رحلة ناينغولان وكالياري إلى دوري أبطال أوروبا.. شكرا كونتي

ميدان - رحلة ناينغولان وكالياري إلى دوري أبطال أوروبا.. شكرا كونتي

كثيرا ما نشعر بأننا بحاجة إلى بداية جديدة، خطوة مختلفة تُغيِّرنا للأفضل، تجعلنا قادرين على مجابهة حقيقة أننا كنا نحيد بنظرنا بعيدا عن مشكلاتنا، تلك التي طالما أبعدتنا عن أحلامنا، أو بمعنى أصح؛ تجعلنا نصرخ في أنفسنا قائلين: "كفى عبثا، تشبَّثْ بفرصتك الجديدة".

   

"لقد كان الأمر بالنسبة لي كالعودة إلى المنزل، لقد رحبوا بي كما لو كنت لم أغادر أبدا" (1)

     

هكذا وصف متوسط الميدان البلجيكي راجا ناينغولان عودته إلى فريقه السابق كالياري، بعد خمس سنوات من مغادرته لجزيرة سردينيا متجها نحو فريق العاصمة الأول روما، وبعد رحلة مثيرة للنينجا بإيطاليا، بين ملاعبها وصالات تدريبها من جهة، وبين نواديها الليلية وقاعات رقصها من جهة أخرى. عاش البلجيكي بين روما وميلانو حياة تشوبها التساؤلات دائما حول ما يفعله بنفسه وبإمكانياته خارج المستطيل الأخضر.

   

تلك التساؤلات كانت ضمن الأسباب الرئيسية لرحيله عن فريقيه السابقين بالطبع، هو نفسه صرّح بأن كونتي تركه يرحل لأسباب لا علاقة لها بكرة القدم تماما، أسباب لها علاقة أكثر بحياة اللاعب خارج الميدان، رغم اعتراف المدرب الإيطالي نفسه بإمكانيات النينجا الفنية، آخرها عندما حاول ضمّه إبان ولايته لنادي تشيلسي اللندني. (2) (3)

   

اللاعب البلجيكي راجا ناينغولان (غيتي إيميجز)
اللاعب البلجيكي راجا ناينغولان (غيتي إيميجز)

     

ولد مشاكس

هي سمعة ظلّت ملتصقة بالنينجا طوال مسيرته الكروية، نعم كان لها آثار إيجابية في زيادة شعبية اللاعب ومتابعة الجمهور له، لكنها في التوقيت نفسه كانت تبني له سمعة سلبية في الوسط الكروي بإيطاليا، وأصبح على الرجل الذي اعتاد على "القتال في الشوارع"، حسب وصفه، أن يقاتل هذه المرة في حرب أكبر مما كان يعتقد بكثير.

إعلان

   

بالتأكيد يتذكّر الجميع قرار روبيرتو مارتينيز بعدم ضمه لراجا بقائمة المنتخب البلجيكي المتوجِّهة لكأس العالم روسيا 2018، نعم صرّح المدرب البلجيكي للجميع بتلك الأسباب الفنية التي منعته من ضمّ النينجا إلى قائمته، لكن عندما نتحدَّث عن لاعب يضرب بآراء الناس عرض الحائط حول مسائل تدخينه وسهره المستمر، فبالتأكيد الأمر كان له دوره في استبعاده من تلك القائمة، مثلما كان له دوره في خلافاته مع مونشي التي كلّفته الرحيل عن الجيالوروسي، مثلما كان السبب الرئيسي لتركه يرحل بتلك البساطة عن الإنتر. (4) لكننا لن نتحدَّث عن كل ذلك، ولن نُطلق أحكامنا على أحد، لأن ببساطة ما حدث قد حدث، ولأننا هنا نبحث معا عن بداية جديدة لنا جميعا لكي نتغيّر للأفضل مثلما قلنا في المقدمة، وقصتنا اليوم ربما هي ما نبحث عنه بالظبط؛ النينجا وكالياري، الأول الذي أنقذ الثاني، والثاني الذي داوى جراح الأول.

   

ماذا يحدث هنا؟

في السادس والعشرين من مايو/أيار الماضي، كان الروسوبلو يواجه أودينيزي على ملعب الأول السردينيا أرينا، وأمام حشوده، تعرّض كالياري لهزيمة بهدفين مقابل هدف، ليُنهي موسمه بالمركز الـ 15، وفي رصيده 38 نقطة، 17 هزيمة، وبعيد بثلاث نقاط فقط عن مراكز الهبوط.. عار. (5) وعلى الجانب الآخر، في اليوم نفسه بملعب الجيوسيبي مياتزا، كان ناينغولان يرتدي قميص فريقه السابق إنتر ميلانو، ويحرز هدف فوز النيراتزوري على خصمه أتالانتا في الدقائق العشر الأخيرة من عمر اللقاء، وهو ذاته هدف تأهل الإنتر لدوري أبطال أوروبا.. ببساطة لامس النينجا يومها السماء. (6)

   

أنطونيو كونتي (رويترز)
أنطونيو كونتي (رويترز)

   

بعد تلك الليلة بخمسة أيام، كان أنطونيو كونتي يتولّى القيادة الفنية للنيراتزوري، وشرع في وضع رؤيته لمستقبل الفريق بالموسم الجديد، والتي لم يكن من ضمنها ماورو إيكاردي على خلفية مشكلات الأرجنتيني وزوجته مع النادي، وهو الأمر الذي كان منطقيا بالطبع أن يحدث، لكن ما لم يكن منطقيا، أو بالأحرى كان مفاجئا بعض الشيء، هو أن بعد قرابة الشهر والنصف من تولّي كونتي لزمام الأمور بميلانو، نتفاجأ بالتقارير التي أفادت بأن الإيطالي لا يَعتَبِر النينجا جزءا من خططه ويرغب ببيعه. (7) (8) (9)

إعلان

 

خرجت تلك التقارير بالتزامن مع إعلان كلاوديا لاي ناينغولان، زوجة البلجيكي على حسابها الشخصي على موقع إنستغرام، لخضوعها للعلاج الكيماوي، مقدمة الشكر لكل مَن ساندها في ذلك الكابوس الذي تعيشه حسب وصفها، كل ذلك بالتزامن مع إعلان نادي الإنتر لضمِّه جوهرة وسط ميدان نادي كالياري ومنتخب إيطاليا نيكولو باريلا، في صفقة قد تصل إلى 50 مليون يورو بالحوافز والمكافآت المحتملة. (10) (11)

    

 
 
 
View this post on Instagram
 
 

E’ da 1 mese che mi sveglio la mattina sperando si tratti solo di un incubo.. è da 1 mese che mi sveglio la mattina e realizzo di vivere dentro ad un incubo. Ho sperato che questa giornata arrivasse il più tardi possibile ma non è stato cosi.. le giornate sono volate e con loro anche la mia allegria.. da oggi inizierò un nuovo percorso della mia vita.. la CHEMIOTERAPIA. E chi lo avrebbe mai detto che Claudia per una volta nella vita avrebbe avuto PAURA di iniziare una nuova giornata.. paura è dire poco.. che dire, dopo secchiate di lacrime versate, è ora di andare a combattere questa brutta bestia 🧟‍♂️🔫 ringrazio con tutto il cuore ❣ la famiglia e gli amici che mi hanno aiutata a vivere al meglio questo mese di relax dandomi tutta la forza e la positività necessaria ad affrontare tutto…ma soprattutto hanno saputo gestire ogni mio malumore (con un alto livello di sopportazione) IN BOCCA AL LUPO 🐺 A ME E A TUTTE LE PERSONE CHE STANNO VIVENDO IL MIO STESSO INCUBO.. 🤞🎀 #nonperderemaiilsorriso

A post shared by ✨🎀✨ℂℒᎯUⅅℐᎯ✨🎀✨ (@claudia_lai_82) onJul 11, 2019 at 12:20am PDT

   

كل تلك الأحداث السابقة تسارعت في مدة قياسية، في شهرين تقريبا حدث كل ذلك، أثناء الوقت الذي أصبح يُعامَل فيه النينجا كالملوك في ميلانو، انقلبت الأمور مرة واحدة ضده، بين سيرة ذاتية مهددة بالانتهاء في أحد أندية الصين أو بلدان الخليج، وحياة شخصية انقلبت رأسا على عقب بمرض زوجته، كان على الرجل، حسب وصفه، أن يُفكِّر كيف بإمكانه أن يصبح رجلا في المقام الأول، أن يُفكِّر فقط في تحسين سيرته المهنية. (12)

   

وهو الأمر الذي حتّم عليه الموافقة على العودة لكالياري مجددا، لأن قبل أن تكون العلاقات رائعة بينه وبين ناديه السابق، فالزوجة كانت تتلقى علاجها بسيردينيا، كونها ذات أصول تعود لتلك الجزيرة ويجب أن تكون بجوار عائلتها هناك، مُفضِّلا الوقوف بجوار زوجته في محنتها على كسب الأموال وإنهاء مسيرته بعمر الـ 31 في غياهب قارة آسيا. (13)

   

ضربة حظ

"كان بيع باريلا هو الخيار الصائب بالنسبة لنا، ثم قام جيوليني -رئيس النادي- بعد ذلك بعمل جيد للغاية للتأكد من استثمار كل الأموال لصالح الفريق، إنفاق مبلغ يتراوح بين 10 إلى 15 مليون يورو على كل لاعب ليس بالأمر السهل بالنسبة لنا"

-مارسيلو كارلي؛ المدير الرياضي لكالياري (14)

  

ما حدث بعد ذلك كان ترتيب مصادفات قدرية بحتة، كلها صبّت في مصلحة ناينغولان، فبعد بيع باريلا إلى النيراتزوري، وبعد أن تلقّى النينجا وعودا من رئيس النادي حول مستقبله مع الروسوبلو، وحول مركزه الذي سيلعب به، تم القيام بعمل جيد بالأموال التي جاءت خلف صفقة متوسط الميدان الإيطالي، حسب وصف كارلي للمسألة. (15)

   

فبدلا من وجود باريلا وحده في وسط ملعب الفريق، قاموا باستغلال أمواله والتوقيع مع ماركو روغ متوسط ميدان نادي نابولي بـ15 مليون يورو، كأغلى صفقة في تاريخ النادي حينها، ليُتبعوا تلك الخطوة بخطوة أكبر وهي التوقيع مع نايتان نانديز متوسط ميدان البوكا جونيورز بـ18 مليون يورو، ليكسر رقم روغ، ومع مجيء النينجا في صفقة الإعارة تلك، والقيام بعدة صفقات أخرى على سبيل الإعارة، مثل ضمّ روبين أولسن حارس مرمى روما وجيوفاني سيميوني مهاجم فيورنتينا، بات لفريق الجزيرة الهادئة قوام ممتاز، بين خبرات النينجا، ولاعبين يريدون إثبات ذاتهم، وفوق كل ذلك إسهامات الرجل الأول للفريق؛ رولاندو ماران. (16)

إعلان

     

   

قام ماران باستغلال كل تلك الأدوات التي أُتيحت تحت يده، في قالب الـ 4-3-1-2 المفضَّل له، وهي الخطة التي تناسبت قدريا مع إمكانيات النينجا، موفِّرة له قدرا من التأمين الدفاعي الذي يحتاج إليه لكي يطلق العنان لقدراته، وهو الأمر الذي استغله خير استغلال حتى الآن، مسجلا لأربعة أهداف وصانعا لخمسة أخرى لزملائه، ما انعكس بالإيجاب على الفريق ذاته واصلا به إلى النقطة الـ 29 والمركز الرابع بالترتيب، بعد مرور 15 جولة كاملة بالدوري الإيطالي.

   

لكن الأمر لم يكن بتلك البساطة، لأن مشروع كالياري ذلك كان معتمدا في أساسه على عدة ضربات حظ متلاحقة، أولها على الإطلاق كان التوقيع مع لاعب طُرد من آخر ناديين في مسيرته وعلى مشارف عامه الـ 32، بجانب التوقيع مع شاب كرواتي كان يُقاتل منذ مدة طويلة لإثبات نفسه بالجنوب الإيطالي لكنه فشل، وآخر أرجنتيني لم يستطع أن يُبرهن ببساطة كم هو رائع هناك بفلورنسا، بالإضافة إلى ضمّ شاب أوروغوياني آخر يخوض أولى مغامراته على الإطلاق بالقارة العجوز.

   

هذا بجانب المُراهنة على استطاعة عناصر الفرقة الرئيسيين أن يكونوا على مستوى الحدث، مثل العجوز شياجريني قائد الفريق، الذي يُقدِّم أداء ثابتا بنصف ملعب الفريق حتى الآن، أو المُراهنة على النجاح في التعامل مع إصابة هدّاف الفريق الأول بالموسم الماضي ليوناردو بافيلوتي، وفوق كل ذلك، المراهنة على نجاح مدرب لم يقدم أي مؤشر للتقدُّم طوال الموسم الماضي.

  

كل تلك المُراهنات جاءت بالتوازي مع تعثُّر الفريق في أول مواجهتين له بالسيري آ في الموسم، عندما تعرَّض للهزيمة أمام بريشيا والنيراتزوري بملعبه ووسط جمهوره بالسردينيا أرينا، وهو الأمر الذي كان كفيلا بإبعاد الفريق عن أي حسابات تنافسية من أي نوع في الموسم. كل تلك الظروف والمراهنات والعوامل، وبضربات حظ متلاحقة، حدث عكسها تماما.

إعلان

    

قرار خاطئ
ببساطة إننا لو سلّمنا لحقيقة أن كالياري ليس لديه من الخبرات التي تجعله يتعامل مع المواقف الصعبة، فعلى أي أساس قام كونتي بالموافقة على رحيل ناينغولان بتلك السهولة من فريقه؟
ببساطة إننا لو سلّمنا لحقيقة أن كالياري ليس لديه من الخبرات التي تجعله يتعامل مع المواقف الصعبة، فعلى أي أساس قام كونتي بالموافقة على رحيل ناينغولان بتلك السهولة من فريقه؟
   

"مَن مِن المفترض أن أطلب منه العون في مثل تلك المواقف؟ نيكولو باريلا، الذي أحضرناه من كالياري؟ أم ستيفانو سينسي، الذي وقعنا معه من ساسولو؟" (17)

  

كانت تلك هي كلمات أنطونيو كونتي مدرب النيراتزوري، بعد قلب الطاولة على رأسه من التقدُّم في الفيستيفاليا أرينا أمام بروسيا دورتموند بهدفين للا شيء، إلى الهزيمة بثلاثية، صرح وقال فيما معناه ببساطة إنه لا يمتلك في فريقه مَن يملك الخبرات للتعامل مع مثل تلك المواقف من قبل. كونتي العزيز، هل تمزح معنا؟

   

لأنه بعيدا عن أن الرجل صرف قرابة الـ 150 مليون يورو في الانتقالات الصيفية على لاعبيه الجدد، مثل روميلو لوكاكو وأليكسس سانشيز الذين أحضرهما من اليونايتد، أو دييغو غودين صاحب الـ 33 عاما الذي وقّع معه من أتليتيكو مدريد، وهم فِرَق ثقيلة بطبيعة الحال ولاعبوها بالتأكيد معتادون على مواقف مثل تلك، وهو الأمر الذي ينسف تصريحه من الأساس، لكن تلك ليست قصتنا اليوم.

   

ببساطة الأزمة الحقيقية في أننا لو سلّمنا لحقيقة أن الفريق ليس لديه من الخبرات التي تجعله يتعامل مع المواقف الصعبة مثل التي وقع فيها أمام الفريق الألماني، فعلى أي أساس قمت بالموافقة على رحيل النينجا بتلك السهولة من فريقك؟ لأن بالتأكيد مثلما جميعا معترفون بأن الرجل لديه سقطاته خارج الميدان، فإننا موقنون أن البلجيكي لديه درجة من الخبرات في الملاعب قادرة على التعامل مع مثل تلك المواقف، أو على أقل تقدير فهي بكل تأكيد أعلى مما يمتلكه باريلا وسينسي مجتمعين.

   

وبالطبع لن نذكر أن بعد ذلك التصريح بخمسة أيام، كان ناينغولان يقوم بإحراز هدف رائع بجانب صناعة ثلاثة آخرين لزملائه بالفريق، في فوز الروسوبلو على فيورنتينا بخماسية مقابل هدفين، أو بعده بشهر كامل كان يسجل هدفا آخر من تسديدة صاروخية، ويقوم بصناعة هدف لزميله جواو بيدرو، في العودة الرائعة التي قام بها فريقه من بعيد في اللحظات الأخيرة أمام سامبدوريا بعد أن كان متأخرا بثلاثة أهداف.

إعلان

     

   

بالطبع لن نذكر كل ذلك، لأن بالتأكيد كونتي يعرفه ويحفظه عن ظهر قلب، ولا شك في أنه يجلد ذاته عليه الآن، ببساطة لأن الخسارة التي خسرها فريقه فنيا كانت مكسبا يجني ثماره فريق متواضع قادم من جزيرة هادئة في البحر التيراني.

   

ناينغولان شخص اعتاد على القتال طوال مسيرته، قتال في الشوارع على الكرة وهو صغير، قتال في الملاعب ضد منافسيه وهو كبير، قتال كل يوم ضد كارهي تصرفات حياته الشخصية لإجهاض وجهة نظرهم، قتال في رحلة كفاح لحجز مقعد مؤهل لدوري الأبطال بالموسم القادم مع فريق قادم من ذيل الجدول، وقتال مستمر كل يوم مع زوجته في رحلة علاجها من المرض الخبيث.

   

ببساطة النينجا وجد بدايته الجديدة التي أعادت الحياة إلى مسيرته من جديد، ربما لم تمنعه من التدخين والسهر، لكنها على الأقل أظهرت أن النينجا بإمكانه القتال حتى وهو يكافح الزمن بعمر الـ 31. كان كونتي مخطئا في القول إن إنتر يفتقر للاعب صاحب خبرات وقادر على القتال في وجه الظروف الصعبة، لأنه حتى يوليو/تموز الماضي كان هذا اللاعب متاحا في صفوف الفريق، إلا أنه ترك يذهب ليكمل كفاحه على سبيل الإعارة في كالياري.

المصدر : الجزيرة

إعلان