شعار قسم ميدان

فينيسيوس جونيور: اتركه في المياه.. ودعها ترفعه

كلما سمعت أو رأيت اسم "فينيسيوس جونيور" في الموسم الحالي، فإنك على الأغلب ستجد نفسك محاصرا بالعبارات التالية وما شابهها: "شاهد أبرز مهارات فينيسيوس في الموسم الجديد"، "سر انفجار البرازيلي الشاب تحت قيادة أنشيلوتي"، "توهج فينيسيوس يضعه في مقدمة لاعبي العالم من حيث القيمة السوقية في 2022″، بالمناسبة، فإن الجملة الأخيرة حقيقية. لكن بالنسبة لنا فإن "فينيسيوس" يُذكِّرنا دائما بأحد أبرز مشاهد "عادل إمام" الكوميدية.

في مسرحية "الواد سيد الشغال" كان "عادل إمام" يقوم بدور النادل في حفلة تضم كبار المسؤولين ورجال الأعمال، وفجأة، ظهر أمامه شخص لا يبدو عليه أي علامة من علامات الثراء مثل أقرانه. وكلما مر "إمام" من أمامه، سخر منه بعبارته الشهيرة: "أنت ايه اللي جابك هنا؟". وبعد فاصل من الكوميديا الساخرة، اكتشف أن هذا الرجل هو أحد أكثر الموجودين ثراء.

في ريال مدريد، حيث الغالاكتيكوس والذهب الذي لا يصدأ وغيرها من العبارات الرنانة، لا يمكن أن ينظر أحد إلى "فينيسيوس جونيور" صاحب الـ 17 عاما -وقت التعاقد معه- إلا بنظرة "عادل إمام"، ومع كل مراوغة زائدة عن الحد أو تصرُّف غير صحيح بالكرة، كانت عبارة "ايه اللي جابك هنا؟" حاضرة. ومن قلب هذا المشهد الساخر، قرَّر "فينيسيوس" -فجأة- قلب الطاولة، ليُذكِّرنا أن النتائج لا تخضع دائما للمقدمات.

الورطة الأولى

في مايو/أيار عام 2017، فاجأ نادي ريال مدريد جماهيره بالتوصُّل إلى اتفاق مع "فلامينغو" البرازيلي لضم مراهق -لم يبلغ عامه السابع عشر- يُدعى "فينيسيوس"، على أن تنتقل ملكية اللاعب كاملة إلى ريال مدريد في يوليو/تموز 2018، وينضم فعليا في العام الذي يليه، ما لم يتفق الناديان على تغيير الموعد. كم عدد المباريات التي خاضها اللاعب مع الفريق الأول لناديه؟ مباراة واحدة فقط، وكانت قبل الاتفاق بعشرة أيام، تحديدا بالدوري ضد أتلتيكو مينيرو. بالتأكيد لن نجد أفضل من هذا لبدء مشهدنا العبثي. (1)

كان الكل مندهشا، لكن أكثر مَن استطاع التعبير عن دهشته كان "بارني روناي" في صحيفة "الغارديان"، عندما عَنون مقاله بجملة: "المراهق المُقدَّرة قيمته بـ 38 مليون باوند وهو لم يفعل شيئا بعد". حكى "بارني" عن محاولته مشاهدة كل مباراة لعبها "فينيسيوس" انطلاقا من حبه للبرازيليين، وكذلك لاستكشاف هذه الصفقة الغريبة، فوجد نفسه أمام لاعب يجلس معظم الوقت على دكة البدلاء، وعندما يشارك يشغل الجهة اليسرى من هجوم فريقه، ويلعب بقوة خرقاء بعض الشيء. (2)

كان "فينيسيوس" قد صنع مجده مع منتخب البرازيل تحت 17 عاما، حيث خاض 22 مباراة وسجَّل 19 هدفا، وكان أفضل لاعب في بطولة أميركا الجنوبية تحت 17 عاما، التي تُوِّج فيها المنتخب البرازيلي باللقب وكان هداف البطولة برصيد سبعة أهداف. وعن هذا الإنجاز قال "بارني روناي": "يعلم الجميع، ويعلم ريال مدريد، ونأمل أن يعلم فينيسيوس جونيور، أن هذا لا يعني شيئا".

الورطة الثانية

للوهلة الأولى، يبدو الأمر وكأنه تشكيك في موهبة البرازيلي أو إطلاق حكم مُتعجِّل حول قدراته، لكن في الحقيقة، كان ذلك مجرد توصيف منطقي للاعب، إنجازه الوحيد كان ضد أقرانه دون 17 عاما، وقد وجد نفسه متورِّطا في هذه الصفقة الضخمة. لكن لأن ورطة واحدة لا تكفي، وجد "فينيسيوس" نفسه عالقا في أخرى.

انضم "فينيسيوس" لصفوف النادي الملكي في صيف عام 2018، وفي يناير/كانون الثاني من العام التالي أتم ريال مدريد صفقة مفاجئة أخرى بضم "إبراهيم دياز" (19 عاما في ذلك الوقت) من نادي مانشستر سيتي. لتتصدَّر صورة اللاعب غلاف صحيفة "AS" الإسبانية رفقة مجموعة من اللاعبين الشباب الذين يُمثِّلون المشروع الجديد للفريق، وكانت عبارة "المشروع الجديد" بالتحديد هي المشكلة. (3)

كانت جماهير ريال مدريد قد اعتادت مع "فلورنتينو بيريز" على الصفقات الضخمة، وإذ فجأة، صار الرجل المهووس بالغالاكتيكوس يبحث عن المواهب الصغيرة، بحجة أن النادي الملكي العريق يريد تجنُّب مشكلات قانون اللعب المالي النظيف. وفي ليلة وضحاها، استيقظ المشجعون ليجدوا قائمة فريقهم تحتوي على الأسماء التالية: إبراهيم دياز، ومارتن أوديغارد، وماركو أسينسيو، وثيو هيرنانديز، ولونين، وفاييخو، وسيبايوس، ورودريغو، وفينيسيوس، بالإضافة إلى الياباني كوبو وأشرف حكيمي وريغيلون وماركوس لورينتي. (4)

الآن، لِنَعُد إلى صاحبنا الذي وجد نفسه وسط هذا المشروع، بل إنه كان واجهة سياسة الانتقالات الجديدة لـ "بيريز". ما زاد الطين بلة هو رحيل "كريستيانو رونالدو"، ثم فشل مُعوِّضه الرئيسي "إدين هازارد"، ليصبح "فينيسيوس" مطالبا بملء فراغ البرتغالي، وملء الفراغ الذي فشل مُعوِّضه في ملئه! مع التذكير أن "فينيسيوس جونيور" -حتى كتابة هذه السطور- لم يتجاوز بعد عامه الثاني والعشرين.

رتوش

مع المعطيات السابقة، تبقَّت بضعة رتوش ليكتمل المشهد، أولها هو تذكُّر أننا نتحدث عن أنجح أندية أوروبا، الذي لم تمانع جماهيره المهووسة بالبطولات في إطلاق صافرات استهجان على لاعبين مُصنَّفين أساطير في تاريخ النادي. وثانيها هو المرور على أرقام "فينيسيوس" في أول 3 مواسم، وتخيل ردة فعل الصحافة.

في موسم 2018-2019، اكتفى الدولي البرازيلي بتسجيل 3 أهداف وصناعة 11، بين الليغا وكأس الملك ودوري أبطال أوروبا. وفي موسم 2019-2020، أحرز 5 أهداف وقدَّم 4 تمريرات حاسمة، ثم في موسم 2020-2021، أحرز 6 أهداف وصنع 7 أخرى. (5)

مثل هذه الأرقام الهزيلة جعلت "فينيسيوس" صيدا سهلا للانتقاد والسخرية، خاصة فيما يتعلَّق برقمه القياسي في الليغا والبالغ 3 أهداف فقط، ناهيك بعرضه على أندية أخرى للتخلُّص منه، تارة يوفنتوس من أجل ديبالا، وتارة مانشستر يونايتد في أثناء التفاوض حول صفقة "رافائيل فاران"، ثم أتت واقعة بنزيما وهو يطلب من ميندي عدم التمرير لـ "فينيسيوس" لتجعل البرازيلي أمام مصير واحد فقط؛ الفشل. (6)(7)(8)

اتركه في المياه

في مثل هذه المرحلة العمرية، يجب أن يوفر النادي خطة واضحة لتطوير اللاعب، تقنيا وتكتيكيا وذهنيا. لكن بالنظر إلى ما سبق -تذكَّر التعاقد مع هازارد في المركز نفسه- ومرور "فينيسيوس" على أربعة مدربين (لوبيتيجي، وسولاري، وزيدان، وأنشيلوتي)، كانت الخطة بكل بساطة هي ترك البرازيلي في المياه، وانتظار أن ترفعه.

فجأة، كان "فيني" قادرا على تقبُّل أرقامه الضعيفة قياسا بسعره الضخم، واستيعاب ضغط الجماهير والإعلام وعدم ثقة الزملاء، وكان يرى أن لاعب ريال مدريد يجب أن يكون مستعدا للنقد، وقد أصرَّ في أكثر من لقاء صحفي على أنه سيواصل العمل حتى يحين وقته. (9)

إذا افترضنا أنك مؤمن بموهبة "فينيسيوس"، فإنك ربما ترى أن الجانب النفسي هو الأكثر مساهمة في انفجاره الحالي. في هذا الصدد، صرَّح مصدر مُقرَّب من أنشيلوتي لشبكة "The Athletic" قائلا: "ينقل كارلو الثقة إلى فينيسيوس، حتى يؤمن الطفل بنفسه وبإمكانياته. كارلو يعرف أنه يتمتع بالكثير من الجودة، ويمكنه أن يجلب الكثير إلى مدريد، لكنه شعر أنه يفتقر إلى الثقة". (10)

كان هذا اعترافا بأن "فينيسيوس" ربما احتاج إلى دفعة بعد المواسم الثلاثة الأولى في مدريد، لأن الأمر لم يكن سهلا دائما مع المدرب السابق زين الدين زيدان، الذي كان دائم الدعم في العلن، لكنه لم يُظهِر أبدا ما يكفي من الثقة لجعله لاعبا أساسيا يُعتمد عليه. ففي موسم 2020-2021 ظهر فينيسيوس في 35 مباراة بالدوري الإسباني، وسجَّل في الكلاسيكو، لكنه أكمل 90 دقيقة في ثماني مناسبات فقط. في دوري أبطال أوروبا، احتل عناوين الصحف بتسجيل هدفين في الفوز 3-1 في مباراة الذهاب في ربع النهائي على ليفربول، لكن في جميع المباريات الأوروبية الـ 12، لم يُكمل التسعين دقيقة في أي مناسبة.

سر الانفجار

حسنا، أخيرا وجدنا السر، لاعب مراهق موهوب احتاج إلى بعض الثقة كي ينفجر وانتهت القصة، صحيح؟ الإجابة لا، وإليك ما سيزيد الأمر غموضا، في تقرير لشبكة "The Athletic"، وصف مصدر مُقرَّب من غرفة ملابس ريال مدريد انفجار "فينيسيوس" بالأمر الغامض الذي يعجز عن شرحه، وأكَّد صراحة أن "أنشيلوتي" نفسه متفاجئ من الأمر!

لذلك سنضطر لتجاوز الجانب النفسي -رغم أهميته غير القابلة للشك- ومحاولة البحث عن شيء ملموس نستطيع الإمساك به بوضوح. وسنبدأ بالرسمين التاليين، في الأول ستجد أن موسم 2021-2022 هو أول موسم لـ "فينيسيوس" يُسجِّل فيه أكثر من المتوقَّع، وفي الرسم الثاني ستجد انخفاضا واضحا في عدد التسديدات بعد الموسم الأول، ثم تحسُّنا في رقم الـ "xG"، أو الأهداف المتوقعة، لكل 90 دقيقة في موسم 2021-2022. وهنا يمكن ملاحظة تحسُّن اللاعب في إنهاء الهجمات، وأيضا من ناحية التمركز والتحرُّك بدون كرة للحصول على فرص تسجيل أكثر جودة.

مقارنة أهداف فينيسيوس جونيور في الليغا بالأهداف المتوقعة (11)

في يوليو/تموز عام 2019، أفصح "فينيسيوس" في لقاء صحفي عن تدرُّبه فرديا مع "زيدان" لتحسين قدرته على إنهاء الهجمات، ثم تواصل الأمر مع "أنشيلوتي" الذي نصح اللاعب البرازيلي بلمس الكرة عددا أقل من المرات قبل التسديد وإنهاء الهجمة.

هذا فيما يتعلق بجودة الإنهاء، أما عن التمركز والتحرُّك بدون الكرة، فيبدو أن وعي "فينيسيوس" التكتيكي قد بدأ بالتطور تدريجيا، وصار أكثر حِدَّة في مهاجمة المساحات. في السياق نفسه، نشر المدرب المصري بأكاديمية باريس سان جيرمان، "حسن بلتاجي"، مقطع فيديو لـ "فيني" في مباراة كأس السوبر أمام برشلونة وهو يُنفِّذ أحد التحرُّكات الخاصة بالمهاجمين ويُدعى "run across the front"، وهو واحد من التحرُّكات التي يتعلَّمها المهاجمون والأجنحة لمباغتة المدافعين، وأغلب الظن أن اللاعب لم يتعلمه بمفرده.

 

ورغم العمل الفني والنفسي الواضح لأنشيلوتي، من الواضح أنه تفاجأ بالمردود السريع للاعب، لأن المشهد العبثي الذي عاشه المراهق الذي لم يكمل 22 عاما لا يمكن أن ينتُج عنه مثل هذا التطور السريع. كل ما حدث هو أن فينيسيوس طفا فوق المياه، مُستعينا بمدرب لياقة خاص وطباخ خاص وكأنه تجاوز فترة المراهقة منذ دهر، وكما قال أحد الجماهير مُعلِّقا على تقرير عن فينيسيوس: "من النادر أن تجد لاعبا يتطور في ريال مدريد، إنها قصة طريفة لنراها"، وها نحن في انتظار بقية فصولها في المستقبل. (15)

_________________________________________________________

المصادر:

  1. خبر تعاقد ريال مدريد مع "فينيسيوس جونيور" – صحيفة الغارديان
  2. مقال "بارني روناي" عن "فينيسيوس" بعد الإعلان عن اتفاقه مع ريال مدريد – صحيفة الغارديان
  3. غلاف صحيفة "AS" الإسبانية بعد صفقة "إبراهيم دياز".
  4. إستراتيجية ريال مدريد الجديدة في سوق الانتقالات – Tifo Football
  5. أرقام "فينيسيوس" من موقع "ترانسفير ماركت"
  6. ريال مدريد يعرض "فينيسيوس" على يوفنتوس – صحيفة AS
  7. ريال مدريد يعرض "فينيسيوس" على مانشستر يونايتد – صحيفة AS
  8. بنزيما يطلب من ميندي عدم التمرير لـ "فينيسيوس" – Talksport
  9. تعليق "فينيسيوس" على النقد الموجه له – صحيفة AS الإسبانية
  10. تقرير "The Athletic" عن "فينيسيوس" بعنوان "لقد تعلم إنهاء الهجمات في أسبوع"
  11. أرقام "فينيسيوس" – understat
  12. أرقام "فينيسيوس جونيور" – Fbref
  13. زيدان يدرب فينيسيوس فرديا – AS الإسبانية
  14. نصيحة أنشيلوتي لفينيسيوس من أجل إحراز الأهداف – Marca الإسبانية
  15. فينيسيوس يتبع نهج رونالدو – Marca الإسبانية
المصدر : الجزيرة