مانشستر سيتي وأرسنال.. آلة كرونكي الحاسبة
أهلًا بكم أعزائي المشاهدين والهدف الأول لمانشستر سيتي عن طريق أغويرو في الثانية 46 بالضبط.
|
من الصعب ألا تكون قد تعاطفت مع إيمري قبل المباراة، وإن لم تكن قد فعلت فمن الصعب أن تظل على موقفك بعد كل مباراة جديدة، لأنه مهما كانت الظروف فإن الرجل لا يعوزه الاجتهاد، وعلى الرغم من أنه كان يمتلك كل الأعذار في جعبته قبل المواجهة.
بدأ إيمري بالمتاح، واسمح لنا أن نبدأ بأرسنال رغم أن سيتي هو صاحب الأرض، لسبب واضح طبعًا هو أننا لا نعلم كيف بدأ غوارديولا المباراة، نظرنا إلى التشكيلة طويلًا وفشلنا تمامًا في التعرف على نوايا الرجل. المهم أن المدفعجية سيلجؤون لخيار 4-4-2 المسطحة، لأنه إن كان إيمري يتابع دوري بلده في الآونة الأخيرة فسيدرك أنها أكثر ما يسبب المشاكل لـ 4 -3-3 غوارديولا المعتادة بسبب قدرتها على غلق الأطراف من جهة، واستغلال المساحات خلف أظهرة الخصم من جهة أخرى.
الخيارات هي ما تيسر من المدافعين وأيوبي يمينًا أمام ليشتستاينر وكولاسيناتش يسارًا أمام مونريال وفي المقدمة تحل ثنائية لاكازيت وأوباميانغ. كما قلنا؛ المتاح، والهدف طبعًا هو أن تفاجئ ثنائية الهجوم خط دفاع سيتي الرباعي، وأن يسهم لاكازيت في الضغط على فيرناندينيو، قاعدة عمل غوارديولا في الوسط، كلما أمكن، ثم إطلاق أيوبي وكولاسيناتش في التحولات خلف أظهرة سيتي، وفي المقابل أن تساعد الكثافة العددية على الخط على احتواء أطراف سيتي ووأد عرضياتهم وإجبارهم على التوجه للعمق، المنطقة التي تراجعت إسهاماتها مؤخرًا لدى المواطنين بعد انطلاقة مدوية في بداية الموسم بسبب تدهور مستوى سيلفا وفشل دي بروينه في استعادة نسق الموسم الماضي.
كل ما سبق ذهب أدراج الرياح مع الدقائق الأولى، ليس فقط لأن أغويرو نجح في تسجيل ثاني أسرع هدف في المسابقة بعد أيام من تسجيله أسرع هدف في المسابقة، في الواقع هذا الهدف تم إلغاؤه سريعًا لأن إيمري وضع خطة محددة لتنفيذ الركنيات والركلات الثابتة كونها أحد أهم أسلحته في مباراة كهذه، ومن إحداها أتى هدف التعادل. هذا سبب إضافي لتتعاطف مع الرجل؛ أنه بذل ما في وسعه فعلًا وصولًا للتفاصيل الصغيرة.
ماذا كنا نقول؟ نعم، كل ما سبق ذهب أدراج الرياح؛ أولًا لأن غوارديولا أشرك غوندوغان ليكون مع فيرناندينيو ثنائية في قاعدة المحور، تجعل مهمة لاكازيت وأوباميانغ أكثر صعوبة وتخرجه من اللعب مع كل محاولة للضغط، ببساطة لأن هذه الثنائية كان يجاورها كل من سيلفا ودي بروينه في رباعي وسط حديدي بلا أظهرة، وكأنه استعراض لصناع اللعب في قائمة سيتي.
غالبًا ذهب بيب إلى هذا القرار بعد مشاهدة كم الفوضى التي سببها هجوم أرسنال في دفاعات ليفربول في دقائق ما قبل المذبحة، أما بالنسبة لثنائية الهجوم فقد فوجئت بثلاثي من قلوب الدفاع بدلًا من اثنين، تحديدًا؛ الثلاثي الأسرع بين مدافعي غوارديولا.
كيف كانت هذه الماكينة تعمل؟ بعد المباراة شرح فيرناندينيو الأمر؛ حينما يستحوذ سيتي على الكرة يتقدم البرازيلي كلاعب محور إضافي رفقة غوندوغان، وحينما يفقدونها يتراجع بضعة أمتار في منتصف المسافة بين أوتامندي ووكر ليسمح للأخير بالخروج للخط إن استلزم الوضع، ونفس الأمر تقريبًا كان يجري مع لابورت وغوندوغان على الجهة المقابلة. طبعًا استكشاف مراكز اللاعبين الحقيقية في وسط هذه المتاهة شبه مستحيل، ولكن بطريقة ما نجح الكتالوني في الحفاظ على التوازن العددي إلى حد كبير؛ يدافع بخمسة ويهاجم بخمسة كما يقول معلمه بييلسا دائمًا.
بعد الهدف الأول الصاعق وقع المشهد المعتاد في مباريات سيتي الأخيرة، والذي يمكن تعريفه بالمزيج ما بين تعطل غرفة محركات المواطنين في العمق من جهة، وما بين التراخي والأريحية التي تنتاب الفريق بأكمله بعد التقدم المبكر في النتيجة من جهة أخرى، لدرجة أنه حتى تسجيل هدف التعادل كان المدفعجية أكثر خطورة وشراسة على المرمى من أصحاب الأرض.
هذه هي مشكلة غوارديولا الرئيسية هذا الموسم والتي سيتعين عليه مواجهتها إن أراد لتجربته مع سيتي أن تنجح؛ بداية مكوكية تسبق الجميع بسنين ضوئية، ثم تراجع الأداء لأقل معدلاته في موسمين تقريبًا، والاعتماد الكلي على العرضيات في عدد لا بأس به من المباريات الأخيرة بسبب فشل سيلفا في اللحاق بإيقاع الفريق مع كل هجمة.
المشكلة الثانية هي إحجام بيب عن معالجة المشكلة الأولى لسبب غير معلوم. الجميع توقع أن يبدأ برناردو في الحلول مكان سيلفا تدريجيًا، خاصة مع تراجع لياقته، صحيح أن البرتغالي لا يمتلك قدرة الإسباني على ضبط إيقاع المباراة ويلعب التسعين دقيقة بنفس السرعة تقريبًا، ولكن إقحامه كجناح لن يكسبه هذه القدرات قطعًا. هذا إن افترضنا أن دكة سيتي لا تمتلك جناحين رائعين بالفعل لا يوجد سبب منطقي لعدم إشراك أحدهما على الأقل.
هذا هو ما مهد المسرح لمزيد من التألق لستيرلينغ الذي يقدم أفضل مواسم مسيرته على الإطلاق من ناحية النضج والجماعية، هناك تحسن ملحوظ في توقيتات قراراته وصحتها عما سبق رغم استمرار إهداره للفرص أمام المرمى. على سبيل المثال، أتى الهدف الثاني من فكرة بدائية للغاية يلجأ لها غوارديولا كلما تعقدت الأمور، وهي الدفع بأكبر عدد ممكن من اللاعبين داخل منطقة العمليات وإجبار الخصم على فعل المثل، والهدف هو تفريغ منطقة التحضير لصناع اللعب المتأخرين مثل غوندوغان، وعندما ينجح كل ذلك تخرج التمريرة التي ينتظرها من بداية المباراة في العمق خلف أكوام المدافعين الذين يراكمهم إيمري أمام مرماه، وطبعًا مع الكابوس الذي عاشه ليشتستاينر مع ستيرلينغ منذ البداية كانت هذه اللحظة آتية لا محالة.
الحقيقة أنه لم يكن هناك أي مجال للتفلسف في مباراة كتلك، أو بالأحرى؛ كان المجال الوحيد لمباغتة إيمري هو فترة ما قبل المواجهة أثناء وضع الخطة واختيار التشكيل، بعدها تكفل فارق الإمكانيات بالباقي، والنتيجة أن مشكلة غوارديولا مازالت قائمة وكذلك مشاكل إيمري التي لا حصر لها.
الفارق الوحيد هنا أن مشاكل أرسنال لم تُحل، ولن تُحل، ببساطة لأن مالك النادي ستان كرونكي قد اتخذ قرارًا بتحويل النادي إلى مشروع استثماري حقيقي، لا تصدق ما يقال عن هراء الاستثمار في سيتي وباريس وتشيلسي، هؤلاء الملاك أنفقوا أكثر مما ربحوا بعدة مئات من الملايين، الاستثمار الحقيقي هو ما يفعله كرونكي؛ ببساطة هو يملك نادي يجلب له أكثر من 200 مليون باوند سنويًا من أرباح التذاكر وعوائد البث إلى جانب عقود الرعاية، وفي ذات الوقت هو ليس مستعدًا لإنفاق باوند واحد خلال نافذة الانتقالات لتدعيم صفوفه، وعلى الرغم من كم الإصابات المهول. أصلًا أرسنال كان يحتاج لتدعيم هائل قبل الإصابات.
|
الأمر بهذه الفجاجة فعلًا، وبهذا الوضوح فعلًا، هذا رجل وجد في أرسنال فرصة لزيادة أرباحه السنوية، لا أكثر ولا أقل. ثروة كرونكي تقدر بسبعة مليارات باوند تقريبًا، هذا يعادل ثروة منصور بن زايد وجون هنري ملاك ناديي المقدمة ليفربول وسيتي مجتمعين، ورغم ذلك ظل الرجل المالك الوحيد في البريميرليغ الذي لم ينفق جنيهًا واحدًا على ناديه طيلة العقد الأخير. (1)
يمكننا أن نقضي الساعات في تحليل أسباب هزيمة أرسنال مع كل مباراة مشابهة، (2) ويمكننا أن نشيد بمجهودات توريرا المعتادة في هذه المباريات، أو المستقبل الذي ينتظر غندوزي إن واصل التطور، أو كارثة التعاقد مع ليشتستاينر التي تتضح كلما يشترك، ولكن بالنسبة للرجل النادي ليس أكثر من مجرد عملية حسابية. طبقًا لعقود البث فإن الفارق بين متصدر الترتيب ومتذيله لا يتخطى 20 مليونا باوند في أفضل الأحوال. طبقًا للواقع فإن التقدم بضعة مراكز في الجدول سيتطلب إنفاق عدة مئات من الملايين على الأقل، بالتالي لا يوجد سبب واحد يدفعه للاختيار الثاني إلا إسعاد الأنصار، وهذا أمر لا يهم رجل مثل كرونكي كما تعلم، لذا فإن أراد المدفعجية استعادة أرسنال من جديد فإن خروج الرجل أمر حتمي، أكثر أهمية بكثير من البحث عن جناح واعد في فرنسا أو استبدال المدافعين المصابين. خروج كرونكي = أرسنال مختلف. هذه هي المعادلة الحسابية الوحيدة المنطقية الآن.