق شهدت أصعب إنقاذ ممكن في مسيرته. في 2009 كانت ديون سيلتا قد جاوزت 80 مليون يورو، وكان على وشك الهبوط للدرجة الثالثة وإعلان إفلاسه رسميا، وفي أول ظهور بقميص سيلتا فيغو، شارك أسباس بديلا وسجل هدفين ضد ألافيش في ملعب بالايدوس، أحدهما كان في الدقيقة 95، لينجو سيلتا من التيه بمعجزة أخرى. أن تعثر على لحظة انتصار -أو تجنب للفشل بالأحرى- لم يكن أسباس بطلها في تاريخ سيلتا الحديث لهو أمر بالغ الصعوبة.

 

المجتمع والناس

BARCELONA, SPAIN - MAY 16: Santi Mina of Celta Vigo celebrates after scoring their team's first goal with Iago Aspas and Nolito during the La Liga Santander match between FC Barcelona and RC Celta at Camp Nou on May 16, 2021 in Barcelona, Spain. Sporting stadiums around Spain remain under strict restrictions due to the Coronavirus Pandemic as Government social distancing laws prohibit fans inside venues resulting in games being played behind closed doors. (Photo by David Ramos/Getty Images)

الثالث من نوفمبر 2019، بيبي بوردالاس، مدرب سيلتا فيغو، يصرح قبل مباراة خيتافي بأن أسباس لا يلعب لفريق كبير لأنه لا يرغب في ذلك، وليس لأنه لا يستطيع، معرضا نفسه لسخرية 56 مليون نسمة يعيشون في إنجلترا ولا يستطيعون نسيان الموسم الذي يرغبون في نسيانه(7).

 

قبل هذا التصريح بشهور قليلة، كان أسباس يرفض عرضا خياليا من الدوري الصيني، كان ليحصل بمقتضاه على 7 ملايين يورو سنويا، وبدلا من ذلك فضّل البقاء مع سيلتا بـ20% من الراتب لسبب بسيط جدا من وجهة نظره: "أنا أشعر بالحب هنا… بيت أهلي قريب مني وأستطيع أن أرى أطفالي بانتظام… هذه الأشياء لا تُعوَّض، وغيابها يهدر سنوات من عمرك"(9).

 

يصعب أن تجد 56 مليون نسمة في أي مكان على سطح الكوكب يصدقون هذا التصريح. العالم والمجتمع والناس هم من يقررون معايير النجاح، وهم من يعتقدون أن النجاح يستحق التخلي عن كل شيء، وهم من سيخبرونك أن أسباس كان أحمق عندما رفض عرض الصين، أو عندما استسلم في ليفربول، أو عندما فشل في الانسجام في إشبيلية، وهذا كله قد يكون صحيحا فعلا من وجهة نظر النجاح.

 

من وجهة نظر أسباس، كانت الحياة أبسط بكثير، النجاح ليس كل شيء، لأنه سيظل نجاح الآخرين، وفقا لمعاييرهم المتغيرة دائما، وفي كثير من الحالات، قد يتعارض هذا النجاح مع السعادة. بالنسبة إلى أسباس، كان البقاء مع سيلتا وإنقاذهم من الهبوط مرة تلو الأخرى أمتع وأكثر إثارة وإشباعا من أي شيء آخر.

 

كل ما رغب فيه أسباس منذ طفولته كان الاحتفال أمام جماهير السيليستيكوس في بالايدوس بعد كل هدف، وفي زمن آخر، كان هذا ليصبح أهم من النجاح في ليفربول، وأهم من 15 مباراة في إنجلترا يريد 56 مليون نسمة أن يمحوها من ذاكرتهم، ببساطة لأن هناك 300 ألف في فيغو سيظلون يتذكرونه للأبد.

———————————————————————————

المصادر

  1. أيام الديربي؛ غاليثيا..كرة القدم الإسبانية كما لم تشاهدها من قبل – COPA 90
  2. سيلتا فيغو ضد ديبورتيفو لاكورونيا؛ ديربي غاليثيا..عندما يغني مشجعو الخصوم سويًا – The Guardian
  3. مشاركات ألكسندر موستوفوي مع سيلتا فيغو في موسم 2003-2004 – Transfermarkt
  4. إياغو أسباس..قصة مسيح فيغو المُخلّص – El Arte Del Futbol
  5. إعادة ميلاد إياغو أسباس – These Football Times
  6. سيلتا فيغو يفوز على برشلونة بفضل إياغو أسباس..البطل المصنوع محليًا – ESPN
  7. إياغو أسباس كان أفضل لاعب وممثل لليغا هذا الموسم – ESPN
  8. إحصائيات إياغو أسباس – Transfermarkt
  9.  أسباس يرفض عرضًا قيمته 7 مليون يورو في الموسم لمساعدة سيلتا فيغو على تجنب الهبوط – Give Me Sport
المصدر : الجزيرة