هذه أبرز اللحظات التي لا تنسى من تتويج ليفربول بدوري أبطال أوروبا
يفصل بين إسطنبول ومدريد أكثر من 3000 كيلومتر، يقطعها السائر على قدميه في 20 يوما، أما ليفربول فقد قطعها في 14 عاما. أكثر من 5000 يوم قضاها الأحمر العريق دون الصعود إلى منصة تتويج كبيرة، تراكمت خلالهم الآمال والإحباطات حتى ظنت جماهيره وقطاعات كبيرة من جماهير الكرة عامة أن ليلة إسطنبول كانت الأخيرة. وجاءت ليلة مدريد بصعود جديد لليفربول إلى منصة تتويج دوري الأبطال. وخلال هذه الليلة منحتنا الكاميرات عددا من الصور التي سنتوقف عندها طويلا.(1)
في أحد لقاءات ما بعد المباراة قال يورغن كلوب إن الفارق الأهم بين هذه الليلة وغيرها يكمن في أن الحظ قد قرر الميل ناحية ليفربول. مرات عديدة بذل الريدز فيها كل شيء دون أن يكرمهم الحظ ببعض التسامح. كان يمكن للحظ أن يدفع كرة صلاح ميلليمترات قليلة فتعبر كرته خط مرمى مانشستر في المباراة التي خسرها ليفربول أمامهم. وكان يمكن للحظ أن يقف أمام كرة أغويرو التي عبرت خط مرمى بيرنلي بميلليمتر واحد ففاز السيتيزينس بالدوري! كان يمكن ألا يظلم الحكم ليفربول في مباراة أشبيلية في نهائي الدوري الأوروبي 2016 ويحتسب لهم أكثر من ضربة جزاء، فلا يخسرون. وكان يمكن ألا ينزلق ستيفن جيرارد أمام تشلسي في مباراة موسم 2014 الشهيرة.
هذه المرة ابتسم الحظ قليلا وصار أحمر، ومنح الريدز ضربة جزاء من السماء. فقط يوم 1 يونيو/حزيران 2019 تقرر الفيفا أن أي لمسة يد داخل منطقة الجزاء سوف تحتسب مخالفة، حتى وإن كانت بغير تعمد. وقبل أن يعتاد اللاعبون على هذه القاعدة الجديدة، ترتطم الكرة بذراع موسى سيسوكو ويحرز صلاح هدف اللقاء الأول من ضربة جزاء صنعها ماني في أول دقيقة في المباراة، فتصير الأمور أسهل منذ اللحظة الأولى!
جلس جوزيه مورينيو في الأستوديو التحليلي لمباراة النهائي وجلس يورغن كلوب على خط الملعب. وفي هذه المرة قرر النورمال وان أن يتبع طريقة السبيشال وان؛ لا وقت للمتعة ولا مكان للهيفي ميتال، وقرر الألماني التخلص من الكرة وأن يركن الأتوبيس. في نهائي دوري الأبطال 2010 ربح مورينيو المباراة باستحواذ 41% أمام بايرن ميونخ، وبالمثل خسر كلوب الاستحواذ أمام بوتشيتينو (استحواذ ليفربول 3505%) وربح اللقب. خسر ليفربول إحصائيات التمريرات من حيث عددها ومن حيث الدقة، وخسر إحصائيات التصويب على المرمى، وخسر مهاجموه إحصائيات المراوغات والانطلاقات الهجومية، وفي النهاية ربح الإحصائية الأهم والتي -حسب رأي ريو فيردناند- لن يتذكر أحد أي شيء غيرها، وهي النتيجة!(2)
|
خسر كلوب النهائيات الأوروبية 3 مرات من قبل، ومن الواضح أنه لم يكن ليتحمل خسارة رابعة. ويسهل تفسير ذلك، فخسارة المباراة كانت بمنزلة إعلان النهاية لمشروع كلوب الجالس على مقعد تدريب ليفربول من دون أي لقب. إنه المدرب الذي حقق أكبر عدد من النقاط للفريق في حقبة البريمييرليغ وخسر بـ 97 نقطة أمام غوارديولا.
تصريحات كلوب بعد المباراة يمكنها شرح هذا الضغط بصورة أوضح، إذ يقول: "للأمانة، إنني أشعر بالراحة. أشعر بالراحة من أجل عائلتي، والمرات الست الأخيرة التي قضيناها في عطلة الصيف بميدالية فضية. لكن الأمر مختلف هذا العام".
منذ اعتزال سامي هيبيا وجيمي كاراغر لم يعرف دفاع ليفربول الثبات، وفي نهائي دوري أبطال العام الماضي كانت المزحة الدائمة عن أن الريدز يمتلكون هجوم سيارة فيراري ودفاع سيارة قديمة معطلة. ولكن الأمر اختلف الآن، ويمكن ببعض التبسيط أن نرجع الفوز إلى خط دفاع مذهل الجودة وحارس مرمى يُشعرك بالثقة في وجوده.
يبدأ الحديث بالطبع عند رجل الساعة فيرغيل فان دايك. فحسب موقع أوبتا المختص بالإحصائيات، لم يتمكن أي لاعب من مراوغة المدافع الهولندي في أي مباراة خلال البطولات الإنجليزية هذا الموسم. أما في دوري الأبطال فقد لعب فيرغيل 1080 دقيقة، وواجه نيمار ومبابى ودي ماريا وميرتينز وميليك وتييغو ألكانتارا وليفاندوفسكي وخميس رودريغز وسواريز وكوتينيو، وقبل الجميع يأتي ليونيل ميسي، ولم يستطع أيهم النجاح في مراوغة الهولندي!
أما أليسون بيكر فقد أكد أن التوقيع معه برقم قياسي لم يكن من قبيل المبالغة. فالبرازيلي هو ثاني حارس مرمى منذ بداية تسجيل الإحصائيات يستطيع التصدي لـ 8 كرات في نهائي دوري الأبطال بعد فان دير سار في 2011. ولكن الحارس الهولندي قد استقبل 3 أهداف من برشلونة بينما خرج أليسون بشباك نظيفة، وهي المرة الأولى أيضا التي يدافع فيها حارس عن مرماه وينجح منذ نهائي 2010 الذي خرج فيه جوليو سيزار حارس إنتر بشباك نظيفة!
والمفاجأة الحقيقية كانت عند ماتيب، والذي كان محل سخرية المشجعين لسوء ما يقدمه من أداء في بداية الموسم. ومع مرور المباريات تطور المدافع الكاميروني، ونجح في تقديم مباراة جيدة بـ 12 تشتيتا ناجحا للكرة، والفوز بـ 3 التحامات هوائية، وحسب موقع هوسكورد كان هو المدافع الأعلى تقييما في المباراة!(3)
رغم الإعارات الطويلة التي خرج فيها المهاجم البلجيكي من ليفربول إلى الدوري الفرنسي أو الألماني، فإن عنوان موسمه الحالي مع الريدز كان الظهور في لحظات الحسم. لا ينسى أحد بالطبع هدفه الذي حسم ديربي ميرسيسايد أمام إيفرتون بالدور الأول في الدقيقة الأخيرة من المباراة، أو هدف الفوز أمام نيوكاسل في الدور الثاني، وبالطبع الهدف الرابع في عودة ليفربول التاريخية أمام برشلونة 4-0. وفي النهاية جاء بهدف حسم لقب دوري الأبطال في الدقائق الأخيرة من مباراة النهائي في توقيت حرج قتل به أي أمل للسبيرز.
أرقام أوريغي هذا العام تثير الدهشة عند تأملها، فقد بدأ أساسيا في الدوري 4 مرات فقط، وأحرز فيهم 3 أهداف، وفي دوري الأبطال بدأ مبارتين فقط، ولعب 217 دقيقة سدد خلالهم 3 مرات على المرمى محرزا 3 أهداف! إن أردت معدلات الفتى الأسمر البلجيكي، فقد لعب 586 دقيقة وأحرز فيهم 7 أهداف هذا العام، أي إنه يحرز هدفا كل 83 دقيقة! وهو بذلك يتفوق على معدلات صلاح وماني وفيرمينو التهديفية لهذا العام!(4)
سنوات طويلة تلك التي قضاها جوردان هندرسون في مقارنة ظالمة مع أيقونة ليفربول ستيفن جيرارد، وكان السؤال دائما: هل يستطيع هندرسون أن يملأ الفراغ الذي خلّفه رحيل القائد التاريخي للريدز ووسط ميدانه؟ أضف إلى ذلك إصابة مزمنة في القدم يعاني منها هندرسون، وتراجع للمستوى في بعض مراحل مغامرة كلوب مع الفريق، ثم تأتي المنافسة الشرسة على الاحتفاظ بمكانه في التشكيل مع قدوم صناع لعب من شاكيري ونابي كيتا. صمد الفتى الإنجليزي كما يجب، ومنح الفريق قيادة ملعب يمكن مقارنتها بجيرارد، ومنح الفريق حلولا هجومية بكفاءة أكبر من الآمال المعقودة على الوافدين الجدد، واستطاع أن يستمر في اللعب رغم الإصابة المزمنة التي تستطيع وحدها إنهاء مسيرته. ولكن هذه الأمور كلها لم تكن السبب في بكائه المفعم بالمشاعر عقب انطلاق صافرة الحكم، بل كان السبب هو الرجل الواقف إلى جانبه مرتديا قميصا ورديا وابتسامة عطوفة بشعره الأشيب ونظارته؛ السيد بريان هندرسون الأب.
بدأ كل شيء في موسم 2003 عندما اصطحب بريان طفله إلى ملعب الأحلام أولدترافورد من أجل مشاهدة نهائي الأبطال بين يوفينتوس وميلان. ووقع الفتى في غرام الأناشيد والألوان والهتافات، وأخبر أباه برغبته في خوض يوم مثل ذلك اليوم مرة أخرى، ولكن كلاعب في الميدان لا كمتفرج.
بعد 10 سنوات أصبح الابن لاعبا في ليفربول، وخلال وقت معاناته في المقارنة مع جيرارد أثناء موسم 2013 علم الأب أنه مصاب بسرطان في الحنجرة، فقرر إخفاء الخبر عن ابنه كي لا يتأثر مستواه وتتخبط مسيرته في بدايتها، ولكنه لم يستطع إخفاء الخبر لأن الأطباء أخبروه بضرورة إجراء جراحة عاجلة. اعتاد الأب السفر خلف ابنه دوما لمشاهدته. سافر خلفه في كأس العالم 2014 رغم مرضه حينها، وسافر إلى ملعب واندا ميتروبوليتانو ليشاهد جوردان يحمل ذات الأذنين!(5)
حملت ليلة مدريد العديد من الصور الجميلة والتي يصعب حصرها في تقرير؛ فهذا محمد صلاح الذي خرج باكيا في نهائي 2018 يعود الآن ويحرز ثالث أسرع هدف في تاريخ نهائي تشامبيونزليغ، ويحمل الكأس. وأليكسندر أرنولد ينجح في تمرير أصدقاء طفولته إلى أرض الملعب من أجل الاحتفال معه. وأليسون يحتفل عبر الهاتف مع ابنته وزوجته التي تحمل طفلهما الثاني. وميلنر الذي قدم إلي أنفيلد مجانا من أجل أن يحرز معهم الذهب. ولكن الصورة الأجمل هي جماهير ليفربول تنشد أغنيتها الشهيرة "You Will Never Walk Alone" وأمامها يقف الفريق مرددا الكلمات ذاتها.
طالما ارتفعت أغنية ليفربول في مواقف صعبة يعاني فيها الفريق الهزيمة والتخبط، وطالما كانت لحن المواساة الذي يخفف خيبة الأمل. إنها الأغنية التي ارتفعت في إسطنبول من أجل عودة الفريق الذي قاده ستيفن جيرارد في العودة أمام ميلان، وارتفعت مرة أخرى في مدريد ولكن هذه المرة لم تكن للدعم ولا المواساة، جاءت فقط من أجل التذكير بتحقق النبوءة؛ سوف يسير الأحمر العريق تحت العواصف، وسوف تضيع أحلامه تحت سيول من الأمطار، ولكن النهاية سوف تأتي بسماء ذهبية.. وها هي السماء قد جاءت أخيرا مع الرجل الألماني الذي يؤمن بأن كرة القدم تُلعب بالقلب قبل القدم!