خائن أو باحث عن المجد.. لماذا لا يحق للمشجع تغيير فريقه؟

كثيرة هي أمثلة الوفاء في عالم كرة القدم، دائما ما يحظى هؤلاء اللاعبون بمكانة خاصة، ليس فقط لدى جماهير أنديتهم، بل لدى الخصوم أحيانا، ستيفن جيرارد في ليفربول، فرانشسكو توتي في روما، خافيير زانيتي في إنتر ميلان، أليساندرو ديل بييرو وجيانلويجي بوفون في يوفنتوس حتى رغم عدم اعتزال الثنائي بقميص السيدة العجوز، وبصرف النظر عن ظروف رحيلهما في نهاية المطاف، كل من بقي وفيا لهذا القميص في غياهب الدرجة الثانية سيظل أسطورة في أعين تلك الجماهير.
العكس صحيح أيضا، فأمثلة السعي وراء البطولات والأموال والتي هي حق مشروع للاعب كرة القدم المحترف، تعتبر أمرا لا يُغتفر لدى بعض الجماهير، الحديث ليس فقط عن لاعبين مثل لويس فيغو الذي خلع قميص برشلونة ليرتدي قميص الغريم الأزلي ريال مدريد مباشرة، بل يمتد ليشمل من غادروا إلى بلدان أخرى، سواء كان الأمر متعلقا بأسلوب سيئ في الرحيل أو لا، البعض يغضب على اللاعب أحيانا بقدر حبه له حين كان بقميص فريقه، فلا تستبعد أن تجد القليل من جماهير ريال مدريد مثلا غاضبة تجاه رونالدو لمجرد رحيله، حتى قبل تراشق التصريحات، فقط لأنه أسطورة في الميرينغي، ثم تجد خصما يسخر من تصريحاته عن "الاعتزال في ريال مدريد"، علما بأنه لم يكُن من ناشئيه والعلاقة هنا هي احترافية بحتة قائمة على المنفعة المتبادلة، في لعبة تخضع لآلاف المتغيرات.
البعض من جماهير الأهلي المصري على سبيل المثال أيضا أخذ الأمر لمستوى جديد من المبالغة، حين نقم على مدافعه السابق أحمد حجازي حين ذاعت أنباء انتقاله إلى وست بروميتش الإنجليزي، مطالبين إياه أن يُضحي بنقلة نوعية كبرى في مسيرته الاحترافية وهو أصلا ابن الإسماعيلي، قد يكون هذا الحديث مفهوما لو كان عن أحد ناشئي القلعة الحمراء أو مشجعيه على الأقل. في النهاية البعض ينظر للأمر من منظور عاطفي، ولكن في الحقيقة كل ما يربط النادي بلاعب ما هو ورقة التعاقد بينهما، ما إن ينتهي هذا التعاقد أو يوافق النادي على عرض لرحيله تنتهي تلك العلاقة من الناحية العملية على الأقل، قد يتلقى بعض السباب ولكن أمامه هو يعيش حياة مرفهة ويحقق طموحه الشخصي، فماذا عن المشجع؟ ما الذي يربطه أصلا بناديه سوى مشاعره الشخصية؟ ولماذا لا يحق له تغيير تلك المشاعر؟
نحن هنا لا نبحث عمن ستلاحقه الاتهامات إن قرر تشجيع مانشستر سيتي أو باريس سان جيرمان في ظل قوتهما الناشئة الحالية، لسنا هنا للحديث عما إذا كان الأفضل أن تشجع ناديا له تاريخ أو تشاهد ناديك يكتب تاريخه أمامك، ولا حتى نفتش وراء من ارتحلوا من نادٍ إلى آخر وراء لاعب بعينه أو ما إلى ذلك، بل نسأل بوضوح شديد: ما الذي يمنع أي مشجع من تغيير ناديه في المطلق وقتما شاء؟ ما الفرق بينه وبين اللاعب؟ لماذا لا يحق له فعل الشيء نفسه علما بأنه لا يستفيد بشكل مادي من هذا التشجيع؟
إذا كنت تعتبر مسألة أنه "يمكنك تغيير زوجتك أو رؤيتك السياسية أو حتى دينك، أي شيء في حياتك سوى ناديك المفضل" هي مجرد مقولة عابثة أطلقها إريك كانتونا، إليكم هذا البحث الذي نشرته صحيفة إكسبرس الإنجليزية على حاملي التذاكر الموسمية، والذي أيَّد خلاله ثلاثة أرباع المشاركين ما قاله كانتونا حرفيا، إذ قالوا إنهم يُفضّلون تغيير دينهم على تغيير فريقهم! قام هذا الاستطلاع على تساؤل حيال أهمية تلك اللعبة في حياة البعض من خلفيّتهم الدينية، وبالفعل 1 من كل 10 فقط وضع دينه في المرتبة الأولى! هذا ليس شيئا نُبدي به رأينا، بل ننقله كما هو.(1)
تستمر رحلة البحث عن إجابة هذا السؤال عبر موقع "كورا" المختص بالأسئلة وإجابتها، بداية مع أبيناف سينج راوات، شخص متحمس للكرة ويتطلع لتعلمها كما وصف نفسه. يقول راوات: "منح ولائك وحبك وتشجيعك لنادٍ هو شيء يرتبط بك كشخص أكثر من ارتباطه بالنادي، لماذا تشجع النادي من الأصل؟ هذا يجب أن يكون هو السؤال. فقط حين تجد هذا الجزء منك في فريق ما ستعرف الإجابة. لا يوجد خطأ في تبديل الأندية إذا أردت مشاهدة كرة جذابة أو أسماء كبيرة تسجل أهدافا رائعة وترفع الألقاب. الأمر يبدأ هنا، أنت إما تحب الكرة وإما تحب بعض اللاعبين لذلك تتبع مبارياتهم، ولكن إذا كنت مخلصا لأحد الأندية، ثم تتركه صوب آخر أكثر نجاحا، أنت لا تقدم العدالة للعبة ولا حتى لنفسك، لأنك تضيع على نفسك رحلة تخوضها مع ناديك طوال الموسم، والعواطف التي توفرها تلك الرحلة، مثل التحلي بالإيمان والثقة به. لذلك سأنصحك أن تجد لنفسك فريقا وتسأل نفسك عما تحبه فيه، ثم تقرر بنفسك أي ألوان سترتديها بفخر لبقية حياتك، فهذا ما يجعل الكرة لعبة جميلة".(2)
إذًا هي قيمة الولاء والانتماء في المقام الأول، تلك القيمة التي باتت في تآكل بهذا العالم الاحترافي المادي الصلب، والتي لا يزال المشجعون يعتبرونها جزءا لا يتجزأ من جمال اللعبة. لنجرب مرة أخرى مع راجاف بانش، مشجع لآرسنال لبقية حياته كما وصف نفسه أيضا: "إذا بدأت تشجيع فريق فأنت تعلم فقط بداخلك بأن هذا هو الفريق الذي تريد تشجيعه لبقية حياتك. مباراتي الأولى الجادة عبر التلفاز كانت ليفربول ضد آرسنال في 2010 على ملعب أنفيلد، بدأت مشاهدة تلك المباراة لأني كنت معجبا بالفريقين، ولكن بنهاية المباراة عرفت أن آرسنال سيبقى معي للأبد. إذا لم تكن قد علمت ذلك بالفعل، إذًا ربما أنت لم تعثر عليه بعد". بكلمات أخرى، ما دمت لم ترتبط بأحد الفرق من أعماقك حقا، فأنت ما زلت مثل لاعب حر لا عقد له، ولكن بمجرد أن يتملكك هذا الشعور، تكون قد تورطت للأبد، لا رجعة بعد ذلك.(2)
على ذكر آرسنال و"التورط"، ليس سرا أن الكثير من مشجعي الغانرز قد عشقوا ناديا غير الذي نشاهده جميعا الآن، جيل تاريخي من الموهوبين، كرة قدم هي الأروع بذلك الوقت، أمور كثيرة قد اختلفت منذ بداية لعنة الملعب الجديد. تقرير كيفن أودونيل لصحيفة غارديان سأل السؤال نفسه بصيغة أكثر مباشرة: "فريقي جعلني بائسا، لذا شجعت فريقا غيره". المقدمة تخبرك بكل ما يدور في ذهنك: "لا يجب عليك الذهاب بعيدا عن تلك الأيام حتى تقابل شخصا يقترب من الطلاق، أو قرر تغيير ديانته، أو ترك مهنته باحثا عن مجال جديد تماما، ولكن نادرا ما تسمع عن شخص يعلن انفصاله عن الفريق الذي كبر وهو يشجعه".
|
بالفعل، فمشجع الكرة الحقيقي لن يفعل ذلك، الاعتراف بهذا الشيء هو أكثر جلبا للعار من الاعتراف بامتلاك المجموعة الإباحية الأكبر في غرب أوروبا -على حد وصف التقرير-، ولكن لماذا؟ لماذا لا يغيرون فرقهم في وقت يغير به اللاعبون والمدربون وحتى رؤساء الأندية مواقعهم بسهولة؟ تبدأ القصة من هنا: "قبل موسمين تركت النادي الذي شجعته لمدة 30 عاما، لن أكشف اسمه، ولكن يكفي القول إني لم أكن أحب المُلّاك وبدأت أملّ من لوم المدرب للتحكيم على كل خسارة. القشة الأخيرة أتت على صورة مهاجم لا يؤدي بالشكل المطلوب ثم أظهر قلة احترام كبرى لزملائه والنادي، قبل أن يتم مكافأته بعقد جديد"! حسنا، القصة تبدو مألوفة.
اختصارا، نهاية التقرير تشير إلى الروابط نفسها التي تبقينا مع أنديتنا مهما ساء وضعها: "لماذا ينبغي لي كشخص بالغ يملك عائلة خاصة به أن أظل مرتبطا بقرار اتخذته منذ زمن بعيد كنت أذهب فيه إلى المدرسة بسروال قصير؟ ربما يكون سبب عدم تغيير الجماهير لأنديتها هو أن القليل من الأشياء يبقى في عالم الكرة كما هو.. اللاعب ذو السلوك السيئ الذي لا تحبه سيرحل أو سيفقد مقعده الأساسي، المدرب الذي لا يعجبك سيُقال في أي وقت، المُلّاك أنفسهم الذين لا يبالون بالنادي سينتقلون في أحد الأيام، هذا القميص الثاني الرديء سيتم تغييره بالموسم القادم، حتى راعي القميص المُحرِج سيستسلم عاجلا أو آجلا".
كنا نود إخبارك أن تلك النتيجة قد قادت لتغيير نهاية القصة، ولكن لا، بقي الرجل على قناعته: "فقط ابقَ هنا وأيًّا كان ما يضايقك سيختفي بين طيات التاريخ، لا أحد أكبر من النادي بعد كل شيء، أو هكذا يقولون على الأقل. لقد قررت تشجيع فريق غيره، وأنا بخير مع ذلك". تركنا أودونيل هنا مع سؤال آخر، ما وزن الجماهير أمام ما لا يعجبها حقا؟ هل قاد كفاحهم واحتجاجهم لتغيير أي شيء في أي من الأندية الكبرى، خصوصا تلك المملوكة التي يتحكم بها رأس المال قبل أي شيء؟ سؤال نترك لك إجابته.(3)