شعار قسم ميدان

روما وليفربول.. عن ثنائية المتعة والعدالة

midan - ليفربول

أولاً دعونا نحيي فريقاً وصل إلى أبعد كثيراً مما كان متوقعاً منه، سقط في مجموعة مميتة ضد تشيلسي وأتلتيكو مدريد فتصدَّرها على حسابهما، تخبَّط وضعه أمام شاختار دونيتسك وكان قابلاً للخروج ولكنه مضى في طريقه، ارتطم ببرشلونة وسقط أمامه برباعية في مباراة عاثرة الحظ، ليقلب الطاولة عليه إياباً ويضع أقدامه في نصف النهائي، حتى وبعد أن بدت الأمور محسومة مرة أخرى في نصف النهائي، قاتل هذا الفريق بأنفاسه الأخيرة ليقف على بعد هدف وحيد من التعادل.

  

مغامرة تاريخية لفريق اكتسب مدرباً كبيراً فأكسبه شخصية طاغية وأسلوباً يُبنى عليه للمستقبل، هو اوزيبيو دي فرانشيسكو الذي صنع اسماً لا يستهان به في وقت قصير، يخرج مرفوع الرأس أمام الساحر الألماني محقق أحلام ليفربول، وكاتب سطور عودته التاريخية إلى نهائي دوري أبطال أوروبا بعد 11 عاماً من الغياب. سجال ضمن المتعة بشتى طرقها، فكتب تاريخاً جديداً للغزارة التهديفية في المواجهات الإقصائية بـ13 هدفاً.

   

(تشكيل الفريقين وتقييم اللاعبين - هوسكورد)
(تشكيل الفريقين وتقييم اللاعبين – هوسكورد)

    

البداية

بلا مفاجآت حل ليفربول بتشكيله المتوقع، الذي شهد عودة جيمس ميلنر على حساب أليكس أوكسليد تشامبرلين المصاب، أما عن الذئاب فقد تداركوا خطأ الرسم ثلاثي الدفاع، مستردين 4-3-3 المعتادة أيضاً. أمر كان له أثراً -بجانب تراجع ليفربول في الشوط الثاني- في ضمان بعض الاستقرار الدفاعي من الوضعية الهجومية المُطلقة. سارت الأمور سريعاً بخطأ مريع من جانب راديا ناينغولان نجم وسط روما أسفر عن هدف أول لساديو ماني، تلاه أول أخطاء المباراة التحكيمية بعدم احتساب ركلة جزاء للرجل نفسه، ثم خطأ لوفرين في تشتيت الكرة لتصطدم بوجه ميلنر وتسكن شباك ليفربول في هدف عكسي غريب.

   

(الخريطة الحرارية للفريقين - غزو كامل من جانب روما مقابل تراجع أحمر نسبي، تميل كثافته لجبهة ماني - هوسكورد)
(الخريطة الحرارية للفريقين – غزو كامل من جانب روما مقابل تراجع أحمر نسبي، تميل كثافته لجبهة ماني – هوسكورد)

    

تبايناً بين الشوط الأول والثاني، كانت المباراة متبادلة في فترتها الأولى، يميل استحواذها لأصحاب الديار العاجزين عن التسديد على المرمى، بينما ظلت أقدام الريدز ثابتة في التهديد. واستكمالاً للقاء ستوك الماضي ظهر النجم المصري محمد صلاح بشكل أقل كثيراً مما عوَّدنا هذا الموسم، ربما للضغوطات النفسية دوراً في الأمر لكن الحالة لا تستدعي للفزع بعد، فكل الكبار يمرون بأيام سيئة، وأمامه 3 مباريات هامة ليثبت أن الأمر يندرج تحت بند الأحداث العابرة.

   

(متوسط تمركز اللاعبين: ليفربول المتراجع (يميناً باللون الأزرق) يُعاكس خريطته الحرارية، إذ كان لصلاح التقدم والميل بينما كانت كثافة اللعب في الجانب الآخر - هوسكورد)
(متوسط تمركز اللاعبين: ليفربول المتراجع (يميناً باللون الأزرق) يُعاكس خريطته الحرارية، إذ كان لصلاح التقدم والميل بينما كانت كثافة اللعب في الجانب الآخر – هوسكورد)

    

بعد سوء حظ دجيكو في تشتيت كرة هوائية، وقعت الأخيرة أمام رأس فينالدوم ليضعها في الشباك مسجلاً ثاني الأهداف، الهدف الذي يعني أن روما بحاجة لتسجيل 4 أهداف فقط ليُعادل النتيجة ويمر إلى الوقت الإضافي. مضى ناينغولان في محاولات تدارك خطأه الأول، متصدراً صناعة اللعب بـ5 تمريرات مفتاحية. بينما حقق كوستاس مانولاس مدافع الذئاب رقماً هوائياً مرعباً بكافة المقاييس، إذ انتصر بـ15 صراع من أصل 18!

 

بالانتقال لمعركة الهواء على الجانب الآخر، لم يكن يوم فان دايك (5 صراعات من 8)، ولوفرين (2 من 3) سيئاً أمام دجيكو المتوحش في هذا المجال، والذي فاز بدوره بـ5 من 8 أيضاً. ليبقى سؤال واحد على طاولة دي فرانشسيكو من حساب الذهاب، لماذا حرم نفسه من مجهودات وكفاءة ستيفان الشعراوي الهجومية في أنفيلد؟ جبهة "الشعراوي – كولاروف" ومن بينهم ناينغولان قد أنتجت 46% من محاولات روما الهجومية بالفعل.

 

لا تَراجُع ولو منحوك الذهب..

غياب التألق الفردي كان واضحاً في التقييمات بنهاية الأمر، فحصيلة ماني التي منحته التقييم الأعلى هي تسديدتين على المرمى من أصل 3، هدف وحيد، 0 من التمريرات المفتاحية، وصدارة المراوغات بـ5 محاولات ناجحة من 6. كان لانطفاء بريق صلاح دوراً كبيراً في بروز مستوى السنغالي بهذا اللقاء.

 

نتيجة مُريحة بنهاية الشوط الأول، شرع على إثرها كلوب في تنفيذ الخيار الأفضل والأكثر أمناً لأي فريق في العالم سوى ليفربول كلوب! سلَّم الريدز ملعب المباراة لأصحابه طمعاً في المرتدات، لينقلب هامش المحاولات إلى نسبة 5:1، 15 محاولة لروما منها 6 على المرمى، مقابل 3 لليفربول واحدة منها فقط على مرمى أليسون. هذا ليس مشهداً جديداً أو مفاجئاً، فدفاع ليفربول يتعرض لشتى أشكال الانتهاك كلما حاول هذا الفريق الاستقرار بالخلف، مباريات تاريخية ضاعت وغيرها كادت أن تضيع بسبب تلك الحالة تحديداً.

 

الأمر لا علاقة له بجودة المدافعين قدر ارتباطه بنوعية خط وسط الفريق وكون المنظومة الدفاعية تعتمد على الجهد أكثر من التمركز، فالمزايا الدفاعية الأفضل أو اللاعب الذي يفترض شغله المركز الدفاعي في الوسط بشكل رئيسي هو جوردان هندرسون، ومهما حاول كلوب عبثاً لن يكون هذا مركزه الذي يقدم به 100% مما لديه أبداً. هندرسون كان من أقل لاعبي الفريق قيمة في تلك المباراة، إذ خسر نصف تدخلاته (3 من 6) وكان الثنائي من ورائه عرضة للتهديد مراراً وتكراراً.

  

(الأكثر تشتيتاً للكرة في ملعب أولمبيكو: فان دايك ولوفرين (11)، أكثر من أي لاعب آخر بـ6 مرات)

  

قرأ دي فرانشيسكو الوضع سريعاً فتحول إلى 4-4-2 أو بالأحرى 4-2-4 بعد أن لم يعد لديه ما يخسره، مُقحماً جنكيز أوندير على حساب لاعب الوسط لورنزو بيليغريني، ثم أتبعه بتجديد دماء الوسط عن طريق ماكسيم غونالون، إثر النفاذ المعتاد لمخزون دانيلي دي روسي البدني، وأخيراً منح الفرصة لورقة هجومية شابة هي ميركو أنتونوتشي على حساب الشعراوي. على الناحية الأخرى لم يتحرك كلوب لمواجهة ما يحدث سوى بتغييرات تأمينية اعتباراً من الدقيقة 83.

 

يُبرهن ليفربول دائماً على كون الخيار الأضمن له هو مواصلة الهجوم بلا هوادة، لأنك إن حاولت أن تطرح بعض الأسئلة البديهية في التمركز الدفاعي فلن تجد من يُجيبك. مثلاً كيف كان النصف الأيمن من منطقة الجزاء خالياً بأكمله لحظة متابعة دجيكو لتسديدة الشعراوي في الهدف الثاني؟ لماذا وجد ناينغولان كل هذا الحزام الخالي من الضغط أو الأفراد أصلاً ليطلق تسديدته القوية من خارج المنطقة في الهدف الثالث؟ معلومة ناينغولان تلك تحديداً لا تخفى على أحد فقد سجل الهدف نفسه مراراً وتكراراً، والأسئلة هنا عن الأهداف فقط فلو بدأنا باستقصاء الفرص لن ننتهي.

   

(ترينت أليكساندر أرنولد كان في التاسعة من عمره حين وصل ليفربول لنهائي دوري أبطال أوروبا آخر مرة)

   

من أراد المتعة..

نعم هو نفس الصدام السفسطائي من جديد بين المتعة والعدالة، وكأن إحداهما لن تتحقق في وجود الأخرى، وكأن عيوب تقنيات الفيديو القاتلة لإيقاع اللعب من حين لآخر هي ذريعة كافية لمحاولة بترها عوضاً عن تطويرها وتلافي عيوبها. إن عبرنا تلك النقطة سنصطدم بحقيقة أن "اللعبة بشرية"، وأن العنصر البشري هو أهم ما فيها، أمر لا نختلف عليه ولكنه لا يستخدم أبداً للدفاع عن أخطاء التحكيم المهزلية، فالعنصر "البشري" الذي يجب أن تُحمى حقوقه هنا هو اللاعبين أنفسهم!

 

ريال مدريد لم يستحق التأهل على حساب بايرن ميونيخ، تلك حقيقة لا تقبل الجدل، ولا علاقة لها إطلاقاً بفارق صناعة الفرص أو السيطرة فكل تلك الأمور بين اللاعبين وبعضهم البعض، ولا ذنب للميرينغي أن البافاري أهدر كل تلك الفرص، ببساطة بايرن يستحق التأهل ليس لأنه سيطر ولم يسجل، بل لأنه حُرم من 4 ركلات جزاء ذهاباً وإياباً.. في مثالنا هنا الآن يزداد الأمر عمقاً، فليفربول له هدف من تسلل واضح في الذهاب، وله ركلة جزاء لم تحتسب مقابل اثنتين لروما في الإياب، حين احتسب حامل الراية تسللاً وهمياً ألغى مخالفة كاريوس ضد دجيكو، ثم يد أرنولد التي ارتطمت بالكرة أمام المرمى.

 

ما لا يقل عن 8 أخطاء واضحة وحاسمة تحدث في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا، نحن لا نتحدث عن بطولة هامة بل البطولة الأهم، وإن كان قد قُدِّر لها أن تشهد الخطأ البشري الوارد كل نسخة، فإنه لا يسهل تذكر مرات كان الأمر فيها على نفس الدرجة من الكثافة.. يمكننا لأول مرة -وبسهولة فائقة- الجزم بإمكانية تغيُّر طرفي النهائي تبعاً لآثار الصافرة الجانبية، هذه مهزلة متكاملة الأركان.

 

تقنية الفيديو لن تقضي على الأخطاء التحكيمية بشكل نهائي، نعم طُبِّقت في إيطاليا ولا يزال العنصر البشري قادراً على ارتكاب الأخطاء بها أيضاً، ولكنها على الأقل يمكنها أن تُحجِّم تلك الأضرار السنوية، وأن تمد للحكام يد العون في إدارة مبارياتهم، وأن ترفع أكبر قدر ممكن من مساوئ انعدام العدالة عن هؤلاء اللاعبين، الذين يتصادف كونهم من البشر أيضاً. إن كنت لا زلت ترى متعة ما في الظلم، فحدثنا عن المتعة التي يحظى بها مشجعي بايرن وروما الآن، ولا تقلق إن كنت ترى نفسك مستفيداً من هذه الحالة، فدورك قادم لا محالة!