شعار قسم ميدان

نحو جيل لا يُشبه سابقيه.. ماذا فعل فيروس كورونا بناشئي كرة القدم؟

مرحبا، نحن نعلم أن حياتك اليوم لا تُشبه ما كانت عليه قبل جائحة كورونا، ونعلم أيضا أنك اكتسبت عادات جديدة وتخلّصت من أخرى، وفي الواقع ما نود أن نخبرك إياه اليوم هو خليط بين ذلك وبين شيء آخر نعتقد أنك مررت به في طفولتك، وتحديدا مع اقتراب موعد امتحاناتك السنوية الذي كان يأتي بحالة طوارئ إلى المنزل.

 

لا تمتلك سوى كرسي أمام المكتب، أما الكرة فهي بجوار جهاز البلاي ستيشن وكل ما يروق لك في هذه المرحلة تحت سيطرة الأم، الأم التي ستضع الشمع الأحمر على كل ما يجعلك تبتسم حتى تنتهي فترة الاختبارات، وفي هذه الأيام أنت لا تُفكِّر في أي شيء، فقط تحسب الأيام بالدقيقة واللحظة حتى يأتي موعد الإجازة الصيفية لتسترد أغراضك من جديد.

 

مساكين قصتنا اليوم عاشوا حالة مماثلة ولكنهم لم يخرجوا منها كما دخلوها، هم مجموعة من المراهقين الذين تدور حياتهم حول كرة القدم، لاعبون صغار فجأة وجدوا أنفسهم أمام شعور القهر الشبيه بما عشته في طفولتك أيام الامتحانات، الفارق بين القصتين أنهم عاشوا ذلك لفترة لا يعلمون متى تنتهي، وبسبب جائحة أكبر من استيعابهم بسنوات ضوئية.

 

عنوان ميدان

Kids play football during a 'We Make Footballers' training session as the outbreak of the coronavirus disease (COVID-19) continues in Milton Keynes, Britain, October 11, 2020. REUTERS/Andrew Boyers

بالطبع جعلك العنوان تتصوّر أننا هنا لنتحدث عن تسبُّب فيروس كورونا في إصابة المراهقين بمشكلات رئوية أو تنفسية على المدى الطويل، ولكن الحقيقة أن الأزمة ليست في ذلك، تأثير الوباء في هذه المسألة ليس مباشرا كما تعتقد، وإنما يمكن تسميته بما وراء الكورونا، وهي أشياء تتلخّص باختصار في القدرة المحدودة للمراهقين أو الأطفال على إدراك ما يحدث حولهم من تغيرات.

 

الطبيب كريغ دنكان، إستراتيجي الأداء البشري، قال في حوار مع "CNN" إن تأجيل المنافسات وإلغاء التدريب اليومي وعزل اللاعبين يمكن أن يؤدي إلى مشكلات نفسية، حيث إن لدى لاعبي كرة القدم روتينا يوميا وأسبوعيا وموسميا لا يتغير فيما يتعلق بوقت النوم وتناول الطعام والتدريبات، لذلك خلال فترة التوقُّف كانت هناك تغييرات كبيرة. التواصل اليومي ببيئة الفريق أمر مهم للغاية، كما هو الحال في أي بيئة عمل، وغيابه لفترة كان لا بد أن يُحدِث خللا ما. (1)

 

على ناحية أخرى، مستوى النضج بإمكانه أن يُقلِّل هذه التأثيرات، بل إن البعض يمكنه الاستفادة من تغيير الروتين من أجل الحصول على قسط من الراحة وتجربة نمط آخر للحياة دون شعور بالتقصير. مثلا سامي خضيرة قضى فترة توقف النشاط في تعلُّم العزف على البيانو، فيما اهتم مواطنه روبن غوزنس لاعب أتالانتا بإنهاء دراسات في علم النفس، البعض من اللاعبين احتاج إلى هذه الفترة من أجل تغيير نمط الحياة ربما، ولكن هؤلاء يمتلكون من النضج ما يكفي، والأزمة الحقيقية ليست عندهم. (2)

 

أين الأزمة الحقيقية إذن؟ في دراسة أُجريت بجامعة ويسكونسن تهدف إلى قياس مدى تأثير القيود الرياضية المرتبطة بفيروس كورونا على الصحة العقلية للرياضيين الشباب جاءت النتائج صادمة للغاية، الدراسة أُجريت على مَن هم أقل من 19 عاما، وبلغت نسبة مَن شعروا بأعراض القلق في مايو/أيار 65%، بينما وصل 13.4% ممن شملتهم الدراسة إلى أعراض قلق شديد، ووصل 68% إلى أعراض الاكتئاب في الشهر نفسه، حيث عانى نصف المشاركين تقريبا من أعراض حادة. (3)

 

عنوان ميدان

نتائج الدراسات التي أُجريت حول التأثير النفسي لفترة العزل على اللاعبين الشباب لم تتوقف عند أعراض القلق والاكتئاب فقط، كبير المستشارين الطبيين بدوري أندية النخبة في جورجيا درو واتسون لم يكتفِ بالدراسات النفسية، وكان التحدي، وفقا له، هو تحديد كيفية تخفيف المخاطر على الأندية والرياضيين الذين عادوا بقليل من المعلومات والأدلة الطبية الملموسة بخصوص الصحة العامة، وبالفعل لمس الرجل بعض التأثيرات البدنية على اللاعبين الصاعدين.

 

أكمل واتسون أبحاثا واسعة في فسيولوجيا تمارين القلب ودراسات حول تأثير كورونا ومستجداته على الصحة العقلية للرياضيين. قرّر الرجل إجراء دراسة أخرى مماثلة، هذه المرة بناء على التغيرات الحاصلة في عصر الوباء، وفي أغسطس/آب أشرف الرجل على دراسة شارك فيها أكثر من 13000 رياضي مراهق من جميع أنحاء البلاد، وكانت النتائج مُقلقة. (4)

 

في هذا السياق كشف واتسون أنه من بين أكثر من 13000 مشارك كان 50 إلى 100 منهم من ولاية ويسكونسن، لذلك يمكن مقارنة نشاطهم البدني وصحتهم العقلية بتلك البيانات المتوفرة من نحو 3200 رياضي من ويسكونسن قبل تفشي فيروس كورونا، وبمقارنة هؤلاء فقط، تبيَّن أن مستويات النشاط البدني انخفضت بنسبة 50%، لكن الشيء الأكثر تأثيرا أن نسبة مَن يُعانون من أعراض الاكتئاب بين ما قبل الوباء وبعده ارتفعت من 10 إلى 33% بسبب غياب المنافسات. (5)

 

عنوان ميدان

تولد لحظات دافئة ومضيئة من قلب الكوارث والأزمات دائما، وتظل هذه الصور واللقطات عالقة في القلوب حتى وإن حاولت طرد الذكريات المحيطة بها، وفي سياق ما نتحدث عنه، كانت تلك اللحظة من نصيب إيجي موليكا، وهي التي تعمل مديرة تنفيذية لكرة القدم في "United Futbol Academy (UFA)" أحد أندية دوري النخبة في جورجيا.

 

موليكا التي درّبت فريق "UFA" للفتيات بمختلف فئاته السنية وضعت نهجا مرحليا مُشابها للطريقة التي نفّذت بها أندية الدوري الأميركي إستراتيجيات العودة إلى اللعب؛ بدأت بجلسات تدريبية افتراضية أسبوعية عبر اجتماعات الفيديو، تلتها جلسات تدريب فردية بدون اتصال جسدي وعدد محدود من اللاعبين على أرض الملعب خلال الصيف. ليس ذلك فقط، بل قامت موليكا بجدولة اجتماعات "Google Hangout" إضافية في المساء حتى يتمكّن لاعبوها من التحدُّث ومشاركة أفكارهم ومشاعرهم وكسر حالة العُزلة التي يعيشون فيها. (6)

 

موليكا قالت حول ذلك إنه كان عليها أن تمنح الأطفال إحساسا بالأمل، في مرحلة كتلك كان على المدربين والموظفين أن يكونوا مستعدين للوقوف أمام هؤلاء الأطفال ويُخبرونهم فقط كلمات بسيطة مثل "مرحبا، سيكون الأمر على ما يُرام"، قبل أن يكون هؤلاء الصغار مطالبين بالعودة من جديد لتعويض ما فاتهم فيما يتعلّق بكرة القدم. (7)

 

بسبب الجائحة ازدادت الضغوطات التي يتعامل معها المراهقون اجتماعيا، خاصة خلال الصيف الماضي، هناك أشياء خارجة عن إرادة الجميع ولكنها ضرورية، وفي الوقت ذاته حتمية الاستغناء عنها مؤقتا ليست على مستوى استيعاب هؤلاء الصغار، يتجلّى ذلك مثلا بالنسبة لما قالته موليكا عندما اعترف اللاعبون واللاعبات أنهم يريدون الاختلاط بأصدقائهم بعيدا عن الملعب. محاولات موليكا لم تكن لتُنهي المعاناة بالطبع، ولكنها على الأقل حاولت تقليلها وفقا لما تستطيع. (8)

 

عنوان ميدان

A football academy at a Paris suburb hold training for disadvantaged youths while making sure social distancing measures are in place, following the outbreak of the coronavirus disease (COVID-19), Paris, France, May 22, 2020. REUTERS/Christian Hartmann

نونو بيتيرا، وهو مدرب لأحد فِرَق الناشئين في أكاديمية غوينيت لكرة القدم في جورجيا، تحدّث عن شقّين آخرين لمرحلة ما بعد كورونا، الرجل قال إن الوباء قد مكّن لاعبيه من أن يصبحوا مواطنين مسؤولين وغير أنانيين وليسوا مجرد مراهقين يبحثون عما يريدونه فقط، ومن ناحية أخرى أصبحت الدروس القاسية عن الحياة والموت نقطة نقاش طبيعية عندما يلتقي بهم. (9)

 

نونو نفسه مات والده ولم يستطع السفر إلى بلاده حتى يودعه بسبب الحجر الصحي، هؤلاء الأولاد عاشوا موقفا كهذا مع مدربهم، ولا بد أن أحدهم قد فقد أحد أقربائه أو حدث ذلك في دائرته المقربة، كلها أشياء جاءت فجأة لتُشكِّل روتين حياة مَن كانوا بالأمس القريب لا يُفكِّرون إلا في تحقيق انتصار جديد وخوض مباراة أكثر إثارة من التي كانت قبلها، ولا يحلمون إلا بأن يصبحوا نجوما في المستقبل. (10)

 

هذه التغيرات أغلبها لا يحتاج إلى دراسات، الكوكب كله عانى من الوضع نفسه، وأي شخص في العالم يعرف أن تأثير ذلك على صغار السن سيكون أكبر، ولكن ما لا نعرفه هو إلى متى ستمتد هذه التأثيرات، وهل هي فقط ما تُوصِّلَ إليه من خلال الدرسات أم هناك أشياء سنُصدم بها في المراحل المقبلة؟ وهل سينتهي تأثير الوباء بمرور الوقت وكأنه لم يكن أم سيترك عُقدة لدى هذا الجيل تظل معهم طيلة حياتهم؟ في كل الأحوال من المؤكد أنك أدركت الآن أن فترة الامتحانات التي حدّثناك عنها في البداية لم تكن أسوأ شيء يمكن أن يُعاني منه طفل أو مراهق.

—————————————————————————————–

المصادر

  1. وفقا للخبراء.. الحجر الصحي قد يدمر اللاعبين نفسيا – سكاي نيوز عربية
  2. هكذا غيّر فيروس كورونا الحياة اليومية للاعبي كرة القدم! – دويتش فيله 
  3. بالنسبة للاعبي كرة القدم الشباب، كان لفيروس كورونا عواقب وخيمة على الصحة العقلية – ذا أثلتيك 
  4. المصدر السابق.
  5. المصدر السابق.
  6. المصدر السابق.
  7. المصدر السابق.
  8. المصدر السابق.
  9. المصدر السابق.
  10. المصدر السابق.