شعار قسم ميدان

ما الذي يحتاج إليه ليفربول لكسر هيمنة مانشستر سيتي؟

ميدان - بيب غوارديولا و يورغن كلوب

في واقعة هي الأولى من نوعها، اكتسح فريق واحد جميع البطولات المحلية في إنجلترا، وبينما كان مدربه ينتظر بعضا من المديح، وجد أحد الصحفيين يسأله عن مخالفة فريقه لقوانين اللعب المالي النظيف، ثم باغته آخر بسؤال أكثر سخونة: "هل حصلت على أموال خارج عقدك من أبو ظبي، مثل مدرب مانشستر سيتي السابق روبيرتو مانشيني؟"، وكأنهم يقولون له لن تفرح بعد إهانتك لجملة: "أهلا بك في البريميرليغ". امتعض غوارديولا، لكنه تجاهلهم حتى لا يعكر صفو العطلة الصيفية. (1)

  

على الجانب الآخر، تفاجأ الألماني يورغن كلوب وليفربول بكم المشاعر الرقيقة، وكلمات الشكر والعرفان لما قدمه الفريق، وكأنهم يحتفلون بلقب البريميرليغ الغائب منذ 30 عاما. لم يكن كلوب ينتظر كل هذا، وكأنه يحدث نفسه بالعبارة الكوميدية: "ناس طيبين أوي". لكنه يعلم أن مشوار الإصلاح الذي بدأه ليفربول قبل مجيئه، يجب أن يتوَّج بالدوري عاجلا أم آجلا.

     

   

ضريبة النجاح

لأن كل مشكلات كرة القدم تبدأ من الإرث، فقد بدأ ليفربول رحلته الطويلة مع الانهيار من النقطة نفسها. هذه المرة علق ليفربول مع إرثه الناجح، الذي كفل له النجاح في فترات الستينيات والسبعينيات والثمانينيات. وفقا لما قاله "ريك بيري" الذي تولى منصب المدير التنفيذي للنادي في عام 1999:
"عندما تكون ناجحا جدا، ستتمسك بالمعادلة التي حققت لك هذا النجاح. في التسعينيات، كانت البيئة تتغير بسرعة من حولنا، الدوري الممتاز بالاسم الجديد، وزيادة الإيرادات، وقانون بوسمان للانتقالات، دوري أبطال أوروبا بشكله الجديد. ربما لم نكن مستعدين تماما لذلك". (2)

    

   

استمرت رحلة الانهيار دون توقف، لأن التغيير أو محاولة التطوير كانت تعد ضربا من ضروب الجنون، فبقي النادي كبيرا بالاسم فقط. عندما تولى "أيان آيري" الإدارة العامة للنادي في عام 2007، تفاجأ من ضآلة البنية التحتية، حيث كان يضم النادي 200 موظف فقط. (2) وبينما كان المنافسون يتقدمون، كان ليفربول يصارع تخلفه الإداري. وطالما لا يوجد مشروع طموح، ستمتد العواقب من عدم القدرة على المنافسة، إلى إضاعة المواهب.

   

لعل أكثر ما يعبر عن قلة حيلة المنظومة هي القصة التي نقلها "آيري" عن مدرب سابق لليفربول، والذي كان يتناول العشاء مع أحد كشافة نادي أرسنال. بعد أن تحدثا معا عن بعض اللاعبين الذي لفتوا الأنظار، إذا بالأخير يجري بعض المكالمات بإداريي أرسنال، حتى استطاعوا في خلال 30 دقيقة ترتيب موعد مع مسؤولي اللاعب. (2) تخيل "آيري" ما كان سيحدث لو امتلك إداريو ليفربول مثل هذه السرعة، فالنادي كان قد سبق الجميع بمتابعة بابلو أيمار، رونالدو، بيتر تشيك، وداني ألفيش، لكن في النهاية لم يحصلوا على أي منهم.

   

انطلقت شرارة تغيير ذلك الوضع المزري مع انتقال ملكية النادي في 2010 من الأميركيين "توم هيكس" و"جورج جيليت" إلى مجموعة(3) "Fenway Sports Group"،  والتي استعانت بالمدير الرياضي الحالي "مايكل إدواردز"، الرجل الذي انضم للنادي في عام 2011، ليتولى مسؤولية فريق التحليل والإحصائيات، وساهم في إعادة هيكلة طريقة عمل الأكاديمية، ثم انتقل من الجزء التقني إلى منصب المدير الرياضي بداية من نوفمبر/تشرين الثاني 2016. (4) لعب "إدواردز" دورا فعالا في صفقات صلاح وماني وفيرمينو وفان دايك، وغيرها من الصفقات التي مهدت الطريق ليورغن كلوب من أجل وضع بصمته.

  

الرجل المناسب
مدرب ليفربول
مدرب ليفربول "يورغن كلوب" (رويترز)

   

يمكن القول إن كل محاولات الإدارة لتصحيح الأمور لم تكن لتنجح لولا "كلوب". تحسُّن النتائج، واقتحام المنافسة على المستوى المحلي والقاري نقلا مشروع النادي خطوات للأمام. لم يعد اللاعبون ينظرون إلى النادي كمحطة لتجهيزهم للمستوى الأعلى، لأنهم بالفعل قد وصلوا له. أضاف كلوب نكهة خاصة للمشروع بشخصيته المميزة غير الهادئة؛ فقط راقبه يتفاعل مع الجماهير لتدرك أن أجواء الأنفيلد قد خُلقت له.

 

أضاف كلوب لمسته التكتيكية ليتحول ليفربول إلى أسلوب الـ "GegenPressing"، ضغط عالٍ لخنق الخصوم في مناطقهم بغلق زوايا التمرير، وخلق ما يعرف بمصيدة الضغط "pressing trap". يتطلب خلق المصيدة عملا جماعيا متناغما، يحول الجميع إلى ما يشبه الكلاب البوليسية التي لا تتوقف حتى تحصل على ما تريد. هذه الطريقة قادت الريدز للوصول إلى نهائي اليوربا ليج، ودوري أبطال أوروبا. لكن ظلت بطولة الدوري بعيدة، لأن الضغط العالي لا يخدم النفس الطويل؛ لذا كان لا بد من تعديل.

     

  

في بداية موسم 2018-2019 قرر مدرب ماينز السابق تخفيف حدة الضغط بالتزامن مع زيادة استحواذ الفريق على الكرة. حاولت شركات التحليل مرارا وتكرارا قياس فاعلية الضغط الذي يقوم به الفريق، وانتهت في الأخير إلى إحصائية تسمى "PPDA" وهو اختصار لـ "opposition passes allowed per defensive action"، وهي علاقة بين عدد التمريرات التي يقوم بها الفريق المستحوذ على الكرة، وعدد التدخلات الدفاعية للفريق الآخر، مع أخذ أماكن التمريرات في الاعتبار. (6)

   

وفقا لأرقام الموقع الرسمي للبريميرليغ حتى 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، فإن ليفربول بات يسمح بـ 13.5 PPDA بعد أن كان يسمح في الموسم الماضي بـ 11.2. (5) لم يؤثر على حيوية لاعبي الريدز، لأنهم احتلوا المركز الأول في عدد الانطلاقات (Sprints) بـ 1486، لكنه جعل ليفربول في المركز الثاني من حيث إجبار الخصم على فقد الكرة في منطقته (turnover) بواقع 58 مرة، فقط 6 منها انتهت بتسديدات، وهو ما يشير إلى انخفاض فاعلية الضغط العالي الذي طالما اعتبره كلوب صانع ألعاب فريقه.

   

أين المشكلة؟

undefined

  

عندما يستحوذ الفريق، وتُغلَق أمامه المساحات، تقل الحلول وتظهر حاجة الفريق إلى مزيد من الإبداع لخلق الفرص. أجرى موقع "fourfourtwo" مقارنة بين أرقام خط وسط ليفربول الحالي، وأرقام صانع الألعاب البرازيلي فيليب كوتينيو، فقط في آخر نصف موسم له مع الفريق. (7)

   

حتى نهاية شهر فبراير/شباط من عام 2019، صنع الرباعي هندرسون، فابينيو، كيتا، فينالدوم 43 فرصة في البريميرليغ (3 أسيست فقط)، بينما صنع كوتينيو 40 فرصة منها 6 أسيست. ظهر العيب في مباريات كبيرة وحاسمة أيضا، أبرزها مباراة الذهاب ضد بايرن ميونيخ في دوري الأبطال، صنع ليفربول 10 فرص، منها اثنتان فقط عن طريق ثلاثي الوسط. (7) كذلك مباراة التعادل السلبي ضد مانشستر يونايتد في الدور الثاني، صنع الفريق 6 فرص، واحدة فقط من ثلاثي وسط الملعب، ولا حاجة إلى تذكرة مشجعي الريدز أن الفوز في هذه المباراة كان بإمكانه تغيير مسار البطولة.

  

حاول المدرب الألماني إصلاح هذا العطل بمنح الظهيرين حرية هجومية، مع حذر دفاعي للاعبي الوسط من أجل تغطية المساحات خلفهما. كانت النتائج باهرة، حيث صنع الظهير الأيمن "ألكسندر أرنولد" 12 هدفا بالدوري، وصنع الظهير الأيسر "روبيرتسون" 11 هدفا. إلى هنا قد يبدو الترقيع ناجحا، لكن مع مواجهة أجنحة سريعة في التحولات من الدفاع إلى الهجوم، سيتحول الاعتماد المبالغ فيه على تقدم الأظهرة إلى مغامرة محفوفة بالمخاطر.

   

   

رفاهية الانتقالات

توازن ليفربول كان أحد أهم أسباب استمراره بالمنافسة، وقد ظهر أثر هذا التوازن على قوته الدفاعية خاصة بعد قدوم الحارس البرازيلي أليسون. فالفريق هُزم مرة وحيدة، واستقبلت شباكه 22 هدفا فقط، كأقوى دفاع في البريميرليغ. لذلك، قد تكون الأولوية للحفاظ على هذا التوازن وإضافة المزيد من الحلول في وسط الملعب، مع مراعاة معدل الركض (work rate) المناسب لطريقة كلوب.

   

يعد متوسط ميدان أياكس "فان دي بيك" خيارا مثاليا لليفربول، فالشاب الهولندي الذي أبهر الجميع بعروضه في دوري أبطال أوروبا يجيد اللعب في المركزين 6 و8. لاعب "box to box" مثالي، يجيد الضغط بدون الكرة كما يجيد التوغل بها والتحرك في الفراغات. استطاع "فان دي بيك" أن يحرز 16 هدفا وصناعة 12، في 49 مباراة لعبها في كل البطولات. (9) قد تكون حصيلة غير باهرة نظرا لمستوى الدوري الهولندي، لكن مع طريقة لعب أياكس تحت قيادة "إيريك تين هاخ"، فإن اللاعب سيكون مناسبا تماما لأسلوب ليفربول.

     

مدرب أياكس
مدرب أياكس "إيريك تين هاخ" (رويترز)

   

في حالة أراد كلوب تجنب الصراع المتوقَّع على لاعبي أياكس، فيبدو "جيوفاني لو سيلسو" متوسط ميدان ريال بيتيس خيارا جيدا. لاعب باريس سان جيرمان السابق أقل من "فان دي بيك" على مستوى الضغط، لكنه بالكرة أكثر إبداعا. أحرز 9 أهداف وصنع 4 بالليجا، (8) لكنه كان سببا رئيسيا في نجاح أسلوب المدرب "كيكي سيتين" المتهور، وتقديم بيتيس كرة جذابة. ومن بعيد يأتي "زيلنسكي" متوسط ميدان نابولي، والذي أجاد من قبل مع أسلوب مدربه السابق "ماوريتسيو ساري"، مما يجعله مناسبا لأسلوب كلوب.

   

ما يجمع الاختيارات الثلاثة السابقة هو لعب كل منهم تحت قيادة مدرب يحبذ الضغط من مناطق متقدمة وليس الدفاع المتأخر، وقد يكون هذا هو المرجع الأهم لقياس مدى ملاءمة اللاعب لأسلوب ليفربول. أما على صعيد الهجوم، فتغيير أحد الثلاثي صلاح، ماني، فيرمينو، يبدو أمرا مستبعدا إلا مع رحيل أحدهم بسبب عرض مغرٍ لا يمكن رفضه، من ريال مدريد مثلا. ومع انخفاض ثقة كلوب بـ "شاكيري" في النصف الثاني من الموسم، يبدو خيار "ويلفريد زاها" مناسبا.

     

   

اللاعب الإيفواري كان قد أعلن مع نهاية الموسم رغبته في الرحيل عن كريستال بالاس، وكأنه يعلن صراحة أنه تجاوز فترة المراهقة التي تزامنت مع وجوده في مانشستر يونايتد، وبات جاهزا لتحدٍّ جديد. يجيد زاها اللعب في مركزي رأس الحربة والجناح، مع تمتعه بقدرة مرعبة على المراوغة، مما سيضيف لمنظومة الليفر حلا غير نمطي.

   

قد يعود ليفربول مرة أخرى إلى نبيل فقير لاعب ليون، أو يخطف حكيم زياش ليتم توظيفه على شاكلة تشامبرلين. لكن أيًّا كانت الأسماء فإن نزول سوق الانتقالات بقوة ليس رفاهية لليفربول، لأن عدم الفوز بالبريميرليغ بعد أن بذل الجميع أقصى طاقتهم قد يعيد حالة الإحباط للنادي واللاعبين. ولا حل سوى التفاؤل ولو مؤقتا، ومواصلة دعم المشروع. لكن إذا انتهى الموسم القادم كسابقه، فلا حل أمام الجميع سوى انتظار قانون اللعب المالي النظيف كي يضرب ضربته.

المصدر : الجزيرة