شعار قسم ميدان

لعبة الأثرياء المزعومة.. هل يعلن فيروس كورونا وفاة لعبة التنس؟

ميدان - لعبة الأثرياء المزعومة.. فيروس كورونا وشهادة وفاة التنس

هل سمعت من قبل عن النهاية الحتمية للتراكمات؟ تلك المشكلات الصغيرة التي تتقاعس عن حلّها فتُفاجأ بأنها اجتمعت وقرّرت الانتقام منك. الكوميديا السوداء في الأمر أنه في كل مرة تكون لحظة الانفجار قائمة على سبب غير متوقَّع، ولا يُنتظَر منه أبدا أن يتسبّب في ذلك. تخيّل أننا جئنا إلى هنا اليوم لنُناقش احتمالية نهاية لعبة التنس لفترة ليست بالقصيرة بسبب وباء عالمي جديد يُعتقد أنه نشأ لأن أحدهم قد أكل خُفّاشا!

  

بالطبع لم يتوصل العلماء إلى السبب الحقيقي لتفشي فيروس كورونا، وقصة الخفاش تلك تبقى مجرد أطروحة أو احتمال، ولكن هذا ليس مهما في سياقنا، فأيًّا كان سبب الوباء الجديد فإن النتيجة واحدة بالنسبة للكرة الصفراء. السؤال الذي يتطلّب إجابة عاجلة في هذا السياق هو: لماذا التنس تحديدا دونا عن بقية الرياضات أو الأنشطة؟ لا تقلق، سنُجيبك.

   

ماذا حدث؟

ما حدث هو أن فيروس كورونا قد تفشى، فتوقّفت جميع المسابقات بشكل مؤقت. الأمر بدأ بتأجيل الموسم الترابي والذي يتضمّن رولان غاروس ثاني بطولات الغراند سلام، ثم عُلِّق الموسم الحالي حتى السابع من يونيو/حزيران. الأكثر من ذلك كان إعلان إلغاء أعرق منافسات التنس -بطولة ويمبلدون- والتي تُقام في بداية يوليو/تموز، ما أعطى إيحاء بأن الأمور ستستمر إلى ما بعد الموعد المُقرَّر لاستكمال المنافسات. (1)(2)(3)

      undefined

  

كان ذلك عن ثاني وثالث بطولات الغراند سلام، فماذا عن الرابعة والأخيرة والتي من المُقرَّر إقامتها في أغسطس/آب؟ تلك لم يُحدَّد مصيرها بعد، ولكن أين تُقام؟ في أميركا، أكثر الدول تضرُّرا من فيروس كورونا حتى اللحظة، ليس ذلك فقط، بل إن الاتحاد الأميركي للتنس قد أعلن في وقت سابق أنه سيبدأ في إقامة مستشفى مؤقت بسعة 350 سريرا في جزء من مركز بيلي جان كينج الوطني حيث ملاعب أميركا المفتوحة. (4)

  

إذن سيُستأنف النشاط في أغسطس/آب؟ مع الأسف لا نمتلك تأكيدا، حيث أعلن ريتشارد لويس الرئيس التنفيذي لنادي عموم إنجلترا وكذلك الاتحاد الدولي للعبة أنه من المحتمل ألا يكون هناك تنس حتى بداية 2021، حتى إن بعض اللاعبين قد بدؤوا في التعامل مع هذه الفرضية كواقع حتى لا يتعرّضوا للصدمة في حال حدث ذلك بالفعل. (5)

    

هذه المستجدات بالطبع ستضرّ اللعبة، كما ستتضرّر كل الأنشطة بسبب الوباء، ولكن ما يخص التنس دونا عن الرياضات الأخرى أنه بات مُعرَّضا لفترة غيبوبة، حيث إن التأثير الصحي والاقتصادي لا يُهدِّد بخسائر فقط، بل إن تهديده وصل إلى حدِّ إصدار شهادة وفاة مؤقتة للكرة الصفراء، وذلك رغم الحديث من جهات عدة عن احتمالية استكمال الموسم في وقت لاحق، لكن الأمر أكبر بكثير من مسألة موسم أو عدد من البطولات المُلغاة.

    

حجم الضرر
في الوقت الذي تبحث فيه أندية كرة القدم مثلا عن تخفيض أجور اللاعبين خلال فترة التوقف، لا يمتلك لاعبو التنس أي مصدر رزق من الأساس
في الوقت الذي تبحث فيه أندية كرة القدم مثلا عن تخفيض أجور اللاعبين خلال فترة التوقف، لا يمتلك لاعبو التنس أي مصدر رزق من الأساس
   

في الوقت الذي يتحدّث فيه منظّمو البطولات حول إمكانية تعديل مواعيد إقامة المنافسات، وفي وقت الحديث عن مستقبل ما تبقّى من الموسم، ذهب مدير دورة مارسيليا غايتان مولر إلى الزاوية التي تستحق الاهتمام الأكبر، حيث تحدّث لوكالة فرانس برس عن مستقبل اللاعبين أنفسهم، ورأى أن الأمر يتجاوز حدود الحديث عن التنس إلى ضرورة الحديث عن اللاعبين ومصدر رزقهم إبان تعطُّل المنافسات. (6)

   

في التنس لا يحصل اللاعبون على الأموال بشكل ثابت تنص عليه عقود ككرة القدم مثلا، وهذا بديهي لكونها لعبة فردية لا يصبح اللاعب فيها مملوكا لنادٍ يلعب بقميصه مقابل أجر متفق عليه، وإنما يلعب ممثّلا عن نفسه فقط، عدا في البطولات التي يُمثِّل فيها المحترف بلاده كدورة الألعاب الأولمبية وكأس ديفيز وما شابه. وبناء على ذلك، فإنه في الوقت الذي تبحث فيه أندية كرة القدم مثلا عن تخفيض أجور اللاعبين خلال فترة التوقف، لا يمتلك لاعبو التنس أي مصدر رزق من الأساس، حيث إن أغلب اللاعبين لا يمتلكون رعاة، لذلك في الوقت الذي يبدو فيه فيدرير ونادال وديوكوفيتش قادرين على تحمُّل ذلك، سيُعاني الأغلبية من شبح الإفلاس والتشريد بعيدا عن الأضواء.

  

بالنسبة لكرة القدم مثلا النادي هو المؤسسة، أما اللاعبون والعمال والموظفون فهم تابعون للمؤسسة، لذا فإن ما يُنادى به الآن هو أن يقوم أصحاب الثروات من اللاعبين بالتنازل عن جزء من رواتبهم من أجل تعويض المؤسسة عن خسائرها من جهة، وضمان مصدر رزق للعمال والموظفين الذين لا يمتلكون الرفاهية نفسها من جهة أخرى، أما التنس فاللاعب يحصل على الأموال نظير مشاركته في البطولات المختلفة، وكلّما تخطى أدوارا زادت الأموال، وكلّما كانت البطولة من فئة أكبر زادت الأموال أكثر، وبناء على ذلك فإن غياب المسابقات يعني أن المداخيل تساوي صفرا. بالطبع ما يتبادر إلى ذهنك الآن هو أنه لا مشكلة إذا توقفت الأرباح قليلا بالنسبة للاعبي التنس، إذ إنهم يمتلكون في حساباتهم البنكية ما يضمن لهم العيش بلا راتب أو أرباح لفترات طويلة كحال جميع الأثرياء، ولكن المفاجأة أنهم لا يمتلكون تلك الرفاهية، لماذا؟ ببساطة لأنهم ليسوا أثرياء أصلا.

     

  

وهم الثراء

الأمر بسيط للغاية، في دراسة نشرها موقع "The Conversation" حول مسيرة لاعبي التنس منذ عام 1997 وحتى 2020 تبيّن أن متوسط ما يُحقِّقه لاعب التنس من جوائز مالية خلال مشواره الاحترافي هو 300 ألف دولار فقط. نعم، متوسط ما يحصل عليه في مسيرته كاملة يساوي ما هو أكثر بقليل من الراتب الأسبوعي لنجم ليفربول محمد صلاح. (7)(8)

    

هذه الأرقام قد تُمثِّل صدمة لدى القارئ الذي اعتاد مشاهدة البطولات الكبرى للتنس، إذ إنه رأى نوفاك ديوكوفيتش وهو يحمل الشيك المُقدَّر بأربعة ملايين و100 ألف دولار أميركي بعد تتويجه ببطولة أستراليا المفتوحة مطلع 2020، وأنه حين بحث عبر الإنترنت تبيّن له أن روجر فيدرير مثلا قد حقّق 65 مليون يورو كصافي أرباح من مشاركاته في منافسات اللعبة فقط، فما هذه الـ 300 ألف التي يتحدّثون عنها؟ (9)(10)

    

في الحقيقة هذه الدراسة لم تكذب، وهذه الأرقام التي حصل عليها فيدرير وديوكوفيتش لا تكذب أيضا، إذ يتطلّب الحصول على أرباح كتلك أن تكون بين المُصنَّفين الأوائل، هؤلاء الذين يفوزون ببطولات الماسترز والغراند سلام سنويا، أو على الأقل يشاركون فيها ويقطعون أشواطا نحو الأدوار النهائية في أغلبها، لذلك يستطيعون جمع المزيد من الأموال خاصة وأنهم يشاركون في أكثر من 20 بطولة سنويا.

 

الأزمة أن هؤلاء ليسوا أكثر من 30 لاعبا مثلا، لأنه بالعودة إلى الدراسة المذكورة، نجد أن احتمالية أن يجمع لاعب يبلغ من العمر 18 عاما مبلغ 10 ملايين يورو طوال مسيرته لا يتعدّى 0.001%. هذه النسبة التي لا تكاد تُذكَر بين لاعبي التنس تُحقِّق خلال مسيرتها كاملة فقط ثلث الراتب السنوي للبرازيلي نيمار نجم باريس سان جيرمان. الجدير بالذكر أن هذه الفئة هي التي نعتبرها الأكثر حظا بين محترفي اللعبة! (11)

     undefined

   

ليس ذلك فقط، لأن هذا المبلغ لا يُمثِّل صافي الأرباح، إذ إنه يُطرَح منه تكاليف المشاركة في المسابقات، والمعسكرات التدريبية التي يقوم بها اللاعبون على نفقتهم الخاصة، إضافة إلى الراتب الذي يدفعه كل لاعب لمدربه والمُعِدّ البدني، ونتيجة لذلك توصّلت الدراسة إلى أن 80% من لاعبي التنس لا يُحقِّقون أرباحا تُذكر على المدى القريب من خلال ممارستهم للعبة. (12)

    

هذا الأمر يدفع العديد من اللاعبين الصغار إلى البحث عن وظيفة أخرى بدلا من المقامرة بمستقبلهم أملا في نجاح نادرا ما يأتي، وإن أتى جزء منه فإنه لا يساوي بالطبع حجم التضحيات والعناء طوال أكثر من 15 عاما. لذلك، تقلّ احتمالية استكمال اللاعب الصاعد لمسيرته بنسبة 20% عن العام الأول في حال لم يُحقِّق شيئا، وبنسبة 5% بالنسبة للمراهقات، إذ تقول الدراسة إن اللاعب في ذلك الوقت يجد نفسه أمام 3 احتمالات؛ الأول ألا يُحقِّق أي شيء وهو الأقرب للحدوث بنسبة 50%، وإما أن يُحقِّق عوائد ضئيلة لا تُذكر بنسبة 49%، وإما أن يكون من المحظوظين ويحصد الملايين، ولكن مع الأسف هذا الاحتمال يصل بالكاد إلى 1% فقط. كان هذا بالنسبة للناشئين، فماذا عن المحترفين؟ مع الأسف الوضع ليس أفضل بكثير. (13)

   

معاناة ما قبل كورونا

"يحتاج التنس إلى نفقات كثيرة تخص المدربين وحجز الفنادق والسفر بشكل أسبوعي بين بلدان مختلفة، وهذا ربما لا تغطيه مكافأة المشاركة في الدور الأول والتي لا تتجاوز 40 ألف دولار".

(رافائيل نادال)

     

رافائيل نادال  (رويترز)
رافائيل نادال  (رويترز)

    

يشتكي محترفو التنس مما يسمّونه التوزيع غير العادل للأرباح في اللعبة، حيث إن مجلس اللاعبين المحترفين والذي يترأسه نوفاك ديوكوفيتش قد اجتمع في 2018 من أجل إنشاء نقابة تُطالب بتوزيع عادل للأرباح، وتُهدِّد بالتصعيد من خلال الاتفاق على مقاطعة البطولات الأربع الكبرى "الغراند سلام" في حال لم يُلتَفت إلى مطالبهم. (14)(15)

  

وحسب صحيفة تايمز البريطانية فإن ديوكوفيتش قد اشتكى في ذلك التوقيت من حصول اللاعبين على نسبة 7% فقط من أرباح البطولات الأربع الكبرى، وفي المقابل يحصل لاعبو كرة السلة الأميركية مثلا على 50% من الأرباح. في الوقت ذاته، انحاز نادال إلى الأقل تصنيفا، حيث يرى أن الأبطال ومتوسطي التصنيف يحصلون على الكثير من الأموال بالفعل حتى في ظل هذا التوزيع غير العادل، أما بالنسبة للأقل تصنيفا فهؤلاء يتخذون من التنس وظيفة لأكثر من 30 عاما دون أن يحصدوا أي شيء. (16)

    

في التنس يتحدّد المقابل المادي للبطولة حسب أهميتها، ففي بطولات الماسترز ذات الـ 1000 نقطة على سبيل المثال يحصل اللاعب الذي يخرج من الدور الأول على نحو 15 ألف يورو نظير المشاركة، ويقل إلى 10 آلاف يورو في بطولات الرابطة ذات الـ 500 نقطة، و6 آلاف يورو في البطولات ذات الـ 250 نقطة. الأرقام تبدو منطقية للوهلة الأولى، ولكن هذه هي المشكلة، أنها تبدو كذلك للوهلة الأولى فقط. (17)

   

في بداية 2018 أشارت جامعة فيكتوريا الأسترالية في إحصائية إلى أن نسبة 1.8% فقط من اللاعبين حقّقوا مكاسب مالية خلال عام 2017، أما الغالبية العظمى من اللاعبين المحترفين فيُنفقون من أجل التدريب والسفر أكثر مما يربحون من اللعبة، أي إن الأمر تخطّى مرحلة الأرباح القليلة ليصل إلى خسائر يتكبّدها اللاعبون. الجدير بالذكر أن ذلك يتضمّن مَن يشاركون في البطولات الكبرى ويُحقِّقون بعض النجاحات، وليس هؤلاء الذين يخسرون دائما أو يشاركون في بطولات التشالنجر والأقل تصنيفا. (18)

       undefined

  

حين يسافر اللاعبون من أجل المشاركة في إحدى البطولات فإنهم عادة ما يقومون بحجز تذاكر ذهاب فقط، لأنهم لا يعرفون موعد العودة الذي يتوقّف على نتائجهم، ما يضطرهم لدفع مبالغ أكبر لحجز أسرع رحلات عودة، فضلا عن أسعار الفنادق وتحمُّل تكاليف الإقامة. انتظر، فالقادم يستحق الشفقة أكثر مما ذُكِر. (19)

   

ماذا عن راتب المدرب؟ يتكفل به اللاعب بالطبع، وهو يتراوح في المتوسط بين 5 آلاف و10 آلاف يورو شهريا، أما المُعِدُّ البدني فيحصل على ثلاثة آلاف يورو في المتوسط أيضا. في 2017 على سبيل المثال حصل المُصنَّف رقم 50 عالميا على 350 ألف يورو طوال العام نظير المشاركة في 15 بطولة والسفر إلى ثلاث قارات مختلفة، في الوقت الذي تقاضى فيه المُصنَّف 100 عالميا نحو 250 ألف يورو نظير المشاركة في 16 بطولة في 11 دولة في 4 قارات، وبعملية حسابية بسيطة، فإنه يدفع نحو 125 ألف دولار للمدرب والمُعِدِّ البدني، ليتبقّى له ما ينفقه على تذاكر الطيران والفنادق والمعسكرات التدريبية، فتكون المحصلة في نهاية العام أنه حقّق ألقابا وتقدّم على مستوى التصنيف، ولكنه لم يحصل على أرباح مالية، بل خسر آلاف الدولارات، لذلك يحتاج اللاعب إلى أن يمتلك راعيا، وهذا ليس متاحا إلا لنجوم الصف الأول فقط. (20)

   

وفي الوقت الذي يتربّح فيه النجوم من وراء الإعلانات والدعاية، حيث يُمثِّل روجر فيدرير الواجهة الأهم لروليكس، ويتقاضى 30 مليون يورو سنويا مقابل عقده مع شركة الملابس اليابانية يونيكلو، لا يمتلك اللاعبون المغمورون فرصة الحصول على أموال من خلال الدعاية والإعلانات، لذلك لا يمكنهم حتى استغلال مشوارهم الرياضي من أجل التربُّح كما يفعل النجوم الذين تُعَدُّ أسماؤهم علامات تجارية في حدّ ذاتها. (21)

     

الأزمة بالنسبة للتنس مقارنة بباقي الرياضات المنسيّة أن هؤلاء الذين يعانون ليسوا مَن لا تصل إليهم الأضواء، بل إن ذلك يتضمّن نجوما يعشقهم الآلاف وربما الملايين. جامعة فيكتوريا استخدمت المُصنَّف رقم 50 على العالم لتضرب مثالها، وهذا يعني أن وجودك في قائمة أفضل 50 لاعبا يمارسون التنس على كوكب الأرض لا يضمن لك حياة رغيدة، هذه هي المأساة الحقيقية بالنسبة للعبة دونا عن غيرها، والأزمة الأكبر هي كونها تمتلك قاعدة جماهيرية عريضة حول العالم، وأن مشكلتها ليست مفهومة، فهناك بعض الألعاب التي لا يشاهدها الكثيرون لذلك لا تدفع من أجلها الأموال، أما التنس فيمتلك كل المقومات، ورغم ذلك يُعاني لاعبوه.

     

   

معاناة ما بعد كورونا

"لقد تحدّثت إلى العديد من اللاعبين ولديّ صديقان لا يعرفان كيفية دفع الإيجار هذا الشهر. العريضة التي قدّمناها هي طريقة ليصل صوتنا، التنس قد ينتهي بسبب هذه الأزمة إن لم يُنقذنا الاتحاد الدولي للعبة". 

(صوفيا شاباتافا)

   

بهذه الطريقة أوصلت المُصنَّفة 375 عالميا صوتها، حيث كتبت عريضة عبر الإنترنت وقدّمتها إلى الاتحاد الدولي للعبة، بعد أن وقّع عليها 2000 من اللاعبين المحترفين. تُطالب صاحبة الـ 31 عاما الاتحاد الدولي للعبة بدفع تعويضات للاعبين الذين يواجهون شبح الإفلاس بسبب توقُّف النشاط، حيث حذّرت من أن المُصنَّفين تحت المركز 250 عالميا لم يعودوا قادرين على توفير احتياجاتهم الأساسية اليومية. (22)

    

في أوقات سابقة، كان المُصنَّفون خارج الـ 100 الأوائل يمتلكون فرصا أكبر للمشاركة في بطولات رابطة المحترفين، لكن الآن أصبح من الصعب وجود لاعب أقل تصنيفا من الـ 80 عالميا في بطولات الـ 250 نقطة -أقل فئة في منافسات رابطة المحترفين- فضلا عن بطولات الـ 500 نقطة والماسترز، مما يضطر اللاعبين الأقل تصنيفا لخوض تصفيات مؤهلة، مما يُقلِّل بالتبعية من أرباحهم السنوية، ويُقلِّل فرصهم في تجميع ثروة أو مبالغ يمكنهم اللجوء إليها في ظروف كتلك.

  

ونتيجة ذلك، مع الأسابيع الأولى لإيقاف النشاط تكبّد هؤلاء معاناة عدم امتلاك قوت يومهم، ليصبحوا في حاجة إلى تدخُّل الاتحاد الدولي للعبة بمبالغ تعويضية تضمن لهم البقاء على قيد الحياة، دون الحاجة إلى البحث عن وظيفة أخرى. الأزمة أن الاتحاد الدولي للعبة قد تجاهل دعوات شاباتافا في البداية، قبل أن يتحوّل الأمر إلى مطلب عام من فئة لا تبحث عن رفاهيات، بل تواجه خطر التشريد في وقت لا يمتلكون فيه حتى فرصة البحث عن عمل آخر، حيث يتعطّل كل شيء. (23)

      

  

في التاسع من إبريل/نيسان أعلن الاتحاد الدولي للتنس من خلال بيان أنه سيقوم بتنفيذ سلسلة من الإجراءات لحماية اللاعبين، وستشمل هذه الإجراءات عددا من الادّخارات في عدة مشروعات، وكذلك خطة حماية عمل للمتضرّرين، واستخدام صناديق الاحتياطيات، وتتضمّن خطة حماية العمل الفصل المؤقت لنصف موظفي الاتحاد تقريبا، أما عن المتبقّين، فسيواصلون العمل للحفاظ على الخدمات الأساسية لكن مع تخفيض أجورهم بنسبة 10%، كما ستتقلّص رواتب المسؤولين التنفيذيين بنسبة 20%. (24)

   

وماذا عن الرؤوس الأكبر؟ في هذا الصدد أعلن رئيس الاتحاد ديفيد هاغرتي خفض راتبه طواعية بنسبة 30% لمدة عام، الرجل الذي اعتبر هذه الإجراءات صعبة ولكنها ضرورية على المدى القصير لإنقاذ مستقبل اللعبة لأجيال قادمة. ومؤخرا، أعلن ستيف سيمون رئيس اتحاد التنس النسائي أنه بدأ التواصل بالفعل مع شاباتافا من أجل مساعدة المتضرّرين الأكبر من هذه المسألة، ولكنه مع الأسف ليس في وضع مالي يسمح له بتقديم الكثير. (25)

   

بارقة الأمل في الأمر هي أن نجوم اللعبة وأصحاب الملايين فيها قد عملوا خلال السنوات الماضية من أجل إعادة توزيع الثروات، حيث إن روجر فيدرير قد أعلن خلال العام 2019 أنه سيعمل من أجل حصول اللاعبين الأقل تصنيفا على حصة أكبر من الأموال نظير المشاركة في البطولات خلال السنوات المقبلة، فضلا عن مواقف ديوكوفيتش ونادال وتصريحات سيرينا ويليامز والبقية حول النِّسَب غير العادلة لتوزيع الأرباح. (26)

    

  

شهادة وفاة مؤقتة

"لن يتمكّن الكثيرون من مواجهة التحديات الحياتية اليومية ثم العودة للعب بعد 3 أشهر من دون منافسة".

(صوفيا شاباتافا)

    

وهنا الحديث يخص المدى القريب، أي مستقبل اللعبة بعد انتهاء فترة تفشي الوباء، فبناء على التفاصيل المذكورة، يبدو أن أغلب اللاعبين لن يستطيعوا التدرُّب والمحافظة على لياقتهم ومستواهم الفني خلال فترة توقف النشاط، حيث سيكون التكفُّل براتب المدرب والمُعِدِّ البدني أو محاولة البحث عن أماكن خاصة للتدريب مهمة مستحيلة بالنظر إلى الحالة المادية لمحترفي اللعبة، لذلك فإذا هربوا من الإفلاس، فسيكون من الصعب عليهم الهرب من انخفاض المستوى وعدم القدرة على استرجاعه من جديد. (27)

   

كل ذلك يحدث ونحن نمرّ بفترة إحلال وتجديد، تلك التي ينتهي خلالها عصر فيدرير ونادال وديوكوفيتش وموراي وفافرينكا وفيرير والبقية، لتبدأ حقبة جديدة تحتاج إلى ظروف أكثر استقرارا لتُنتج أبطالا، ولكي تمرّ دورة الأجيال بصورة تُحافظ على استقرار اللعبة وشكلها الهرمي. وبهذه المناسبة، نحن الآن بصدد الحديث عن مشكلات أكبر تُهدِّد المدى البعيد.

    

  

هل سيحدث ذلك لأن الوباء سيواصل التفشي لسنوات؟ في الحقيقة نحن لا نمتلك معلومة يقينية حول ذلك، ولكن الأمر يتمثّل في أبعاد ما يحدث في الوقت الحالي، حيث إن كل المآسي المذكورة تُهدِّد مَن استقرت مسيرتهم الاحترافية إلى حدٍّ ما، فبالتأكيد لا نحتاج إلى أن نُخبرك بوضع الناشئين الذي سيكون أكثر صعوبة، وكذلك مَن شقّوا الطريق نحو مسيرتهم الاحترافية منذ موسم أو اثنين، هؤلاء من المنتظر منهم أن يكملوا الدورة الطبيعية للتصنيف العالمي، حيث يتقدٍمون إلى الأمام بخطوات ثابتة على مستوى التصنيف بنهاية كل موسم، ويحل محلّهم مَن كانوا خلفهم، الذين يحل محلّهم مَن كانوا خلفهم، وهكذا. هذه السلسلة باتت مُهدَّدة بالانقطاع بسبب وجود حلقات مفقودة، تلك التي ستؤثّر على اللعبة في الوقت الحالي، وسيمتد تأثيرها إلى سنوات مُقبلة، بصورة تتناسب حِدّتها طرديا مع طول فترة التوقف.

  

النتيجة النهائية أنك لا تمتلك رفاهية بعض الألعاب الأخرى، ولا تمتلك ذلك الإناء المملوء والذي سيصبّ في الفارغ حتى نتقاسم الخسائر وتستمر الرحلة، وربما يجني القائمون على المنافسات ما زرعوه في السنوات الماضية، حين طالب اللاعبون بتحسين وضعهم المادي من خلال إعادة توزيع أرباح اللعبة، تلك الأشياء التي تم اللجوء إليها والبحث عنها كحلول الآن بسبب فيروس كورونا، وهي نقطة يجب أن نضعها في صفحة الدروس المستفادة، الصفحة التي نفتحها دائما في الأوقات المشابهة لندوّن فيها ما ننساه لاحقا، سنفتحها لنكتب فيها عبارة أحلام مستغانمي: "الندم هو الخطأ الثاني الذي نرتكبه"، وقبل أن نضع نقطة النهاية، فلنبحث عن الخطأ الأول فيما بعد، حتى لا نترك للندم إرثا يتغذّى عليه.

المصدر : الجزيرة