شعار قسم ميدان

نيمار ضد الجميع.. ملخص اللمسات التي أزعجت العالم

midan - nymar

القصة معقدة نوعًا ما، فطبقًا لـ Whoscored.com، نحن نتحدث عن رجل هو ثالث أفضل لاعبي المونديال بعد كين ولوكاكو، وهو ثالث أفضل صناع الفرص بعد أوزيل ودي بروينه، ناهيك عن كونه هداف فريقه أصلًا في كأس العالم حتى اللحظة، والنتيجة لكل ذلك، أن نِصْف جماهير بلده وصحفييها يطالبون بالإطاحة به من التشكيل الأساسي فيما تبقى من مباريات المونديال. (1)

  

لماذا؟ دعنا نبدأ مجددًا لأن القصة بسيطة نوعًا ما، فطبقًا كذلك لـ Whoscored.com، نحن نتحدث عن رجل هو أكثر من حاول المراوغة في كأس العالم، وهو أكثر من فشل في المراوغة في كأس العالم، وأكثر من فقد الكرة بسبب المراوغة في كأس العالم، وأكثر من استعرض أثناء المراوغة في كأس العالم، وأكثر من تمت عرقلته بسبب المراوغة في كأس العالم، وأكثر من ادعى الإصابة بعد عرقلته بسبب المراوغة في كأس العالم، ولو كانت إصاباته حقيقية لكنا أيضًا نتحدث عن رجل يلعب بكعبين مخلوعين وعظام مهشمة في أكثر من موضع وثلاثة أضلع مكسورة على الأقل، بالإضافة إلى عدة ثقوب من آثار الرصاص الذي يطلقه عليه الخصوم بلا رحمة. (1)

     

    

سواريز يرسل تحياته

ما الجديد؟ سواريز أقل مهارة بسنين ضوئية من نيمار ويفعل كل هذا وأكثر في كل مباراة تقريبًا مع برشلونة والأوروغواي. أي التحام من الخلف مع سواريز معناه أنه سيقضي دقيقة كاملة على الأقل في التلوّي السينيمائي على العشب، وأي التحام هوائي مع سواريز معناه أنه قد أصيب بارتجاج في المخ وفقدان مؤقت للذاكرة حتى لو كان هو الفائز بالكرة. لماذا لا تطالب نصف الأوروغواي بإخراجه من التشكيل؟ على الأقل نيمار يقدم المتعة.

  

محاولة إضفاء المنطق على انحيازات الجماهير المتناقضة تجاه نفس الحالات هي الوصفة الأسرع للجنون في كرة القدم، ولكن حالة سواريز ونيمار ليست واحدة منها؛ الأول هو شخص لم يقم بتسويق نفسه كنجم جماهيري أبدًا ولم يطلب ود الأنصار يومًا، وسوء طباعه لم يفارقه منذ شبابه في هولندا وحتى وصل إلى الحادية والثلاثين من عمره، بالإضافة لأنه لم يقتصر على ادعاء الإصابة وحسب بل شمل العنصرية والعنف اللفظي والجسدي تجاه الخصوم كذلك، لذا فالرجل حالة ميؤوس منها، يعاملها الجميع باستسلام الخضوع للأمر الواقع. (2)

         

   

سواريز هو قضية مغلقة كما يقول الإنجليز Closed Case، لا مجال فيها للمراوغة أو مراجعة الآراء. بالطبع هذا لا يجعل طباعه أقل قبحًا، إن لم يكن يزيدها، ولكن الأمر مع نيمار مختلف لأن الجميع صبر على طباعه عندما كان شابًا مراهقًا يشق طريقه في عالم الكرة، متوقعين أنه سينضج يومًا ما ويكتسب المزيد من الجدية والاحترافية تساعد على تحقيق الاستفادة القصوى من إمكانياته.

   

نفس الآمال التي كانت معقودة على البيستوليرو عند مرحلة ما من عمره ولكن قضى عليها إصراره على أسلوب لعبه، لذا يمكنك أن تقول أن نيمار هو نسخة من الأوروغواياني عند نقطة مبكرة من مسيرته ولكن بإمكانيات أكبر وفرص نجاح أقل، ولسبب بسيط جدًا هو أن سواريز نجح في حصر بشاعته في الملعب، ولم يسمح لها بالتأثير على قرارات مصيرية خارجه.

   

نيمار وشركاؤه

نيمار وصل إلى السادسة والعشرين من عمره ومازالت طباعه في السادسة عشر من عمرها، وفي هذه السن يفترض بالجماهير أن تتساءل عما إذا كان بإمكانه الوصول لمستويات أعلى، أو الذهاب لنادٍ أفضل، أو تحقيق المزيد من البطولات، ومع لاعب بإمكانياته كان من المفترض أن تكون الإجابات سهلة، ولكن نيمار قرر أن إجابات نعم ولا الواضحة لا تناسبه. قرر وهو في كامل قواه العقلية أنه سيتحول لحالة أخرى من حالات "لو" التي يعج بها تاريخ اللعبة وترتبط في ذاكرة مشجعيها بالحسرة أكثر من أي شيء آخر.

   

المثير أن أكثر ما يقابلك أثناء القراءة عن نيمار هو القراءة عن "محيط" نيمار لا نيمار نفسه. تقريبًا كل مصيبة يرتكبها الرجل يقف خلفها إما والده أو مجموعة أصدقائه، فطبقًا لماركوس ألفيش صحفي FourFourTwo فإن "محيط" نيمار يتحكم حتى في الأسئلة التي توجه له أثناء المقابلات التليفزيونية، بالإضافة إلى عدة أدوار أخرى لا غنى عنها، مثل مهاجمة كل منتقديه في الإعلام وتبرير كل ما يفعله أيًا كان. (3)

   

السبب؟ وفقًا لجوكا كفوري أحد أهم صحفيي البرازيل فإن "محيط" نيمار هم مجموعة من أصدقاء الطفولة الذين صاروا يعتمدون عليه لتوفير عيشة رغدة دون أن يضطر أي منهم للعمل، يسمون أنفسهم الأقوياء أو El Toiss ويصحبونه في كل مكان تقريبًا، وفي هذه الفقاعة نيمار لا يخطىء أبدًا ولا يتلقى أي نقد مهما فعل، لذا تحول نيمار مع الوقت إلى أحد المصابين بمتلازمة بيتر بان؛ رجل بالغ يعيش كطفل ويرفض أن ينضج. (3) (4) (5)

      

  

آخر ضحايا El Toiss كان "غالفا بوينو" أشهر معلقي البرازيل الذي اتهم نيمار بالغطس أمام كوستاريكا، بعدها خرج أحد "الأقوياء" في تصريح صحفي لينعته بالحثالة، فرد بوينو في مباراة صربيا بعدها بالثناء على كوتينيو بعد صناعته لهدف باولينيو، واصفًا إياه بأنه "أفضل لاعبي البرازيل في البطولة بلا شك". المشكلة لم تكن في بوينو فقط لأن توستاو أحد نجوم مونديال 70 كتب في عموده الأسبوعي أن تيتي عليه أن يأمر نيمار بالتوقف عن التمثيل والادعاء، وهو ما أكد عليه تيتي نفسه عقب مباراة المكسيك مصرحًا أنه قد أخبره بالتركيز على كرة القدم لا الحكم. للأسف كان توستاو أكبر قيمة لدى البرازيليين من أن يتجرأ أحد "الأقوياء" على وصفه بالحثالة. (3) (6)

   

دفاعًا عن اليوتيوبي

صحفي برازيلي آخر هو فيرناندو دوارتي تطوع للدفاع عن نيمار، مذكرًا الجميع بوقائع سابقة مشابهة لم تسبب نفس الغضب لدى جمهور الكرة في البرازيل. في 1992 مثلًا جرت مباراة ودية بين البرازيل وألمانيا في بورتو ألليغري انتهت بفوز مريح لأصحاب الأرض بثلاثة أهداف، بعدها خرج لاعب ما كان ينشط في أيندهوفن وقتها لينتقد كارلوس ألبيرتو ويقول إنه أفضل من كل اللاعبين الذين استدعاهم وأنه لم يأت من هولندا في رحلة مرهقة ليجلس على الدكة. هذا اللاعب كان روماريو الذي تعرض المدرب الأسطوري لضغط هائل من الجماهير والصحافة البرازيلية ليستدعيه لقائمة كأس العالم بعدها بسنتين. (7)

    

الفارق الوحيد من وجهة نظر دوارتي أن الإنترنت لم يكن قد تم اختراعه في التسعينيات، أما في هذه الأيام فالبرازيل هي رابع دول العالم تواجدًا على منصات التواصل الاجتماعي، ولو كان نيمار هو من قال بأنه أفضل من الباقين لطالبوا بسحب جنسيته فورًا. بينما الآن، وحتى بعد أن قام نيمار بتقليل الجرعة السينيمائية في مباراة صربيا، وبعد أن قدم أفضل عروضه في المونديال حتى لحظتها، لم يكن ذلك كافيًا لجمهور البرازيل، وكان الكثيرون في مناطق المشجعين البرازيلية يطلقون صيحات الاستهجان كلما لمس الكرة.

      

     

بالطبع كتب دوارتي مقاله بتاريخ 1 يوليو، بعدها بيوم واحد كان نيمار يواجه المكسيك ووصلت الجرعة السينيمائية إلى أقصى معدلاتها منذ بداية كأس العالم، لدرجة أن أوزوريو مدرب المكسيك أظهر امتعاضه الشديد من "إهدار كل هذا الوقت لحساب لاعب واحد"، في إشارة لعدة دقائق أضاعها نيمار بعد أن وطأ المكسيكي ميغيل لايون قدمه، وكالعادة كان رد فعل نيمار موحيًا بأن لايون قد اختطف عائلته وحرق منزله ثم مر عليه بمدرعة. المفارقة أنه خرج بعد المباراة ليتحدث عن المبالغة في الانتقادات الموجهة له. نعم، ما قرأته صحيح، نيمار يتهم الآخرين بالمبالغة. (8)
     

ملخص

رغم ذلك كله فإن وجهة نظر دوارتي لها وجاهتها، بالفعل لا يمكن مقارنة الضغوط التي يتعرض لها لاعبو هذه الأيام بما كان يلاقيه نجوم التسعينيات وما قبلها، ولكن هذا لا يمنع أنها وجهة نظر مجتزأة أيضًا ولا شك أن دوارتي نفسه يعلم السبب لكونها كذلك. فمنذ صعوده مثّل نيمار الحالة القصوى من الاستفادة من منصات التواصل الاجتماعي على أنواعها في تحقيق الشهرة والربح المادي معًا، وصلت لدرجة احتضان الرجل للسمعة السيئة التي صاحبته في سانتوس عن كونه لاعب "يوتيوبي" يميل للاستعراض ويلعب لأجل إنتاج ملخصات اللمسات التي سيشاهدها الملايين حول العالم، الملخصات التي منحته شعبية كبيرة حتى بين هؤلاء الذين لا يشاهدون اللعبة، والشعبية الكبيرة التي أدخلته عالم الغناء ومنحته الظهور في أفلام هوليوود وبالطبع مزيدًا من الأرباح.

  

مشكلة الملخصات أنها لا تخبرك بكل شيء، هذا جزء من وظيفتها كملخصات، أنها تجيب على سؤال واحد فقط هو "ما قدمه اللاعب الفلاني أمام الفريق العلاني"، ولا تذكر ما كان بإمكانه فعله ولم يفعله، وللأسف فإن الإحصائيات تشاركها نفس العادة الكريهة. لذا هي مناسبة جدًا لنيمار وطريقة حياته ولعبه للكرة، لأنها تمنح جمهوره إجابات نعم ولا القاطعة التي لا يستطيع هو توفيرها، وتعفيهم من الحسرة على ما كان يمكن أن يحدث ولم يحدث. الحسرة التي لا يهم معها ما حققته بالفعل ما دمت قد أقنعت الجميع بأن بإمكانك ما هو أكثر، ولا تفرق بين لاعب كروبينيو خرج من حطام الدنيا ببضعة بطولات كان دوره فيها ثانويًا، وبين آخر كمارادونا يعتبره الكثيرون الأفضل في تاريخ اللعبة.

     

    

المشكلة كذلك، أن الملخصات لم تعد هي المشكلة الوحيدة، لأن نيمار صار قادرًا على إنتاج ملخصات مختلفة المحتوى في الفترة الأخيرة. ملخصات تتضمن رحيله إلى نادي بلا جمهور يلعب في مسابقة بلا منافسة، ثم قضاء الموسم في إثارة غيظ وحقد زملائه بشروط عقده الخزعبلية والشجار مع هداف الفريق على ركلات الجزاء، ثم فتح باب المفاوضات مع نادٍ آخر بعد عام واحد من إتمام أكبر انتقال في تاريخ اللعبة لأنه اكتشف أنه ليس سعيدًا في فرنسا، ثم المطالبة بمضاعفة راتبه للبقاء سعيدًا في فرنسا، ثم الذهاب إلى كأس العالم وإهانة قائد منتخب بلاده والشجار مع الحكام والخصوم، ثم تقديم "ألعن" فاصل تمثيلي ممكن مع كل احتكاك وكل لمسة، ثم اتهام الجميع بالمبالغة والتآمر عليه للتقليل منه وإخراجه عن تركيزه. (9) (10) (11) (12) (13)

     

لا تسأل أي تركيز يتحدث عنه نيمار بالضبط. لقطة واحدة من كل ما سبق كانت كفيلة بإيقافه لعدة مباريات وإنهاء تواجده في كأس العالم أصلًا، فقط لو تقرر عقابه على طريقة تعامله مع حكم مباراة كوستاريكا في الملعب وفي نفق اللاعبين، أو لو تقرر منحه إنذارًا عن كل دقيقة يضيعها في ادعاء الإصابة للدرجة التي حولت مباريات البرازيل إلى مشهد مدته 90 دقيقة لنيمار يتلوى على الأرض ويتخلله القليل من كرة القدم. لا تسأل عن مؤامرة العالم على نيمار أيضًا لأننا أمام حالة سيريالية يطالب فيها بيتر بان الجميع بالنضوج، وفي نفس الوقت الذي ينتج فيه أكثر ملخصاته بؤسًا على الإطلاق؛ ملخص لمساته ضد نفسه.

المصدر : الجزيرة