شعار قسم ميدان

ساري ضد كلوب.. التفاصيل تحكم

ميدان - ساري وكلوب

متعة أقل وفترات أقل سخونة من تجربة أربعاء الكأس، ولكنه لم يكن أمراً مستغرباً وفقاً لسيناريو المباراة من جانب، ولأهميتها الكبرى من جانب آخر. ليفربول ينتزع التعادل من تشيلسي في الوقت القاتل لقمة سابع أسابيع البريميرليج.

 

مع عودة الصف الأساسي بأكمله للمشاركة في واحدة من أهم محطات الموسم للفريقين، ومع 90 دقيقة سابقة سمحت لكل مدرب بالتعرف على أفكار الآخر وجهاً لوجه، امتلكنا مباراة واضحة المعالم بين مدرستين هجوميتين مختلفتين مع بعض التعديلات، لذا إن كنت مللت من البحث عن إجابات لأسئلة مثل كيف يفوز إيمري، أو كيف يخسر مورينيو، هذا هو مكانك الصحيح.

  

تشكيل الفريقين وتقييم اللاعبين  (هوسكورد)
تشكيل الفريقين وتقييم اللاعبين  (هوسكورد)

    

أوراق المعركة

بدأ ساري بتشكيله المتوقع، جورجينيو يتوسط ثلاثي الوسط بين كانتي يميناً وكوفاسيتش يساراً، بينما أتى كلوب بمحاكاة لتشكيل مباراته السابقة في دوري الأبطال أمام باريس سان جيرمان، في مباراة أخرى شهدت اضطراره لسحب محمد صلاح، وتحسن نتيجة الفريق بعد خروجه. ما أسهل إلصاق الأمر بصلاح الآن فقد تم ضبطه متلبساً بالجرم المشهود، مرتين.. سنتركه الآن، لأنه ليس الشيء الوحيد الذي عبثت به التفاصيل.

  

بينما كان يورجن يستعد لإسقاط مستحوذ آخر في المصيدة، فاته أن ساري الذي يقدس الكرة الهجومية الجميلة ليس من رهبان الاستحواذ. النتيجة أنه لم يتمسك به بتلك القوة، لم يتقدم بالشكل الكاسح المعتاد، لم يترك نفسه صيداً سهلاً لضغط الريدز العكسي الذي يترتب عليه خطف تلك الكرة ومن ثم لا تراها إلا في شباكك.

 

على الناحية الأخرى بدأ ساري في إرساء قواعد يساره المعهودة، فما بدأ بغلام وهامشيك وإنسيني الآن يتكرر بين ألونسو وكوفاسيتش وهازارد، في النهاية أنتج هذا الجانب 50% من محاولات البلوز، في مشهد نابوليتاني معتاد قبل انتقال الرجل إلى لندن. ليفربول بدوره امتلك توزيعاً متوازناً على الأطراف عديمة الفاعلية، في ظل يوم سيئ لثلاثي الهجوم وحتى الظهير الأيسر المميز أندرو روبرتسون.

  

توزيع الهجمات: تشيلسي يساراً بالبرتقالي وليفربول يميناً بالأزرق (هوسكورد)
توزيع الهجمات: تشيلسي يساراً بالبرتقالي وليفربول يميناً بالأزرق (هوسكورد)

   

كل تحولات ليفربول السريعة في أول 25 دقيقة انتهت بتسديدات غرائبية طائشة سواء من صلاح أو ماني، بينما أتى تحول تشيلسي الأول في شباك الريدز ببينية كوفاسيتش الرائعة في المساحة الشاغرة، وإنهاء خرافي من إيدين هازارد الذي هزم الريدز وحده في موقعة الكأس. أقل من 7 دقائق، صلاح ينفرد تماماً بمرمى كيبا ويراوغ الأخير قبل أن يتأخر في التسديد ويطيلها بما يكفي ليلحق بها روديجير.

 

هكذا حسمت التفاصيل شوط اللقاء الأول، الشوط الذي شهد الكثير من اللعب المفتوح السريع، أغلبه في صالح ليفربول، ولكن نجم أحد الفريقين كان يقظاً وحاسماً بما يكفي، بينما سقطت مفاتيح الريدز في فخاخ الرعونة والهذيان الهجومي. كان صلاح متمتعاً ومستفيداً من وجوده في مواجهة مباشرةً مع ألونسو ولويز، الحلقتين الأضعف من الناحية الدفاعية في خط البلوز الخلفي، ولكن إن كان في حالته الموسم الماضي لكان استمتع أكثر بكثير. المصري كان الأكثر ظهوراً وخطورة، ولكنه ظهر بأسوأ شكل ممكن بينما يُخمد خطورته بيده لا بيد الخصم.

 

لا شيء يدوم

سمعة ساري الهجومية تسبقه، ولكنه بعد أن وجد نفسه متقدماً بهدف في مباراة صعبة للغاية، فجأة تذكر أنه إيطالي وقرر التراجع وتأمين النتيجة ومن ثم انتظار فرصة الارتداد. أتى الأمر بثماره بشكل مبدئي، ليحصل كلوب على أكثر ما يكرهه: الاستحواذ. بالتالي أتى استحواذ الريدز سلبياً لوقت طويل في الشوط الثاني، وقلت خطورته بشكل ملحوظ للغاية.

 

في الوقت ذاته حتى وإن قرر التراجع، لم يكن ساري سباقاً بفقد الكرة، أتت فرصة المرتدة سيحاول الفريق إخراج الكرة بسرعة، لم تأتِ الفرصة؟ إذاً سنواصل التحكم بالكرة والخروج بها بشكل تدريجي دون تقدم مبالغ فيه، وهكذا خلق الإيطالي مزيجاً بين أفكاره وأفكار سابقه أنتونيو كونتي وسابقهما جوزيه مورينيو، بالأحرى هو خلق مزيجاً بين أفكاره و"الإرث الكروي" لتشيلسي.

  

الخريطة الحرارية للفريقين: ثمن التراجع واضح على خريطة تشيلسي، أمام ليفربول الذي أكل الملعب بحثاً عن التعادل (هوسكورد)
الخريطة الحرارية للفريقين: ثمن التراجع واضح على خريطة تشيلسي، أمام ليفربول الذي أكل الملعب بحثاً عن التعادل (هوسكورد)

  

في الإطار ذاته أتى تبديل ساري الأول بنزول ألفارو موراتا بدلاً من "التارجت مان" أوليفييه جيرو، وما بدأ بالبحث عن المزيد من السرعة في المساحات الشاغرة انتهى بفقدان المساحات التي كان يوفرها الفرنسي قبل خروجه دون أدنى استفادة من مهاجم ريال مدريد السابق. على الجانب الآخر حمل صلاح أوزاره وأوزار رفاقه كنجم للفريق، رفع التطلعات إلى حد لا يقدر على مجاراته نفسياً، وعليه تحول من شخص غير قابل للمساس به إلى المرشح الأول للخروج حين تسوء الأمور.

 

حل شاكيري بدلاً من المصري في الدقيقة 66، لم يكن ينقص صلاح سوى أن يأتي التعادل وهو خارج الملعب لتُشير الأصابع إليه باعتباره المتهم الأول فيما كان يحدث، وهذا هو واحد من أشهر أحكام كرة القدم الظالمة، التي تنتظر النتيجة ليتم إصدارها عوضاً عن الحصول عليها من مصدرها الطبيعي: سير الأمور ووضع الحدث في سياقه.

 

صلاح امتلك الموقع الأخطر والأكثر ضعفاً في دفاعات تشيلسي، ومهما كان كوفاسيتش مرهقاً في الجوانب الدفاعية من خط الوسط، فإن ليلة هداف البريميرليج بالتأكيد كانت أفضل ولو قليلاً من زميله السنغالي ساديو ماني الذي اضطر لمواجهة نجولو كانتي. ولكنه حكم التفاصيل مجدداً، التفاصيل التي جعلت صلاح يتورط في الكثير من الأمور خارج الملعب، بينما يحمل عبئاً بحجم إثبات أنه ليس مجرد معجزة عمرها الافتراضي موسم وحيد، بالتزامن مع انحدار كبير في مستوى الثلاثي الهجومي ككل، ناهيك عن إثارة تلك الأمور المتعلقة بالغيرة والضغينة..

 

ليفربول لديه بعض المشاكل، ليس في طريقه للغرق ولكن المشاكل موجودة، بينما من يقف على شفا حفرة من الانهيار هو صلاح نفسه قبل أي أحد، والحل المعتاد لكسر تلك الدوائر المحبطة عادةً ما يكون بتسجيل الأهداف، الأهداف التي أضاع منها ليلة أمس ما كان يكفيه ليعود بطلاً في أنظار الجميع، وفي أفضل وأكبر وأقرب مناسبة ممكنة.

   

الرهان ذو الوجهين
ساري  (رويترز)
ساري  (رويترز)

   

واصل ساري السير في طريقه دافعاً بفيكتور موسيس بدلاً من ويليان، صحيح أنه أعاد النيجيري لوظيفة الجناح، إلا أنه حصل على أقصى استفادة ممكنة من دوره السابق مع كونتي كظهير جناح، ليقدم دعماً دفاعياً قوياً في مواجهة جبهة ماني – روبرتسون التي أتت بمردود قليل للغاية، بينما شرع شاكيري في محاولة إشعال النيران بالجانب الآخر، حتى أتى نابي كيتا على حساب جوردان هندرسون ليحرك مياه الوسط الراكدة.

 

حتى الدقيقة 89 كان كل شيء يسير على ما يرام بالنسبة للبلوز، راهن ساري على استمرار سلبية استحواذ ليفربول، ولم يكن مخطئاً بنسبة 100%، ولكن ما حدث كان خارج التوقعات.. في آخر 5 دقائق من الوقت الأصلي قرر كلوب أخيراً التحول إلى 4-2-4 بنزول دانييل ستوريدج بدلاً من ميلنر، ليزيد عدد العناصر الهجومية الأمامية بحثاً عن الحل، ولكن كل شيء بقي على حاله حتى خرج ستوريدج بعمل فردي خرافي بحت بتلك التسديدة من خارج المنطقة. خطأ فردي وحيد من كانتي ف الضغط، وخطأ طفيف لكيبا في التعامل مع هذا الصاروخ غير المتوقع.. في النهاية سجل ستوريدج نفس الكرة التي وضعها في العارضة يوم الأربعاء الماضي أمام نفس الفريق، في واحدة من أعظم تجليات التفاصيل.

 

حسناً، الآن علينا أن نسأل، مَن خذل مَن بالضبط؟ هل كان شاكيري حين أهدر هدفاً محققاً؟ أم صلاح الشوط الأول؟ أم لويز الذي انتزع كرة فيرمينو من خط المرمى كما انتزع روديجير كرة المصري؟ أم ربما هو هازارد الذي سجل هدفاً ولكنه أخفق في قتل المباراة خلال ستيناتها ليهدر انفراداً تاماً بمرمى أليسون؟

 

متوسط التمركز: ليفربول -يميناً باللون الأزرق- يحاصر ساري منتحل الشخصية الدفاعية  (هوسكورد)
متوسط التمركز: ليفربول -يميناً باللون الأزرق- يحاصر ساري منتحل الشخصية الدفاعية  (هوسكورد)

   

هذا هو سر أكبر ميزة وعيب للطرق الدفاعية خصوصاً أشكالها غير المتكتملة، أن الأمر كله ينحصر في رهان عدمي على التفاصيل، والحقيقة المُرعبة هي أنك لا يمكن أبداً أن تحدد اتجاهها، بالتالي إن كان هذا الكلام موجهاً لمدرب اعتمد عليها لتأمين النقطة أمام خصم قوي للغاية، فإنه موجه بالأساس لم يعتبرون التفاصيل رأس مالهم.

 

الإفراط الدفاعي في الشوط الثاني ضمن المزيد من العجز للريدز، ولكنه في الوقت ذاته منح المزيد من المساحة والوقت للتحضير، وجهي هذا الرهان الدفاعي تحديداً لا يحددهما سوى النتيجة، لتستمر أحكام النتيجة ظالمة: فاز الفريق؟ إذاً الطريقة الدفاعية ناجحة حتى ولو سمحت لفيل بالانفراد بحارس المرمى. خسر الفريق؟ الطريقة الدفاعية فاشلة حتى ولو تلقى الفريق الهدف من تسديدة عابرة للقارات.

المصدر : الجزيرة