شعار قسم ميدان

يكره برشلونة ويصنع النجوم.. لماذا بوتشيتينو هو الخيار الأنسب لريال مدريد؟

ميدا - بوتشيتينو

هنا ريال مدريد، حيث تشعر أنك شاهدت كل ما يحدث -أو سيحدث- من قبل، ستجد تشابها بين الماضي والحاضر والمستقبل، لدرجة ستجعلك تشعر أن الأمور تمثل سيناريو يعاد في كل مرة، فقط بأبطال مختلفين لا أكثر.

 

في البداية يأتي سولاري كمدرب مؤقت، (1) تتحسن الأوضاع على يديه لتتجدد الثقة فيه حتى يثبت العكس، زين الدين زيدان قبله كان كذلك، وربما لولا الـ 6/2 الشهيرة لخوان دي راموس في 2009 أمام برشلونة لطالب البعض باستمراره لعام آخر، لعله يأتي بشيء أفضل مما قدمه بيرنارد شوستر المقال.

 

في الواقع الآية تبدو مقلوبة، والمشاريع تبدو سهلة لدرجة تجعل بيريز يضعها في يد أي أحد بشرط ألا يسقط، وطالما لم يسقط بعد فهو مرشح للاستمرار أكثر، بغض النظر عن السؤال حول أهليته لذلك منذ البداية، لحظة، هل تضمّن كل ما ذُكر سلفا شيئا يدل على وجود أي أهلية من الأساس؟

  

خدعة زيدان
زين الدين زيدان (رويترز)
زين الدين زيدان (رويترز)

  

رافائيل بينتيز لم يأتِ ليرحل بعدها بثلاثة أشهر، وبالتالي فإن تولي زيدان دفة القيادة في مدريد لم يكن مخططا له، حالة طوارئ قضت بإقالة هذا وتعيين ذاك مدربا مؤقتا في وضع لا يسمح بالحديث عن أي منافسة، ثلاثة أشهر ويتوج زيدان بلقب دوري أبطال أوروبا، ومن ثم يكرر إنجازه ثانيا وثالثا، كأول مدرب في تاريخ البطولة يحقق تلك الأرقام، (2) في رحلة تضمّنت كلمة أول مدرب في التاريخ أكثر من مرة قبل إسدال الستار عليها من قِبل زيدان نفسه، حين شعر كما شعر الجميع أنه لا يمتلك شيئا جديدا ليقدمه. (3)

  

بالطبع 9 بطولات في موسمين ونصف تدريب أمر لا يستحق سوى التصفيق، خاصة وإن كان ثلاث منها خاصة بدوري الأبطال، وخاصة إذا كان الوضع قبلها لا يؤشر إلى ذلك من الأساس، وخاصة إذا كان الأمر يتعلق بفريق ظلت تلك البطولة هاجسه لـ 12 عاما أنفق فيها فلورنتينو بيريز أمواله يمينا ويسارا من أجل كأس واحدة منها فقط.

    

  

وعلى الرغم من كونها حقبة تاريخية بكل المقاييس، فإنه بقليل من التمحيص حول التفاصيل تجد أن الأمور لم تكن مثالية للدرجة التي توضحها النتائج، وحتى مع اعتبارها كذلك فإن تأثيرها على المستقبل يبدو ضئيلا، هنا يتضح الفارق بين النجاح قصير المدى وطويل المدى، والفارق بين هذا وذاك وبين ما يمكن أن نعتبره مشروعا حقيقيا، وما علاقة المشروع المستقبلي بالإرث الكروي الذي حدّثنا عنه السيد جوزيه قبل أشهر.

 

الإرث الكروي؛ عبارة مورينيو الخالدة التي تفتح بابا من التساؤلات، تلك التي ستدور حول أي إرث كروي تركه زيدان لريال مدريد، الرجل الذي راهن على الشباب؛ فأعطى الثقة لأسينسيو وأشرف حكيمي ومايورال، وتعاقد مع فاييخو ويورينتي وسيبايوس، (4) ليطرح تساؤلا جديدا حول من منهم حصل على فرصة حقيقية، ومن منهم كان يستحق فرصة في هذا الوقت أصلا، وأي إرث كروي لزيدان من الممكن أن نلاحظه على أداء أي منهم اليوم.

  

برشلونة ظل لسنوات يلعب تحت تأثير جوارديولا، حتى مع رحيل بيب نفسه، تشافي وإنييستا وميسي وبوسكيتس وبيكيه أصبحوا لاعبين آخرين غير الذين كانوا قبل جوارديولا، لم يتوقف تأثير الرجل مع استقالته التي تشبه استقالة زيدان في بعض التفاصيل، أصبح من الممكن الحديث عن أي لاعب منهم بصيغة ما قبله وما بعده. هنا سنقف قليلا عند هذا السؤال في حال طُبّق على أسينسيو ورفاقه، وعلى الأرجح لن تكون الإجابة مشابهة، لقد أعطى زيدان الثقة المطلوبة والحماس اللازم، ولكنه لم يعطِ لأحدهم ما يغير طريقة لعبه أو يضيف لها شيئا بارزا، توقف تأثيره بمجرد إعلانه الرحيل، ليختتم حقبته بتساؤل أخير، هل تبقى في أعمار هؤلاء اللاعبين الكثير من الوقت ليضيعوه دون تعلُّم شيء جديد؟

 

اسمه سولاري وليس زيدان
سانتياغو سولاري (رويترز)
سانتياغو سولاري (رويترز)

  

صراحة تبدو لعبة مثيرة، أن تجلب مدربا فيفشل، يُقال ويخلفه آخر مؤقت يجلب بعض بطولات دوري الأبطال ثم يرحل، هي ليست لعبة مثيرة فقط، هي لعبة استثمارية تعد الأنجح على الإطلاق، بشرط وحيد وهو ضمان أن النتائج ستكون هي نفسها في كل مرة، وللأسف لا يمكن ضمان ذلك ولا حتى ترجيح احتماليته.

 

الكل يتفق أن سلاح زيدان كان العامل النفسي، واعتماده على اسمه وشخصيته المحبوبة من الجميع في ريال مدريد وخارجه، مع بعض من التكتيك الذي لا يمكن غض الطرف عنه، هو لم يكن السلاح الأول بالفعل ولكن لا يمكن إنكار وجوده، الشخصية والعامل النفسي خذلت زيدان في أوقات كثيرة سقط فيها تكتيكيا، ولكن سقطاته كانت تنتهي في كل مرة بدوري الأبطال فيتم التغاضي عنها، أو يحدث سيناريو غريب من تلك التي تفنن خصومه بها في إهدائه نجاحات هو نفسه يعلم أنه لم يكن ليحققها دون ذلك، ومع جمع كل هذه الظروف، وإزالة اسم زيدان واستبداله باسم أقل تأثيرا لسولاري، يبدو أن توقع تكرار التجربة مرة أخرى مستحيل يمكن وصفه بالجنون إن جاز.

 

لماذا بوتشيتينو كرويا؟

إذا افترضنا جدلا أنه تم الاتفاق على المذكور أعلاه، فمن المفترض أن يقع الاختيار على أحد المدربين الكبار ليكون بديلا لسولاري بداية من الموسم المقبل، وفي وقت تتوفر فيه أسماء مثل أنطونيو كونتي وماسيمليانو أليغري وجوزيه مورينيو، لماذا يجب أن يترك بيريز كل هؤلاء من أجل الرهان على ماوريسيو بوتشيتينو؟ في حقيقة الأمر، اسم المدرب الأرجنتيني يفرض نفسه كبديل لمواطنه لجميع الأسباب التي ذكرت سلفا، ولأسباب أخرى لا علاقة لها بما يحدث داخل الملعب، الأولى تشهد عليها تجربة توتنهام التي يعرفها الجميع، والثانية تشهد عليها تجربة إسبانيول وبعض التصريحات التي قد لا يعرفها الجميع.

   undefined

  

ريال مدريد بتشكيل يضم لاعبين متوسط أعمارهم 23 عاما، (5) يمتلك عناصر شابة قادرة على التطور مستقبلا، لديه مشروع بناء ملعب جديد يحتاج إلى توفير النفقات من أجله، تقاليده تشير إلى تفضيل لعب كرة قدم هجومية مباشرة، هل يحتاج سؤال لماذا ماوريسيو بوتشيتينو إلى إجابة غير تلك؟ حتى وإن لم يكن يحتاج فلن نتوقف هنا.

 

هاري كين وديلي آلي وكريستيان إيريكسين، ثلاثة أسماء يعد التعاقد معها حلما بالنسبة لكبار الأندية الآن، قبل 2014 كان أولهما احتياطيا في ليستر سيتي في الدرجة الثانية، وثانيهما لاعبا صاعدا، وثالثهما موهبة من مواهب مدرسة أياكس، حينها تولي ماوريسيو بوتشيتينو تدريب توتنهام، (6) وفي خمس سنوات ارتفعت القيمة السوقية لثلاثتهم من 4 إلى 6 أضعاف تقريبا وفقا لترانسفير ماركيت. (7) (8) (9) وبالطبع سارت القيمة السوقية لباقي لاعبي توتنهام الشباب على النهج نفسه، فقط تم انتقاء هذا الثلاثي لكونه يُمثّل العينة الأكثر شهرة وتأثيرا بين المجموعة.

  

وبعيدا عن القيمة السوقية، فإن المشاهد يدرك حقيقة أن هاري كين هذا الذي يعتبره الغالبية أفضل مهاجم في العالم لم يكن بهذه الكفاءة نفسها، وكذلك إيريكسين وآلي وألدرفيريلد وديفيز ووانياما واترك القوس مفتوحا حتى تنتهي من ذكر الجميع، على مدار 4 سنوات مع بوتشيتينو تحول كل لاعب شاب وكل موهبة صاعدة إلى لاعب من الأفضل في إنجلترا، ومنهم من أضحى من الأفضل في العالم، وفي اللحظة التي سيعلن فيها بوتشيتينو الرحيل عن توتنهام من الممكن التعرف على الإرث الكروي الذي تركه الرجل هناك، بالتأكيد سيكون أكثر وضوحا من إرث زيدان مع ريال مدريد، ومن أي إرث متوقع أن يتركه سولاري إن امتدت التجربة لما بعد هذا الموسم.

 

لماذا بوتشيتينو جماهيريا؟
ماوريسيو بوتشيتينو (رويترز)
ماوريسيو بوتشيتينو (رويترز)

  

بالعودة إلى ما قد لا يعرفه الجميع، فماوريسيو بوتشيتينو قضى 6 سنوات من عمره لاعبا و3 من عمره مدربا في إسبانيول، (10) الفريق الذي يعد عدوا لجاره في كتالونيا برشلونة، والذي شرب بوتشيتينو منه العداوة في تصريحات متكررة كان مفادها "مهما حدث لن أدرب برشلونة"، ما يمكن اعتباره مغازلات ضمنية لفلورنتينو بيريز، الرجل الذي لم يفهم مغازلات هازارد المباشرة لنحاسبه على عدم اهتمامه بما هو ضمني وخفي.

 

بوتشيتينو لا يكره برشلونة فقط، هو يحب ريال مدريد، كيف لا والرجل وضع شرطا في عقده الجديد مع توتنهام يتيح له فسخ العقد في حالتين، وهما وصول عرض من باريس سان جيرمان أو ريال مدريد، (11) هو ليس مدربا متميزا فقط على ما يبدو، الرجل موهوب في تأمين مستقبله المادي والوظيفي كذلك.

 

فلورنتينو بيريز يحتاج إلى أمثال هؤلاء، الرجل يحب التصريحات التي تحافظ على قوة ريال مدريد الإعلامية، تلك التي تأتي كأولوية مع قوته الاقتصادية بالنسبة له، ومن ثم تأتي كرة القدم والرياضة والنجاحات وأي شيء مما يعتبره الجميع أولويات في منصب كهذا، وهذا ما يفسر أن تصريحات بوتشيتينو في حق برشلونة لم تأتِ عبثا، من مثل هذه التصريحات اكتسب جوتي قوته داخل ريال مدريد وأصبح أحد رجال بيريز المُعدين للمستقبل، فكيف لها أن تصنع بمدرب صنع المستقبل بالفعل مع نادٍ آخر ويريد فقط تكرار التجربة مع نادٍ أكبر.

     

   

من الممكن أن يكون دانييل ليفي عائقا في وجه بيريز؟ لا، لن يحدث ذلك، نظرا لأن الشرط الجزائي في عقد بوتشيتينو لا يتجاوز الـ 21 مليون باوند، (12) وهو ليس رقما كبيرا في حال اقتنع بيريز أنه الخيار الأنسب، مانشستر يونايتد دفع أكثر من هذا المبلغ من أجل التخلص من مورينيو، التخلص من مدرب فقط وليس التعاقد مع خليفة له، فما بالك برجل تقول كل المعطيات إنه الأنسب لقيادة المشروع الجديد.

 

على ما يبدو يحتاج الأمر إلى أن يُدرس بعناية، ويحتاج بوتشيتينو إلى 27 مرة أخرى يذكر فيها أمام وسائل الإعلام أنه لن يدرب برشلونة مهما حدث، أو أن ينظر بيريز على هاري كين هذا منذ 4 سنوات، فربما يجد تشابها بينه وبين المدعو فينيسيوس جونيور أو مواطنه رودريجو.

المصدر : الجزيرة