شعار قسم ميدان

ليفربول لن ينسى اليوم الذي خسر فيه البريميرليغ أبدًا

ميدان - كلوب

هذه السطور تُكتب قبل آخر جولات البريميرليغ بساعتين ونصف، ويبدو أنه ليس هناك وقت أنسب من هذا، بعد 250 دقيقة تقريبًا ستُحرق الهيستيريا كل شيء، والأحاديث الموضوعية نالت مساحةً لا بأس بها هذا الموسم، ووجدت صدى حتى عند أكثر المحللين التليفزيونيين تعصبًا في إنجلترا، ستبدو سخيفة إلى حد لا يُصدق حينما تعلن الصافرة ما ستعلنه، أسخف حتى من أوركسترا تايتانيك التي استمرت في العزف أثناء غرق السفينة.

 

مقاعد موسيقية للغاية

يحكي دانيال تيلور مراسل غارديان عن أحد أيامه الأولى كصحفي، (1) عندما أوكلت له مهمة تغطية مباراة مانشستر سيتي الأخيرة في دوري 2012 التاريخي؛ كانت المباراة في أمتارها الأخيرة، وعلى حاسوبه الشخصي كان تيلور قد أتم كتابة تقريره وبدأ في مراجعته. كل شيء على وشك النهاية وتيلور ينتظر الصافرة ليضغط على زر الإرسال. العنوان رائع وروعته في بساطته.. لا، ليس رائعًا فقط بل استثنائي؛ "مانشستر سيتي لن ينسى أبدًا اليوم الذي خسر فيه البريميرليغ".

   

عنوان ساحق، قاسي لدرجة السادية. مشجعو السيتي في صدمة حقيقية، وفي الصدمات يمر الإنسان بخمسة مراحل نفسية متتالية كما عرّفتها إليزابيث كوبلر روس؛ الإنكار – الغضب – المساومة – الاكتئاب – التقبل. (2) تيلور قرر أن يحرمهم حتى من التطور النفسي الطبيعي في حالة كتلك، وبعد دقائق من نهاية المباراة كانت غارديان ستنشر التقرير بهذا العنوان، العنوان الذي ينقل جماهير السيتي للمرحلة الأخيرة مباشرة بمنتهى البرود.

سترفضون التصديق، ستتحدثون عن لقطة تحكيمية هنا أو هناك، ستقولون إن جدول سيتي كان أصعب أو أكثر ازدحامًا، ثم ستصبون غضبكم على اللاعبين والمدرب والإدارة، وبعدها تبدؤون في التطلع للموسم المقبل وصيف الانتقالات، وأنا هنا لأخبركم أن كل هذا لن يفيدكم الآن، ستُدركون ذلك من أول جملة تقع عليها أعينكم في التقرير. احتجوا وارفضوا كما شئتم، اخدعوا أنفسكم، ولكنكم في النهاية ستتذكرون هذا اليوم إلى الأبد. هذا أشبه بأن تحضر إلى سرادق عزاء لتخبر أهل المتوفى أن كل البشر يموتون ولا داعي لكل هذا الحزن والضجيج.

   

كان هذا طبعًا قبل أن تتأرجح قدم أغويرو اليُمنى من زاوية صعبة نوعًا لتصنع ما عُرف لاحقًا بلحظة الـ 93:20، ويضطر تيلور للتخلي عن عنوانه الاستثنائي، ربما كان هذا سبب العنوان التقليدي الذي اضطر لكتابته تحت أثر الصدمة؛ "مانشستر سيتي يفوز باللقب في النهاية بعد أن أغرق أغويرو كوينز بارك رينجرز". (3) هناك عدالة شعرية في الأمر لأن تيلور لقي نفس المصير الذي كان يخططه لجماهير السيتي، وبعد ركلة أغويرو الأيقونية وجد نفسه مطالبًا بأن يتخطى كل مراحل الصدمة ويعد تقريرًا إخباريًا مغايرًا لكل ما بناه خلال التسعين دقيقة، لكل ما بناه خلال الـ 93 دقيقة و20 ثانية للدقة، ودون فرصة لاستيعاب ما حدث ومعالجته عاطفيًا ونفسيًا.

   

 

الجميع وصف هذه الركلة بأنها غيرت شكل كرة القدم الإنجليزية للأبد وبلا رجعة. الركلة التي أتت بعد تمريرة بالوتيلّي، بالوتيلّي الذي لعب مع سيتي 54 مباراة سجل خلالها 20 هدفًا ولم يصنع إلا واحدًا فقط كان هذا هو. (4) (5)

  

تخيل الاحتمالات! هل كانت ركلة أغويرو هي ما غير شكل كرة القدم الإنجليزية للأبد أم تمريرة بالوتيلّي؟ عند أي لحظة من التاريخ صار حتميًا أن يفوز سيتي بهذه الطريقة؟ عندما أتى أغويرو إلى مانشستر؟ أم عندما رحل من الأرجنتين إلى الأتليتي؟ (6) عندما وُلد؟ عندما قرر فرانشيسكو وسيلفيا بالوتيلّي أن يتبنى ماريو الصغير ذا الأصل الغاني؟ (7) العقل البشري الذي يمكنه استيعاب مثل هذه الأمور لم يوجد بعد، أدمغتنا ليست مؤهلة للتعامل مع كل لحظة في الحاضر على أنها مؤثرة وحاسمة في المستقبل، لذا نُجبر على اختصار الأمر في واحدة منها وإلا سنُصاب بالجنون من فرط الاحتمالات وانعدام اليقين. هذا ليس مثاليًا ولكنه أقصى ما نستطيعه.

  

مقاعد موسيقية جدًا جدًا

هذه السطور تكتب قبل آخر جولات البريميرليغ بحوالي ساعة وعشر دقائق ويبدو أن الوقت المتبقي لن يكفي لإنهائها. بعد 210 دقيقة ستحرق الهيستيريا كل شيء، وحتى لو لم تفعل فالأمر لن يختلف كثيرًا على الأرجح؛ ليفربول كلوب سيجلس في السرادق لتلقّي العزاء، ولو أتى من يخبرهم بأن لا داعي للجلبة لأن هناك 19 فريقًا يخسرون اللقب كل موسم فلن يكترثوا. أغلبهم بدأ يعد نفسه لهذه اللحظة منذ زمن أصلًا، ربما سيرددون بعض العبارات الانفعالية البلهاء المعتادة في مثل هذه المواقف، ربما يلعنون كلوب نفسه لأنه منحهم الأمل، لأنه أعادهم لمرحلة مبكرة في نموذج روس رغم أنهم كانوا قد اعتادوا الأخيرة وألفوها، ولكنهم سيعودون لحالة ما قبل الصدمة أسرع من غيرهم.

  

undefined

     

كيفن كيغان، أحد أساطير ليفربول للصدفة، يحكي عن موسم 1995-1996 حينما كان يدرب نيوكاسل وخسر اللقب أمام يونايتد فيرغسون في آخر جولة، يحكي عن الخواء الذي شعر به بعد النهاية، وكأن جسده تحول إلى قشرة جوفاء لا تحوي شيئًا، لا مرارة ولا غضب ولا حيرة ولا صدمة، فقط إحساس باللاشيء، إحساس بالنقص، بالفراغ الهائل الذي يتملكك عندما تحل ثانيًا. (8)

 

"الناس يقولون إنني لم أكن عبقريًا تكتيكيًا وهم محقون، لم أكن كذلك فعلًا"

(كيفن كيغان)

 
هو أيضًا لم يكن داهية تكتيكية وهو أيضًا لم يجد حرجًا في الاعتراف بذلك، هو أيضًا تصدر الجدول بفارق 12 نقطة عن يونايتد عند لحظة من اللحظات ثم أنهاه متأخرًا بأربع نقاط، هو أيضًا كان يخوض المباراة الأخيرة على ملعبه بينما كان يونايتد ضيف ميدلزبرة، وهو أيضًا حدث معه نفس ما سيحدث مع ليفربول كلوب في آخر جولة؛ أحضروا له كأسًا مقلدة ليحتفل بها في حال فاز باللقب وبقيت الأصلية في ريفرسايد. أدخلوها إلى سان جيمز بارك في سرية وبعد الصافرة أزالوها بنفس الطريقة، ولم يحظَ كيغان وفريقه بفرصة النظر إليها حتى.

   

بعد ما يقرب من ربع قرن ستعتقد أن كيغان قد قضى أغلبها متقبلًا لما حدث، ولكنه صرح مؤخرًا أن الكوابيس ما زالت تنتابه حتى اللحظة، وأن جزءا من العدمية التي شعر بها عقب خسارة اللقب كان سببه أنه لم يكن متأكدًا أن نيوكاسل سيحظى بفرصة مثيلة للمنافسة مجددًا، كان يعتقد أنه من الصعب أن يبدأ الموسم التالي نفس البداية الرائعة، لم يكن مؤمنًا أنه سيتمكن من تكرار نفس الانتصارات في نفس الملاعب الصعبة مرة أخرى.

طبعًا كل هذا الشك أُزيل بعد عدة أشهر عندما انطلق الموسم الجديد؛ نيوكاسل خسر اثنتين من مبارياته الافتتاحية الثلاث، وتلقى هزيمة ساحقة برباعية نظيفة من ذات المانشستر يونايتد في الدرع الخيرية، وبنهاية الموسم كان نيوكاسل يحتل المركز الثاني مجددًا ولكن بخمسة انتصارات أقل من الموسم المنصرم، لدرجة أن فيرغسون احتاج لسبع نقاط أقل ليفوز باللقب بلا عناء. (1)

 

الثاني هو لا شيء
 صلاح وماني استمرا في التحرك وطلب الكرة حتى أحرز الأخير هدفه الثاني والعشرين ليتشارك صدارة الهدافين مع المصري
 صلاح وماني استمرا في التحرك وطلب الكرة حتى أحرز الأخير هدفه الثاني والعشرين ليتشارك صدارة الهدافين مع المصري
   

هذه السطور تُكتب بعد نهاية آخر جولات البريميرليغ بساعة تقريبًا، أغلب الناس مازالت تُجاهد لالتقاط أنفاسها بعد الإفطار لذا لا يمكننا أن نخبرك إن كانت الهيستريا قد أحرقت كل شيء أم لا. أصلًا مانشستر سيتي لا يملك عددًا كبيرًا من المشجعين في هذه البقعة من العالم، على عكس مانشستر يونايتد.

 

بعد هدفي محرز وغوندوغان توقعنا أن يدخل لاعبو ليفربول في نفس الحالة التي وصفها كيغان، ثم بدا وكأنهم أعدوا أنفسهم للأمر منذ زمن فعلًا، لأن صلاح وماني استمرا في التحرك وطلب الكرة حتى أحرز الأخير هدفه الثاني والعشرين ليتشارك صدارة الهدافين مع المصري. هذه درجة من التقبل لم نكن نتوقعها، والأكثر مفاجأة كان رد فعل جمهور الأنفيلد. (9)

 

على الخط كانت الأمور مختلفة، كلوب كان قد بدأ يدرك الحقيقة ويتعجب من سذاجته لأنه ظن برايتون قادرًا على فعلها، هذا فريق سجل هدفين في آخر ثمان مباريات، ربما هذا هو سبب الابتسامة العبثية التي ارتسمت على وجهه. الكاميرات تتابعه ولكن بلا تطفل أو ملاحقة، وهو لا ينتبه لها على أية حال لأنه ينظر إلى الملعب ويتمنى لو كان لاعبًا في هذه اللحظات، على الأقل كان سيستطيع التظاهر بالانهماك في المباراة لبضع دقائق إضافية قبل أن يضطر لمواجهة الحقيقة. 97 نقطة! ماذا نفعل أكثر من ذلك؟! هناك كوميك شهير مقتبس من فيلم حسن ومرقص حيث يكون الرد "98 نقطة.. مش محتاجة يعني". هذا كوميك سادي جدًا. لو لم يكن دانيال تيلور إنجليزيًا لقلنا إنه هو من صنعه. (10)

 

استمرت أحاديث ما بعد المباراة قرابة ساعة ونصف على استوديوهات التحليل مع لقطات حية من الملعبين. هل لاحظ أحد أن كلوب هو الوحيد الذي لم يُحضر عائلته؟ لا وقت لذلك، لأن أحدهم سيلقي محاضرة التاريخ المعتادة. هذه مفارقة سيريالية لأن من فاز باللقب فعليًا لا يؤمن بهذه النظرية كذلك. أصلًا لو كان التاريخ هو الأهم لما كان هناك صراع بين سيتي وليفربول من البداية. أحد القنوات تعرض قائمة بأفضل 5 احتلوا مركز الوصيف في تاريخ دوريات أوروبا، و3 من هؤلاء الـ 5 خسروا اللقب أمام غوارديولا، و2 من هؤلاء الثلاثة كانوا كلوب؛ هذه المرة مع ليفربول بالـ 97 نقطة اللعينة التي ستظل تطاردهم للأبد، وأخرى مع دورتموند في 2015-2016 بـ 78 نقطة، نفس عدد النقاط الذي جمعه كيغان عندما خسر لصالح يونايتد. أي قسوة؟

  

تمثال
تمثال "بيل شانكلي" (غيتي)

  

بيل شانكلي، أحد مدربي ليفربول التاريخيين، كان يقول إن الأول هو الأول والثاني هو لا شيء (First is First and second is nowhere) (11) الريدز آمنوا بهذه العبارة مع الرجل، لعل هذا هو سبب حسرتهم على السنوات التي قضوها في الـ nowhere، ولكن هناك مشكلة جديدة الآن لأن شانكلي نفسه، الذي درب ليفربول لمدة 16 عامًا، وصعد به من الدرجة الثانية ثم فاز معه بثلاثة ألقاب للدوري وخمسة كؤوس والبطولة الأوروبية الأغلى، لم يحصل أبدًا على هذا العدد من النقاط، ولا حتى كيني دالغليش الذي كان أقصى ما حققه هو 90 نقطة في موسم من 40 مباراة، ولا حتى بوب بيزلي الذي قاد الريدز لثُلث ألقابهم المحلية و3 أخرى لدوري أبطال أوروبا. هذه لحظة غريبة للغاية، ربما في المستقبل سيتم تقسيم تاريخ الوصافة لما بعدها وقبلها.

 

رد فعل كلوب كان هو المدهش بحق عندما سُئل نفس السؤال؛ "ليفربول لم يظلم..97 نقطة هي حصيلة عادلة". إما أن كبرياء الرجل جعله يؤجل الانهيار حتى يعود لمنزله، وإما أننا بحاجة لإضافة مرحلة جديدة في نموذج روس؛ إنكار – غضب – مساومة – اكتئاب – تقبل ثم تحرر. انتهاء كل هذه المعاناة والترقب والآمال الواهية قد حرره، وهو الآن في لحظة شفافية من التي يمر بها الناس بعد التجارب العصيبة.

 

اللاشيء هو اللاشيء

هذا التحرر قد يكون مفتاحًا لموسم جديد خارق وقد يكون استسلامًا لحتمية فوز السيتي باللقب. الخسارة سيئة لا شك، ولكن أسوأ أنواعها هو ذلك الذي يأتي بعد أن تفعل كل ما في وسعك، بعد أن تفعل كل ما كان في وسع أي أحد أن يفعله. صلاح يحتفل بجائزة الهداف ومراسل سكاي يسأله سؤالًا عبقريًا يناسب سيريالية المشهد؛"هل ما تشعر به الآن هو الحزن أم الإحباط؟"، والمصري لا يملك سوى ترديد الإجابات التقليدية المتوقعة ببرود لأنه لا شيء آخر يمكن فعله. كلوب يصرح بأن ليفربول يحتاج إلى موسم جديد "قريب من الكمال" ليزيح السيتي. ألم يكن هذا هو؟ (12) (13)

  

صفحة مانشستر سيتي على فيسبوك تنتقل لبث حي احتفالًا بعودة البطل إلى المدينة، وأحد مشجعي الريدز يعلق ساخرًا؛"تهانينا من ليفربول..في الموسم القادم سنحاول خسارة الدوري بلا هزيمة واحدة". أي مرارة؟ لابد وأن هذه هي أسوأ خسارة في تاريخ الخسارات؛ من جهة، الجميع يؤكد أنه لم يكن في الإمكان أفضل مما كان، ولكن من جهة أخرى، هذه العبارة تحمل بين طياتها تأكيدًا بأن ليفربول لن ينتزع الدوري من نسخة السيتي الحالية أبدًا، وأن فرصته قد فاتت. في هذه اللحظة، الحقيقة التي تواسيه هي ذات الحقيقة التي تنزع عنه الأمل، وقبل ذلك كنا سنؤكد أن الخسارة بعد أن تبذل أقصى ما تستطيع أفضل من أي خسارة أخرى، ولكن يبدو أن موسم ليفربول الحالي قد يطلق نظرية جديدة.

     

صورة لفريق
صورة لفريق " مانشستر سيتي" (رويترز)

   

هناك حكمة في كل ذلك رغم العدمية المسيطرة على مشهد ليفربول الآن، حكمة في أن يظهر الموسم الحالي مدى سخافة العديد من القواعد التي آمنّا بها سابقًا، بما فيها جمهور ليفربول نفسه الذي كان مقتنعًا أن الثاني هو لا شيء عندما كان الأول. الثاني لم ولن يكون لا شيء أبدًا. الثاني هو الثاني واللاشيء هو اللاشيء. الـ 99% لن تكون 100% أبدًا، هذا أكيد، ولكنها لن تكون 0% كذلك.

 

ربما أطلق شانكلي عبارته في محاولة لتحفيز لاعبيه، ليضعهم أمام معادلة صفرية تشعرهم بأن الخيار الوحيد هو الحصول على كل شيء، وفي ذلك قدر لا بأس به من الطمع والسذاجة، بل والغرور الطفولي الأبله الذي يشعرنا أحيانًا بالحاجة للمبالغة في التفاخر عندما ننجز أمرًا ما، فنتباهى بكونه سهلًا رغم صعوبته، أو ينتابنا الجشع فنحاول الإضافة للنجاح بالتقليل من الخصم، أو نتظاهر بأننا كنا متأكدين من النتيجة وأن المسألة كانت مسألة وقت لا أكثر، غير مدركين أن كل ذلك يسحب من قيمة الأشياء ولا يضيف لها.

 

هذه العبارات غير المنطقية، مثل "الأول هو الأول والثاني هو لا شيء"، هي عبارات لا نقولها في كل الأحيان، ولو كنا مؤمنين 100% في صحتها لفعلنا. شعار "كل شيء أو لا شيء" الذي أطلقه السيتي في الموسم الماضي لم يُقل في الموسم الذي سبقه. (14) حتى غوارديولا نفسه الذي اعتاد تصدير الإحباطات المشابهة لخصومه في بطولة الدوري بالذات قد اعترف أن هذا هو أصعب لقب حصل عليه في مسيرته القصيرة. (15) أول مبدأ من مبادئ هذه اللعبة هو التنافسية، ولو كان الأول هو كل شيء والثاني هو لا شيء لما شاهدها أحد.

 

1% فرصة

هذه السطور تكتب في صباح اليوم التالي لآخر جولات البريميرليغ والهيستيريا بدأت تأخذ المنحى المتوقع، مواقع التواصل الاجتماعي تنضح بصور لانفراد صلاح أمام إيفرتون والكرة التي منعها ستونز من عبور الخط بكامل محيطها وتسديدة كومباني. هذه هي لحظة الـ93:20 الجديدة ولكن من الجانب الآخر، وبالنسبة للكثيرين، كل يوم من هذه الأيام كان اليوم الذي خسر ليفربول فيه البريميرليغ.

 يورغن كلوب (مواقع التواصل)
 يورغن كلوب (مواقع التواصل)

   

هناك حكمة في كل ذلك رغم العدمية المسيطرة على مشهد ليفربول الآن، حكمة في أن يثبت كلوب خطأ القوالب المستقرة في السنوات الأخيرة، في قدرته على معادلة سيتي بيب تقريبًا دون أن يكون عبقريًا تكتيكيًا ودون أن يمتلك لاعبيه نفس الفنيات، في قدرته على وضع الاهتمام المبالغ فيه بالخطط في حجمه الحقيقي، في إعادة الاحترام للقيم البدنية والذهنية والنفسية التي نبذها جمهور الكرة منذ بدأ عصر الإحصائيات وابتكار المراكز الجديدة في الملعب، في كونه مازال مخلصًا لمبادئ لعبة "الأندردوغز" على الرغم من أن صفقات كفان دايك وأليسون وكيتا تثبت أنه لم يعد منهم.

 

واقعيًا، لا توجد نهاية تقليدية سعيدة لهذه القصة، ولا حتى نهاية تمنح ليفربول كلوب أفضلية أخلاقية ما. هذه لم تكن معركة بين الخير والشر أو بين المقاومة والسلطة أو بين الفقر والرأسمالية، بل وعلى الأغلب سيتفكك هذا الفريق تدريجيًا في المواسم القادمة، وحتى لو حصل على دوري الأبطال بعد أسابيع، ولكن كلوب نجح في تغيير وجهه للأبد. لقد وضعهم على الطريق، وحتى لو رحل هو ولاعبيه بلا بطولة واحدة فلقد صاروا يعلمون ما ينبغي فعله الآن.

 

هذه السطور تكتب ونحن لم نتابع بعد عناوين الصحف والمواقع ولا نعلم إن كان منها ما يقول إن "ليفربول لن ينسى أبدًا اليوم الذي خسر فيه البريميرليغ" أم لا، وفي الواقع، كنا نتوقع ما حدث مثلكم بالضبط، ولن نهتم إن رفضتم التصديق أو تحدثتم عن لقطة تحكيمية هنا أو هناك أو قلتم أن جدول ليفربول كان أصعب وأكثر ازدحامًا، ولا يعنينا أن تحصلوا على الوقت الكافي لتمروا بمراحل روس الخمسة، لأننا هنا لنخبركم أنه على الرغم من كون ذلك لن يفيد الآن، وعلى الرغم من أنكم لن تنسوا هذا اليوم أبدًا مهما فعلتم، إلا أنه لا خطب في ذلك، أنتم لا تحتاجون لنسيان هذا اليوم أصلًا.

  

الـ99% ستتحول لـ 100% أو ستصبح كافية في موسم آخر. لولا ما حدث أمام برشلونة منذ أيام لكانت هذه العبارة مجرد محاولة مفتعلة للمواساة ولكنه حدث، وأسوأ ما يمكن أن يفعله ليفربول هو أن يعتبره معجزة. المعجزات تحدث في الإعلام وعناوين الصحف ولكنها لا تحدث في كرة القدم، ما يحدث هو عمل وتضحيات يحالفها التوفيق وفقط، في بعض الأحيان تكون هذه التضحيات مذهلة واستثنائية وهذا ما يمنحنا الانطباع باستحالة تكرارها، ولكن تاريخ الريدز يشهد أنهم قد اعتادوها.

  

ليفربول سيفوز بالدوري، وسينهي سنوات الضياع في الـ nowhere، والشرط الأهم لتحقيق ذلك أن يدرك أنها لم تكن سنوات ضياع في الـ nowhere؛ أن يدرك أن ما أُنجز فيها جدير بالذكر، وأن هناك دروسًا مهمة يمكن استخلاصها، أن يدرك أنه لا ينبغي أن يضع الأجيال القادمة أمام معادلة صفرية، وأنه حتى لو فاز بالبريميرليغ من دون كلوب ولاعبيه فإن الليلة الماضية سيكون لها دور في ذلك، وحينها سيكون من الظلم نسيانها أو اعتبارها فشلًا. ليفربول لن ينسى اليوم الذي خسر فيه البريميرليغ، ولا يجب عليه أن ينسى.

المصدر : الجزيرة