شعار قسم ميدان

وثائقيات كرة القدم.. هل يفتح برشلونة الباب أمام توثيق الفضائح؟

ميدان - وثائقيات كرة القدم.. هل يفتح برشلونة الباب أمام توثيق الفضائح؟

قبل انطلاق كوبا أميركا الأخيرة، صرح ميسي بأن كابوس خسارة نهائي كأس العالم 2014 سيظل يطارده للأبد، وستظل مرارة تلك اللحظة كالعلقم في حلقه لا يعوضها أي إنجاز آخر. أما بيرلو فذكر في كتابه أنه شعر بالرغبة في التوقف عن ممارسة كرة القدم نهائيا بعد الخسارة الكارثية لميلان في نهائي إسطنبول 2005. فما رأيك أن تكون لاعبا أو مشجعا لنادٍ يوثّق أسوأ ليلة في تاريخه الحديث؟ (1)(2)

   

في تعريف البديهيات

بالطبع لا تحتاج ليلة أنفيلد الكارثية إلى التعريف بسبب كونها كارثية، تخيل أن تفوز ذهابا بثلاثة أهداف في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا ثم تعود لتخسر إيابا برباعية، وأن ذلك يأتي بعد عام واحد فقط من ليلة مشابهة في روما. ضربتان في الرأس؟ تؤلم، ولكن ماذا عن الأكثر ألما؟ تبجح الخصوم؟ مع الأسف هذا لم يعد السيناريو الأسوأ الآن.

  

برشلونة أعلن منذ أسابيع عن وثائقي يسرد كواليس موسم 2019، ذلك الذي شهد التتويج بالدوري السابع في السنوات العشر الأخيرة، والفوز على الغريم ريال مدريد 3 مرات من بينها فوز بخماسية تاريخية، ولكنه شهد في الوقت ذاته الخسارة المؤلمة برباعية أمام ليفربول وتوديع دوري الأبطال بفضيحة مدوية، فهل كان موسم كهذا يستحق التوثيق من الأساس؟ وإذا تم التوثيق لسبب أو لآخر، فهل يجب أن يأتي بعنوان "يوم المباراة" وأن يكون الحديث الرئيسي له هو كواليس كارثة أنفيلد بالتفصيل؟ تذكّر أن مُنتِج الفيلم هو برشلونة وليس ليفربول.

    

  

في تلك الحالة، يبدو السؤال المنطقي عما يستدعي توثيق هذا الموسم من الأساس وهو ليس الأنجح في تاريخ برشلونة الحديث، بل إنه لم يتفوق حتى على سابقه الذي شهد ثنائية محلية وليس بطولة دوري فقط. الإجابة عن هذا السؤال ستكون واضحة في حال عرفنا أن شريك برشلونة "راكوتين" هو المُنتِج لهذا المسلسل، وذلك من خلال منصته الإعلامية راكوتين تي في والتي تحتاج إلى اسم كبرشلونة حتى ترسّخ اسمها في عالم كرة القدم.(3)

  

مع الاستمرار في شرح البديهيات، سيكون الهدف الأساسي لمؤسسة تجارية كراكوتين هو الربح في النهاية؛ لأنها لم ترتبط ببرشلونة سوى لأنه اسم كافٍ لتحقيق عوائد مادية ضخمة اعتمادا على أحد أكثر الكيانات شعبية في العالم، وبالطبع لن يكون هناك شيء أكثر إثارة في موسم برشلونة سوى ليلة ريمونتادا ليفربول من أجل تحقيق أعلى نسبة من المشاهدة والانتشار.

  

سؤال بديهي آخر، إذا كانت هذه هي أهداف راكوتين، فماذا عن برشلونة؟ أليس من المنطق أن يحترم النادي مشجعيه بألّا يصدر لهم صورة كتلك؟ وأن يحاول التوصل إلى اتفاق مع الشركة الراعية بعدم التركيز على تلك الليلة؟ نود أن نخبرك أن الإدارة لم تحترم لاعبيها حتى تفكر في الجماهير. كيف؟ هذه قصة أخرى.

    

  

خصوصية؟

في خبر صادم أبدى مسؤولو برشلونة استياءهم من مقاطعة اللاعبين للعرض الأول للوثائقي، اللاعبون قرروا مقاطعة هذا العرض اعتراضا على توثيق ليلة يحاولون الهرب منها وهذا متوقع، ولكنه بالطبع غير متوقع بالنسبة لفئة تهتم بالربح المادي قبل أي شيء لدرجة أنها قامت بتوثيق أسوأ خسارة في حياة لاعبين ومن ثم أبدت اندهاشها من غضبهم. (4)

    

امتعاض اللاعبين لم يكن بسبب ليلة أنفيلد فقط، بل إنهم اعترضوا على اختراق خصوصياتهم وعرض لقطات لم يودوا أن تظهر أمام الإعلام، فخلال المسلسل هناك لقطة لبيكيه عقب فوز برشلونة على أرض ريال مدريد بثلاثية يتحدث خلالها مع أحد زملائه حول سهولة ملعب سانتياجو بيرنابيو، والذي بات مسرحا لفوز الفريق الكتالوني بالثلاثة وبالأربعة وبالخمسة. هذه الأحاديث تتم بشكل طبيعي بين زملاء الفريق الواحد في الغرف المغلقة، ولكن أمام الإعلام يبقى المنافس ناديا كبيرا ويُحترم وإلى آخره من العبارات الدبلوماسية. (5)

       

سيرجي روبيرتو وسيرخيو راموس (رويترز)
سيرجي روبيرتو وسيرخيو راموس (رويترز)

     

في لقطة أخرى اشتكى سيرجي روبيرتو من عنف سيرخيو راموس وتدخلاته المؤذية، وتفاجأ روبيرتو وبيكيه بأن هذه الأحاديث السرية قد التقطتها الكاميرات من أجل الوثائقي، وهو ما زاد من غضبهم. شعور سيئ حقا أن يشعر اللاعب بأنه مُراقَب من قِبل إدارة ناديه، وأن أي كلمة يتفوه بها مع أصدقائه قد تُنشرلأغراض ترويجية. (6)

  

التجسس الذي مارسته راكوتين على اللاعبين بمباركة إدارة برشلونة كان لغرض ربحي لا يحتاج إلى تفسير أيضا، فكلمات بيكيه الحراقة تلك كفيلة بتحقيق انتشار واسع للغاية حتى وإن أظهرته بصورة لا يحب الظهور بها، وشكوى روبيرتو لا تقل عنها تأثيرا حتى وإن أفسدت علاقة اللاعب بقائد المنتخب الإسباني. نحن هنا مضطرون لإعادة بعض الكلمات التي ماتت من فرط التكرار؛ التباكي على الماضي الذي كانت فيه كرة القدم تُلعب من أجل الرياضة أولا، وكيف تحولت اللعبة إلى مجموعة من المصالح التجارية والأحاديث المكذوبة بفعل توغل الأموال، والذي نتج عنه اتساع دائرة الاهتمام الإعلامي بها للاستفادة من تلك الأموال المبعثرة يمينا ويسارا. المفارقة هنا أن أن بيكيه وزوجته شاكيرا صديقان مقربان لميكيتاني رئيس الشركة اليابانية راكوتين، وهما مَن جلبا عقد الرعاية لبرشلونة باعتراف بارتوميو نفسه، وهو أمر يؤكد أن دائرة غضب المدافع الإسباني ستظل محدودة؛ لأنه لا يستطيع أن يتخذ موقفا ثوريا مهما بلغت درجة انتمائه لألوان البارسا ومقاطعة كتالونيا. (7)

     

  

عبث

هنا نضطر للعودة إلى الوراء خطوة، والحديث عن الثقة المفرطة من لاعبي وإدارة وجماهير برشلونة حول نجاح الفريق في حصد الثلاثية لموسم 2019، بداية بأن يأتي الاتفاق قبل بداية الموسم الماضي على أن يكون هو الموسم الموثق، الإدارة التي جلبت كوتينيو وديمبيلي ليلعبا رفقة ميسي لم يساورها الشك للحظة في فشل هذه الأسماء في جلب دوري الأبطال المنتظر.

  

العبث الإداري في برشلونة يبدو واضحا دون وثائقي ودون هزيمة كارثية من ليفربول، هي أمور يسهل التوصل لها من قصة نيمار من بدايتها حتى الصيف الماضي، من عدم وجود أي تصور أو خطة لعب تضمن نجاح أغلى صفقة في تاريخ النادي، ثم الاستمرار في الاعتماد على مدرب لم يقدم أي شيء يستحق تجديد الثقة، بالإضافة إلى صفقات مشبوهة كباولينيو وكيفين برينس بواتينج من أجل تسويقهم إلى الصين، والكثير من الأشياء التي دارت حولها الأحاديث في الأعوام الماضية والتي تُبرِز مدى سطحية الفكر الرياضي لدى الإدارة، تلك التي لا يمكن الطعن في قدراتها التسويقية بالطبع.

    

نيمار (رويترز)
نيمار (رويترز)

   

بالنظر إلى نماذج كأرسنال ومانشستر يونايتد في الوقت الحالي تتضح الصورة، أندية كبرى بقاعدة مشجعين خرافية تمارس الفشل الكروي كل عام وتستمتع بحساب الأرباح الضخمة في نهاية كل موسم، يخرج ستان كرونكي مالك أرسنال للتفاخر بأن تذكرة ملعب الإمارات هي الأغلى في أوروبا، بينما تستمتع عائلة الجليزرز المالكة للشياطين الحمر في كونها تدير النادي صاحب الشعبية الأعلى في العالم وتحقق أعلى الأرباح الموسمية، ولا يهم أن تخسر كل شيء وتلعب من أجل اللا شيء كل عام مقابل النجاح الاستثماري. (8)(9)

  

برشلونة لا يبدو نموذجا مشابها الآن، ولكن مع انحدار الوضع عاما تلو الآخر، ومع اقتراب اعتزال ميسي، وبمد الخط على استقامته يبدو هذا المستقبل متوقعا للفريق الكتالوني، ليس هناك أي ضمان لثورة على الوضع الحالي طالما تجاوز الأمر مرحلة الرضا بالفضائح ليصل إلى توثيقها، ثم الغضب من رد فعل اللاعبين الذين يريدون الاحتفاظ بكرامتهم وكرامة ناديهم.

   

نحو مستقبل ما

هنا سنُفكّر وفق سيناريو تخيلي، وثائقيات كرة القدم بدأت كغيرها من أجل توثيق لحظات تستحق ذلك بالفعل. حقبة برشلونة غوارديولا مثلا والتي أحدثت تأثيرا خرافيا في تاريخ النادي الحديث، بل وفي استحداث طرق لعب جديدة وتغيير خارطة كرة القدم بشكل أو بآخر، ثم موسم مانشستر سيتي الذي حقق فيه دوري الـ 100 نقطة، وفي النهاية وثائقيات عن مواسم لسندرلاند وتوتنهام وبيرنلي لم تحقق فيها هذه الأندية أي شيء يستحق الذكر أصلا لا التوثيق. (10)(11)(12)

    

فريق برشلونة يحتفل مع مدرب الفريق بيب غوارديولا (رويترز)
فريق برشلونة يحتفل مع مدرب الفريق بيب غوارديولا (رويترز)

   

كل هذا يحدث في إطار سعي منصات مثل "نتفليكس" و"أمازون" إلى اقتحام عالم كرة القدم والاستفادة من جماهيرية اللعبة الأكثر شعبية في العالم، حتى إن مورينيو نفسه قرر السخرية من هذا حين سأله أحد الصحفيين حول ما قاله للاعبيه بين شوطي إحدى مباريات توتنهام في دوري أبطال أوروبا حتى يقلبوا النتيجة من التأخر بهدفين إلى الفوز بـ 4 أهداف، ليخبره بسخرية بأنه عليه الانتظار 5 أشهر وسيعرف كل شيء من خلال وثائقي "أمازون". (13)

  

في البداية كان لاعبون كميسي ورونالدو هم أبطال تلك الوثائقيات، واليوم أصبح أوريجي بطلا لوثائقي منتظر، والطريف أن ذلك تم حتى قبل أن يصبح الرجل الذي سجل الرابع في برشلونة. نحن هنا لنسأل حول ماذا سيحدث بعد 10 سنوات، مع استمرار بيكيه في النجاح الاقتصادي لشركته كوزموس، تلك التي حصلت على حقوق كأس ديفيز للتنس ونقلتها إسبانيا، ولعبت دورا في لعب كأس السوبر الإسباني بالنظام الجديد في السعودية، في الوقت الذي يصرّح فيه أن أولوياته هي كرة القدم ثم كرة القدم ثم أي شيء آخر، وهو نفسه يعلم أن هذا غير ممكن فضلا عن علمنا نحن بذلك. (14)(15)(16)(17)

      

أوريجي بعد تسديد الهدف الرابع في شباك برشلونة (رويترز)
أوريجي بعد تسديد الهدف الرابع في شباك برشلونة (رويترز)

     

في البداية كانت الجولات التحضيرية في آسيا وأميركا، ثم بدأ البحث عن نقل البطولات الرسمية إلى خارج بلدانها بحثا عن الهدف ذاته، لتصبح البطولات الرسمية ترويجية تماما كالمباريات الودية، الشيء الذي يأتي تزامنا مع تفنن الاتحادات القارية في استحداث بطولات من العدم لزيادة عدد المباريات والمشاهدات وعقود الرعاية، وزيادة عدد المنتخبات المشاركة في البطولات القارية بحجة إتاحة الفرصة للجميع، وهم يعلمون أيضا كما نعلم أن الهدف ليس كذلك.

  

ما ذُكر كان فقط غيضا من فيض من تسليع كرة القدم والرياضة بشكل عام، الأمر الذي بات يحدث بشكل مخيف في السنوات الأخيرة، وما علينا سوى أن نسرح قليلا حول شكل اللعبة بعد 10 أعوام أو 20 عاما، قياسا على الفارق بينها اليوم وبينها في بداية الألفية مثلا. إلى أين سنصل؟ وثائقي يُنتجه أحد اللاعبين عن أول حصة تدريبية شارك فيها في حياته؟ أم يُنتجه نادٍ عن كواليس انتصاره بخماسية في إحدى المباريات الودية؟ كأس عالم بمشاركة كل منتخبات العالم؟ لاعب يغيب عن مباراة لفريقه من أجل حضور اجتماع مع زملائه من رجال الأعمال؟ أترك لك القوس مفتوحا وضع من الأسئلة ما تشاء، ثم حاول التوصل إلى إجابة، ونحن في انتظارك في حفل افتتاح كأس العالم 2050 بمشاركة 250 منتخبا، والذي يأتي بعد استحداث دول جديدة بناء على اقتراح رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، والذي فسره بالطبع بأن دول العالم الحالية لا تكفي لتحقيق المتعة المنتظرة للجماهير.

المصدر : الجزيرة