شعار قسم ميدان

دوري أبطال أوروبا.. معركة تكتيكية واحدة أفسدت كل شيء

ميدان - دوري أبطال أوروبا.. معركة تكتيكية واحدة أفسدت كل شيء

 

من أين نبدأ؟ فافتتاحية موضوع يتحدث عن كرة القدم باتت أصعب من المعتاد، في الوقت الحالي على الأقل، نظرا لصعوبة وغرابة ما نمر به. لكن تذكَّر وسط كل هذا الهلع والحرص، فالجميع مطالب بالحفاظ على معنوياته مرتفعة، والاستفادة من فراغ الوقت ما بين الدورات التدريبية ومشاهدة الأفلام وغيرها.

  

في مقولة شهيرة عن أسطورة التدريب الإيطالية أريغو ساكي، وصف كرة القدم بأنها الأكثر الأهمية من بين الأشياء غير المهمة في حياتنا. ومع احتفاظ محبي كرة القدم بشغفهم، فسوف نصحبكم في جولة تكتيكية عبر دوري أبطال أوروبا، وتحديدا نسخته المكتملة الأخيرة، نسخة 2018-2019.

 

عينة صغيرة لكن مؤثرة

في العموم، يُمثِّل دوري أبطال أوروبا أكثر العينات ثقة لإطلاق الأحكام على الأندية والمدربين وفلسفتهم في اللعب على الرغم من صغر حجم العينة، والذي يصل إلى 13 مباراة بحد أقصى لطرفَيْ المباراة النهائية، بفرض أنهما لم يمرّا على التصفيات التمهيدية قبل دور المجموعات. هذه العينة مثلها مثل غيرها، تخضع للشكاوى المترددة نفسها حاليا من معظم المشجعين، الذين يترحم أغلبهم على الحقبة الماضية وما يسبقها، حينما كانت المنافسة أكثر إمتاعا، وعدد النجوم أصحاب الشخصية أكثر من اثنين (رونالدو وميسي). ولتتبع هذه الشكوى، علينا البدء بالبديهيات، ونقصد هنا عدد الأهداف، هل قَلّ العدد في النسخ الأخيرة من دوري أبطال أوروبا؟

 

منذ نسخة 2003-2004 حتى نسخة 2009-2010، وصل العدد الأكبر من الأهداف إلى 331 هدفا في موسم 2004-2005، وكان ذلك في 125 مباراة وفقا للنظام الحالي للبطولة. لكن منذ نسخة 2010-2011 حتى 2019، زاد عدد الأهداف عن ذلك الرقم، وتأرجح صعودا وهبوطا بين 347 هدفا بحد أدنى و401. 

     

undefined

    

وبالتالي يبدو عدد الأهداف بريئا من تلك الشكوى، لأنه لم يقع ضحية لصعود نظم دفاعية لا يُفضِّلها الناس لعدد من المدربين، أبرزهم سيميوني ومورينيو، وبناء على ما سبق فسوف نتوغل أكثر في كيفية إحراز الأهداف.

 

الأجنحة تحكم

بما أننا سننتقل من الكم إلى الكيف، فسوف تكون نسخة 2018-2019 هي العينة التي سنعتمد عليها في الاختبار، حيث كانت أكثر الطرق فاعلية لإحراز الأهداف هي العرضيات، بنسبة 25.68% من إجمالي 366 هدفا. والعرضيات هنا لا تقتصر على تلك المرسَلة من أقصى الخط الجانبي فقط، بل تشمل العرضيات الأرضية القصيرة، والمسماة بالـ "Cutback"، والتي تُرسَل من أنصاف الفراغات باتجاه الخلف، حيث تكون وضعية خط الدفاع أقرب إلى المرمى، مع وجود مهاجم للإلهاء، فيما تُفرَّغ المساحة للاعب آخر متجه لتسديد العرضية المتأخرة من اللمسة الأولى. (2) (3)

    

  

وبما أننا نتحدث عن ربع الأهداف تقريبا، فبات واضحا نجاح الفِرَق في الحالة الدفاعية بغلق العمق، وبالتالي لم يعد العمق هو النقطة التي تخرج منها التمريرات البينية للمهاجمين، وأُضيفت خطوة إضافية أو أكثر للاقتراب من المرمى، والتي تتم عن طريق طرفَيْ الملعب، فزاد تركيز طرق اللعب على خلق موقف واحد ضد واحد للأجنحة، أو استغلال الزيادة القادمة عبر الـ "overlap" أو الـ "underlap". ونُذكِّركم بآخر 4 نسخ للبطولة، حيث فاز ريال مدريد وليفربول بالاعتماد على الأظهرة في صناعة اللعب.

  

نعم، العرضيات مملة، لكن الوسيلة التالية لها في إحراز الأهداف قد تُخفِّف عنك، وهي ما يُسمى بالـ "Combinations"، والتي يمكن تعريفها بالجمل أو سلسلة التمريرات التي تخلّلها انتشار جيد لعناصر الفريق، مع تحركات وتبادل مراكز، انتهت بهدف، تماما كهدف ليونيل ميسي الثالث بمرمى أيندهوفن الهولندي في دور المجموعات، والذي أُحرز بعد 20 تمريرة. (4)(5)

  

إذا نظرت للرسم البياني المقابل، فستجد أن طرق إحراز الأهداف متوازنة تماما، وأن شكواك قد يكون سببها أبعد من تلك الأرقام. يمكن أن يكون الأمر متعلقا بالنظام العام، بالفلسفة السائدة حاليا لمعظم المدربين، والتي غيّرت كثيرا من شكل اللعبة، ومعتقدات الجماهير، ونوعية اللاعبين، والشروط المطلوبة لكل مركز.

      

undefined

         

undefined

    

العيب في النظام

النظام الناشئ حاليا هو نتاج المعركة التكتيكية التي نشبت طوال العقد الماضي وما زالت مستمرة إلى الآن بين أكثر مدرستين نجاحا، الـ "gegen-pressing" بقيادة يورغن كلوب، واللعب التموضعي (positional play) بقيادة بيب غوارديولا. (6)(7)

  

في تصريح للإيطالي فابيو كابيللو بعد نهائي 2017، يقول:  

  
"كثير من الفِرَق التي حاولت اللعب بطريقة مشابهة لاستحواذ برشلونة على مدار عدة سنوات أصبحت تعاني الكثير من المشكلات، وهذا يبدو طبيعيا". (8)

  

تسبّب الهوس بالضغط العالي بهذه المشكلات، ونتج عن ذلك زيادة عدد الأهداف المسجَّلة عن طريق قطع الكرة في الثلث الأخير، على مقربة من مرمى الخصم، وبلغ عددها تقريبا أكثر من نصف عدد الأهداف منذ 2017 حتى الآن.

  

وكنتيجة منطقية أخرى، قَلّ عدد الأهداف المسجلة عن طريق البناء من الخلف (building from the back)، وزادت الأهداف الناتجة عن أخطاء دفاعية مباشرة، حيث شهدت الأدوار الإقصائية لنسخة 2018-2019 تسجيل 6 أهداف بسبب تمريرات خاطئة من حراس المرمى. (8)

    

  

وبالتالي باتت المعادلة كالآتي، فِرَق تضغط عاليا تواجهها فِرَق تحاول تجنّب الإطالة بالتحضير من الخلف بمحاولة تسريع انتقال الكرة إلى الثلث الأخير قدر الإمكان، وفِرَق أخرى مصممة على عملية البناء من الخلف، وفي سبيل ذلك، تصبح متطلباتهم باختيار المدافعين أكثر تعقيدا، وعليه ظهرت معضلة أخرى تتعلق بجودة المدافعين بشكل عام، لكن تذكّر أن ذلك التطلُّب يُعَدُّ إجبارا أكثر منه اختيارا، لمحاولة مجاراة نسق الضغط.

  

انفجار في السرعات

استكمالا لنتائج هذه المعركة، بات الإيقاع سريعا للدرجة التي دفعت الكثير من الفِرَق للفظ بعض اللاعبين القادرين على خفض الإيقاع والتحكم به بشكل أفضل، كمسعود أوزيل مثلا، طالما لم يستجيبوا لمعركة الضغط الجنونية.

  

ثم بلغ انفجار السرعات ذروته بالنظر إلى متوسط الوقت الذي يستغرقه الفريق المستحوذ لإحراز الهدف، والذي بلغ 12.5 ثانية في نسخة دوري الأبطال 2018-2019، بمتوسط 3.89 تمريرة. لم تنتج هذه السرعة فقط عن التمريرات الطويلة، لكنها أيضا نتيجة لاهتمام الفِرَق، في مقدمتها ليفربول، بالتحوُّل من الدفاع إلى الهجوم في أسرع وقت ممكن، بقيادة الثنائي السريع محمد صلاح وساديو ماني.

     

  

وعليه، كانت أرقام ليفربول-كلوب أكثر تميزا، حيث بلغ متوسط الوقت الذي يستغرقه الفريق لتسجيل هدف 7.81 ثانية، بمتوسط 2.51 تمريرة. تبدو أرقاما خرافية، لكننا نؤكد لك أنها صادرة عن الاتحاد الأوروبي في تقريره السنوي الذي يتناول نسخة دوري الأبطال تكتيكيا. واستكمالا لهذا السباق، فقد شملت السرعة أسبقية الفريق في إحراز الهدف، وفقا لأرقام نسخة 2018-2019، فإن الفريق الذي تقدَّم أولا تجنَّب الهزيمة في نسبة 92% من المباريات.

      undefined

       

لكن قبل أن نُلفِّق التهمة لعصر السرعة الحالي، بإمكاننا النظر إلى الرسم البياني السابق، والذي يشير إلى تقارب الأرقام من حيث متوسط الاستحواذ السابق لإحراز الأهداف في آخر 7 نسخ، هل يُعقل أننا لا نستمتع بالبطولة على مدار 7 سنوات دون أن نشعر؟ 

 

على الأغلب ستكون الإجابة بـ "لا"، لكن من الواضح أنه مهما كان الإيقاع سريعا، والأنظمة التكتيكية متطلبة، فإننا بحاجة إلى المواهب الحقيقية التي تستطيع التحكم بكل هذا عن طريق بعض من إبداعها. لكن في عالم تدفق الأموال الشره، فإن صناعة النجوم باتت أعقد، لأنهم يحصلون في بداية طريقهم على ما يكفي لتأمين تقاعدهم، دون الحاجة إلى بذل المزيد، وبما أنها مشكلة تحتاج إلى موضوع آخر، فإننا سنخلص من ذكرها إلى ضرورة عدم تحميل حرب غوارديولا وكلوب مسؤولية تراجع المتعة النسبي.

المصدر : الجزيرة