شعار قسم ميدان

ريال مدريد وليفربول.. عدوانية راموس في دوري أبطال رونالدو

راموس دوري الأبطال - ميدان

الثالثة عشر! ريال مدريد يكتب التاريخ في دوري الأبطال بأول ثلاثية متتالية في العصر الحديث، إلى جانب الخماسية المتتالية الوحيدة في التاريخين حديثه وقديمه. عناوين براقة للغاية لنادٍ هو الأنجح في التاريخ الأوروبي، التاريخ الذي لا يتذكر إلا النتائج. ثلاثة أهداف في شباك ليفربول تحسم اللقب الأغلى، مقابل هدف وحيد بلا جدوى، إثر تحالف متناغم بين حسابات زيدان الصحيحة وأغلب الظروف القدرية المحيطة بملعب المباراة.

      

في تحليل موقع FourFourTwo لما قبل المباراة، حدَّد مات لادسون 5 نقاط أساسية على ريال مدريد أن يقلق بشأنها أمام ليفربول، أتوا كالتالي(1): الأولى صلاح ضد مارسيلو، وقد غادر الأول أرض الملعب بعد نصف ساعة. الثانية تشبع ريال مدريد، وقد أثبتوا أنهم لا يشبعون. الثالثة هي الشباب ضد الخبرة، وقد كان للخبرة دور كبير في حسم الأمور. الرابعة روبرتو فيرمينو، وقد تحطمت منظومة الهجوم بأكملها، ولم يسدد البرازيلي كرة على المرمى أو يصنع فرصة. والخامسة هي أهمية الفرصة، وتمسك ليفربول بالحلم بعد عودته للنهائيات الأوروبية، ولكن الإرادة وحدها لا تكفي.

      

(الخريطة الحرارية لناتشو مقابل مارسيلو - هوسكورد)
(الخريطة الحرارية لناتشو مقابل مارسيلو – هوسكورد)

  

أوراق موقعة كييف

بدأ حامل اللقب بـ4-3-1-2، إيسكو في العمق لتشكيل الربط بين الوسط والهجوم، في مواجهة ضغط ليفربول المتوقع ومحاولته لعزل خط الملكي الأمامي عن باقي خطوطه، على أن يتكفل لاعبي الوسط بتغطية انطلاقات الظهيرين مارسيلو وداني كارفاخال، ومساندتهما في مواجهة محمد صلاح وساديو ماني. على الجانب الآخر حضر يورغن كلوب بـ4-3-3 المعتادة، بثلاثي وسط اضطراري يجمع هندرسون وميلنر وفينالدوم، بضغط أقل شراسة من المعتاد في محاولة لادخار اللياقة.

  

هجوم ليفربول بوجه عام فتاك للغاية في المساحات، وهي مساحات لم يكن ينوي زيدان أن يمنحها مبكراً، بقدر رغبته في امتصاص بدايات الريدز القوية، فتحول الأمر لسجالات مستمرة بين الحالتين الهجومية والدفاعية للفريقين، وصمدت مخاوف ليفربول الدفاعية طوال الشوط الأول دون أخطائها الكارثية المعتادة، حيث نجح أليكساندر أرنولد في تدخلين من ثلاثة، بينما صمد أندرو روبرتسون في وجه يمين الميرينغي قدر الإمكان، بـ3 تدخلات ناجحة من أصل 4، بينها واحد أوقف به هدفاً محققاً، بالإضافة إلى اعتراضين للكرة.

  

إيسكو على عكس البطء المعتاد كان أسرع في التسليم والاستلام، فيما اضطر بنزيما للتراجع عدة مرات للخروج بالكرة من الخلف، بينما قدم مودريتش إسهامات دفاعية مميزة بـ4 تدخلات ناجحة من أصل 4 واعتراض للكرة. كل ذلك ولا يزال ريال مدريد كامناً، غير طامع في زيادة سرعة النسق ولا راغب في التقدم والاحتفاظ بالكرة في نصف ملعب الخصم، انتظاراً لفرصة إبراز تلك الأسلحة. وأثناء سير الأمور على تلك الوتيرة التي يحبها زيدان، نال الملكي هدية إضافية لم تكن في الحسبان، إثر واحدة من عمليات سيرجيو راموس الانتحارية.

       

  

الأمر ليس في بطاقة أفلت منها، ولا في تعمد إيذاء نجم الخصم في كرة ميتة، وليس محاولات البعض إيجاد مبرر منطقي لمدى قانونية إمساك أحد اللاعبين بذراع الآخر والنزول به أرضاً، اللهم إلا إن كان يراقصه. كل ما في الأمر هو مجرد توثيق لحقيقة يحاول البعض تجاهلها: سيرجيو راموس لاعب كريه ومؤذي، مهما تظاهر هو أو غيره بالبراءة متسائلين عن سر الكراهية التي يحظى بها خارج حدود الأنصار.

   

يقولون أنه حماسي وشغوف، يفعل كل ذلك دفاعاً عن الشعار، يسمونها روحاً قتالية وحماساً، مهما كلفه من بطاقات صفراء وحمراء قياسية في التاريخ، ومهما عرَّض الكثير من الخصوم للخطر وأصاب بعضهم بالفعل، ولكنها مجرد شعرة، تلك التي تفصل بين الحماس وانعدام الأخلاق. ما قطعه راموس هنا كالعادة هي تلك الشعرة بين "الغرينتا" والأذى، والأمر لا علاقة له بأنه أصاب صلاح تحديداً، لأن هذا التصرف سيظل وضيعاً إن ارتكبه قائد السلفادور ضد نجم لوكسمبورغ.

     

   

بداية العرض

خروج صلاح كان بمثابة إعلان عن نهاية مباراة وبداية واحدة جديدة، يبدأ فيها آدم لالانا على اليسار، وينتقل بها ساديو ماني إلى اليمين ليواجه مارسيلو عوضاً عن المصري. تلقى ليفربول ضربة قاتلة في قوته الهجومية، أنهت جزءاً لا بأس به من مشاكل ريال مدريد. هذا الخروج الاضطراري منح الميرينغي حرية أكبر للتقدم والهجوم والاستحواذ واحتواء ضغط الريدز، الذي افتقد لتوه واحداً من أهم عناصره في منظومة الضغط إضافةً إلى كونه قوته التهديفية الأكبر، كل تلك القيمة ذهبت ليبحث كلوب في دكة بدلائه فلا يجد سوى لالانا. حقيقة الأمر، صلاح بات قيمة فنية أكبر مما كنا نأمل أو نتصور.

   

اضطر ليفربول لزيادة النسق البدني في الضغط تصدياً لبداية الغزو المدريدي، فزاد امتلاك ريال مدريد للكرة، وازدادت سرعة نسق المباراة بعد الوفاة الاضطرارية لأحد طرفي الأحمر في المرتدات، ومن ثم يقوم وسط الميرينغي بقتل اللعب انتظاراً لظهور ثغرة جديدة. على الفور أتى دور زيدان في إجراء التبديلات الاضطرارية، إثر سقوط كارفاخال مصاباً، حتى ذلك الأمر كان في صالحه. حل ناتشو فيرنانديز بدلاً منه على الرواق الأيمن، وهو المعروف بالتزامه الدفاعي وقلة تقدمه الهجومي، ليقف حائلاً أمام جبهة لالانا وروبرتسون.

     

(الخريطة الحرارية لناتشو مقابل مارسيلو - هوسكورد)
(الخريطة الحرارية لناتشو مقابل مارسيلو – هوسكورد)

     

خسر المنتخب الإسباني ظهيره الأساسي، وخسر المنتخب المصري نصف قوته تقريباً في ظرف 6 دقائق، وانتهى الشوط الأول على هدف بنزيما الملغي بداعي التسلل. بدأ الشوط الثاني بمحاولة خطرة من إيسكو في العارضة، عاد بعدها ليفربول للضغط ولجأ ريال مدريد للطوليات من أجل كسر سريع له، وأثناء ترقب الجماهير لهذا السجال الذي سيطر ثلثه الأوسط على الكرة بنسبة 57% مقابل نسب شبه متساوية للثلثين الدفاعيين، ضرب كاريوس حارس ليفربول الكرة في قدم بنزيما ليسجل الهدف الأول!

   

على الناحية المقابلة وفي 4 دقائق فقط، لوفرين يهيئ الركنية القادمة لماني فيسجل منها الأخير هدف التعادل، إثر رقابة دفاعية سيئة من الجانب الملكي. ريال مدريد الذي امتاز بتعامله مع الكرات الثابتة هجومياً ودفاعياً تلقى الهدف الوحيد من كرة ثابتة، ولم تشملها أي من محاولاته الـ14، بينما خلق منها ليفربول 5 محاولات من أصل 13. بالمناسبة قدَّم ماني مباراة عملاقة من الناحية الدفاعية، بــ6 محاولات ناجحة للتدخل كأكثر من استرد الكرة بين الفريقين.

     

(خريطة تدخلات ماني: تراجع كبير للجناح السنغالي الهجومي لمساعدة فريقه في الوضعية الدفاعية - هوسكورد)
(خريطة تدخلات ماني: تراجع كبير للجناح السنغالي الهجومي لمساعدة فريقه في الوضعية الدفاعية – هوسكورد)

             

مشاهد مألوفة

هنا أتى الدور على ما انتظره زيدان، ولم ينجح كلوب -وعلى الأرجح لن ينجح- في تلافي آثاره السلبية، ألا وهو التراجع البدني المخيف لليفربول في الدقائق الأخيرة، المترتب على النسق البدني القاتل للغيغن بريسينغ. ألقى المدرب الفرنسي بجناحه غاريث بيل، استغلالاً لسرعة الأخير في ضرب الدفاعات المرهقة، لتتحول الطريقة إلى 4-3-3 بإزاحة رونالدو إلى اليسار قليلاً. رغم أن هذا لا ينفي أن إيسكو كان جيداً، إلا أن حسابات زيدان توِّجت بإعجاز فردي من البديل..

   

بعد ثوانٍ معدودة من هذا التغيير، نجح مارسيلو في مراوغة أرنولد للخارج، الظهير الشاب قد قام بكل ما يمكنه في مواجهة نظيره البرازيلي الذي صنع 3 فرص في المباراة، تصل عرضية مارسيلو إلى غاريث بيل في لقطة عكست تنظيماً رديئاً لرقابة مدافعي ليفربول، ليسجل الويلزي أحد أجمل أهداف البطولة إن لم يكن أجملها. يحاول ليفربول العودة سريعاً بتبادل رائع للكرة بين فينالدوم وماني، أسفر عن ارتطام تسديدة الأخير بالقائم.

 

ترتطم الكرة بمرفق كاسيميرو داخل المنطقة فيراها الحكم قانونية، كاريوس يحاول التكفير عن خطأه الأول بالتصدي لفرصة بنزيما، كلوب يحاول تنشيط وسطه بإقحام إيمري تشان على حساب جيمس ميلنر، وفجأة، وللمرة الثالثة في آخر 180 دقيقة أوروبية، يخطئ حارس مرمى الخصم أمام ريال مدريد.. غاريث بيل يُطلق تسديدة قوية في منتصف المرمى وتماماً حيث يقف كاريوس، ولكن لسبب ما تصطدم الكرة بيده وتسكن الشباك.

   

كل عيوب ليفربول تكالبت عليه في غياب صلاح، بقي مشهداً واحداً اعتدناه من كريستيانو رونالدو، تلك اللقطة التي يسرق بها العدسات ويتصدر المشهد في نهايته. ولكن هذا لم يحدث تلك المرة، فالحظ الذي يمنح اللقطة الأخيرة كل مرة قادر أيضاً على أن يسرقها.. ولو في صورة مشجع مجنون يقتحم أرض الملعب فجأة، ليوقف ما نعرف جميعاً أنه يحدث في تلك اللحظات الأخيرة.

      

   

صرنا نعلم أن..

المرحلة المقبلة في عمر ريال مدريد ستحتاج للكثير من التحركات نحو المستقبل، لمواجهة ارتفاع معدل أعمار القوام الأساسي، فأي تركيبة تواصل النجاح -وهذا نجاح استثنائي- يجب أن تستمر بالتطور والاستعداد للقادم، قبل أن يضرب عامل السن تروسها الرئيسية. صرنا نعلم أن محمد صلاح بات قيمة فنية كبرى، صرنا نعلم بالتأكيد أن لوريس كاريوس قد لا ينام في غرفته الليلة.

   

أزمة الحارس الألماني تتلخص فيما عنون به مارك دويل صحفي موقع Goal العالمي تقريره:"كاريوس بحاجة لكل الدعم الموجود بالعالم بعد أخطاء مدريد، ولكن مسيرته في ليفربول يجب أن تنتهي".(2) القصة مؤثرة للغاية من الناحية الإنسانية حقاً، فالرجل سيحمل ما حدث الليلة معه لبقية حياته، ولكن مشروع ليفربول بحاجة لحارس مرمى حاسم لصالحه وليس للخصوم، إن أراد أن يستمر وألا يدفع الألقاب الغالية ثمناً لأخطاء فرد واحد. ليفربول بالحاجة للعمل على دكة بدلائه، بحاجة لإضافة حقيقية من نابي كيتا الوافد الجديد على الوسط، بحاجة للاعب وسط قادر على افتكاك الكرة ووأد المرتدات، أو على الأقل الاحتفاظ بإيمري تشان.

  

صرنا نعلم أيضاً أنه بات يجب تسميته بـ"دوري أبطال CR7″ وفقاً لما قاله الرجل عن نفسه(3)، بعد أن حطم صارورخ ماديرا كل أرقامه القياسية، فهو هدافه التاريخي وبطله لـ5 مرات وهدافه لـ6 نسخ متتالية. أما ما قد نعلمه قريباً، هو أن تألق بيل في نهائي دوري أبطال أوروبا قد يعني الكرة الذهبية السادسة لكريستيانو رونالدو، ورجاءاً لا تحاولوا البحث عن تفسير، رجاءاً.