فيرنانديز ودي بروين وهاري كين.. هل عاد زمان الرقم 10 في البريميرليغ؟

في الموسم الماضي، وقعت ظاهرة لم يسبق أن حدثت في تاريخ البريميرليغ، وهي وجود ظهيرين في قائمة أفضل 5 صُنَّاع لعب بنهاية الموسم، كانا هما روبرتسون وأرنولد من ليفربول طبعا بـ 12 و13 تمريرة حاسمة على الترتيب، مُتفوِّقين على أسماء مثل رياض محرز وصلاح وبرونو فيرنانديز. في الواقع، لم يتفوق على الثنائي في صناعة الفرص سوى كيفين دي بروينه لاعب مانشستر سيتي فقط لا غير. (1) (2)
في الموسم الحالي، خلت القائمة نفسها من أي ذكر للأظهرة، بل وسيطر عليها صُنَّاع اللعب التقليديون في المركز رقم 10، مثل هاري كين وبرونو فيرنانديز وجاك غريليش، وكيفين دي بروين مجددا، وهنا يفرض السؤال نفسه؛ هل عاد الرقم 10 للواجهة في البريميرليغ؟ (3)
يرى أليكس كيبل، أحد مُحلِّلي موقع غول العالمي، أن التفسير الأوضح والأهم للمعان أصحاب الرقم 10 في البريميرليغ هذا الموسم هو الإجهاد الذي تُعاني منه الفِرَق كافة بعد فترة مضغوطة للغاية، لم يسبق لها مثيل في تاريخ المسابقة الحديث. هذا الإجهاد ينال من اللاعبين بدنيا وذهنيا طبقا لكيبل، وبالتالي يسمح للأذكياء منهم، هؤلاء الذين يشغلون المساحة بين خط دفاع الخصم وخط وسطه، بالهرب من الرقابة بكثافة أعلى. (4)
33 assists between Robertson and Alexander-Arnold since that start of last season! A reminder that neither of them made FIFA's World XI 😳 pic.twitter.com/4uPVcFuHac
— ESPN FC (@ESPNFC) October 2, 2019
في الواقع، ينعى كيبل في تحليله مسعود أوزيل، الرجل الذي رحل عن أرسنال على الرغم من أنه، طبقا لكيبل، كان من الممكن أن يقود هجومه في هذا الموسم، وكان من الممكن أن يعود له بريقه في موسم شهد تألُّق صُنَّاع اللعب من "الحفرة" (Hole)، الاسم الذي يُطلَق على هذه المساحة دائما.
تَعاقُب المباريات مع كثافة الإصابات وخشية الأندية من إجراء تغييرات في التشكيل أو الجهاز الفني، مع تداعيات الجائحة والتهديد شبه الدائم بإلغاء الموسم، كل هذا أفقد الأندية والأجهزة الفنية الكثير من التحكُّم والسيطرة على ما يحدث في الملعب. صحيح أن الخطط ما زالت تزداد تعقيدا، وما زال الجميع يجتهدون للحصول على النقاط في كل مباراة، ولكن لا أحد يستطيع منع الأخطاء الفردية المتكررة التي أصبحت أهم عناوين البريميرليغ هذا الموسم. (5)
كل هذا عاد بالبريميرليغ إلى نسخة أقرب للبدائية إن جاز التعبير، نسخة باتت أكثر اعتمادا على فرديات اللاعبين وذكائهم الفطري وقدرتهم على التصرُّف في المواقف الصعبة والتعامل مع المتغيرات المختلفة أثناء المباراة. الوصف الصحيح لهذا ربما يكون الفوضى، وفي الفوضى يلمع هؤلاء الذين لم يكونوا بحاجة إلى النظام في المقام الأول.
📊 Bruno Fernandes leads the Premier League in xA [expected assists] and has the 5th highest xG [expected goals]. pic.twitter.com/aalz9iPJMZ
— UtdDistrict (@UtdDistrict) March 25, 2021
في الواقع، يمكنك أن تجزم بسهولة أن لاعبَيْن مثل كين وفيرنانديز كانا ليلمعان في الدور نفسه حتى ولو لم يكن الموسم الحالي استثنائيا، وحتى لو لم تكن الجائحة قد وقعت، ببساطة لأنهما ينشطان في فريقين غارقين في الفوضى هجوميا، لا يمتلك أيٌّ منهما منهجية واضحة مُحدَّدة لتسجيل الأهداف وتهديد مرمى الخصوم سوى الاعتماد على مهارات اللاعبين.
في بيئة كتلك، وَفَّرَ كلٌّ من توتنهام ومانشستر يونايتد نسخة بدائية فعلا من اللعبة لكلٍّ من فيرنانديز وكين، حيث يملك كلٌّ منهما حرية مطلقة في اتخاذ القرارات في الثلث الأخير، وفي الوقت ذاته يملك كلا اللاعبَيْن ثقة زملائه، فيستدعون تمريراته بتحرُّكاتهم وهم على يقين أنه قادر على الاستجابة.
كل ما سبق لا يمكن فصله عن السياق الأكبر والأعم في هذه المسألة، وهو حقيقة أن الطراز التقليدي لصانع اللعب رقم 10 لم يعد رائجا أصلا، ولن يكون كذلك في أي فترة من المستقبل، ببساطة لأن كرة القدم الحديثة لم تعد تتسامح مع الكسل والاستهتار وضعف البدنيات واللياقة. (6)
الأهم أن كرة القدم الحديثة لم تعد تتسامح مع التخصُّص كذلك، حيث لم يعد بإمكان أي لاعب أن يكتفي بأداء وظيفة واحدة في الملعب حتى لو كان الأفضل فيها على الإطلاق. هذا كله جزء من أسباب تراجع الاعتمادية على الرقم 10 فيما سبق أصلا؛ ناهيك بأن الفِرَق والمناهج الكروية لم تعد تعتمد على مصدر واحد رئيس للإبداع وكسر الخطوط وتفكيك التكتلات، فيما أصبحت المهام الإبداعية، إن جاز التعبير، مُوزَّعة على عدد أكبر من اللاعبين في الفريق ذاته.
بالطبع فإن كل هذا مجرد امتداد طبيعي لتطوُّر اللعبة، إذ كان متوقَّعا مع الوقت، ومع تطوُّر الإحصائيات والتقنية، وزيادة تعقيد الأساليب التكتيكية، أن يحاول المدربون زيادة مساحة المعلوم على حساب المجهول، وأن يرفضوا أن يتعلَّق مصيرهم بحالة لاعب واحد قادر على التسبُّب في الفوز بالمباراة أو خسارتها، وأن تصبح كرة القدم أكثر جماعية من ذي قبل، في محاولة لتقليص المساحات الرمادية غير المضمونة.
When Mesut Ozil created magic on the football field. 🔥
Sad to see him decline in the last few years! ☹
📽 @EuropaLeague pic.twitter.com/peyJ6ecDhM
— Football Tekkers (@BallTekkers) August 3, 2020
في أحد أهم التحليلات التي نُشرت عن الفكرة، قارن موقع "Football Whispers" بين أوزيل، الرجل الذي يفتقده كيبل بشدة، وبين ما سمَّاه بـ "الجيل الجديد من صُنَّاع اللعب في البريميرليغ"؛ أمثال جيسي لينغارد وجيمس ماديسون وغيلفي سيغوردسون وروبرتو فيرمينو وغيرهم، مُشيرا إلى حقيقة مشكلة أوزيل في أرسنال، ومع الكرة الحديثة عموما؛ وهي التخصص ومحدودية القدرات. (7)
المقارنة تحدَّثت عن نقطتيْن رئيستين؛ قدرة أوزيل على المساهمة في المهام الدفاعية، وقدرته على تسجيل الأهداف، وفي كلتا النقطتين كان أوزيل أسوأ لاعبي القائمة على الإطلاق وبفارق ضخم عن الأقرب له، وذلك على الرغم من كونه أكثرهم قدرة على الإبداع، وأكثرهم صناعة للفرص لزملائه.
هذه النقطة هي ما يُميِّز صُنَّاع لعب البريميرليغ الحاليين بالضبط، ومثلما كانت سببا في خفوت نجم الألماني ذي الأصل التركي كانت سببا في لمعان نجم غيره؛ مثل دي بروين الذي اعتاد اللعب في محور الارتكاز مع غوارديولا لموسم واحد على الأقل، وكذلك برناردو سيلفا، وهو ما وقع أيضا مع فيرنانديز إبان تكوُّنه في إيطاليا، وحتى خيميس رودريغز الذي اكتسب خبرات بوصفه لاعب محور ثالث أو رقم 8 مع أنشيلوتي في بايرن ميونيخ، وحتى اللاعبين الشباب مثل غريليتش وماديسون نشأوا على هذه المفاهيم في أكاديميات ليستر وأستون فيلا، المفاهيم التي كان الضغط جزءا مهما منها، ولو كانوا بتكاسل أوزيل أو استهتاره لما وصلوا إلى الفريق الأول أصلا ولما لمعوا في فِرَق الشباب.
كرة القدم لعبة تُعيد إنتاج نفسها طوال الوقت، وما كان قديما بالأمس قد يصبح جديدا غدا، وفي وسط كهذا تنشط السرديات المفتعلة لأتفه الأسباب، وتُبنى الاستنتاجات إن تكرر الشيء مرة أو مرتين، وتُخلق الأنماط من العدم للتبشير بأفكار قد لا تكون موجودة من الأساس.
هذه الحالة ليست استثناء. ربما لا يستحق الأمر التحليل أساسا، وسيظل ظاهرة عارضة لظروف يصعب تعقُّبها وفهمها. إحدى أهم الحجج لدحض نظرية عودة الرقم 10 هي حقيقة أن روبرتسون وأرنولد يمران بموسم سيئ مع ليفربول، وهذا هو الفارق الوحيد الحقيقي بين قائمة صُنَّاع اللعب في الموسم الماضي والحالي، ولو كان ليفربول قد تمكَّن بطريقة ما من الاستمرار في المنافسة على اللقب، لما اختلفت القائمة بأي شكل.

هذا احتمال وارد لا يمكن إقصاؤه من المعادلة، أن تكون القصة برمتها عبارة عن حكاية اختلقناها لنفهم ما يحدث هذا الموسم، فحينما يصبح تألُّق أصحاب الرقم 10 جزءا من ظرف أكبر وأشمل يصبح الأمر أسهل على الفهم والتذكُّر.
لكن إن كان هناك ظاهرة واحدة يمكنها تفسير تألُّق أصحاب الرقم 10 عموما عبر دوريات أوروبا الخمسة فهي الصعود الصاروخي لنظام الضغط والضغط المضاد عبر العقد الماضي، والاعتماد على التحوُّلات بوصفها مصدرا أساسيا لخلق الخطورة، واختطاف الكرة في وضعيات غير مريحة للخصم يكون فيها مدافعوه في وضعية غير صحيحة للدفاع عن مرماهم. (8) (9)
تلك الطريقة هي المفضلة لكل المدربين الجدد الذين يَشقُّون طريقهم في اللعبة، وفي كثير من تفاصيلها هي تسمح لأصحاب الرقم 10 بالتألُّق واللمعان، لا بصناعة الأهداف وحسب، بل بتسجيلها أيضا، وبغزارة أكبر من المعتاد.
تمديد الملعب طوليا بسرعة ثم نقل الكرة إلى الأطراف وإعادتها مرة أخرى للقلب في انتظار اللاعب المندفع من الخلف للتسجيل بعد هربه من الرقابة، شهدنا تكرار هذه التفاصيل أكثر من مرة مع أكثر من مدرب في أكثر من دوري، كلهم يرغبون في تسجيل الأهداف دون الاضطرار للاستحواذ على الكرة لفترات طويلة، كلهم لا يرغبون في مواجهة التكتلات الدفاعية في الثلث الأخير بينما يتركون مساحات شاسعة في أظهرهم، وهذه الطريقة تستخدم المهاجم دائما أداةً لسحب المدافعين جهة مرماهم، وخلق المساحة الفارغة في ظهورهم التي يُسجِّل منها الرقم 10 باستمرار.
طريقة رأيناها هذا الموسم تتكرَّر مع غريليتش في أستون فيلا، وأوديغارد في أرسنال، ودي بروين في سيتي، وفيرنانديز في يونايتد، وماونت في تشيلسي، وحتى هافرتز في ليفركوزن، وبنزيما في ريال مدريد، وميسي في برشلونة، ومولر في بايرن ميونيخ. عبر أوروبا، كانت الموجة الثانية من التحوُّلات هي ما سمح بتفريغ هذه المساحة في الهجمات المعاكسة السريعة، المساحة التي لا تخلو عادة من لاعب من محاور ارتكاز الخصم، إنْ لم يكن أكثر من واحد.
الحقيقة أنه لا يوجد نمط واضح لعودة الرقم 10 يمكن ربطه بلاعبين بعينهم، ولكنه نمط مرتبط بطريقة اللعب ذاتها التي تُوفِّر لبعضهم فرصا أكبر للتسجيل والصناعة والتألُّق، وحتى ولو لم يكونوا صُنَّاع لعب بالأساس مثل هاري كين ومين سون. الأمر ببساطة هو أن سيطرة خطة ما على زمام المفاهيم التكتيكية لفترة من الزمن لم تعد مُمكنة، وأن الأفكار الخططية أصبحت في حالة سيولة مطلقة، ولم يعد بإمكان أي مدرب أو أكاديمية توحيد خطة اللعب عبر كل قطاعات الناشئين مثلا، وهو الأمر الذي كان يساعد على إنتاج فصائل محددة من اللاعبين فيما سبق.
ربما يكون الرقم 10 قد عاد وربما لا، ما نعرفه أن هذه المفاهيم تغيَّرت بلا رجعة، أصبحت أكثر ارتباطا بالمساحة وأسلوب اللعب بدلا من أسماء اللاعبين ومراكزهم، وهو ما يجعل هذه المناقشة قابلة للتجدُّد في الموسم المقبل، عندما يعود روبرتسون وأرنولد لتصدُّر إحصائيات صناعة الأهداف مجددا.
——————————————————————-
المصادر
- 7 من رواد الإحصائيات في البريميرليغ لموسم 2019-2020 – Tifo Football
- إحصائيات التمريرات الحاسمة للبريميرليغ موسم 2019-2020 – موقع البريميرليغ الرسمي
- إحصائيات التمريرات الحاسمة للبريميرليغ موسم 2020-2021 – موقع البريميرليغ الرسمي
- من المحزن غياب أوزيل عن النسخة الحالية البدائية من البريميرليغ – Goal
- البريميرليغ و"كوفيد-19″.. القلق من آثار الجائحة على اللاعبين وجدول المباريات والأندية – ESPN
- نظرية تكتيكية؛ وفاة صانع الألعاب رقم 10 في كرة القدم – Total Football Analysis
- تطور الرقم 10 في كرة القدم – Football Whispers
- مَن الذي ابتكر الضغط؟ ولماذا ينجح في كرة القدم الحديثة؟ – Four Four Two
- صعود رقابة رجل لرجل في الضغط العالي – Total Football Analysis