شعار قسم ميدان

ريس جيمز.. كيف أصبح الظهير الأيمن أفضل لاعبي تشيلسي؟

"الأمر يشبه أن تمتلك ميسي ظهيرا أيمن!".

كانت هذه هي العبارة المتداولة بين المحللين الإحصائيين على مكاتب "سمارتر سكاوت" (Smarter Scout)، إحدى شركات علم البيانات الصاعدة الآن في مجال كرة القدم. أمام الشاشات المزدحمة بالأرقام في مختلف مناحي اللعبة، كان المحللون يعتقدون أن التعبير الأمثل عن شمولية جيمز وتنوُّع مهاراته هو تشبيهه بميسي. (1)

طبعا يمكنك أن تعتبرها مبالغة إنجليزية معتادة مع المواهب الشابة سريعة الاشتعال، وغالبا هي كذلك فعلا. فرغم أن جيمز يعيش أفضل مستوياته، حيث سجَّل 5 أهداف وصنع مثلها في كل البطولات هذا الموسم، ولم يتفوَّق عليه أحد في أرقام التسجيل والصناعة سوى محمد صلاح، فإن هذا لا يجعل جيمز جديرا بالتشبيه بميسي. (2)

المشكلة الوحيدة هنا، طبقا لمحللي "سمارتر سكاوت" أنفسهم، أن تلك العبارة لم تكن تُستخدم لوصف موسم جيمز الحالي، بل موسم 2018-2019 الذي قضاه مُعارا لويغان في بطولة الشامبيونشيب (القسم الثاني) الإنجليزية. (3)

عودة إلى المستقبل

في الواقع، محللو "سمارتر سكاوت" أنفسهم تشكَّكوا في الأمر، لأن إحصائيات جيمز كانت استثنائية وغير مسبوقة في هذا الموسم، خاصة بالنسبة لظهير أيمن عمره 18 عاما يلعب في فريق أنهى الموسم في المركز الـ 18 من أصل 24 فريقا يتنافسون في التشامبيونشيب، ولم يكن هناك تفسير لذلك إلا أنها ظاهرة مؤقتة.

 

أتى رد جيمز على هذه التخوفات في موسمه الأول مع تشيلسي رفقة فرانك لامبارد، وعلى نموذج "سمارتر سكاوت" الإحصائي، تمكَّن الإنجليزي الشاب من زيادة معدلاته بنِسَب خيالية؛ جودة تصرفاته الدفاعية ارتفعت بما يزيد على 50%، وكميتها كذلك، وقدرته على الاحتفاظ بالكرة تحت الضغط اقتربت من ثلاثة أضعاف موسم ويغان، مع تراجع طفيف في المردود الهجومي. كلها أمور لم تكن متوقَّعة في تشيلسي إطلاقا نظرا للحرية الكبيرة التي كان يتمتع بها في ويغان، التي لم يحصل على ما يقاربها حتى في ستامفورد بريدج. (1)

ومنذ تولي توخيل المسؤولية، لعب جيمز مدافعا أيمن في خط دفاع ثلاثي، وظهيرا، وفي وسط الملعب، وربما مرة أو مرتين جناحَ خط هجوميا، والمفاجأة أنه أظهر براعة في معظم جوانب الأداء لم تحصل على التقدير الكافي، فإلى جانب إمكانياته البدنية الاستثنائية التي تسمح له بالتفوُّق في سباقات السرعة على الخط، فهو يمتلك المهارة الكافية في مواقف 1 على 1 لتجاوز الخصوم في المساحات الضيقة، بالإضافة إلى خيارات متعددة في طرق إرسال العرضيات من مواقع مختلفة، ناهيك بوعيه التكتيكي المتزايد في آخر موسمين تحديدا، وكلها مهارات لا يجمع بينها ظهير آخر في العالم حاليا بالكفاءة ذاتها. (4)

بينيات طويلة، وتمريرات ساقطة خلف دفاع الخصم، وعرضيات مبكرة من أنصاف الفراغات، وأخرى متأخرة من ركن الملعب.. جيمز صنع الأهداف والفرص من كل المواقع التي يسمح بها مركزه.  (مواقع التواصل)

بين البريميرليغ ودوري الأبطال خلال الموسم الحالي، كان جيمز مشتركا في أكثر من نصف نوبات الاستحواذ التي أدَّت إلى تسديدات لصالح تشيلسي، ولكن الرقم الأكثر إبهارا كان أنه اشترك في 100% من الهجمات المتصلة التي أدَّت إلى أهداف. ما قرأته صحيح؛ لم يُسجِّل تشيلسي هدفا واحدا في الدوري أو دوري الأبطال لم يكن جيمز جزءا من عملية تحضيره. (5)

عودة إلى المستقبل 2

للوهلة الأولى، لا يبدو كل ما سبق باهرا لهذه الدرجة، ببساطة لأن خطة 3-4-3 بتنوُّعاتها تمنح الأظهرة حرية ضخمة وترتكز عليهم أساسا لشغل الخط وفتح الجبهات الطرفية على مصراعيها، وهو ما يمكن تذكُّره بسهولة من موسمَيْ كونتي في إدارة الفريق نفسه، الموسمين اللذين كان فيهما ماركوس ألونسو أعلى مدافعي البريميرليغ تسديدا مرتين على التوالي.

كل هذا يبدو صحيحا أثناء النظرة الأولى، ولكنه لا يصمد أمام أي تدقيق، ليس فقط لأن باقي عناصر الفريق تغيَّرت، ولا لأن المنظومتين مختلفتان، ولكن أيضا لأن الأظهرة اكتسبت مساحة واسعة من الأهمية منذ رحيل كونتي.

عقب مونديال 1994، كان المدرب الأيرلندي جاك تشارلتون هو أول مَن قال إن مركز الظهير أصبح الأهم في اللعبة، ونظرية تشارلتون كانت بسيطة؛ عندما يتقابل فريقان برسم 4-4-2 فإن الظهير يصبح اللاعب الوحيد الذي لا يقابل رقابة حقيقية أثناء الاستحواذ، إذ يتراجع دفاع الخصم للسيطرة على ثنائي الهجوم بزيادة عددية، وهذا يدفع الأجنحة نحو الأجنحة، وبذلك يصبح الظهير حرا، ويمتلك مساحة للتقدُّم بالكرة إذا نجح في استلامها. (6)

ريس جيمز     (رويترز)

هذه النظرية تلقَّت الكثير من الضحكات الساخرة وقتها، ولكنها عادت للطفو على السطح بعد موسم كونتي الأول. ففي ذلك الصيف، أنفقت أندية البريميرليغ نحو 300 مليون دولار للتعاقد مع الأظهرة، ومنذ ذلك الحين، أصبحت النظرية ذاتها قابلة للتطبيق مرة أخرى، وأصبح الأظهرة أكثر اللاعبين حرية بعد الصعود الصاروخي لمفهوم الضغط في السنوات الأخيرة، بوصفه حلا مهما لإجبار خصمك على اللعب في مسارات محددة. (6)

في الواقع، كان هذا أحد أهم الأسباب التي دفعت الكثير من المدربين لاعتماد خط الدفاع الثلاثي في السنوات الأخيرة؛ ببساطة حتى يتمكَّنوا من محاكاة مواقف بناء اللعب لدى الخصم بعدد كافٍ من اللاعبين أثناء الضغط، وفرض رقابة لصيقة على أظهرة مثل جيمز وتشيلويل وآرنولد وروبرتسون وكانسيلو وغيرهم.

بالمناسبة، هذا هو السبب الرئيس في المشهد المتكرر الذي صرت تشاهده في الكثير من المباريات هذه الأيام، ومن ضمنها مباريات تشيلسي نفسه؛ عندما تنغلق منافذ التمرير على الدفاع فيتقدَّم تياغو سيلفا أو روديجير أو أزبيليكويتا للأمام، ليحاولوا حمل الكرة عبر الفراغات التي تركها لاعبو الخصم أثناء رقابتهم اللصيقة لزملائهم، وهو السبب ذاته الذي دفع أرتيتا للتعاقد مع بن وايت، بسبب قدرته على حمل الكرة والتقدُّم وتجاوز الخصوم، ومن ثم تحرير زملائه. لا تندهش إن أصبح قلب الدفاع أهم لاعب في فريقك قريبا.

أفضل درجة من الأزرق

الفارق الثاني المهم بين لحظة 2017 واللحظة الحالية في تشيلسي هو حقيقة أن البلوز لا يمتلكون دييغو كوستا ولا سيسك فابريغاس الآن؛ لوكاكو مهاجم رائع ولا ينال التقدير الذي يستحقه أبدا، وربما يكون أفضل من كوستا على المدى البعيد كذلك، ولكننا قصدنا أن الفريق لم يعد معتمدا على خط هجومه لهذه الدرجة، ولا حتى على التمويل من مبدعي الوسط كفابريغاس.

الأظهرة أصبحت المفتاح الأساسي لكل هجمة، وخط الهجوم بكل أسمائه، ومهما بدا لمعانها، أصبح مُكمِّلا لعملها، لا العكس. في الموسم الحالي مثلا، يحتل جيمز الصدارة بين لاعبي تشيلسي على مستوى التهديف وصناعة الفرص/التسديدات، وهي ظاهرة غير مسبوقة تزايد على ظاهرة أخرى غير مسبوقة، عندما كان روبرتسون وآرنولد يتصدَّران قائمة صُنَّاع الأهداف في البريميرليغ منذ عامين. الآن هناك ظهير يتصدَّر إحصائيَّتَيْ التهديف والصناعة في فريقه، متفوِّقا على أسماء مثل ماونت وهافرتز وزياش وبوليسيك. (5)

الأهم أن جيمز يتفوَّق على الجميع فيما يخص الأهداف المتوقَّعة كذلك، إذ أتت أهدافه الأربعة في البريميرليغ من إجمالي 12 تسديدة شكَّلوا مجتمعين 1.1 هدف متوقَّع (xG) فقط لا غير. لا يوجد لاعب آخر في تشيلسي يمتلك نسبة مقاربة حتى لهذه النسبة، وهو سحر ينفرد به جيمز دونا عن باقي هدافي تشيلسي.

خريطة تسديدات جيمز في الموسم الحالي من البريميرليغ مع تشيلسي  (أندرستات)

ما يؤيد نظرية تشارلتون في موسم تشيلسي الحالي كذلك هو أن قائمة أفضل 10 صُنَّاع للفرص/التسديدات -من بين هؤلاء الذين شاركوا لأكثر من 500 دقيقة- تتضمَّن 5 مدافعين؛ يتصدَّرها جيمز، وفي المركز الثالث يحل تشيلويل، وفي الخامس ألونسو، ثم روديجير وتياغو سيلفا في المركزين التاسع والعاشر على الترتيب. (5)

الأفضل في العالم؟

توخيل، الألماني الصارم طبقا لكثير من المقربين له، وليس طبقا للقالب النمطي الدارج عن الألمان، رفض أوصاف مثل الأفضل في العالم في تصريحاته الأخيرة، مُعتبرا أن عبارات كتلك لا تفعل شيئا سوى زيادة الضغط على لاعبيه وتعطيل نموهم، ولكن هذا لم يمنع المقارنات من الظهور في البرامج الحوارية طبعا.

في أحدها، اعتبر ميكا ريتشاردز، مدافع سيتي السابق، جيمز أفضل ظهير في إنجلترا وربما العالم، مُعلِّلا بأنه يتفوَّق على آرنولد في كثير من الجوانب الدفاعية، خاصة في رقابة الـ 1 على 1 والقدرة على استدراك المواقف الصعبة على الخط. نحن لا نعتبر ريتشاردز مرجعا بأي حال من الأحوال، ولكن الواقع يؤكد صحة نظريته. (7)

 

لو جاز لنا أن نُقصي كانسيلو من المنافسة، باعتباره قد تحوَّل إلى ما هو أكثر من ظهير -أو حتى لاعب واحد- في الموسم الحالي، بل واضطلع بكثير من مهام دي بروينه في التحضير وتفكيك التكتلات، فإن المنافسة بين جيمز وآرنولد تبدو محسومة في اللحظة الحالية. الأخير مُمَرِّر رائع ويملك قدما يمنى نادرة، ولكن في أكثر المواقف يصبح هذا هو كل ما يملكه، بل ويحتاج إلى كثير من المساعدة ليستطيع إطلاق عرضياته في الثلث الأخير، من تفريغ المساحات وعزله بالتحميل الزائد على الجهة المعاكسة، بسبب ضعفه الواضح في المواجهات الثنائية بالكرة ومن دونها. (8)

هذا هو ما يجعل جيمز مميزا للغاية في هذه المقارنة؛ أنه يُعامل بوصفه جناحَ خط حقيقيا، قادرا على التصرف في مواجهة الرقابة في أغلب مناطق الملعب، ويمتلك القوة التي تسمح له بالحفاظ على الكرة تحت الضغط، والسرعة التي تُنقذه في كثير من المواقف الدفاعية، بالإضافة إلى المهارة التي تسمح له بتجاوز المدافعين، لدرجة تحقيق 4 أضعاف معدل مراوغات آرنولد في المباراة الواحدة. (9)

الأهم من كل ذلك أن جيمز يتحسَّن باطراد واستمرار منذ بدايته مع تشيلسي، ويُحقِّق قفزات ضخمة على مستوى وعيه بواجبات مركزه وإجادتها، وهو أمر لم يتحقَّق لآرنولد بالدرجة ذاتها. يمكنك القول إن ظهير ليفربول لم يختلف كثيرا عن نسخته الأولى، بينما العكس واضح بالنسبة لجيمز، واللافت أن كل المؤشرات تُخبرك أن الموسم الحالي ليس نهاية الخط.

___________________________________________________________

المصادر:

  1. هل يُعَدُّ ريس جيمز أفضل ظهير أيمن في العالم؟ – Smarter Scout
  2. الأفضل في العالم؟ جيمز يؤكد مكانته نجما لتشيلسي في دوري الأبطال – Goal
  3. تاريخ إعارات وانتقالات ريس جيمز – Transfermarkt
  4. لماذا أصبح ريس جيمز لاعبا مفتاحيا مهما لتشيلسي؟ – PFSA
  5. كيف لمع ريس جيمز في عام الظهير؟ – The Analyst
  6. لماذا كان عام 2017 هو عام الظهير؟ – Soccer Real GM
  7. ميكا ريتشاردز: "جيمز مدافع أفضل من آرنولد" – Liverpool Echo
  8. إعادة تعريف مركز الظهير؛ ألكسندر آرنولد وجواو كانسيلو – Breaking The Lines
  9. متابعة مستوى ريس جيمز في البريميرليغ – Coaches’ Voice
المصدر : الجزيرة